المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ ــ كِتابُ الدِّيَاتِ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٥

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ ــ كِتابُ الدِّيَاتِ

‌كِتَابُ الدِّيَاتِ

ــ

كِتابُ الدِّيَاتِ

ص: 309

كُلُّ مَنْ أَتْلفَ إِنْسَانًا أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ، فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا مَحْضًا، فَهِىَ فى مَالِ الْجَانِى حَالَّةً.

ــ

قوله: كلُّ مَن أَتْلَفَ إنْسَانًا، أو جُزْءًا منه بمُباشَرَةٍ أَو سَبَبٍ، فعليه دِيَتُه، فإنْ كان عَمْدًا مَحْضًا، فهى فى مالِ الجانِى حَالَّة. بلا نِزاعٍ. ويأْتِى ذلك فيما لا

ص: 310

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَحْمِلُه العاقِلَةُ فى بابِ العاقِلَةِ.

ص: 311

وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ، أو خَطَأً، أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ.

ــ

تنبيه: قولُه: وِإنْ كانَ شِبْهَ عَمْدٍ، أَو خطَأً، أو مما جَرَى مَجْراه، فعلى عاقِلَتِه.

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أمَّا الخَطأُ وما جرَى مَجْراه، فتَحْمِلُه العاقِلَةُ، وأمَّا شِبْهُ العَمْدِ، فجزَم المُصَنِّفُ هنا، بأنَّها تحْمِلُه. وهو المذهبُ. وقال أبو بَكْرٍ: لا تحْمِلُه. ويأْتِى ذِكْرُ

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخِلافُ قَرِييًا فى كلامِ المُصَنِّفِ فى بابِ العاقِلَةِ.

ص: 314

وَلَوْ أَلْقَى عَلَى إِنْسَانٍ أَفْعًى، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْها، فَقَتَلَتْهُ، أَوْ طَلَبَ إِنْسَانًا

ــ

قوله: ولو أَلْقَى على إنْسانٍ أَفْعًى، أو أَلْقاهُ عليها فقَتَلَتْه، أَو طلَب إنْسانًا بِسَيْفٍ

ص: 315

بِسَيْفٍ مُجَرَّدٍ فَهَرَبَ، فَوَقَعَ فِى شَىْءٍ تَلِفَ به، بَصِيرًا كَانَ أَوْ ضَرِيرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فى فِنَائِهِ، أَوْ وَضَعَ حَجَرًا، أَوْ صَبَّ مَاءً فِى طَرِيقٍ، أَوْ بَالَتْ فِيها دَابَّتُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا، أَوْ رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ فِيها، فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ.

ــ

مُجَرَّدٍ فهَرَب، فوَقَع فى شئٍ تَلِفَ به، بَصِيرًا كانَ أَو ضَرِيرًا، وجَبَتْ عليه دِيَتُه. وهذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وقال فى «التَّرْغيبِ» ، و «البُلْغَةِ»: وعندِى أنَّه كذلك إذا انْدَهَشَ، أو لم يعْلَمْ بالبِئْرِ، أمَّا إذا تعَمَّدَ إلْقاءَ نفْسِه مع القَطْعِ بالهَلاكِ، فلا خَلاصَ مِنَ الهَلاكِ، فيكونُ كالمُباشِرِ مِنَ التَّسَبُّبِ. قال فى

ص: 316

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ إنَّه مُرادُ غيرِه. قلتُ: الذى يَنْبَغِى أَنْ يُجْزَمَ به، أنَّه مُرادُ الأصحابِ، وكلامُهم يدُلُّ عليه.

ص: 317

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قولُه: أَو حفَر بِئْرًا فى فِنائِه، فتَلِفَ به إنْسَانٌ، وجَبَتْ عليه دِيَتُه. مُرادُه، إذا كانَ الحَفْرُ مُحَرَّمًا (1)؛ وسواءٌ كان فى فِنائِه أو غيرِه، فمُرادُه ضَرْبُ مِثَالٍ لا حَصْرُ المَسْألَةِ فى ذلك. وتقدَّم فى كتابِ الجِنايَاتِ قُبَيْلَ قوْلِه: وشِبْهُ العَمْدِ. فى «الفائِدَةِ الثَّامِنَةِ» : إذا حفَر فى بَيْتِه بِئْرًا وستَرَه ليَقَعَ فيه أحدٌ. وتقدَّم فى أواخِرِ الغَصْبِ فى كلامِ المُصَنِّفِ، إذا حفَرَ فى فِنائِه بِئْرًا لنَفْسِه، أو حفَرَها فى سابِلَةٍ لنَفْعِ المُسْلِمين، ووَقعَ فيها شئٌ، ما حُكْمُه؟ فليُراجَعْ.

قوله: أَو صَبَّ مَاءً فى طَرِيقٍ، فتَلِفَ به إنْسَانٌ، وجَبَتْ عليه دِيَتُه. هذا المذهبُ مُطْلَقًا وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال فى «التَّرْغيبِ»: إنْ رَشَّه لذَهابِ الغُبارِ، فمَصْلَحَةٌ عامَّةٌ، كحَفْرِ بِئْرٍ فى سابِلَةٍ، وفيه رِوايَتان. نقَل ابنُ مَنْصُورٍ، إنْ أَلْقَى كِيسًا فيه

(1) سقط من: الأصل.

ص: 318

وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا، وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا، فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ، فَوَقَعَ فى الْبِئْرِ،

ــ

دَراهِمَ فى الطَّريقِ، فكإلْقاءِ الحَجَرِ، وأنَّ كلَّ مَن فَعَل فيها شيئًا ليس مَنْفَعَةً، ضَمِنَ. وتقدَّم فى أواخِرِ الغَصْبِ، لو تَرَكَ طِينًا فى الطَّرِيقِ، أو خَشَبَةً، أو عَمُودًا، أو حَجَرًا، ونحوَ ذلك، فتَلِفَ به شئٌ. فليُراجَعْ.

قوله: أَو بالَتْ فيها دابَّتُه ويَدُه عليها، فتَلِفَ به إنْسَانٌ، وجَبَتْ عليه دِيَتُه. وهذا المذهبُ؛ سواءٌ كان راكِبًا أو قائِدًا أو سائِقًا، وعليه الأصحابُ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ»: وقِياسُ المذهبِ [لا يضْمَنُه](1)؛ كمَن سلَّم على غيرِه، أو أمْسَكَ يَدَه، فماتَ، ونحوُه؛ لعدَمِ تأْثِيرِه. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

قوله: وإنْ حفَر بِئْرًا، ووضَع آخَرُ حَجَرًا، فعثَر به إنْسانٌ، فوَقَع فى البِئْرِ -

(1) سقط من: الأصل.

ص: 319

فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ.

ــ

فقد اجْتَمَعَ سبَبان مُخْتَلِفان- فالضَّمانُ على واضِعِ الحَجَرِ. وهذا المذهبُ المَشْهورُ. وقال فى «الفُروعِ» : وهو أشْهَرُ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ،

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّر» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، الضَّمانُ عليهما. قال فى «الفُروعِ»: فيَتَخَرَّجُ منه ضَمانُ المُتَسَبِّبِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه. وجعَله أبو بَكْرٍ كقاتِل ومُمْسِكٍ.

ص: 321

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا تعَدَّيا بفِعْلِ ذلك، أمَّا إنْ تعَدَّى أحدُهما، فالضَّمانُ عليه وحدَه. قالَه الأصحابُ. وتقدَّم أحْكامُ البِئْرِ فى آخِرِ الغَصْبِ.

ص: 322

وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا، فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، أَوْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ، فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ مَاتَ بِمَرَضٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.

ــ

قوله: وإنْ غصَب صَغِيرًا، فنَهَشَتْه حَيَّةٌ، أو أصابَتْه صاعِقَةٌ، ففيه الدِّيَةُ. هذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ، ولكِنْ شرَط ابنُ عَقِيلٍ فى ضَمانِه كوْنَ أرْضِه تُعْرَفُ بذلك. وحكَى صاحِبُ «النَّظْمِ» فى الغَصْبِ، أنَّ ابنَ عَقِيلٍ قال: لا يضْمَنُه. فائدة: قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: مِثْلُ الحَيَّةِ والصَّاعِقَةِ كلُّ سَبَبٍ يخْتَصُّ البُقْعَةَ؛ كالوَباءِ وانْهِدام سَقْفٍ عليه، ونحوِهما.

قوله: وإنْ مَاتَ بمَرَضٍ، فعلى وَجْهَيْن. وكذا لو ماتَ فَجْأَةً. وهما رِوايَتان. وأَطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ،

ص: 324

وَإِنِ اصْطَدَمَ نَفْسَانِ، فَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ.

ــ

و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، تجِبُ عليه الدِّيَةُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» . والوَجْهُ الثَّانى، لا تجِبُ. نَقَلَه أبو الصَّقْرِ. وجزَم به فى «المُنَوِّرِ». وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ». قال الحارِثِىُّ فى الغَصْبِ: وعن ابنِ عَقِيلٍ، لا يضْمَنُ، ولم يُفَرِّقْ بينَ الصَّاعِقَةِ والمَرَضِ، وهو الحَقُّ. انتهى. وتقدَّم فى أوَائلِ الغَصْبِ، إذا غصَب صغِيرًا، هل يضْمَنُه بذلك؟ فى كلامِ المُصَنِّفِ.

فائدة: لو قيَّد حُرًّا مُكَلَّفًا وغَلَّه، فتَلِفَ بصاعِقَةٍ أو حَيَّةٍ، ففيه الدِّيَةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الوَجيزِ». وقدَّمه فى «النَّظْمِ». وقيل: لا تجِبُ. وأطْلَقهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» .

قوله: وإنِ اصْطَدَمَ نَفْسان -قال فى «الرَّوْضَةِ» : بصِيرانِ، أو ضَرِيران، أو أحدُهما. قلتُ: وكذا قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ- فماتا، فعلى عاقِلَةِ كلِّ واحِدٍ منهما دِيَةُ الآخَرِ. هذا المذهبُ. جزَم به فى «الخِرَقِىِّ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ،

ص: 325

وَإِنْ كَانَا رَاكِبَيْنِ، فَمَاتَتِ الدَّابَّتَانِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ دَابَّةِ الْآخَرِ.

ــ

و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: يجِبُ على عاقِلَةِ كلِّ واحدٍ منهما نِصْفُ الدِّيَةِ. وهو تخْرِيجٌ لبعضِهم.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه سواءٌ كانَ تَصادُمُهما عَمْدًا أو خطَأً. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: إذا كانَ عَمْدًا، يضْمَنانِ دُونَ عاقِلَتِهما. وقال فى «الرِّعايَةِ»: وهو أظْهَرُ.

قوله: وإنْ كانا راكِبَيْن، فماتَتِ الدَّابَّتان، فعلى كلِّ واحِدٍ منهما قِيمَةُ دَابَّةِ

ص: 326

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الآخَرِ. وهذا المذهبُ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيلِ: على كل واحدٍ منهما نِصْفُ قِيمَةِ دابَّةِ الآخَرِ. وقدَّم فى «الرِّعايتَيْن» ، إنْ غلَبَتِ الدَّابَّةُ راكِبَها بلا تَفريطٍ، لم

ص: 327

وَإِنْ كَانَ أحَدُهُمَا يَسِيرُ، وَالْآخَرُ واقِفًا، فَعَلَى السَّائِرِ ضَمَانُ الْوَاقِفِ وَدَابَّتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِى طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، قَاعِدًا أَوْ وَاقِفًا، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ.

ــ

يضْمَنْ. وجزَم به فى «التَّرْغيبِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» .

قوله: وإنْ كانَ أَحَدُهما يَسِيرُ، والآخَرُ واقِفًا، فعلى السَّائِرِ ضَمانُ الواقِفِ وَدَابَّتِه، إلَّا أَنْ يكون فى طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، قاعِدًا أَو واقِفًا، فلا ضَمانَ فيه، وعليه ضَمانُ ما تَلِفَ به. ذكَر المُصَنِّفُ هنا مسْألَتَيْن؛ إحْداهما، ما يُتْلِفُه السَّائِرُ إذا كانَ الآخَرُ واقِفًا [أو قاعِدًا؛ فقطع بضَمانِ الواقِفِ ودابَّتِه على السَّائرِ، إلَّا أَنْ يكونَ فى طَريقٍ ضَيِّقٍ، قاعِدًا أو واقِفًا](1)، فلا ضَمانَ عليه. وهو أحدُ الوَجْهَيْن، وهو

(1) سقط من: الأصل.

ص: 328

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ منهما، ونصَّ عليه. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى». وقيل: يضْمَنُه السَّائِرُ؛ سواءٌ كانَ الواقِفُ فى طَريقٍ ضَيِّقٍ، أو واسِعٍ. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وأَطْلَقهما فى «الفُروعِ» .

المَسْأَلةُ الثَّانيةُ، ما يُتْلِفُه الواقِفُ أو القاعِدُ للسَّائِرِ فى الطَّريقِ الضَّيِّقِ، فجزَم المُصَنِّفُ هنا، أنَّه يضْمَنُه. وجزَم به فى «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، واخْتارَه المُصَنِّفُ. والصَّحيحُ مِنَ المذهب، أنَّه لا يضْمَنُ. نصَّ عليه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . وأمَّا ما يتْلَفُ للسَّائِرِ إذا كانتِ الطريقُ وَاسِعَةً، فلا ضَمانَ على الواقِفِ والقاعِدِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: يضْمَنُه. ذكَرَه الزَّرْكَشِىُّ وغيرُه.

تنبيهان؛ أحدُهما، قولُه: فعلى السَّائِرِ ضَمانُ الواقِفِ ودابَّتِه. ضَمانُ الواقفِ يكونُ على عاقِلَةِ السَّائِرِ، وضَمانُ دابةِ الواقِفِ على نفْسِ السَّائِرِ. صرَّح به الأصحابُ. فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ غيرُ مُرادٍ.

الثَّانى، قوْلُه: إلَّا أَنْ يكونَ فى طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، قاعِدًا أَو واقِفًا. قال ابنُ مُنَجَّى: لا بُدَّ أَنْ يلْحَظَ أنَّ الطَّريقَ الضَّيِّقَ غيرُ مَمْلوكٍ للواقِفِ، أوِ القاعِدِ؛ لأنَّه إذا كانَ

ص: 329

وَإِنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ لَا وِلَايةَ لَهُ عَلَيْهِمَا، فَاصْطَدَمَا، فَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُمَا.

ــ

مَمْلوكًا، لم يكُنْ مُتَعَدِّيًا بوُقوفِه فيه، بلِ السَّائِرُ هو المُتَعَدِّى بسُلوكِه مِلْكَ غيرِه بغيرِ إذْنِه. انتهى.

فائدة: لوِ اصْطَدَمَ عَبْدان ماشِيان، فَماتا، فهَدْرٌ. وإنْ ماتَ أحدُهما، فقِيمَتُه فى رَقَبَةِ الآخَرِ كسائِرِ جِنايَتِه. وإنِ اصْطَدَمَ حُرٌّ وعَبْدٌ، فماتا، ضُمِنَتْ قِيمَةُ العَبْدِ فى تَرِكَةِ الحُرِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: نِصْفُها. وتجِبُ دِيَةُ الحُرِّ كامِلَة فى تلك القِيمَةِ. قال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ الوَجْهُ أو نِصْفُها. وما هو ببعيدٍ.

قوله: وإنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْن لا وِلايَةَ له عليهما، فاصْطَدَما، فماتا، فعلى عاقِلَتِه دِيتُهما. هذا أحدُ الوَجْهَيْن. جزَم به فى «التَّرْغيبِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الضَّمانَ على الذى أرْكَبَهما. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذكِرَتِه» . وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِى» ، و «الكافِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِير» ، و «الفُروعِ» .

تنبيهان؛ أحْدُهما، محَلُّ الخِلافِ فى نَفْسِ الدِّيَةِ، على مَن تجِبُ؟ أمَّا إنْ كانَ التَّالِفُ مالًا، فإنَّ الذى أرْكَبَهما يضْمَنُه، قوْلًا واحِدًا.

ص: 330

وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ، فَقَتَلَ الْحَجَرُ إنْسَانًا، فعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ

ــ

الثَّانى، ظاهِرُ كلام المُصَنِّفِ، أنَّه لو أرْكَبَهما مَن له وِلايَةٌ عليهما، أنَّه لا شئَ عليه. وتحْريرُ ذلك أنَّه لو أرْكَبَهما لمَصْلَحَةٍ، فهما كما لو رَكِبَا وكانا بالِغَيْن عاقِلَيْن، على ما تقدَّم. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. اختارَه القاضى وغيرُه. وجزَم به فى «الكافِى» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: إنَّما ذلك إذا أَرْكَبَهما ليُمَرِّنَهما على الرُّكوبِ إذا كانا يَثْبُتان بأَنفُسِهما، فأمَّا إنْ كانا لا يَثْبُتان بأنْفُسِهما، فالضَّمانُ عليه. وقال فى «التَّرْغيبِ»: إنْ صَلَحَا للرُّكوبِ وأرْكَبَهما ما يصْلُحُ لرُكوبِ مِثْلِهما، لم يَضْمَنْ، وإلَّا ضَمِنَ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. ولعلَّه مُرادُ مَن أَطْلَقَ.

فوائد؛ الأُولَى، لو رَكِبَ الصَّغِيران مِن عندِ أنْفُسِهما، فهما كالبالِغَيْن فيما تقدَّم.

الثَّانيةُ، لوِ اصْطَدَمَ كبيرٌ وصغيرٌ، فإنْ ماتَ الصَّغيرُ، ضَمِنَه الكبيرُ، وإنْ ماتَ الكبيرُ، ضَمِنَه الذى أرْكَبَ الصَّغيرَ.

الثَّالثةُ، لو تَجاذَبَ اثْنان حَبْلًا أو نحوَه، فانْقَطَع فسَقَطا فماتا، فهما كالمُتَصادِمَيْن؛ سواءٌ انْكَبَّا أوِ اسْتَلْقَيَا، أو انْكَبَّ أحدُهما واسْتَلْقَى الآخَرُ، لكِنَّ نِصْفَ دِيَةِ المُنْكَبِّ على عاقِلَةِ المُسْتَلْقِى مُغَلَّظَةٌ، ونِصْفَ دِيَةِ المُسْتَلْقِى على عاقِلَةِ المُنْكَبِّ مُخَفَّفَةٌ. قالَه فى «الرِّعايَةِ» .

تنبيه: تقدَّم فى أواخِرِ بابِ الغصْبِ أحْكامُ ما إذا اصْطدَمَ سَفِينَتان، فليُعاوَدْ.

قوله: وإنْ رمَى ثَلَاثةٌ بمَنْجَنِيقٍ، فقَتَل الحَجَرُ إنْسانًا، فعلى عاقِلَةِ كلِّ واحِدٍ منهم ثُلُثُ دِيَتِه. ولا قَوَدَ؛ لعدَمِ إمْكانِ القَصْدِ غالِبًا. وهذا المذهبُ. وعليه

ص: 331

وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ دِيَتِهِ، وَإِنْ قُتِلَ أَحَدُهُمْ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا؛ يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ.

ــ

الأصحابُ. وقال فى «الرِّعايَةِ» وغيرِه: وقيل: تجِبُ الدِّيَةُ فى بَيْتِ المالِ، فإنْ تعَذَّرَ، فعلى العاقِلَةِ. وفى «الفُصولِ» احْتِمالٌ، أنَّه كرَمْيِه عن قَوْسٍ ومِقْلاعٍ، وحَجَر عن يَدٍ. ونقَل المَرُّوذِىُّ، يفْدِيه الإِمامُ، فإنْ لم يكُنْ، فعليهم. واخْتارَ فى «الرِّعايَةِ» أنَّ ذلك عَمْدٌ إذا كانَ الغالِبُ الإِصابةَ. قلتُ: إن قصَدُوا رَمْيَه، كان عَمْدًا، وإلَّا فلا.

قوله: وإنْ قُتِلَ أحَدُهم، ففيه ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُها، يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِه، وعلى عاقِلَةِ صاحِبَيْه ثُلُثا الدِّيَةِ. وهو المذهبُ. جزَم به القاضى فى «المُجَرَّدِ» ،

ص: 332

والثَّانِى، عَلَيْهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ. والثَّالِثُ، عَلَى عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ، وَثُلُثَاهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرَينِ.

ــ

والمُصَنِّفُ فى «العُمْدَةِ» ، والأدَمِىُّ البَغْدادِىُّ فى «مُنْتَخَبِه». وقال فى «المُغْنِى» (1): هذا [أحْسَنُ وأصحُّ](2) فى النَّظَرِ. وقدَّمه فى «الخُلاصَةِ» ، و «إدراكِ الغايةِ» .

والثَّانى، عليهما كَمالُ الدِّيَةِ. قال أبو الخَطَّابِ، وتَبِعَه صاحِبُ «الخُلاصَةِ»: هذا قِياسُ المذهبِ. وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ،

(1) انظر: المغنى 12/ 83.

(2)

فى ط: «حسن واضح» .

ص: 333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «المُذْهَبِ» .

والثَّالثُ، على عاقِلَتِه ثُلُثُ الدِّيَةِ لوَرَثَتِه، وثُلُثاها على عاقِلَةِ الآخَرَيْن ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقىِّ. وهذا الوَجْهُ مَبْنِىٌّ على إحْدَى الرِّوايتَيْن الآتِيتَيْن فى أنَّ جِنايَتَه على نفْسِه تجِبُ على عاقِلَتِه. وأطْلَقَهُنَّ فى «الشَّرْحِ». وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «التَّذْكِرَةِ»: تكونُ عليه، يدْفَعُها إلى وَرَثَتِه.

تنبيه: قولُه: أحدُها؛ يُلْغَى فِعْلُ نفْسِه، وعلى عاقِلَةِ صاحِبَيْه ثُلُثا الدِّيَةِ.

ص: 334

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يعْنِى، يُلْغَى فِعْلُ نفْسِه وما يَتَرَتَّبُ عليه. وقال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: وأمَّا كَوْنُ أحدِهم، إذا قَتَلَه الحَجَرُ، يُلْغى فِعْلُ نفْسِه فى وَجْهٍ، فقِياسٌ على المُتَصادِمَيْن. وقد تقدَّم. فعلى هذا، يجِبُ كَمالُ -الدِّيَةِ على عاقِلَةِ صاحِبَيْه. صرَّح بذلك المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» . ولم يُرَتِّبِ المُصَنِّفُ هنا على إلْغاءِ فِعْلِ نفْسِه كمالَ الدِّيَةِ، بل رَتَّبَ عليه وُجوبَ ثُلُثَى الدِّيَةِ على عاقِلَةِ صاحِبَيْه، قال: ولا أعْلَمُ له وَجْهًا، بل وَجْهُ إيجابِ ثُلُثَى الدِّيَةِ على عاقِلَةِ صاحِبَيْه، أَنْ يجْعَلَ ما قابَلَ فِعْلَ المَقْتولِ ساقِطًا لا يضْمَنُه أحَدٌ؛ لأنَّه شارَكَ فى إتْلافِ نفْسِه، فلم يضْمَنْ ما قابَلَ فِعْلَه، كما لو شارَكَ فى قَتْلِ بهِيمَتِه أو عَبْدِه. وهذا صرَّح به المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، ونَسَبَه إلى القاضى. انْتَهى كلامُ ابنِ مُنَجَّى. وليس فيه كبيرُ جَدْوَى، ولا يرُدُّ على المُصَنِّفِ ما قال، فإنَّ مُرادَه بقَوْلِه: يُلْغى فِعْلُ نفْسِه. أنَّه يسْقُطُ فِعْلُ نفْسِه، وما يتَرَتَّبُ عليه، بدَليلِ قوْله: وعلى عاقِلَةِ صاحِبَيْه ثُلُثَا الدِّيَةِ. ولا يَلْزَمُ مِن إلْغاءِ فِعْلِ نفسِه وُجوبُ كَمالِ الدِّيَةِ، وعلى تقْديرِ أَنْ يلْزَمَ ذلك، فمَحَلُّه إذا لم يذْكرِ الحُكْمَ. واللَّهُ أعلمُ.

فائدة: لو قَتَل الحَجَرُ الثَّلَاثةَ، فعلى قوْلِ القاضى، على عاقِلَةِ كلِّ واحِدٍ ثُلُثًا

ص: 335

وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَالدِّيَةُ حَالَّة فى أَمْوَالِهِمْ.

ــ

الدِّيَةِ. وثُلُثُها هَدَرٌ، وعلى قولِ أبى الخَطَّابِ، على عاقِلَةِ كلِّ واحِدٍ كَمالُ الدِّيَةِ للآخَرَيْنَ. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» .

قوله: وإنْ كانُوا أكْثَرَ مِن ثَلَاثةٍ، فالدِّيَةُ حَالَّةٌ فى أمْوالِهم. هذا المذهبُ. وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. وقطَع به كثيرٌ منهم. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا هو المذهبُ المُخْتارُ للأصحابِ. قال الشَّارحُ: فإنْ كانُوا أكثرَ مِن ثلَاثةٍ، فالدِّيَةُ حالَّةٌ (1) فى أمْوالِهم، فى الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، إلَّا على الوجهِ الذى اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، فإنَّهم إذا كانُوا أرْبَعَةً، فقَتَلَ الحَجَرُ أحدَهم، فإنَّه يجِبُ على عاقِلَةِ كلِّ واحِدٍ مِنَ الثَّلَاثةِ الباقِين ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لأنَّهم تحَمَّلُوها كلَّها. انتهى. قال فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ»: وإنْ زادُوا على ثلَاثةٍ، فالدِّيَةُ فى أمْوالِهم. وعنه، على العاقِلَةِ؛ لاتِّحادِ فِعْلِهم. قال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى»: وإنْ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 336

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كانُوا أرْبعَةً، فالدِّيَةُ عليهم كالخَمْسَةِ. زادَ فى «الكُبْرى» ، فى الأصحِّ. [وعنه، على عَواقِلِهم. انتهى](2).

فائدة: لا يضْمَنُ مَن وضَع الحَجَرَ، وأمْسَكَ الكِفَّةَ، كَمَن أوْتَرَ القَوْسَ، وقَرَّبَ السَّهْمَ. هذا المذهبُ. وقال القاضى، وابنُ عَقِيلٍ: يتَوَجَّهُ رِوايَتا مُمْسِكٍ.

ص: 337

وَإِنْ جَنَى إنْسَانٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ خَطَأً، فَلَا دِيَةَ لَهُ. وَعَنْهُ، عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ، وَدِيَةُ طَرَفِهِ لِنَفْسِهِ.

ــ

قوله: وَإِنْ جنَى إنْسانٌ على نَفْسِه أو طَرَفِه خَطَأً، فلا دِيَةَ له. هذا المذهبُ. [قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: هذا المذهبُ] (1). وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِير» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال أبو الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ»: وهو القِياسُ.

[وعنه، على عاقِلَتِه دِيَتُه لوَرَثَتِه، ودِيَةُ طَرَفِه لنَفْسِه. وقدَّمه فى «الهادِى»](2)، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،

(1) سقط من: الأصل.

ص: 338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الخُلاصَةِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» . وهو منها. ونصَّ عليه فى رِوايةِ ابنِ مَنْصُورٍ، وأبى طالِبٍ. قال فى «الفُروعِ»: وعنه، دِيَةُ ذلك على عاقِلَتِه، له أو لوَرَثَتِه. اخْتارَه الخِرَقِىُّ، وأبو بَكْرٍ، والقاضى، وأصحابُه. انتهى. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والزَّرْكَشِىُّ: هو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. ذكَرَه فيما إذا رَمَى ثلَاثةٌ بمَنْجَنِيقٍ، فرَجَعَ الحَجَرُ فقَتَلَ أحَدَهم. قال فى «الفُروعِ»:

ص: 339

وَإِنْ نَزَلَ رَجُلٌ بِئْرًا، فَخَرَّ عَلَيْهِ آخَرُ، فَمَاتَ الْأَوَّلُ مِن سَقْطَتِهِ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ.

ــ

ولا نُحَمِّلُه دُونَ الثُّلُثِ فى الأصحِّ. قالَه فى «التَّرْغيبِ» . نقَل حَربٌ، فى مَن قتَل نفْسَه، لا يُودَى مِن بَيْتِ المالِ.

قوله: وإنْ نزَل رَجُلٌ بِئرًا، فَخَرَّ عليه آخَرُ، فماتَ الأَوَّلُ مِن سَقْطِه، فعلى

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عاقِلَتِه دِيَتُه.

ص: 341

وَإِنْ سَقَطَ ثَالِثٌ، فَمَاتَ الثَّانِى بِهِ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سَقْطَتِهِمَا، فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا.

ــ

وإنْ سقَط ثالِثٌ، فماتَ الثَّانِى، فعلى عاقِلَتِه دِيتُه، وإنْ ماتَ الأَوَّلُ مِن سَقْطتِهما، فَدِيَتُه على عاقِلَتِهما. ودَمُ الثَّالثِ هَدْرٌ. لا أعلمُ فى ذلك خِلافًا. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وإنْ ماتُوا كلُّهم، فدِيَةُ الأَوَّلِ على عاقِلَةِ الآخَرَيْنِ نِصْفَيْن، ودِيَة الثَّانى على عاقِلَةِ الثَّالثِ، والثَّالِثُ هَدْرٌ.

فائدة: لو تعَمَّدَ ذلك واحِدٌ منهم، أو كلُّهم، وكانَ ذلك يقْتُلُ غالِبًا، وجَبَ

ص: 342

وَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ جَذَبَ الثَّانِىَ، وَجَذَبَ الثَّانِى الثَّالِثَ، فَلَا شَىْءَ عَلَى الثَّالِثِ، وَدِيَتُهُ عَلَى الثَّانِى فى أحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِى الثَّانِى، عَلَى الأَوَّلِ وَالثَّانِى نِصْفيْنِ، وَدِيَةُ الثَّانِى عَلَى الْأوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ هَلَكَ مِنْ وَقْعَةِ الثَّالِثِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانهُ عَلَى الثَّانِى، واحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِى، وفى نِصْفِهَا الْآخَرِ وَجْهَانِ.

ــ

عليه القَوَدُ، وإلَّا فهو عَمْدُ خَطَأ، فيه الدِّيَةُ المُغَلَّظَةُ، فإنْ كانَ الوُقوعُ خَطَأً، فعلى عاقِلَتِهما الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً.

قوله: وإنْ كانَ الأَوَّلُ جَذَبَ الثَّانِى، وجذَب الثَّانى الثَّالِثَ، فلا شئَ على الثَّالِثِ، ودِيَتُه على الثَّانِى، فى أحَدِ الوَجْهَيْن. وهو المذهبُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الفُروعِ» .

ص: 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفى الوَجْهِ الثَّانى، ديَتُه على الأولِ والثَّانى نِصْفَيْن. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وأطْلَقَهما فَى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى». لكِنْ إنَّما محَلُّ ذلك على العاقِلَةِ عندَهم. وقيل: يسْقُطُ ثُلُثُها. وقيل: يجِبُ على عاقِلَتِه إرْثًا. وقيل: على عاقِلَةِ الثَّانى نِصْفُها، والباقِى هَدْرٌ. وقيل: دَمُه كلُّه هَدْرٌ. ذكَر هذه الأَوجُهَ الأخِيرةَ فى «الرِّعايتَيْن» . قال بعضُهم: وفيه نظَرٌ، بل حِكايَةُ ذلك فى هذه المَسْأَلةِ غَلَطٌ، وإنَّما هذه الأوْجُهُ، فيما إذا جذَب الثَّالِثُ رابعًا، وقد أخَذَ هذه المَسْأَلةَ مِنَ «المُحَرَّرِ» ، وأسْقَطَ منها الرَّابعَ، فَفَسَدَتِ الأَوْجُهُ. انتهى.

قوله: ودِيَةُ الثَّانِى على الأَوَّلِ. وهو أحدُ الوُجوهِ. وقدَّمه فى «الرِّعايَتَيْن» . والوَجْهُ الثَّانى، يجِبُ على الأَوَّلِ نِصْفُ دِيَتِه، ويُهْدَرُ نِصْفُها فى مُقابَلَةِ فِعْلِ نفْسِه.

ص: 344

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأَطْلَقَهما فى «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . والوَجْهُ الثَّالثُ، وُجوبُ نِصْفِ دِيَتِه على عاقِلَتِه لوَرَثَتِه، كما قُلْنا: إذا رَمَى ثَلَاثة بمَنْجَنِيقٍ، فقَتَلَ الحَجَرُ أحدَهم. وهو تخْرِيجٌ فى «الشَّرْحِ». وقيل: دَمُه هَدْرٌ. وأَطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ» .

تنبيه: قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» : فإنْ قيلَ: ظاهِرُ كلام المُصَنِّفِ، أنَّ الدِّيَةَ على مَن ذكَر، لا على عاقِلَتِهم، وصرَّح فى «المُغْنِى» ، أنَّ دِيَةَ الثَّالثِ على عاقِلَةِ الثَّانى، أو على عاقِلَتِه وعاقِلَةِ الأَوَّلِ نِصْفَيْن، وأنَّ دِيَةَ الثَّانى على عاقِلَةِ الأَوَّلِ. قيل: قال فى «النِّهايَةِ» بعدَ ذِكْرِ المَسْألةِ: هذا عَمْدُ خطَأٍ، وهل يجِبُ فى مالِ الجانِى أو على العاقِلَةِ؛ فيه خِلافٌ بينَ الأصحابِ. فلعلَّ المُصَنِّفَ ذكَر أحدَ

ص: 345

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الوَجْهَيْنِ هُنا، والآخَرَ فى «المُغنِى» انتهى. وقد حكَى الخِلافَ فى «الرِّعايتَيْن» .

فائدتان؛ إحْداهما، دِيَةُ الأَوَّلِ، قيل: تجِبُ كلُّها على عاقِلَةِ الثَّانى، ويُلْغَى فِعْلُ نفْسِه. وقيل: يجِبُ نِصْفُها على الثَّانى، ويُهْدَرُ نِصْفُ دِيَةِ القاتلِ؛ لفِعْلِ نفسِه. وقيل: يجِبُ نِصْفُها على نفْسِه لوَرَثَتِه. وأَطْلَقَهُنَّ فى «الشَّرْحِ» .

الثَّانيةُ: لو كانوا أرْبَعَةً؛ فجذَب الأَوَّلُ الثَّانِىَ، والثَّانى الثالِثَ، والثَّالِثُ الرَّابعَ، فدِيَةُ الرَّابعِ على الثَّالثِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: علىَ الثَّلَاثَةِ أثْلاثًا. وأمَّا دِيَةُ الثَّالثِ، فعلى الثَّانى. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى

ص: 346

وَإِنْ خَرَّ رَجُلٌ فى زُبْيَةِ أَسَدٍ فَجَذَبَ آخَرَ، وَجَذَبَ الثَّانِى

ــ

«المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ». وقيل: نِصْفُها على الثَّانى. وقيل: على الأَوَّلَيْنِ. وقيل: ثُلُثَاها. وقيل: دَمُه هَدْرٌ. واخْتارَه فى «المُحَرَّرِ» . وأطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ» . وأمَّا دِيَةُ الثَّانى، فعلى الأوَّلِ والثَّالثِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ». وقيل: ثُلُثَاها عليهما. [وقيل: على الثَّالثِ. قال المَجْدُ: لا شئَ على الأَوَّلِ، بل على الثَّالثِ كلُّها أو نِصْفُها. وقيل: نِصْفُها. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ على الوَجْهِ الأَوَّلِ فى ديَةِ الثَّالثِ أنَّها على الأَوَّلِ، وأمَّا دِيَةُ الأَوَّلِ، فعلى الثَّانِى والثَّالثِ نِصْفان. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الوَجيزِ». وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ»، و «النَّظْمِ»، و «الحاوِى الصَّغِيرِ». وقيل: ثُلُثَاها عليهما](1).

تنبيه: تَتِمَّةُ الدِّيَةِ فى جميعِ الصُّوَرِ، فيه الرِّوايَتان فيما إذا جنَى على نفْسِه.

قوله: وإنْ كانَ الأَوَّلُ هلَك مِن وَقْعَةِ الثَّالِثِ، احْتَمَلَ أَنْ يكونَ ضَمانُه على الثَّانِى -وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» - واحْتَمَلَ أَنْ يكوِنَ نِصْفُها على الثَّانى -وأطْلَقَهما ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» - وفى نِصْفِها الآخرِ وَجْهان. مَبْنِيَّان على الخِلافِ فى جِنايَةِ الإنْسانِ على نفْسِه، على ما تقدَّم مِرارًا.

قوله: وَإِنْ خَرَّ رَجُلٌ فى زُبْيَةِ أَسَدٍ فجَذَب آخَرَ، وجذَب الثَّانى ثالِثًا، وجذَب الثَّالِثُ رابِعًا، فقَتَلَهم الأسَدُ، فالقِياسُ أنَّ دَمَ الأَوَّلِ هَدْرٌ، وعلى عاقِلَتِه دِيَةُ الثَّانِى،

(1) سقط من: الأصل.

ص: 347

ثَالِثًا، وَجَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا، فَقَتَلَهُمُ الأَسَدُ، فَالْقِيَاسُ أنَّ دَمَ الأَوَّلِ هَدْرٌ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِى، وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِى دِيَةُ الثَّالِثِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابعِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أنَّ دِيَةَ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الأَوَّلِ وَالثَّانِى نِصْفيْنَ، وَدِيَةَ الرَّابعِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّلَاثَةِ أثْلَاثًا.

ــ

وعلى عاقِلَةِ الثَّانِى دِيَةُ الثَّالِثِ، وعلى عاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابعِ. وهذا المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، وِ «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.

وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّ دِيَةَ الثَّالثِ على عاقِلَةِ الأَوَّلِ والثَّانى نِصْفِيْن، ودِيَةَ الرَّابعِ على عاقِلَةِ الثَّلَاثَةِ أثْلاثًا. وقيل: دِيَةُ الثَّالثِ على الثَّانى خاصَّةً. وقال فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «إِدْراكِ الغايَةِ»: مُقْتَضَى القِياسِ، أَنْ تَجِبَ لكُلِّ واحدٍ دِيَةُ نفْسِه، إلَّا أن دِيَةَ الأولِ تجِبُ على الثَّانِى والثَّالثِ؛ لأنَّه ماتَ مِن جَذْبَتِه وجَذْبِ الثَّانِى الثَّالِثَ، وجَذْبِ الثَّالثِ الرَّابعَ، فسقَط فِعْلُ نفْسِه.

ص: 348

وَرُوِىَ عَنْ عَلِىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّهُ قضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ، وَلِلثَّانِى بِثُلُثِهَا، وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا، وَلِلرَّابعِ بِكَمَالِهَا، عَلَى مَنْ حَضَرَهُمْ، ثمَّ رُفِعَ إلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَأَجَازَ قَضَاءَهُ.

ــ

وأمَّا دِيَةُ الثَّانى، فتَجِبُ على الثَّالثِ والأوَّلِ نِصْفَيْن، وأمَّا دِيَةُ الثَّالثِ، فتَجِبُ على الثَّانى خاصَّةً، وقيل: بل على الأَوَّلِ والثَّانى. وأمَّا دِيَةُ الرَّابِعِ، فهى على الثَّالثِ، فى أحدِ الوَجْهَيْن، وقدَّمه فى «الخُلاصَةِ» . وفى الآخرِ، تجِبُ على الثَّلَاثَةِ أثْلاثًا. انتهَوا. قال فى «الرِّعايَةِ»: هذا القِياسُ. قال فى «المُذْهَبِ» : لما قدَّم ما قالَه علىٌّ، رَضِى اللَّهُ تعالَى عنه، قال: والقِياسُ غيرُ ذلك.

ورُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قضَى للأوَّلِ برُبْعِ الدِّيَةِ، وللثَّانِى بثُلُثِها، وللثالثِ بنِصْفِها، وللرَّابعِ بكَمالِها، على مَن حضَر، ثم رُفِعَ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فأجازَ

ص: 349

فَذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَيْهِ تَوْقِيفًا.

ــ

قَضاءَه. فذَهَب أحمدُ إليه تَوْقِيفًا. وجزَم به الأدَمِىُّ فى «مُنْتَخَبِه» . وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» ، وغيرِهم. قال فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم فى خَبَرِ علىٍّ: وجَعَلَه على قَبائلِ الذينَ ازْدَحَمُوا. قال فى «المُسْتَوْعِبِ» : قضَى للأوَّلِ برُبْعِ الدِّيَةِ؛ لأنَّه هلَك فوقَه ثلَاثةٌ، وللثَّانى بثُلُثِها؛ لأنَّه هلَك فوقَه اثْنان، وللثَّالثِ بنِصفها؛ لأنَّه هلَك فوقَه واحِدٌ، وللرَّابعِ بكَمالِها.

تنبيه: حكَى المُصَنِّفُ هنا ما رُوِى عن علىٍّ، فيما إذا خَرَّ رجُلٌ فى زُبْيَةِ أسَدٍ، فجذَبَ آخِرَ، إلى آخرِه. وكذا قال فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وجماعَةٌ. وذكَر فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم هذه المَسْألةَ، ثم قالوا: ولو (1) تَدافَعَ وتَزاحَمَ عندَ الحُفْرَةِ جماعَةٌ، فسَقَط منهم أرْبَعَةٌ

(1) فى الأصل: «لقد» .

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيها مُتَجاذِبِينَ، كما وصَفْنا، فهى الصُّورَةُ التى قَضَى فيها علىٌّ، فصُورَةُ علىٍّ التى حكَاها هؤلاءِ، جزَم بها وبحُكْمِها فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، مع حِكايَتهما الخِلافَ فى مَسْأَلةِ المُصَنِّفِ. وقدَّم ما جزَمَا به فى «الرِّعايتَيْن» وغيره. وأمَّا صاحِبُ «الفُروعِ» ، فإنَّه ذكر المَسْأَلة الأولى، وهى مَسْأَلةُ المُصَنِّفِ، وذكَر الخِلافَ فيها. ثم قال: وكذا إنِ ازْدَحَمْ وتَدافَعَ جماعَةٌ عندَ الحُفْرَةِ، فَوَقَعَ أرْبعَةٌ مُتَجاذِبينَ، فظاهِرُه إجْراءُ الخِلافِ فى المَسْألَتَيْن، وأنَّهما فى الحُكْمِ (1) سواءٌ. وهو أوْلَى. ويَدُلُّ عليه كلامُ المُصَنِّفِ، وصاحِبِ «الهِدايَةِ» ، وغيرِهما؛ لكَوْنِهم جعَلُوا ما رُوِى عن علىٍّ فى ذلك. واللَّهُ أعلمُ.

[فائدة (2): ونقَل جماعَةٌ عنِ الإِمامِ أحمدَ، أنَّ سِتَّةً تَغَاطُّوا (3) فى الفُراتِ، فماتَ واحدٌ، فرُفِعَ إلى علىٍّ، فشَهِدَ رَجُلان على ثَلَاثةٍ، وثَلَاثةٌ على اثْنَيْن، فَقَضَى بخُمُسَى الدِّيَةِ على الثَّلَاثَةِ، وبثَلَاثَةِ أخْماسِها على الاثْنَيْن. ذكَرَه الخَلَّالُ وصاحِبُه](4).

فائدة: ذكَر ابنُ عَقِيلٍ، إنْ نامَ على سَطْحِه، فَهَوى سَقْفه مِن تحتِه على قومٍ، لَزِمَه المُكْثُ، كما قالَه المُحَقِّقُونَ فى مَن أُلْقِىَ فى مَرْكَبِه نارٌ، ولا يضْمَنُ ما تَلِفَ بسُقوطِه؛ لأنَّه مُلْجَأٌ لم يَتَسَبَّبْ، وإنْ تَلِفَ شئٌ بدَوامِ مُكْثِه أو بانْتقالِه، ضمِنَه. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ فى التَّائبِ العاجِزِ عن مُفارَقَةِ المَعْصِيَةِ فى الحالِ، أوِ العاجزِ عن إزالَةِ أثَرِها؛ كمُتَوَسِّطِ المَكانِ المَغْصوبِ، ومُتَوَسِّطِ الجَرْحَى، تصِحُّ تَوْبَتُه مع العَزْمِ والنَّدَمِ، وأنَّه ليس عاصِيًا بخُروجِه مِنَ الغَصْبِ.

(1) فى أ، ط:«الخلاف» .

(2)

زيادة من: أ.

(3)

فى ط: «تغاطسوا» .

(4)

سقط من: ط.

ص: 351

وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ إِنْسَانٍ أَوْ شَرَابِهِ، وَلَيْسَ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ، فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ، ضَمِنَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ.

ــ

قال فى «الفُروعِ» : ومنه تَوْبَتُه بعدَ رَمْى السَّهْمِ أوِ الجُرْحِ، وتخْلِيصُه صَيْدَ الحَرَمِ مِنَ الشَّرَكِ، وحَمْلُه المَغْصُوبَ لرَبِّه، يَرْتَفِعُ الإثْمُ بالتَّوْبَةِ، والضَّمانُ باقٍ، بخِلافِ ما لو كانَ ابْتِداءُ الفِعْلِ غيرَ مُحَرَّمٍ؛ كخُروجِ مُسْتَعِيرٍ مِن دارٍ انْتَقَلَت عن المُعِيرِ، وخُروجِ مَن أجْنَبَ مِن مَسْجِدٍ، ونَزْعِ مُجامِعٍ طلَع عليه الفَجْرُ، فإنَّه غيرُ آثِمٍ اتِّفاتًا. ونطرُ المَسْأَلةِ، تَوْبَةُ مُبْتَدِعٍ لم يَتُبْ مِن أصْلِه، تصِحُّ. وعنه، لا تصِحُّ. اخْتارَه ابنُ شَاقْلَا. وكذا تَوْبَةُ القاتلِ قد تُشْبهُ هذا، وتصِحُّ على أصحِّ الرِّوايتَيْن. وعليه الأصحابُ. وحقُّ الآدَمِىِّ لا يسْقُطُ إلَّا بالأَداءِ إليه. وكلامُ ابنِ عَقِيلٍ يقْتَضِى ذلك. وأبو الخَطَّابِ مَغ أنَّ حَركاتِ الغاصِبِ للخُروجِ طاعَةٌ، بل مَعْصِيَةٌ فَعَلَها لدَفْعِ أكثرِ المَعْصِيَتَيْن بأقَلِّهما، والكَذِبَ لدَفْعِ [قَتْلِ إنْسانٍ] (1). قال فى «الفُروعِ»: والقَوْلُ الثَّالثُ هو الوَسَطُ. وذكَر المَجْدُ، أنَّ الخارِجَ مِنَ الغَصْبِ مُمْتَثِلٌ مِن كلِّ وَجْهٍ، إنْ جازَ الوَطْءُ لمَن قال: إنْ وَطِئْتُكِ فأنتِ طالِقٌ ثلائًا. وفيها رِوايَتان، وإلَّا توَجَّهَ لنا أنَّه عاصٍ مُطْلَقًا، أو عاصٍ مِن وَجْهٍ، مُمْتَثِلٌ مِن وَجْهٍ. انتهى.

قوله: ومَنِ اضْطُرَّ إلى طَعامِ إنْسانٍ أو شَرابِه، وليس به مثلُ ضَرُورَتِه، فمَنَعه حتى ماتَ، ضَمِنَه. نَصَّ عليه. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ،

(1) فى الأصل: «الإنسان» .

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِىِّ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُغنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعندَ القاضى، على عاقِلَتِه. ويأْتِى فى أوَاخِرِ الأطْعِمَةِ: إذا اضْطُرَّ إلى طَعامِ غيرِه.

فائدة: مثلُ المَسْألَةِ فى الحُكْمِ، لو أخَذ منه تُرْسًا كان يدْفَعُ به عن نفْسِه ضَرْبًا. ذكَره فى «الانْتِصارِ» .

ص: 353

وَخَرَّجَ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ كُلَّ مَنْ أمْكَنَهُ إِنْجَاءُ إِنْسَانٍ مِنْ هَلَكَةٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَهُ.

ــ

قوله: وخَرَّج عليه أَبُو الخَطَّابِ كلَّ مَن أَمْكَنَه إنْجاءُ إنْسانٍ مِن هَلَكَةٍ، فلم يَفْعَلْ. ووَافقَ أبو الخَطَّابِ وجُمْهورُ الأصحابِ على هذا التَّخْريجِ. قال فى «الفُروعِ»: وخرَّج الأصحابُ ضَمانَه على المَسْألَةِ التى قبلَها، فدَلَّ على أنَّه مع الطَلَبِ. انتهى. قال فى «المُحَرَّرِ»: والحَقَ القاضى، وأبو الخَطَّابِ كلَّ مَن أمْكَنَه إنْجاءُ شَخْصٍ مِن هَلَكَةٍ، فلم يفْعَلْ، وفرَّق غيرُهما (1) بينَهما. انتهى. قال المُصَنِّفُ، وتَبِعَه الشَّارِحُ، وغيرُه: وليس ذلك مِثْلَه. وفرَّقُوا بأنَّ الهَلاكَ فى مَن أمْكَنَه إنْجاءُ إنْسانٍ مِن هَلَكَةٍ، فلم يفْعَلْ، لم يكُنْ بسَبَبٍ منه، فلم يضمَنْه، كما لو لم يَعلَمْ بحالِه. وأمَّا فى مسْألَةِ الطَّعام، فإنَّه منَعَه منه مَنْعًا كان سبَبًا فى هَلاكِه، فافْتَرَقا. قال فى «الفُروعِ»: فدَلَّ أَنَّ كلامَ الأصحابِ عندَ المُصَنِّفِ، ولو لم يَطْلُبْه، فإنْ كانَ ذلك مُرادَهم، فالفَرْقُ ظاهِرٌ. ونقَل محمدُ بنُ يَحْيى، فى مَن ماتَ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 354

وَمَنْ أَفْزَعَ إِنْسَانًا، فَأحْدَثَ بِغَائِطٍ، فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ. وَعَنْهُ، لَا شَىْءَ عَلَيْهِ.

ــ

فرَسُه فى غَزاةٍ، لم يَلْزَمْ مَن معه فَضْلٌ حَمْلُهُ. ونقَل أبو طالِبٍ، يُذكِّرُ الناسَ، فإنْ حمَلُوه، وإلَّا مَضَى معهم.

فائدة: مَن أَمْكَنَه إنْجاءُ شَخْصٍ مِن هَلَكَةٍ، فلم يفْعَلْ، ففى ضَمانِه وَجْهان. وأَطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «القَواعِد الأُصُولِيَّةِ» ؛ أحدُهما، يضْمَنُه. قدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . وجزَم به فى «الخُلاصةِ» ، و «المُنَوِّرِ» . والوَجْهُ الثَّانى، لا يضْمَنُه. اخْتارَه المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارحُ. وقيل: الوَجْهان أيضًا فى وُجوبِ إنْجائِه. قلتُ: جزَم ابنُ الزَّاغُونِىِّ فى «فَتاوِيه» باللُّزومِ. وتقدَّم ما يتَعَلَّقُ بذلك فى كتابِ الصِّيامِ.

تنبيه: قال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» لمَّا حكَى الخِلافَ: هكذا ذكَرَه فى مَن وقَفْتُ على كلامِه، وخَصُّوا الحُكْمَ بالإنْسانِ، ويَحْتَمِلُ أَنْ يتَعدَّى إلى كلِّ مَضْمُونٍ إذا أمْكَنَه تخْلِيصُه، فلم يفْعَل حتى تَلِفَ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يخْتَصَّ الخِلاف بالإنْسانِ دُونَ غيرِه؛ لأنَّه أعْظَمُ حُرْمَةً مِن غيرِه، ويَحْتَمِلُ أَنْ يتعَدَّى إلى كلِّ ذِى رُوحٍ، كما اتَّفَقَ الأصحابُ على بَذْلِ فَضْلِ الماءِ للبَهَائمِ، وحكَوا فى الزَّرْعِ رِوايتَيْن. وذكَر أبو محمدٍ، إذا اضْطُرَّتْ بهِيمَةُ الأَجْنَبِىِّ إلى طَعامِه، ولا ضَرَرَ يَلْحَقُه ببَذْلِه، فلم يبْذُلْه حتى ماتَتْ، فإنَّه يضْمَنُها. وجعَلَها كالآدَمِىِّ. انتهى.

قوله: ومَن أفْزَعَ إنْسانًا، فأحْدَثَ بغائِطٍ، فعليه ثُلُثُ دِيَتِه. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. قال ابنُ مُنَجَّى: هذا المذهبُ. وهو أصحُّ. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ،

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وجزَم به الأدَمِىُّ فى «مُنْتَخبِه» ، وناظِمُ «المُفْرَداتِ» . وهو منها.

وعنه، لا شئَ عليه. جزَم به فى «الوَجيزِ» . ومالَ إليه الشَّارِحُ. وصحَّحه النَّاظِمُ. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، ذكَرَه فى آخِرِ بابِ أَرْشِ الشِّجاجِ. وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» .

فائدة: وكذا الحُكْمُ لو أحْدَثَ ببَوْلٍ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، الإِحْداثُ بالرِّيح كما لإِحْداثِ بالبَوْلِ والغائِطِ. وهذا المذهبُ. ذكَره القاضى، وأصحابُه. وجزَم به فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، وناظِمُ «المُفْرَداتِ» . وهو منها. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والأَوْلَى التَّفْريقُ بينَ البَوْلِ والرِّيحِ؛ لأَنَّ البَوْلَ والغائِطَ أفْحَشُ، لا يُقاسُ الرِّيحُ عليهما. وهو ظاهِرُ كلامِ جماعَةٍ مِنَ الأصحابِ. واقْتَصَرَ النَّاظِمُ على الغائِطِ، وقال: هذا الأَقْوَى. ووُجوبُ ثُلُثِ الدِّيَةِ على العاقِلَةِ بالإِحْداثِ، جزَم به ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها.

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ إذا لم يَسْتَمِرَّ. [قال فى «الرِّعايتَيْن»، و «الحاوِى»: فأحْدَثَ. وقيل: مرَّةً](1). أمَّا إنِ اسْتَمَرَّ الإِحْداثُ بالبَوْلِ أوِ الغائِطِ، فيأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ، إذا لم يسْتَمْسِكِ الغائِطُ أوِ البَوْلُ، فى بابِ دِياتِ الأعْضاءِ ومَنافِعها، فى الفَصْلِ الأَوَّلِ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو ماتَ مِنَ الإِفْزاعِ، فعلى الذى أفْزَعَه الضَّمانُ، تحْمِلُه العاقِلَةُ بشَرْطِه، وكذا لو جنَى الفَزْعانُ على نفْسِه أو غيرِه. جزَم به ناظِمُ «المُفْرَداتِ» . وهو منها.

ص: 358