الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثاني: غالب ما يظن من النصوص أنه معارض للإجماع فحقيقة الحال أن الإجماع مخصص أو مقيد أو مبين، ومن ذلك أن بعض العلماء ظن أن قول الصحابة بأن الصوم الذي يصام عن الولي هو صوم النذر دون غيره أن هذا مخالف لما روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . متفق عليه
(1)
.
ولو تعامل مع قول الصحابة كعائشة وابن عباس الذي لم يخالف بأنه إجماع وأن هذا النص يحتمل أكثر من معنى لخصص هذا العام بفتاوى الصحابة ولم يحتج أن يجعل أقوالهم متعارضة مع النص؛ لذا ذهب بعض الشافعية كالنووي
(2)
وغيرهم إلى رد هذه الآثار بناءً على أنه ظنها تخالف النص، والأولى أن يعمل بالحجتين لا أن يرد أحدهما ويجعل قول الصحابة الذي لم يخالف مخصصًا لظاهر النص، كما هو قول الليث بن سعد
(3)
، وأحمد في رواية
(4)
، وابن القيم
(5)
، والألباني
(6)
.
* * *
الشبهة الرابعة عشرة
قال بعضهم إذا صح الحديث وجب العمل به ولو لم يعلم من عمل به؛ لأنه حجة بلا خلاف
.
وكشف هذه الشبهة أن يقال:
(1)
أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147).
(2)
انظر: «المجموع» للنووي (6/ 369)، و «شرح مسلم» للنووي (8/ 25).
(3)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (8/ 25).
(4)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (8/ 25)، و «الإنصاف» للمرداوي (7/ 506 - 507).
(5)
انظر: «تهذيب السنن» (3/ 278 - 282)، و «الروح» (ص 120) وكلاهما لابن القيم.
(6)
انظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (4/ 591).
لا شك إذا صح الحديث فهو حجة في ذاته ولا يحتاج للاحتجاج به إلى أن ينظر من عمل به كما تقدم، لكن هذا شيء وترك العمل به لعارض كأن يكون منسوخاً، أو مجمعًا على تركه - مثلاً - شيءٌ آخر، وبحثنا في الثاني لا في الأول.
وقد فهم هذا أهل العلم بل نسبه بعضهم إلى السلف، وممن فهم ذلك الإمام الترمذي وهو من أئمة السنة ومن أئمة السلف فإنه لما أنهى جامعه قال:«كل ما في هذا الجامع قد عمل العلماء به إلا أنه حديثين أجمع العلماء على عدم العمل بهما»
(1)
.
فقد ارتضى الترمذي هذا التأصيل، وليس الترمذي من المتأخرين إنما هو من المتقدمين، ومع ذلك ارتضاه، وإن كان نوزع في ظنه أن العلماء مجمعون على ترك العمل بالحديثين، وبعضهم مصر على أن قول الترمذي صحيح ومن خالفه فمخالفته غير صحيحة.
والمقصود أن الترمذي يقر هذا التأصيل بعيدًا عن المثالين الذين ذكرهما.
ومن الكلمات العظيمة في هذا ما قاله ابن رجب في كتابه «بيان فضل علم السلف على الخلف» : «فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولًا به عند الصحابة ومن بعدهم أو عند طائفة منهم فأما ما اتفقوا على تركه فلا يجوز العمل به؛ لأنهم ما تركوه إلا عن علم أنه لا يعمل به قال عمر بن عبدالعزيز: خذوا من الرأي ما يوافق ما كان قبلكم فإنهم كانوا أعلم منكم
…
»
(2)
، إلخ كلامه رحمه الله تعالى.
فهذا صريح من ابن رجب وهو ينقله عن أهل العلم أن العلماء اذا تركوا العمل بالحديث فإنه لا يعمل بهذا الحديث وهو يعزوه الى السلف، وصنيع
(1)
انظر: «سير أعلام النبلاء» (13/ 274)، و «تذكرة الحفاظ» (2/ 154) وكلاهما للذهبي، بلفظ قريب.
(2)
انظر: «بيان فضل علم السلف على الخلف» (ص:50 - 51).