الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ. وَعَنْهُ، لَا يُقْتَلُونَ. وَالْمَذْهَبُ الأَوَّلُ.
ــ
قوله: وتُقْتَلُ الجَماعَةُ بالواحِدِ. هذا المذهبُ، كما قالَه المُصَنِّفُ هنا بلا رَيْبٍ. وقالَه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال فى «الهِدايَةِ»: عليه عامَّةُ شيوخِنا. وعنه، لا يُقْتَلُونَ به. نقَلَه حَنْبَلٌ. وحسَّنَها ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُصولِ» . ويأْتِى كلامُه فى «الفُنونِ» ، فيما إذا اشْتَرَكَ فى القَتْلِ اثْنان، لا يجِبُ القِصاصُ على أحَدِهما. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ والفَضْلُ، أنَّه إنْ قتَلَه ثلاثَةٌ، فله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَتْلُ أحَدِهم، والعَفْوُ عن آخَرَ، وأخْذُ الدِّيَةِ كامِلَةً مِن أحَدِهم. فعلى المذهبِ، مِن شَرْطِ قَتْلِ الجماعَةِ بالواحدِ، أَنْ يكونَ فِعْلُ كلِّ واحدٍ منهم صالِحًا للقَتْلِ به. قالَه الأصحابُ. وعلى الذهبِ، لو عَفَىَ الوَلىُّ عنهم، سقَط القَوَدُ، ولم يَلْزَمْهم إلَّا دِيَةٌ واحدةٌ. على الصَّحيحِ مِنَ الذهبِ. جزَم به فى «الوَجيزِ»
وَإِنْ جَرَحَهُ أحَدُهُمَا جُرْحًا وَالْآخَرُ مِائَةً، فَهُمَا سَوَاءٌ فِى الْقِصَاصَ وَالدِّيَةِ.
ــ
وغيرِه. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغيرِ» ، و «الفُروعِ» . وعنه، يَلْزَمُهم دِياتٌ. نقَل ابنُ هانِئٍ، يَلْزَمُهم دِياتٌ. واخْتارَها أبو بَكْرٍ. وصحَّحها الشِّيرَازِىُّ. وأَطْلَقهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» . وتقدَّم رِوايَةُ ابنِ مَنْصُورٍ والفَضْلِ. وأمَّا على الرِّوايةِ الثَّانيةِ، فلا يَلْزَمُ إلَّا دِيَةٌ واحدَةٌ، قوْلًا واحدًا. قالَه الأصحابُ.
فائدة: مِثْلُ ذلك فى الحُكْمِ، لو فَعَلوا ما يُوجِبُ قِصاصًا فيما دُونَ النَّفْسِ، كالقَطْعِ ونحوِه. قالَه الأصحابُ. ويأْتِى هذا فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى آخرِ بابِ ما يُوجِبُ القِصاصَ فيما دُونَ النَّفْسِ.
قوله: وإِنْ جرَحَه أحَدُهما جُرْحًا والآخَرُ مِائةً، فهما سَوَاءٌ فى القِصاصِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والدِّيَةِ. وهذا بلا نِزاعٍ بشَرْطِه المُتَقَدِّمِ.
وَإِنْ قَطَعَ أحَدُهُمَا مِنَ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَهُ الْآخَرُ مِنَ الْمِرْفَقِ، فَهُمَا قَاتِلَانِ.
ــ
قوله: وإنْ قطَع أحَدُهما مِنَ الكُوعِ، ثم قطَعَه الآخَرُ مِنَ المِرْفَقِ -يعْنِى، وماتَ- فهما قاتِلان. هذا المذهبُ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الفُروعِ» .
وقيل: القاتِلُ هو الثَّانى. فيُقْتَلُ به، ويُقادُ مِنَ الأَوَّلِ، بأنْ تُقْطَعَ يَدُه مِن الكُوعِ، كقَطْعِه.
تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا كان قَطْعُ الثَّانى قبلَ بُرْءِ القَطْعِ الأَوَّلِ. أمَّا إنْ كانَ بعدَ بُرْئِه، فالقاتِلُ هو الثَّانى، قوْلًا واحدًا. قالَه الأصحابُ. وهو واضِحٌ (1).
(1) فى الأصل: «أصح» .
وَإِنْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا فِعْلًا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ، كَقَطْعِ حُشْوَتِهِ، أَوْ مَرِيئِهِ، أَوْ وَدَجَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ،
ــ
[فوائد؛ إحْداها](1)، لوِ ادَّعَى الأَوَّلُ أنَّ جُرْحَه انْدَمَلَ، فصَدَّقَه الوَلِىُّ، سقَط عنه القَتْلُ، ولَزِمَه القِصاصُ فى اليَدِ، أو نِصْفُ الدِّيَةِ، وإنْ كذَّبَه شَرِيكُه، واخْتارَ الوَلِىُّ القِصاصَ، فلا فائدَةَ له فى تكْذيبه؛ لأَنَّ قَتْلَه واجِبٌ. وإنْ عفَا عنه إلى الدِّيَةِ، فالقولُ قولُه معِ يَمِينِه، ولا يَلْزَمُه أكثرُ مِن نِصْفِ الدِّيَةِ، وإنْ كذب الوَلِىُّ الأوَّلَ، حلَف، وكان له قَتْلُه، وإنِ ادَّعَى الثَّانى انْدِمالَ جُرْحِه، فالحُكْمُ فيه كالحُكْمِ فى الأَوَّلِ إذا ادَّعَى ذلك.
الثَّانيةُ، لوِ انْدمَلَ القَطْعان، أُقِيدَ الأَوَّلُ، بأَنْ يُقْطَعَ مِن الكُوعِ. قال فى «الفُروعِ»: وكذا مِنَ الثَّانى المَقْطُوعِ يدُه مِن كُوعٍ، وإلَّا فحُكُومَةٌ، أو ثلُثُ ديَةٍ، فيه الرِّوايَتان. وقال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ»: وإنِ انْدَمَلا، فعلى الأَوَّلِ القَوَدُ مِن الكُوعِ، وعلى الثَّانى حُكُومَةٌ. وعنه، ثُلُثُ دِيَةِ اليَدِ، ولا قَوَدَ عليه مع كَمالِ يَدِه.
[الثَّالثةُ، لو قَتَلُوه بأَفْعالٍ لا يصْلُحُ واحدٌ منها لقَتْلِه، نحوَ أَنْ يضْرِبَه كلُّ واحدٍ سَوْطًا فى حالَةٍ، أو مُتَوالِيًا، فلا قَوَدَ. وفيه -عن تَواطُؤٍ- وَجْهان فى «التَّرْغيبِ»، واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ». قلتُ: الصَّوابُ القَوَدُ](2).
قوله: وإِنْ فعَل أحَدُهما فِعْلًا لا تَبْقَى الحَياةُ معه، كقَطْعِ حُشْوَتِه، أو مَرِيِئِه،
(1) فى الأصل، ط:«فائدتان إحداها» .
(2)
سقط من: الأصل.
وَيُعَزَّرُ الثَّانِى، وَإِنْ شَقَّ الْأَوَّلُ بَطْنَهُ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِى عُنُقَهُ، فَالثَّانِى هُوَ الْقَاتِلُ، وَعَلَى الأَوَّلِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ بِالْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ.
ــ
أو وَدَجَيْه، ثم ضرَب عُنُقَه آخَرُ، فالقاتِلُ هو الأَوَّلُ، ويُعَزرُ الثَّانِى. هذا المذهبُ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال فى «الفُروعِ»: قُتِل الأوَّلُ، وعُزِّرَ الثَّانى. وهو مَعْنَى كلامِه فى «التَّبْصِرَةِ» ، كما لو جَنَى على مَيِّتٍ، فلهذا لا يضْمَنُه. قال فى «الفُروعِ»: ودَلَّ هذا على أنَّ التَّصَرُّفَ فيه كمَيِّتٍ، كما (1) لو كان عَبْدًا؛ فلا يصِحُّ بَيْعُه. قال: كذا جعَلُوا الضَّابِطَ؛ يعِيشُ مِثْلُه أو لا يَعيشُ. وكذا علَّلَ الخِرَقِىُّ المسْألتَيْن، مع أنَّه قال فى الذى لا يَعِيشُ: خرَق
(1) سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بطْنَه، وأَخْرَجَ حُشْوَتَه فَقَطَعَها، فأبانَها منه. قال: وهذا يقْتَضِى أنَّه لو لم يُبِنْها، لم يكُنْ حُكْمُه كذلك، مع أنَّه بقَطْعِها لا يعيشُ. فاعْتَبَرَ الخِرَقِىُّ كوْنَه لا يعيشُ فى مَوْضِعٍ خاصٍّ، فتَعْميمُ الأصحابِ -لاسِيَّما وقد احْتَجَّ غيرُ واحدٍ منهم بكَلامِ الخِرَقِىِّ- فيه نظَرٌ. قال: وهذا مَعْنَى اخْتِيارِ الشَّيْخِ وغيرِه فى كلامِ الخِرَقِىِّ؛ ولهذا احْتَجَّ بوَصِيَّةِ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه (1)، ووُجوبِ العِبادَةِ عليه فى مَسْأَلَةِ
(1) تقدم تخريجه فى 17/ 122.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذَّكاةِ، كما احْتَج هنا. ولا فَرْقَ. وقد قال ابنُ أبى مُوسى وغيرُه فى الذَّكاةِ، كالقَوْلِ. هنا، فى أنَّه يعيشُ أو لا يعيشُ. ونصَّ عليه أحمدُ أيضًا. قال: فهؤلاءِ أيضًا سَوَّوا بينَهما، وكلامُ الأكْثرِ على التَّفْرِقَةِ. وفيه نظَرٌ. انتهى.
فائدة: قال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارِحُ: إنْ فعَل ما يموتُ به يقِينًا، وبَقِيتْ معه حياةٌ مُسْتَقِرةٌ، كما لو خرَق حُشْوَتَه ولم يُبنْها، ثم ضرَب آخَرُ عُنُقَه، كان القاتِل هو الثَّانى؛ لأنَّه فى حُكمِ الحياةِ، لصِحَّةِ وَصِيَّةِ عُمَرَ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ تَخْرِيجُ رِوايةٍ مِن مسْألَةِ الذَّكاةِ؛ أنَّهما قاتِلان. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال فى «الفُروعِ» : ولهذا اعْتَبرُوا إحْداهما بالأُخْرَى. قال: ولو كان فِعْلُ الثَّانى كَلَا فِعْلٍ، لم يُوثِّرْ غرَقُ حَيوانٍ فى ماءٍ يقْتُلُه مِثْلُه بعدَ ذَبْحِه، على إحْدَى الرِّوايتَيْن، ولَما صحَّ القولُ بأنَّ نفْسَه زَهَقَتْ بهما كالمُقارِنِ، ولا يَقَعُ كوْنُ الأَصْلِ الحَظْرَ، ثم الأَصْلُ هنا بَقاءُ عِصْمَةِ الإنْسانِ على ما كان. فإن قيل: زالَ الأصْلُ بالسَّبَبِ. قيل: وفى مَسْأَلَةِ الذَّكاةِ. وقد ظهَر أنَّ الفِعْلَ الطارِئَ له تأْثيرٌ فى التَّحْريمِ فى المَسْألَةِ المذْكورَةِ، وتأْثيرٌ فى الحلِّ (1)، فى مسْألَةِ المُنْخَنِقَةِ وأخَواتِها، على ما فيها مِن الخِلافِ. ولم أجِدْ فى كلامِهم دليلًا هنا إلَّا مُجَرَّدَ دَعْوَى أنَّه كَمَيِّتٍ، ولا فَرْقًا مُؤثِّرًا بينَه وبينَ الذَّكاةِ. واللَّهُ أعلمُ. انتهى.
(1) فى الأصل، أ:«المحل» .
وَإِنْ رَمَاهُ مِنْ شَاهِقٍ، فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِى. وَإِنْ رَمَاهُ فِى لُجَّةٍ، فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ، فَالْقَوَدُ عَلَى الرَّامِى فِى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
ــ
قوله: وإِنْ رَماه فى لُجَّةٍ، فتَلَقَّاه حُوتٌ فابْتَلَعَه، فالقَوَدُ على الرَّامى، فى أحْدِ الوَجْهَيْن. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الخُلاصَةِ» ، و «المُغنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ،
وَإِنْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى الْقَتْلِ فَقَتَلَ، فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا.
ــ
و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الآخَرُ، لا قَوَدَ عليه، بل يكونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ». وقيل: عليه القَوَدُ إنِ الْتَقَمَه الحُوتُ بعدَ حُصُولِه فيه قبلَ غَرَقِه.
فائدة: لو أَلْقاه فى ماءٍ يسيرٍ، فإنْ عَلِمَ به الحُوتَ والْتَقَمَه، فعليه القَوَدُ، وإنْ لم يعْلَمْ به، فعليه الدِّيَةُ.
قوله: وإِنْ أَكْرَهَ إنْسانًا على القَتْلِ، فقَتَلَ، فالقِصاصُ عليهما. هذا المذهبُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الكافِى» ، و «الهادِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال فى «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والعِشْرِين بعدَ المِائَةِ»: المذهبُ، اشْتِراكُ المُكرِهِ والمُكْرَهِ فى القَوَدِ والضَّمانِ. وكذا قال القاضى، وابنُ عَقِيلٍ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقال: قال فى «المُوجَزِ» : هذا إنْ قُلْنا بقَتْلِ الجماعَةِ بالواحدِ.
وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ عَبْدَهُ الَّذِى لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَتْلَ مُحَرَّمٌ، بِالقَتْلِ، فَقَتَلَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ.
ــ
وقال الطُّوفِىُّ فى شَرْحِ «مُخْتَصَرِه» فى الأُصولِ: مذهبُ أحمدَ، يجِبُ القِصاصُ على المُكْرَهِ -بفَتْحِ الرَّاءِ- دُونَ المُكْرِهِ -بكَسْرِها- ولعَلَّه مُرادُ صاحبِ «الفُروعِ» بقوْلِه: وخصَّه بعضُهم بمُكْرَهٍ. قال فى «القَواعِدِ» ، وكذا القاضى فى «المُجَردِ» ، وابنُ عَقِيلٍ فى بابِ الرَّهْنِ: إنَّ أبا بَكْرٍ ذكَر أنَّ القَوَدَ على المُكْرَهِ المُباشِرِ، ولم يذْكُرْ على المُكْرِهِ قَوَدًا. قالَا: والمذهبُ وُجوبُه عليهما. وذكَر ابنُ الصَّيْرَفِىِّ، أنَّ أبا بَكْرٍ السَّمَرْقَنْدِى (1) -مِن أصحابِنا- خرَّج وَجْهًا؛ أنَّه لا قَوَدَ على واحدٍ منهما، مِن امْتِناعِ (2) قَتْلِ الجماعَةِ بالواحدِ، وأَوْلَى. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ عكْسُه. يعْنِى أنَّ القَوَدَ يخْتَصُّ المُكْرِهَ -بكَسْرِ الرَّاءِ. وقال فى «الانْتِصارِ» : لو أُكْرِهَ على القَتْلِ بأَخْذِ المالِ، فالقَوَدُ، ولو أُكْرِهَ بقَتْلِ النَّفْسِ، فلا.
فائدة: قولُه: وإنْ أَمَر مَن لا يُميِّزُ، أو مَجْنُونًا، أو عَبْدَه الذى لا يَعْلَمُ أَنَّ القَتْلَ مُحَرَّمٌ، بالقَتْل، فقَتَلَ، فالقِصاصُ على الآمِرِ. وكذا الحُكْمُ لو أمَرَ كبيرًا
(1) هو أحمد بن عمر بن الأشعث السمرقندى، أبو بكرٍ، المقرئ، كان يكتب المصاحف من حفظه، وكان لجماعة من أهل دمشق فيه رأى حسن، وكان مزاحا، توفى سنة أربعمائة وتسعة وثمانين. معجم البلدان 3/ 138، غاية النهاية فى طبقات القراء 1/ 92.
(2)
فى أ، ط:«رواية» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يجْهَلُ تحْرِيمَه. وهذا المذهبُ فى ذلك كلِّه، وعليه الأصحابُ، إلَّا أنَّ أبا الخَطَّابِ قال فى «الانْتِصارِ»: لو أمَرَ صَبِيًّا بالقَتْلِ، فَقَتل هو وآخَرُ، وجَب القِصاصُ على آمِرِه وشَرِيكِه فى رِوايةٍ، وإنْ سَلِمَ، فلعَجْزِه غالِبًا.
تنبيه: مفْهومُ قولِه: وإنْ أمَرَ مَن لا يُمَيِّزُ بالقَتْلِ، فقَتَلَ، [فالقِصاصُ على الآمِرِ. أنَّه لو أمَرَ مَن يُمَيِّزُ بالقَتْلِ، فقَتَل](1)، أنَّ القِصاصَ على القاتلِ. ومفْهومُ قولِه: وإِنْ أَمَرَ كَبِيرًا عاقِلًا عالمًا بتَحْرِيمِ القَتْلِ به، فقَتَل، فالقِصاصُ على القاتِلِ. أنَّه لا قِصاصَ على غيرِ الكَبيرِ العاقلِ. فشَمِلَ مَن يُمَيِّزُ. فقال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: لا قِصاصَ عليه، ولا على الآمِرِ؛ أمَّا الأَوَّلُ، فلأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأمَّا الثَّانى، فلأَنَّ تَمْيِيزَه يَمْنَعُ أَنْ يكونَ كالآلةِ، فلا قَوَدَ كل واحدٍ منهما. وقال فى «الفُروعِ»: ومَن أمَرَ صَبِيًّا بالقَتْلِ فقَتَلَ، لَزِمَ الآمِرَ. فظاهِرُه إدْخالُ المُمَيِّزِ
وَإِنْ أَمَرَ كَبِيرًا عَاقِلًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِهِ، فَقَتَلَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ. وَإِنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ إِنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى الْآمِرِ.
ــ
فى ذلك، ويُؤَيِّدُه أنَّه بعدَ ذلك حكَى ما قالَه ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» .
قوله: وإنْ أَمَرَ كَبِيرًا عَاقِلًا عَالِمًا بتَحْرِيمِ القَتْلِ بِهِ، فَقَتَلَ، فالقِصاصُ على القاتِلِ. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه. وعليه الأصحابُ. وأما الآمِرُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُعَزَّرُ لا غيرُ. نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. وعنه، يُحْبَسُ كمُمْسِكِه. وفى «المُبْهِجِ» رِوايةٌ، يُقْتَلُ أيضًا. وعنه، يُقْتَلُ بأمْرِه عَبْدَه، ولو كان كبيرًا عاقِلًا عالمًا بتَحْريمِ القَتْلِ. نقَل أبو طالِب، مَن أَمَرَ عبْدَه أَنْ يقْتُلَ رجُلًا فقَتَلَه، قتِلَ المَوْلَى، وحُبِسَ العَبْدُ حتى يموتَ؛ لأنَّه سَوْطُ المَوْلَى وسيْفُه. كذا قال علىُّ بنُ أبى طالِبٍ، وأبو هُرَيْرَةَ. وأنه لو جَنَى بإذْنِه، لَزِمَ موْلَاه، وإنْ كانتِ الجِنايَةُ أكثرَ مِن ثَمَنِه؛ وحَمَلَها أبو بَكْرٍ على جَهالَةِ العَبْدِ. ونَقَل ابنُ مَنْصُورٍ، إنْ أَمَرَ عَبْدًا بقَتْلِ سيِّدِه فقَتَل، أثِمَ، وأن فى ضَمانِ قِيمَتِه رِوايتَيْن، ويَحْتَمِلُ إنْ خافَ السُّلْطانَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُتِلَا.
فوائد؛ لو قال لغيرِه: اقْتُلْنِى. أوِ: اجْرَحْنِى. ففَعَل، فدَمُه وجُرْحُه هَدَرٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وعنه، عليه الدِّيَةُ. وقيل: عليه دِيَتُهما. ذكَرَه فى «الرِّعايَةِ» . وعنه، عليه الدِّيَةَ للنَّفْسِ دُونَ الجُرْحِ. ويَحْتَمِلُ القَوَدَ فيهما. وهو لصاحِبِ «الرِّعايَةِ» . ولو قالَه عَبْدٌ، ضَمِنَ الفاعِلُ لسيِّدِه بمالٍ فقط. نصَّ عليه.
ولو قال: اقْتُلْنِى، وإلَّا قَتَلْتُكَ. قال فى «الفُروعِ»: فخِلافٌ، كإذْنِه. وقال فى «الانْتِصارِ»: لا إِثْمَ ولا كفَّارَةَ. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبرى» : وإنْ قال: اقْتُلْنِى، وإلَّا قتَلْتُكَ. فإكْراهٌ، ولا قَوَدَ إذَنْ. وعنه، ولا دِيَةَ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يُقْتَلَ، أو يَغْرَمَ الدَيةَ، إنْ قُلْنا: هى للوَرَثَةِ.
وإنْ قال له القادِرُ عليه: اقْتُلْ نفْسَكَ، وإلَّا قتَلْتُكَ. أو: اقْطَعْ يَدَكَ، وإلَّا قطَعْتُها. فليس إكْراهًا، وفِعْلُه حرامٌ. واخْتارَ فى «الرِّعَايَةِ الكُبْرى» ، أنَّه إكْراهٌ.
وَإِنْ أَمْسَكَ إِنْسَانًا لِآخَرَ لِيَقْتُلَهُ، فَقَتَلَهُ، قُتِلَ الْقَاتِلُ، وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ، فِى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالأُخْرَى، يُقْتَلُ
أَيْضًا.
ــ
وإنْ قال: اقْتُلْ زَيْدًا أو عَمْرًا. فليس إكْراهًا، فإنْ قتَل أحدَهما، قُتِلَ به. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «الرِّعايَةِ»: قلتُ: ويَحْتَمِلُ الإِكْراهَ.
وإن أكْرَهَ سعْدٌ زيْدًا على أَنْ يُكْرِهَ عَمْرًا على قَتْلِ بَكْرٍ، فقَتَلَه، قُتِلَ الثَّلاثَةُ. جزَم به فى «الرِّعَايَةِ الكُبْرى» .
قوله: وإنْ أَمْسَكَ إنْسانًا لآخَرَ ليَقْتُلَه، فقَتَلَه، قُتِلَ القاتِلُ، وحُبِسَ المُمْسِكُ حتى يَمُوتَ، فى إحْدَى الرِّوايتَيْن. وهو المذهبُ. جزَم به الخِرَقِىُّ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرُهم. وقدَّمه فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا أشْهَرُ الرِّوايتَيْن. واخْتِيارُ القاضى، والشَّرِيفِ، وأبى الخَطَّابِ فى «خِلافَاتِهم» ، والشِّيرَازِىِّ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. والأُخْرَى، يُقْتَلُ أيضًا المُمْسِكُ. اخْتارَه أبو محمدٍ الجَوْزِىُّ وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . وقال ابنُ الصَّيْرَفِىِّ فى عُقوبَةِ أصحابِ الجرائمِ، فى المُمْسِكِ للقَتْلِ (1): ذهَب بعضُ أصحابنا المُتأَخِّرِين إلى أنَّه تُغَلُّ يَدُ المُمْسِكِ إلى عُنُقِه حتى يموتَ. وهذا لا بَأْسَ به. وأَطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . فعلى المذهبِ، لو قَتَل الوَلِىُّ المُمْسِكَ، فقال القاضى: يجِبُ عليه القِصاصُ، مع أنَّه فعلٌ مُخْتَلِفٌ. قال المَجْدُ (2): وهذا إنْ أرادَ به فى مَن فعَل ذلك مُعْتَقِدًا لجَوازِه ووُجوبِ القِصاصِ له، فليس بصَحيح قَطْعًا، وإنْ أرادَ مُعْتَقِدًا للتَّحْريمِ، فيجبُ أَنْ يكونَ على وَجْهَيْنِ؛ أصَحُّهما، سُقوطُ القِصاصِ بشُبْهَةِ الخِلافِ، كما فى الحُدودِ.
تنبيه: شرَطَ فى «المُغْنِى» فى المُمْسِكِ، أَنْ يعْلَمَ أنَّه يقْتُلُه. وتابعَه الشَّارِحُ. قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. قال القاضى: إذا أمْسَكَه للَّعِبِ أوِ
(1) فى الأصل، أ:«القتل» .
(2)
فى الأصل، أ:«المجاهد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الضَّرْبِ، وقتَله القاتِلُ، فلا قَوَدَ على الماسِكِ. وذكَرَه محَلَّ وِفاقٍ. وقال فى «مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِىِّ»: لا مازِحًا مُتَلاعِبًا. انتهى. وظاهرُ كلامِ جماعَةٍ الإِطْلاقُ.
فائدة: مِثْلُ هذه المسْأَلَةِ فى الحُكْمِ، لو أمْسَكَه ليَقْطَعَ طَرَفَه. ذكَرَه فى
وَإِنْ كَتَّفَ إِنْسَانًا، وَطَرَحَهُ فِى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ، أَوْ ذَاتِ
ــ
«الانْتِصارِ» . وكذا إنْ فتَح فَمَه، وسقَاه آخَرُ سُمًّا. وكذا لوِ اتَبَعَ رجُلًا ليَقْتُلَه فهَرَبَ، فأدْرَكَه آخَرُ، فقَطَعَ رِجْلَه، ثم أدْرَكَه الثَّانى فقَتَلَه، فإنْ كان الأَوَّلُ حَبَسَه بالقَطْعِ، فعليه القِصاصُ فى القَطْعِ، وحُكْمُه فى القِصاصِ فى النَّفْسِ حُكْمُ المُمْسِكِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وفيه وَجْهٌ، ليس عليه إلَّا القَطْعُ بكُلِّ حالٍ.
قوله: وإِنْ كَتَّفَ إنْسانًا وطَرَحَه فى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ، أَو ذاتِ حَيَّاتٍ فقَتَلَتْه،