الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله في قوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]: «أجمع الناس أن هذِه الآية في الصلاة»
(1)
، وهذا ليس من المعلوم من الدين بالضرورة.
إلى غير ذلك من المسائل الكثيرة التي تكلم فيها الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهي ليست من المعلوم من الدين بالضرورة ومع ذلك احتجوا بها.
فحصر الإجماع عند الإمام أحمد أو الشافعي بأنه من المعلوم من الدين بالضرورة غلط يخالفه صنيعهم وقبل ذلك يخالفه التأصيل الشرعي، فإن الشريعة جعلت الإجماع حجة متى ما وجد.
* * *
الشبهة الحادية عشرة
قال بعضهم: عدم العلم بالمخالف لا يدل على الإجماع
.
وكشف هذه الشبهة من أوجه:
الوجه الأول: أن مفهوم الإجماع أن ينطق طائفة ولا يخالفهم الآخرون هذا هو حقيقة الإجماع كما تقدم بيانه، وهذا موجود في عدم العلم بالمخالف كما تقدم بيانه أيضًا.
الوجه الثاني: أن صنيع الإمامين الشافعي وأحمد وغيرهما أنهم يحتجون بعدم العلم بالمخالف، وتقدم ذكر شيء من ذلك.
ولابن تيمية رحمه الله تأصيل بديع في مثل هذا، فمما قرره أن المسائل التي لا يعلم فيها خلاف حجةٌ ولا يصح لأحد أن يحدث قولاً جديداً إلا أن يعلم أن له سلفاً، حيث قال رحمه الله في «مجموع الفتاوى»: «وأما الظني فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي:
(1)
انظر: «مسائل أبي داود» (223).
بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافا أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدا أنكره فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به
…
» إلى أخر كلامه
(1)
.
فقد جعل هذا الاستقرائي.
وقال في رده على السبكي في مسألة في تعليق الطلاق: «فأنواع الإجماع التي يمكن الاستدلال بها ثلاثة: إجماع إحاطي، وإجماع إقراري، وإجماع استقرائي:
فالأول: ما يحيط علمًا بأن الصحابة أو التابعين كانوا عليه، مثل ما علمنا أنه من دين الرسول صلى الله عليه وسلم الظاهر المعروف الذي لا ينكره إلا من هو كافر به.
والثاني: أن يشتهر القول أو العمل في السلف فلا ينكره منكر؛ فهذا إجماع إقراري، فإن الأمة لا تجتمع على الإقرار على باطل، بل كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم في قوله وفعله وإقراره، فكذلك الأمة معصومة في قولها وفعلها وإقرارها، وهذا كجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأرض المفتوحة عنوة فيما بين المسلمين، وغير ذلك.
وإذا قيل في مثل ذلك: قد يكون بعضهم أنكرها.
قيل: لا يسقط الفرض بإنكار الخطأ إلا إذا ظهر الإنكار، ولو أنكر ذلك منكر لكان مما تتوافر الدواعي على نقله؛ كما نقلوا نزاع ابن عباس رضي الله عنهما في العول والعمريتين، ونزاع ابن الزبير رضي الله عنهما في ميراث المبتوتة، وأمثال ذلك.
وأما الثالث: فهو الإجماع الاستقرائي، وهو أن يتتبع العالم ما أمكنه من أقوال العلماء فلا يجد أحدًا خالف في ذلك»
(2)
.
فقد جعل الإجماع أقساماً ثلاثة ويجعل الجميع حجة لكن له تعامل معها إذا خالفت نصاً.
(1)
انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (19/ 267).
(2)
انظر: «الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق» لابن تيمية (1/ 611).
ومن كلامه المفيد أيضًا ما قاله في كتابه «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» : «لا يمكن العالم أن يبتدئ قولا لم يعلم به قائلا؛ مع علمه بأن الناس قد قالوا خلافه، حتى إن منهم من يعلق القول فيقول:"إن كان في المسألة إجماع فهو أحق ما يتبع، وإلا فالقول عندي كذا وكذا".
وذلك مثل من يقول: "لا أعلم أحدا أجاز شهادة العبد" وقبولها محفوظ عن علي وأنس وشريح وغيرهم. ويقول آخر: "أجمعوا على أن المعتق بعضه لا يرث"
…
»
(1)
ثم ذكر من خالف في ذلك.
وهذا تأصيل عظيم.
ومما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في رده على السبكي: «أن قول العالم لا أعلم فيه خلافاً يفيد الإجماع ولكنه أقل من قوله أجمعوا»
(2)
. وهذا حق.
ومما يفيد الإجماع لكنه أقل مما قبله: «أن أقل من ذلك أن يقول: أجمع كل من نحفظ عنه»
(3)
. وهذا أيضًا يفيد الإجماع ولكنه أقل فكلها مراتب تدل على الإجماع ولكنها متفاوتة، ويكفي أن تفيد إجماعاً من باب غلبة الظن، ولو كان أقل درجات غلبة الظن.
ومما يقوي غلبة الظن في مثل هذا ويجعل النفس تطمئن للعمل به أن يقال: المسألة التي يعرف أن عشرة من العلماء قالوا فيها بالحرمة مثلًا، وأراد أحد أن يخالفهم، ولا يعلم له سلفًا في مخالفتهم، فقوله خطأ لأنه محدث ومخالف لسبيل المؤمنين فيما يعلم، إذن لابد من الرجوع إلى قول الذين لم يعلم أن لهم مخالفًا، وأيضًا أي مسألة لم يحك عالم ذو استقراء فيها الإجماع يحتمل أن تكون
(1)
انظر: «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» لابن تيمية (ص: 32).
(2)
انظر: «الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق» لابن تيمية (1/ 598 - 599).
(3)
انظر: «الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق» لابن تيمية (1/ 598 - 599).