المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌كِتَابُ الجِنَايَاتِ ــ كِتابُ الجِناياتِ فائدة: الجِناياتُ جَمْعُ جِنايَةٍ، والجِنايَةُ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٥

[المرداوي]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌كِتَابُ الجِنَايَاتِ ــ كِتابُ الجِناياتِ فائدة: الجِناياتُ جَمْعُ جِنايَةٍ، والجِنايَةُ

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كِتَابُ الجِنَايَاتِ

ــ

كِتابُ الجِناياتِ

فائدة: الجِناياتُ جَمْعُ جِنايَةٍ، والجِنايَةُ لها مَعْنَيانِ؛ مَعْنًى فى اللُّغةِ ومَعْنًى فى

ص: 5

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الاصْطِلاحِ؛ فمَعْناها فى اللُّغَةِ، كلُّ فِعْلٍ وقَع على وَجْهِ التَّعَدِّى سواءٌ كانَ فى النَّفْسِ (1) أو فى المالِ. ومَعْناها فى عُرْفِ الفُقهاءِ، التَّعَدِّى على الأَبْدانِ. فسَمَّوا ما

(1) فى الأصل: «الناس» .

ص: 6

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كانَ على الأبْدانِ جِنايَةً، وسَمَّوا ما كانَ على الأمْوالِ غَصْبًا وإتْلافًا ونَهْبًا وسرِقَةً وخِيانَةً.

ص: 7

الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ؛ عَمْدٌ، وَشِبهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِىَ مُجْرَى الْخَطَأَ.

ــ

قوله: القَتْلُ على أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ؛ عَمْدٌ، وشِبْهُ عَمْدٍ، وخَطَأٌ، وما أُجْرِىَ مُجْرَى الخَطَأِ. اعلمْ أنَّ المُصَنِّفَ، رحمه الله، قسم القَتْلَ إلى أرْبَعَةِ أقْسامٍ. وكذلك فعَل أبو الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ» ، وصاحِبُ «المُذهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ،

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوِى» ، و «الوَجيزِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» ، وغيرُهم، فزادُوا ما أُجْرِىَ مَجْرَى الخَطَأِ؛ كالنَّائمِ ينْقَلِبُ على إنْسانٍ فيَقْتُلُه، أو يَقْتُلُ بالسبَبِ -مثْلَ أَنْ يَحْفِرَ بئْرًا، أو ينْصِبَ سِكينًا أو حجَرًا فيَئُولَ إلى إتْلافِ إنْسانٍ- وعَمْدِ الصَّبِىِّ والمَجْنونِ، وما أشْبَهَ ذلك، كما مثَّلَه المُصَنِّفُ فى آخِرِ الفَصْلِ الثانى مِن هذا الكتابِ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهذه الصُّوَرُ عندَ الأكْثرينَ مِن قِسْمِ

ص: 9

فَالْعَمْدُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ، عَالِمًا بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا مَعْصُومًا، وَهُوَ تسْعَةُ أَقْسَامٍ، أحَدُهَا، أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ مَوْرٌ فِى الْبَدَنِ، مِنْ حَدِيدٍ أو غَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ بِسِكِّينٍ، أَوْ يَغْرِزَهُ

ــ

الخَطَأِ، أعْطَوْه حُكْمَه. انتهى. قلتُ: كثيرٌ مِنَ الأصحابِ قسَّمُوا القَتْلَ ثلَاثَةَ أقْسامٍ؛ منهم الخِرَقِىُّ، وصاحِبُ «العُمْدَةِ» ، و «الكافِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم. قال الزَّرْكَشِىُّ: بعضُ المتأخِّرين -كأبى الخَطَّابِ ومَن تَبِعَه- زادُوا قِسْمًا رابِعًا. قال: ولا نِزاعَ أنَّه باعْتِبارِ الحُكْمِ الشَّرْعِىِّ لا يزيدُ على ثَلَاثةِ أوْجُهٍ؛ عَمْدٌ، وهو ما فيه القِصاصُ أو الدِّيَةُ، وشِبْهُ العَمْدِ، وهو ما فيه دِيَة مُغَلَّظَة مِن غيرِ قَوَدٍ، وخَطَأٌ، وهو ما فيه دِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ. انتهى. ويأْتِى تَفاصِيلُ ذلك فى أولِ كِتابِ الدِّياتِ. قلتُ: الذى نظَر إلى الأحْكامِ المُتَرَتِّبَةِ على القَتْلِ جعَل الأقْسامَ ثلَاثَةً، والذى نظَر إلى الصُّوَرِ، فهى أرْبعَةٌ بلا شكٍّ، وأمَّا الأحْكامُ فمُتَّفَقٌ عليها.

تنبيه: ظاهرُ قوْله: أَحَدُها، أَنْ يَجْرَحَه بما له مَوْرٌ -أىْ دخُولٌ وتَرَدُّدٌ- فى

ص: 10

بِمِسَلَّةٍ، فَيَمُوتَ، إِلَّا أَنْ يَغْرِزَه بِإبْرَةٍ، أَوْ شَوْكَةٍ، وَنَحْوِهِمَا فِى غيْرِ مَقْتَلٍ، فيَمُوتَ فِى الْحَالِ، فَفِى كَوْنِهِ عَمْدًا وَجْهَانِ.

ــ

البَدَنِ، مِن حَديدٍ أو غيرِه، مِثْلَ أَنْ يجْرَحَه بسكِّين، أو يَغْرِزَه بمِسَلَّةٍ. ولو لم يُداوِ المَجْروحُ القادِرُ على الدَّواءِ جُرْحَه، حتى ماتَ. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. قال فى «الفُروعِ»: والأصحُّ، ولو لم يُداوِ مَجْروحٌ قادِرٌ جُرْحَه. وقيل: ليس بعَمْدٍ. نقَل جَعْفَرٌ، الشَّهادَةُ على القَتْلِ أَنْ يَرَوه وَجَأَه، وأنَّه ماتَ مِن ذلك. وقال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: لو جَرَحَه فترَك مُداوَاةَ الجُرْحِ، أو فصَدَه فتَرَك شدَّ فِصَادِه، لم يسْقُطِ الضَّمانُ. ذكَرَه فى «المُغْنِى» محَلَّ وِفاقٍ. وذكَر بعضُ المُتأَخِّرين، لا ضَمانَ فى تَرْكِ شدِّ الفِصادِ. ذكَرَه محَلَّ وِفاقٍ. وذكَر فى تَرْكِ تَداوى الجُرْحِ مِن قادِر على التَّداوِى وَجْهَيْن، وصحَّح الضَّمانَ. انتهى. وأرادَ ببعضِ المُتأَخِّرين صاحِبَ «الفُروعِ» .

فائدة: وكذا الحُكْمُ لو طالَ به المَرَضُ، ولا عِلَّةَ به غيرُه. قال ابنُ عَقِيلٍ فى «الواضِحِ»: أو جرَحَه وتعَقَّبَه سِرايَةٌ بمرَضٍ ودامَ جُرْحُه حتى ماتَ، فلا يَعْلَقُ بفِعْلِ اللَّهِ شئ.

قوله: إلَّا أَنْ يَغْرِزَه بإِبْرَةٍ، أو شَوْكَةٍ، ونحوِهما فى غيرِ مَقْتَلٍ، فيَمُوتَ فى

ص: 11

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحالِ، ففى كَوْنِه عَمْدًا وَجْهَان. وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الكافِى» ، و «الهادِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، يكونُ عَمْدًا. وهو المذهبُ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ؛ فإنَّه لم يُفَرِّقْ بينَ الصَّغيرِ والكَبيرِ. وصحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، إلَّا أَنْ تكونَ النُّسْخَةُ مغْلُوطَةً. قال فى «الهِدايَةِ»: هو قولُ غيرِ ابنِ حامِدٍ. وصحَّحه النَّاظِمُ. والوَجْهُ الثَّانى، لا يكونُ عَمْدًا، بل شِبْهَ عَمْدٍ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى

ص: 12

وَإِنْ بَقِىَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنًا حَتَّى مَاتَ، أَوْ كَانَ الْغَرْزُ بِهَا فِى مَقْتَلٍ؛ كَالْفُؤَادِ وَالْخُصْيَتَيْنِ، فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ.

ــ

«المُنَوِّرِ» . واخْتارَه ابنُ حامِدٍ. وقدَّمه فى «تَجْريدِ العِنايةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» .

قوله: وإنْ بَقِىَ مِن ذلك ضَمِنًا حَتَّى ماتَ، فهو عَمْدٌ مَحْضٌ. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به كثيرٌ منهم. قال المُصَنِّفُ: هذا قولُ أصحابِنا. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وفيه وَجْهٌ، لا يكونُ عَمْدًا.

قوله: أو كانَ الغَرْزُ بها فى مَقْتَلٍ؛ كالفُؤَادِ والخُصْيَتَيْن، فهو عَمْدٌ مَحْضٌ. بلا

ص: 13

وَإِنْ قَطَعَ سِلْعَةً مِنْ أَجْنَبِىٍّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَمَاتَ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَطَعَهَا حَاكِمٌ مِنْ صَغِيرِ أَوْ وَلِيُّهُ، فَمَاتَ، فَلَا قَوَدَ. الثَّانِى، أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثَقَّلٍ كَبِيرٍ فَوْق عَمُودِ الْفُسْطَاطِ، أَوْ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ

ــ

نِزاعٍ.

قوله: وإنْ قَطَع سلْعَةً مِن أجْنَبِىٍّ بغيرِ إذْنِه، فماتَ، فعليه القَوَدُ. بلا نِزاعٍ.

وقوله: فإنْ قطَعَها حاكِمٌ مِن صَغِيرٍ أَو وَليُّه، فلا قَوَدَ. وكذا لو قَطَعَها وَلىٌّ المجْنُونِ منه، فلا قَوَدَ. مُقَيَّدٌ فيهما بما إذا كان ذلك لمصْلَحَةٍ. [والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا قَوَدَ عليهما إذا فَعَلا ذلك لمَصْلَحَةٍ](1)، وقطَع به أكثرُ الأصحابِ. وقال فى «الفُروعِ»: وقيل: الأُوْلَى لمَصْلَحَةٍ.

قوله: الثَّانِى، أَنْ يَضْرِبَه بمُثَقَّلٍ كَبِيرٍ فوقَ عَمُودِ الفُسْطَاطِ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُشْتَرَطُ أَنْ يكونَ الذى ضُرِبَ به بما هو فوقَ عَبُودِ الفُسْطاطِ. نصَّ

(1) سقط من: ط.

ص: 14

أنَّهُ يَمُوت بِهِ، كَاللُّتِّ، وَالْكُوذَيْنِ، وَالسَّنْدَانِ، أَوْ حَجَرٍ كَبِيرٍ، أَوْ يُلْقِىَ عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ سَقْفًا، أَوْ يُلْقِيَه مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ يُعِيدَ الضَّرْبَ بِصَغِيرِ، أَوْ يَضْرِبَهُ بِهِ فِى مَقْتَلٍ، أَوْ فِى حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ؛ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ، أَوْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ نَحْوِهِ.

ــ

عليه. وعليه الأصحابُ. ونقَل ابنُ مُشَيْش، يجبُ القَوَدُ إذا ضَرَبَه [بما هو فوقَ](1) عَمُودِ الفُسْطاطِ.

قوله: أو -يَضْرِبَه- بما يَغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّه يَمُوتُ به؛ كاللُّتِّ، والكُوذَينِ، والسَّنْدَانِ، أو حَجَرٍ كَبِيرٍ، أَو يُلْقِىَ عليه حَائطًا أو سَقْفًا، أَو يُلْقِيَه مِن شَاهِقٍ. فهذا كلُّه عَمْدٌ. بلا نِزاعٍ.

(1) فى الأصل: «بمثل» ، وفى ط:«فوق» .

ص: 15

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: أَو يُعِيدَ الضَّرْبَ بصَغِيرٍ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه إذا أعادَ (1) الضَّرْبَ بصَغيرٍ وماتَ، يكونُ عَمْدًا. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يكونُ عَمْدًا. ذكَرَه فى «الواضِحَ» . قال فى «الانْتِصارِ» : وهو ظاهرُ كلامِه. نقَل حَرْبٌ، شِبْهُ العَمْدِ

(1) فى الأصل: «كان» .

ص: 16

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَنْ يضْرِبَه بخَشَبَةٍ دُونَ عَمُودِ الفُسطاطِ ونحوِ ذلك حتى يقْتُلَه.

قوله: أو يَضْرِ بَه به فى مَقْتَلٍ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به كثير منهم. وقيل: لا يكونُ عَمْدًا إذا ضرَبَه به مرَّةً واحدةً. ذكَرَه فى «الواضِحَ» .

فائدتان؛ إحْداهما، قولُه: أو -يضْرِبَه به- فِى حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ؛ مِنْ

ص: 17

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَرَضٍ، أو صِغَرٍ، أو كِبَرٍ، أو فى حَرٍّ -مُفْرِطٍ- أو بَرْدٍ -مُفْرِطٍ- ونحوِه. وهذا بلا نِزاعٍ. قال ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه: ومِثْلُه، أو لَكَمَه. واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ» . لكِنْ لوِ ادّعَى جَهْلَ المرَضِ فى ذلك كلِّه، لم يُقْبَلْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يُقْبَلُ، فيكونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وقيل: يُقْبَلُ إذا كان مِثْلُه يجْهَلُه،

ص: 18

الثَّالِثُ، أَلْقَاهُ فِى زُبْيَةِ أَسَدٍ، أَوْ أَنْهَشَهُ كَلْبًا أَوْ سَبُعًا أَوْ حَيَّةً، أَوْ أَلْسَعَهُ عَقْرَبًا مِنَ الْقَوَاتِلِ، ونَحْوَ ذَلِكَ، فَقَتَلَهُ،

ــ

وإلَّا فلا.

الثَّانيةُ، قولُه: الثَّالِثُ، أَلْقاه فى زُبْيَةِ أَسَدٍ. وكذا لو أَلْقاهُ فى زُبْيَةِ نَمِرٍ، فيكونُ عَمْدًا. بلا نِزاعٍ. وكذا لو أَلْقاهُ مكْتُوفًا بفَضاءٍ بحَضرَةِ سَبُعٍ، فقَتَلَه، أو أَلْقاه بمَضِيقٍ بحَضْرَةِ حَيَّةٍ فقَتَلَتْه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعليه أكثرُ

ص: 19

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال القاضى: لا يكونُ عَمْدًا فيهما. وقيل: هو يُكَتِّفُه كالمُمْسِكِ (1) للقَتْلِ. وهذا الذى جزَم به المُصَنِّفُ فى أوَاخِرِ البابِ، على ما يأْتِى.

قوله: أو أنْهَشَه كَلْبًا أَو سَبُعًا أَو حَيَّةً، أَو أَلْسَعَه عَقْرَبًا مِنَ القَواتِلِ، ونحوَ

(1) فى الأصل: «على الممسك» .

ص: 20

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك، فقَتَلَه. فهو عَمْدٌ مَحْضٌ. اعلمْ أنَّه إذا أَنْهَشَه كلْبًا، أو أَلْسَعَه شيئًا مِن ذلك، فلا يخْلُو؛ إمَّا أَنْ يكونَ ذلك يقْتُلُ غالبًا، [أَوْ لا؛ فإنْ كان يقْتُلُ غالبًا](1)، فهو عَمْدٌ مَحْضٌ، وإنْ كانَ لا يقْتُلُ غالبًا -كثُعْبانِ الحِجَازِ (2)، أو سَبُعٍ صغير- وقُتِلَ به، فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، أنَّه يكونُ قَتْلًا عَمْدًا. وهو أحدُ الوَجْهَيْن. [وهو ظاهرُ ما جزَم به فى «النَّظْمِ»، وغيرِه. والوَجْهُ الثَّانى، لا يكونُ عَمْدًا. قدمه فى «الرِّعايتَيْن»، و «الحاوِى»](4). وهو ظاهرُ كلامِه فى «الهِدايَةِ» وغيرِه. وأَطْلَقهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الفُروعِ» .

(1) سقط من: الأصل.

(2)

فى الأصل: «الحجال» .

ص: 21

الرَّابع، أَلْقَاهُ فِى مَاءٍ يُغْرِقُهُ، أَوْ نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا فَمَاتَ بِهِ.

ــ

قوله: الرَّابعُ، ألْقاه فى ماءٍ يُغْرِقُه، [أَو نارٍ لا يُمْكِنُه التَّخَلُّصُ منها، فماتَ به. إذا أَلْقاه فى ماءٍ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أَنْ يُمْكِنَه التَّخَلُّصُ منه](1)، أَوْ لا؛ فإنْ كان لا يُمْكِنُه التَّخَلُّصُ منه -وهو مُرادُ المُصَنِّفِ هنا- فهو عَمْدٌ، وإنْ أمْكَنَه التَّخَلصُ -كالماءِ اليَسِيرِ- ولم يتَخَلَّصْ حتى ماتَ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ مَوْتَه هَدْرٌ، فلا يضْمَنُ الدِّيَةَ، ولا غيرَها. قال فى «الفُروعِ»: لا يضْمَنُ الدِّيَةَ فى الأصحِّ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 22

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: يضْمَنُ الدِّيَةَ. وإذا أَلْقاه فى نارٍ، فإنْ لم يُمْكِنْه التَّخَلُّصُ منها، فهو عَمْدٌ مَحْضٌ، بلا نِزاعٍ، وإنْ أمْكَنَه التَّخَلُّصُ ولم يتَخَلَّصْ حتى ماتَ، فقيل: دَمُه هَدْرٌ، لا شئَ عليه. وهو ظاهرُ كلامِه فى «المُحَرَّرِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «شَرْح ابنِ رَزِينٍ». وقيل: يضْمَنُ الدِّيَةَ بإلْقائِه. قال فى «الكافِى» : وإنْ كان لا يقْتُلُ غالِبًا أوِ التَّخَلُّصُ منه مُمْكِنًا، فلا قَوَدَ فيه؛ لأنَّه عَمْدُ خَطَأً، وظاهِرُه أنَّ فيه الدِّيَةَ. وأطْلَقَهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» .

ص: 23

الْخَامِسُ، خَنَقَهُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ سَدَّ فَمَهُ وَأَنْفَهُ، أَوْ عَصَرَ خُصْيَتَيْهِ حَتَّى مَاتَ.

ــ

قوله. الخامِسُ، خنَقَه بحَبْلٍ أو غيرِه، أَو سَدَّ فَمَه وأَنْفَه، أَو عَصَرَ خُصْيَتَيْه حَتَّى ماتَ. فعَمْدٌ. ظاهِرُه أنَّه يُشْتَرَطُ سَدُّ الفَمِ والأَنْفِ جميعًا. وهو صحيحٌ. وظاهِرُه أنَّه لا فَرْقَ فى السَّدِّ والعَصْرِ بينَ طُولِ المُدَّةِ أو قِصَرها. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: إنْ فعَل ذلك فى مُدَّةٍ يموتُ فى مِثْلِها غالبًا فماتَ، فهو عَمْدٌ فيه القِصاصُ. قالَا: ولابد مِن ذلك؛ لأنَّ المُدَّةَ إذا كانتْ يسيرةٌ، لا يغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّ المَوْتَ حصَل به. قال الشَّارحُ وغيرُه: وإذا ماتَ فى مُدةٍ لا يموتُ فى مِثْلِها غالبًا، فهو شِبْهُ عَمْدٍ، إلَّا أَنْ يكوَن يسِيرًا إلى الغايَةِ، بحيثُ لا يُتَوَهَّمُ المَوْتُ منه، فلا يوجِبُ ضَمانًا.

ص: 24

السَّادِسُ، حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ حَتَّى مَاتَ جُوْعًا أَوْ عَطَشًا فِى مُدَّةٍ يَمُوتُ فِى مِثْلِهَا غَالِبًا.

ــ

تنبيه: قولُه: السَّادِسُ، حَبَسَه ومَنَعَه الطَّعامَ والشَّرابَ حَتَّى ماتَ جُوعًا وعَطَشًا فى مُدَّةٍ يَمُوتُ فى مثلِها غَالِبًا. مُرادُه، إذا تعَذَّرَ على الجائعِ والعَطْشانِ

ص: 25

السَّابع، سَقَاهُ سُمًّا لَا يَعْلَمُ بِهِ، أَوْ خَلَطَ سُمًّا بِطَعَامٍ فَأَطْعَمَهُ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِهِ فَأَكَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، فَمَاتَ،

ــ

الطَّلَبُ لذلك. فأمَّا إذا لم يتَعَذَّر الطَّلَبُ، أو ترَك الأَكْلَ والشُّرْبَ قادِرًا على الطَّلَبِ أو غيرِه، فلا دِيَةَ له، كتَرْكِه شَدَّ مَوْضِعِ فِصَادِه. قالَه فى «الفُروعِ» . وتقدَّم النَّقْلُ فى ذلك أوَّلَ البابِ فى كلامِ صاحبِ «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» .

قوله: السَّابعُ، سَقاه سُمًّا لا يَعْلَمُ به، أو خلَط سُمًّا بطَعَام فأَطعَمَه، أو خلَطَه بطَعَامِه فأَكَلَه ولا يَعْلَمُ به، فماتَ. فهو عَمْدٌ مَحْضٌ. هذا المذهبُ. وعليه

ص: 26

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابُ. وقطَع به الأكْثرون. وأطْلَقَ ابنُ رَزِينٍ، فيما إِذا أَلْقَمَه سُمًّا أو خَلَطَه به قوْلَيْن.

ص: 27

فَإِنْ عَلِمَ آكِلُهُ بِهِ وَهُوَ عَاقِلٌ بَالِغٌ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ، فَأَكَلَهُ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. فَإِنِ ادَّعَى الْقَاتِلُ بِالسُّمِّ: إِنَّنِى

ــ

تنبيه: مفْهومُ قوْلِه: فإن عَلِمَ آكِلُه به وهو بَالِغٌ عَاقِلٌ، أَو خلَطَه بطَعَامِ نَفْسِه، فأكَلَه إنْسَانٌ بغيرِ إذْنِه، فلا ضَمانَ عليه. أنَّ غيرَ البالِغِ لو أكَلَه، كانَ ضامِنًا له إذا ماتَ به. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيْخُ تَقِى الدِّينِ: إنْ كان مُمَيِّزًا ففى ضَمانِه نظَرٌ.

قوله: فإنِ ادَّعَى القاتِلُ بالسُّمِّ: إنَّنى لم أَعْلَمْ أنَّه سُمٌّ قَاتِلٌ. لم يُقْبَلْ فى أَحَدِ

ص: 28

لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ سُمٌّ قَاتِلٌ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُه، فِى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُقْبَلُ فِى الآخَرِ، وَتَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ.

ــ

الوَجْهَيْنِ. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» وغيرِه.

ويُقْبَلُ فى الآخَرِ، وتكونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وأطلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِى» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُقْبَلُ إذا كانَ مِثْلُه يجْهَلُه،

ص: 29

الثَّامِنُ، أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا.

ــ

وإلَّا فلا.

قوله: الثَّامِنُ، أَنْ يَقْتُلَه بسِحْرٍ يَقْتُلُ غالِبًا. إذا قَتَلَه بسِحْرٍ يقْتُلُ غالِبًا، فإنْ كان يعْلَمُ أنَّه يقْتُلُ، فهو عَمْدٌ مَحْضٌ، وإنْ قال: لم أعْلَمْه قاتِلًا. لم يُقْبَلْ قوْلُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يُقْبَلُ، ويكونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وقيل: يُقْبَلُ إذا كان مِثْلُه يجْهَلُه، وإلَّا فلا، كما تقدَّم فى السُّمِّ سواءً.

فائدتان؛ إحْداهما، إذا وجَب قتْلُه بالسِّحْرِ، وقُتِلَ، كانَ قَتْلُه به حدًّا، وتجِبُ دِيَةُ المَقْتولِ فى تَرِكَتِه. على الصَّحيحِ. وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: وعندِى فى هذا نظَرٌ. ويأتِى بعضُ ذلك فى آخِرِ بابِ المُرْتَدِّ.

الثَّانيةُ، قال ابنُ نَصْرِ اللَّهِ فى «حَواشِى الفُروعِ»: لم يذْكُرْ أصحابُنا المِعْيانَ، القاتِلَ بعَيْنِه، ويَنْبَغِى أَنْ يُلْحَقَ بالسَّاحِرِ الذى يقْتُلُ بسِحْرِه غالِبًا؛ فإذا كانتْ عَيْنُه يسْتطيعُ القَتْلَ بها ويفْعَلُه باخْتِيارِه، وجَب به القِصاصُ، وإنْ وقَع ذلك منه بغيرِ قَصْدِ الجِنايَةِ، فيَتَوَجَّهُ أنَّه خطَأٌ يجِبُ عليه ما يجِبُ فى قَتْلِ الخَطَأِ. وكذا

ص: 30

التَّاسِعُ، أَنْ يَشْهَدَا عَلَى رَجُل بِقَتْل عَمْدٍ، أَوْ زِنًى، أَوْ رِدَّةٍ فَيُقْتَلَ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعَا وَيَقُولَا: عَمَدْنَا قَتْلَهُ. أَوْ يَقُولَ الْحَاكِمُ: عَلِمْتُ كَذِبَهُمَا، وَعَمَدْتُ قَتْلَهُ. أَوْ يَقُولَ ذَلِكَ الْوَلِى. فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ مُوجبٌ لِلْقِصَاصِ إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُهُ.

ــ

ما أَتْلَفَه المِعْيانُ بعَيْنِه، يتَوَجَّهُ فيه القَوْلُ بضَمانِه، إلَّا أَنْ يقَعَ بغيرِ قَصْدِه، فيتَوَجَّهُ عدَمُ الضَّمانِ. انتهى. قلتُ: وهذا الذى قالَه حَسَنٌ، لكِنَّ ظاهِرَ كلامِه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «التَّرْغيبِ» عدَمُ الضَّمانِ. وكذلك قال القاضى، على ما يأتِى فى آخِرِ بابِ التَّعْزيرِ.

قوله: التَّاسِعُ، أَنْ يَشْهَدَا على رَجُلٍ بقَتْل عَمْدٍ، أو رِدَّةٍ، أو زِنًى، فيُقْتَلَ بذلك، ثم يَرْجِعَا ويَقُولَا: عَمدْنا قَتْلَه. هكذا قال أكثرُ الأصحابِ بهذه العِبارَةِ. وقال فى «الكافِى» : وقالَا: عَلِمْنا أنَّه يُقْتَلُ. وقال فى «المُغْنِى» : ولم يَجُزْ جَهْلُهما به. وقال فى «التَّرْغيبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وكذَّبَتْهما قرِينَةٌ،

ص: 31

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالأصحابُ مُتفِقُون على أنَّ هذا عَمْدٌ مَحْضٌ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: ذكَر الأصحابُ مِن صُوَرِ القَتْلِ العَمْدِ المُوجِبِ للقَوَدِ، مَن شَهِدَتْ عليه بَيِّنَةٌ بالرِّدَّةِ، فقُتِلَ بذلك، ثم رجَعُوا وقالوا: عَمَدْنا قتْلَه. قال: وفى هذا نظَرٌ؛ لأنَّ المُرْتَدَّ إنَّما يُقْتَلُ إذا لم يَتُبْ، فيُمْكِنُ المَشْهودَ عليه التَّوْبَةُ، كما يُمْكِنُه التَّخَلُّصُ مِنَ النَّارِ إذا أُلْقِىَ فيها. انتهى. قلتُ: يُتَصَوَّرُ عدَمُ قَبُولِ توْبَةِ المُرْتَدِّ فى مَسائِلَ -على رِوايةٍ قَوِيَّةٍ- كمَن سبَّ اللَّهَ أو رَسُولَه، والزِّنْديقِ، ومَن تكَرَّرَتْ رِدَّتُه، والسَّاحِرِ، وغيرِ ذلك على ما يأْتِى فى بابِه، فلو شُهِدَ عليه بذلك، فإنَّه يُقْتَلُ بكلِّ

ص: 32

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حالٍ، ولا تُقْبَلُ توْبَتُه. على إحْدَى الرِّوايتَيْن. فكَلامُ الأصحابِ مَحَلُّه حيثُ امْتَنَعَتِ التَّوْبَةُ، ويكْفِى هذا فى إطْلاقِهم ولو [فى مسْألَةٍ](1) واحدةٍ، لكِنْ ظهَر لى على كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ إشْكَالٌ فى قوْلِهم: لو شَهِدَا على رَجُلٍ بزنًى، فقُتِلَ بذلك. فإنَّ الشَّاهِدَيْن لا يُقْتَلُ الزَّانى بشَهادَتِهما. فهذا فيه نظرٌ ظاهِرٌ؛ ولهذا قال فى «الفُروعِ»: ومَن شَهِدَتْ عليه بَيِّنَةٌ بما يُوجِبُ قَتْلَه. فتخَلَّصَ مِن الإِشْكالِ. قوله: أو يَقُولَ الحاكِمُ: عَلِمْتُ كَذِبَهما، وعَمَدْتُ قَتْلَه. فهذا عَمْدٌ مَحْضٌ، ويجبُ القِصاصُ على الحاكمِ. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. ونصَرَ ابنُ عَقِيلٍ فى «مُناظَراتِه» أنَّ الحاكِمَ -والحالَةُ هذه- لا قِصاصَ عليه. وقيل: فى قَتْلِ الحاكمِ وَجْهان.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 33

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأُولى، يُقْتَلُ المُزَكِّى، كالشَّاهِدِ. قالَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وعندَ القاضى، لا يُقْتَلُ وإنْ قُتِلَ الشَّاهِدُ.

الثَّانيةُ، لا تُقْبَلُ البَيِّنَةُ مع مُباشَرَةِ الوَلِىِّ القَتْلَ وإقْرارِه أنَّه فعَل ذلك عَمْدًا عُدْوانًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وفى «التَّرْغيبِ» وَجْهٌ، البَيِّنَةُ والوَلِىُّ هنا كمُمْسِكٍ مع مُباشِرٍ، فالبَيِّنَةُ هنا كالمُمْسِكِ، والوَلِىُّ هنا كالمُباشِرِ هناك. على ما يأْتِى فى كلام المُصَنِّفِ قريبًا فى هذا البابِ، والخِلافُ فيه. وقال فى «التَّبْصِرَةِ»: إَنْ عَلِمَ الوَلِى والحاكِمُ أنَّه لم يَقْتُلْ، أُقِيدَ الكُلُّ.

الثَّالثةُ، يخْتَصُّ المُباشِرَ العالِمَ بالقَوَدِ، ثم الوَلِىَّ، ثم البَيِّنَةَ. والحاكِمَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: يخْتَصُّ القَوَدُ بالحاكمِ إذا اشْتَرَكَ هو والبَيِّنَةُ؛ لأَنَّ سَبَبَه أخَصُّ مِن سبَبِهم؛ فإن حُكْمَه واسِطَةٌ بينَ شَهادَتِهم وقتْلِه، فأشْبَهَ المُباشِرَ مع المُتَسَبِّبِ.

الرَّابعةُ، لو لَزمَتِ الدِّيَةُ البَيِّنَةَ والحاكِمَ، فقيل: تَلْزَمُهم ثلاثًا؛ على الحاكمِ الثُّلُثُ، وعلى كلِّ شاهدٍ ثُلُث. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: نِصْفَيْن. [قالَ: وهو الصَّوابُ. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ» فى بابِ الرُّجوعِ عنِ الشَّهادَةِ](1). وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» .

(1) سقط من: الأصل، أ.

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخامسةُ، لو قال بعضُهم: عَمَدْنا قَتْلَه. وقال بعضُهم: أخْطَأْنا. فلا قَوَدَ على المُتَعَمِّدِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ (1). قال فى «الفُروعِ» : فلا قَوَدَ على المُتَعَمِّدِ على الأصحِّ. وصحَّحه المُصَنِّفُ فى هذا الكتابِ، فى آخِرِ هذا البابِ. وعنه، عليه القَوَدُ. فعلى المذهبِ، على المُتَعَمِّدِ بحِصَّتِه مِنَ الدِّيَةِ المُغَلَّظَةِ، وعلى المُخْطِئِ بحِصَّتِه مِنَ المُخَفَّفَةِ. وتأْتِى هذه المسْأَلةُ ونَظائِرُها فى آخرِ هذا البابِ بأتَمَّ مِن هذا.

السَّادسةُ، لو قال كلُّ واحدٍ منهما: تعَمَّدْتُ وأخْطَأَ شَرِيكِى. فوَجْهان فى القَوَدِ. وأَطْلَقهما فى «الفُروعِ» . قلتً: الصَّوابُ الذى لا شَكَّ فيه وُجوبُ القَوَدِ عليهما؛ لاعْتِرافِهما بالعَمْدِيَّةِ. [وقدَّم فى «الرِّعايةِ الصُّغْرى»، و «الحاوِى»، عدَمَ القَوَدِ. وصحَّحه فى «الكُبْرى»، وقال: الدِّيَةُ عليهما حالَّةٌ](2). ولو قال واحدٌ: عَمَدْنا. وقال الآخَرُ: أَخْطَأْنا. لَزِمَ المُقِرَّ بالعَمْدِ القَوَدُ، ولَزِمَ الآخَرَ نِصْفُ الدِّيَةِ.

السَّابِعَةُ، لو رجَع الولِىُّ (3) والبَيِّنَةُ، ضَمِنَه الولِىُّ (3) وحدَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال القاضى وأصحابُه: يضْمَنُه الولىُّ (3) والبَيِّنَةُ معًا، كمُشْتَرِكٍ. وأطْلَقهما فى «الرِّعايتَيْن» . واخْتارَ الشِّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، أنَّ الولِىَّ (3) يَلْزَمُه القَوَدُ إنْ تعَمَّدَ، وإلَّا الدِّيَةُ، وأنَّ الآمِرَ لا يرثُ.

الثَّامِنَةُ، لو حفَر فى بَيْتِه بِئرًا وستَرَه ليَقَعَ فيه أحدٌ، فوَقَعَ فماتَ، فإنْ كانَ دخَل بإذْنِه، قُتِلَ به، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقل: لا يُقْتَلُ

(1) بعده فى الأصل: «قال فى «الفروع» : فلا قود على المتعمد على الصحيح من المذهب».

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

فى أ: «الوالى» .

ص: 35