الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظني منه نصًا لصار الخلاف قليلاً مع من يرى تقديم النص على الإجماع لكن إذا دقق في صنيع أصحاب هذا التأصيل اتضح أنهم يتوسعون حتى في المسائل الأخرى التي ليس فيها نص وإنما عمومات وغير ذلك مما يفزعون إليها ويردون الإجماعات بسببها، ثم لو قبل قولهم تنزلاً فإنه لا يكاد يوجد، ولو وجد فيقال: رد الإجماع الظني لأنه مخالف للنص ظنٌ محتمل للخطأ والصواب، أما دلالة الإجماع قاطعة حتى ولو كان ظنيًا في ثبوته فإنه ليس محتملًا في دلالته، فيقدم دلالة المقطوع على دلالة المحتمل المظنون، ويوجه النص بما يناسبه من تقيد أو تخصيص أو تبيين أو نسخ أو إجماع على ترك العمل به.
* * *
الشبهة الرابعة والعشرون
ذكر بعضهم أن النووي رحمه الله تعالى ذكر في شرحه على مسلم أن النص يعمل به ولو لم يعمل به أحد
، ذكر هذا عند كلامه على صيام ستة من شوال فقال رحمه الله تعالى في «شرحه على مسلم»:«ودليل الشافعي - أي الذين قالوا بصيام ستة من شوال - وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها»
(1)
، هذا الشاهد.
وكشف هذه الشبهة من أوجه:
الوجه الأول: أن صنيع النووي نفسه على خلاف ذلك، فالنووي رحمه الله تعالى وافق الترمذي
(2)
على عدم قتل شارب الخمر في الرابعة واعتمد الإجماع
(3)
وقرر في أكثر من موضع في «شرح على مسلم» وكتابه «المجموع» على أن الإجماع ينسخ.
(1)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (8/ 56).
(2)
انظر: «جامع الترمذي» (4/ 48) عقب حديث (1444).
(3)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (11/ 217).
بل وذكر ما هو أشد من ذلك وهو: «أنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة أكثر من أربع تكبيرات على الجنازة» ومع ذلك قال: «لكن الإجماع انعقد على أنه لا يكبر إلا أربعا»
(1)
.
فجعل جميع التكبيرات التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم الزائدة على أربع منسوخة بالإجماع وأن السنة التكبير أربعًا فحسب.
الوجه الثاني: صنيع النووي الكثير على خلاف ذلك، لذلك من يتبنى أمثال هذه المسائل تراهم لا يعولون على النووي، ويشددون في الكلام عليه.
الوجه الثالث: أن عبارة النووي مشكلة فينبغي أن يتوقف فيها أو تحمل على معنى يستقيم مع باقي كلامه؛ لأنه في «شرحه مسلم» نفسه وفي كتابه «المجموع» وفي غيرهما قرر على أن الإجماع ناسخ وذكر أكثر من نص ترك العمل به؛ لأن العلماء قد أجمعوا على تركه.
الوجه الرابع: لنفترض جدلاً أن النووي رحمه الله تعالى ذهب إلى هذا القول، فيقال إنه أخطأ وإن قول غيره مقدم على قوله لما تقدم ذكره في الأوجه السابقة.
وأخيرًا هذه هي أشهر الشبه والإشكالات التي تذكر من بعض أهل السنة في رد الإجماع أو رد الاستدلال به في مواضع أو إضعافه أو قبوله في حالات دون أخرى بلا برهان مستقيم.
(1)
انظر: «المجموع» للنووي «المجموع» (5/ 230). وقد تقدم.