الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
مسائل متعلقة بالإجماع
المسألة الأولى:
تعريف الإجماع
لا ينبغي المبالغة في التعاريف كما هو مسلك المتكلمين الذين بالغوا في التعاريف والحدود، بحيث إنه لا يأتي أحدهم بحد إلا ويعترض عليه الآخر، بحجة أنه ليس جامعا أو ليس مانعا أو أن ألفاظه مترادفة إلى غير ذلك
(1)
.
وإنما المقصود من التعريف تقريب المعرف، والمقصود من الحد تقريب المحدود، أما الحد الحقيقي فهذا لا وجود له، كما بينه شيخ الإسلام رحمه الله في «مجموع الفتاوى»
(2)
، فالمقصود إذن من التعريف هو معرفة المحدود.
وما كان السلف الأولون من فقهاء أهل الحديث، كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، يعتنون بهذه التعاريف، لذا لا تجدها في كتبهم، ولا تجدهم يعتنون بها فضلاً عن أن يبالغوا فيها، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على المناطقة في «مجموع الفتاوى»
(3)
.
فمعنى الإجماع من حيث الجملة: «أنه اتفاق مجتهدي الأمة على مسألة شرعية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم» .
وذلك أن البحث جار في المسائل الشرعية وجار في المجتهدين، والإجماع إنما يكون حجة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
كما في: «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (1/ 195 - 196)، و «البحر المحيط» للزركشي (6/ 379 - 382) وغيرهما.
(2)
انظر: «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية (9/ 85 - 86).
(3)
انظر المصدر السابق.
وما وقع في حياته صلى الله عليه وسلم فإنه حجة لسببين:
الأول: إما أنه اطلع عليه، فهو إقرار منه صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أو أن الله لم ينكره، فهذا إقرار من الله، فهو حجة على الصحيح.
بل عزا ابن حجر حجيته إلى جماهير أهل العلم في كتابه «النكت على مقدمة ابن الصلاح»
(1)
.
ومن الأدلة على ذلك: ما أخرج مسلم من حديث جابر قَالَ: «كُنَّا نَعْزِلُ
(2)
، وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ»
(3)
.
استدل على جواز العزل بأن الله لم ينكره، قال سفيان ابن عيينة: لو كان منهيا عنه لنهى عنه القرآن
(4)
.
إذن الإجماع: «اتفاق مجتهدي الأمة على مسألة شرعية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
وقال بعض المتكلمين كأبي بكر الباقلاني
(5)
والآمدي
(6)
في «أصول الأحكام» أن قول العوام يعتد به في الإجماع وفاقاً وخلافاً، بمعنى إذا خالف العامة لم يصح الإجماع.
وهذا فيه نظر كبير بل هو خطأ؛ وذلك أن العوام في مسائل الشريعة تبع لأهل العلم، فإذا أجمع أهل العلم فالعوام تبع لهم ولا يصح للعامي أن يخالف. ذكره
(1)
انظر «النكت على مقدمة ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 515) وما بعدها.
(2)
العَزْلُ: هو عَزْلُ الرَّجُلِ الماءَ عن جاريتِه إذا جَامَعَهَا لِئَلَّا تَحمِل. انظر: «لسان العرب» لابن منظور (11/ 441)
(3)
أخرجه البخاري (5208)، ومسلم (1440).
(4)
أخرجه مسلم (2/ 1065) رقم (1440).
(5)
انظر: «المحصول» للرازي (4/ 196)، و «شرح مختصر الروضة» للطوفي (3/ 31).
(6)
انظر: «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (1/ 228).