الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي المقابل لا يصف القول بأنه شاذ؛ لأن الإجماع خفي وليس ظاهراً، بخلاف الإجماع الظاهر الذي اشتهر عن أهل العلم موافقة هذا الإجماع والقول به أو عدم مخالفته ثم وجد من خالفه فإنه يقال إن قوله شاذاً؛ لأن العلماء لا يوردون في كتب الفقه والخلاف العالي الخلاف في هذه المسالة فليس العلماء في أمثال هذه المسائل كالشافعي والإمام أحمد والمروزي والطحاوي وابن عبد البر وغيرهم يحكون أن في المسألة خلافاً بل يقررون على أن في المسألة إجماعًا.
الشبهة السادسة
يوجد كثير من الفقهاء المتأخرين من لا يعتد بالإجماع السكوتي بحجة أنه تكلم طائفة ولم يتكلم الباقون
، وإنما غاية ما في الأمر أن الباقين سكتوا، وتقدم بيان الكلام في هذه المسألة، لكن أنبه على أمرين:
الأمر الأول: أن العلماء إذا حكوا الإجماع السكوتي وتطاول الزمان على حكايته ولم يخالف أحد فإن هذا الإجماع السكوتي حجة بالإجماع، ذكر هذا التلمساني
(1)
والزركشي
(2)
وجماعة من أهل العلم، وهذا يستفاد منه في كثير من الإجماعات التي يريد كثير من المتأخرين أو من تأثر بالمتكلمين أن يسقطها.
ومن أمثلة ذلك: تحريم الغناء المصحوب بآلات اللهو.
فائدة: توارد العلماء من قرون على حكاية الإجماع على حرمة الغناء المصحوب بآلات اللهو فعارض بعض المتأخرين وقال: إنه ليس في المسألة إجماع بحجة أن غاية ما فيها الإجماع السكوتي، والإجماع السكوتي ليس حجة.
فيقال: إنه لو سلم بعدم حجية الإجماع السكوتي فإن مثل هذا لا يقال في الإجماع السكوتي على حرمة الغناء المصحوب بالمعازف؛ لأنه مما تطاول الزمن على ذكر أهل العلم له، ولم يخالفوه فمثله حجة بالإجماع.
الأمر الثاني: مما يعلم يقيناً أن الشافعي لا يريد بذلك رد الإجماع السكوتي وذلك أن الإمام الشافعي نفسه أصَّل الإجماع وأنه حجة وقال: والإجماع حجة على كل شيء؛ لأنه لا يمكن فيه الخطأ
(1)
. وهذا لا يوجد إلا في الإجماع السكوتي.
ويؤكد ذلك أن الشافعي نفسه احتج بالإجماع عمليا فقد ذهب إلى أن العبد والصبي إذا حجا فأعتق أو بلغ بعد ذلك فإن هذا لا يجزئه عن حجة الإسلام حكى على ذلك الإجماع في «الأم»
(2)
، ومثل هذا غاية ما فيه الإجماع السكوتي والأمثلة على هذا كثيرة عن الشافعي وغيره.
إذن قول الشافعي قطعاً لا يحمل على إنكار الإجماع السكوتي؛ لأنه يقرر الإجماع.
تنبيه: ذكر العلائي
(3)
ثم الزركشي
(4)
أن من أصحاب الشافعي من حمل قوله: (لا ينسب إلى ساكت قول) على غير إجماع الصحابة لكن فيه نظر؛ لأن الشافعي حكى الإجماع في مسائل كثيرة وأصله ولم يبين أنه خاص بإجماع الصحابة.
ومن الشافعية من حمل هذا على الإجماع السكوتي الذي لم يتطاول الزمن على ذكره
(5)
؛ لأن ما تطاول الزمن على ذكره فإنه حجة بالإجماع كما تقدم.
(1)
انظر: «العلم» للشافعي ص 22.
(2)
انظر: «الأم» للشافعي (2/ 120).
(3)
انظر: «إجمال الإصابة» للعلائي (ص:24).
(4)
انظر: «البحر المحيط» للزركشي (6/ 459).
(5)
انظر: «إجمال الإصابة» للعلائي (ص:24)، و «البحر المحيط» للزركشي (6/ 459).