الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِى النَّفْسِ إِلَّا بِالسَّيْفِ، فِى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِى الأُخْرَى، يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ. فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فُعِلَ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِحَجَرِ، أَوْ غَرَّقَهُ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ، فُعِلَ بِهِ مِثْلُ فِعْلِهِ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَمَاتَ، فُعِلَ بِهِ كَفِعْلِهِ، فَإِنْ مَاتَ، وَإلَّا ضُرِبت عُنُقُهُ. وَقَالَ الْقَاضِى: يُقْتَلُ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ. رِوَايَةً وَاحِدَةً.
ــ
قوله: ولا يُسْتَوْفَى القِصاصُ فى النَّفْسِ إلَّا بالسَّيْفِ، فى إحْدَى الرِّوَايتَيْن. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» ، وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقال: نصَّ عليه، واخْتارَه الأصحابُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَشْهورُ واخْتِيارُ الأكْثرينَ. قال فى «الانْتِصارِ» وغيرِه، فى قَوَدٍ: وحَقُّ اللَّهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يجوزُ فى النَّفْسِ إلَّا بسَيْفٍ؛ لأنَّه أوْحَى (1)، لا بسِكِّينٍ، ولا فى طَرَفٍ إلَّا بها؛
(1) فى أ: «أزجر» . و «أوحى» : أسرع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِئَلَّا يحِيفَ، وأنَّ الرَّجْمَ بحَجَر، لا يجوزُ بسَيْفٍ. انتهى.
وفى الرِّوايةِ الأُخْرَى، يُفْعَلُ به كما فعَل. إلَّا ما اسْتُثْنِىَ، أو يُقْتَلُ بالسَّيْفِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، فقال: هذا أشْبَهُ بالكِتابِ والسُّنةِ والعَدْلِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهى أوْضَحُ دليلًا. فعليها، لو قطَع يَدَيْه ثم قَتَلَه، فُعِلَ به ذلك، وإنْ قَتَلَه بحَجَر، أو أغْرَقَه، أو غير ذلك، فُعِلَ به مِثْلُ فِعْلِه.
قوله: وإنْ قطَع يَدَه مِن مَفْصِل أو غيرِه، أو أَوضَحَه فماتَ، فُعِلَ به كفِعْلِه. فى هذه المَسْألةِ طَرِيقان؛ أحدُهما، أنَّ فيها الرِّوايتَيْن المُتَقَدِّمتَيْن. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهو قولُ غيرِ أبى بَكْرٍ، والقاضى، وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا.
والطَّريقُ الثَّانى، أنَّه هُنا يُقْتَلُ ولا يُزادُ عليه، رِوايةً واحدةً. وهو قولُ أبى بَكْرٍ، والقاضى. قال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، وتَبِعَه الشَّارِحُ: وهو الصَّحيحُ منَ المذهبِ.
واعلمْ أنَّ محَلَّ ذلك فيما لوِ انْفَرَدَ لم يَكُنْ فيه قِصاصٌ، كما لو أَجافَه أو أَمَّه، أو قطَع يَدَه مِن نِصْفِ ذِراعِه، أو رِجْلَه مِن نِصْفِ ساقِه، أو يَدًا ناقِصَةً، أو شَلَّاءَ أو زائِدَةً، ونحوَه، فسَرَى (1). ومثَّل المُصَنِّفُ بما لا يجِبُ فيه قِصاصٌ كالقَطْعِ مِن غيرِ مَفْصِل والمُوضِحَةِ، ومثَّل لِمَا يجبُ فيه القِصاصُ كالقَطْعِ مِنَ المَفْصِلِ.
(1) فى الأصل: «فدى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واعلمْ أنَّه لو قطَع يدَيْه أو رِجْلَيْه، أو جَرَحَه جُرْحًا يُوجِبُ القِصاصَ لوِ انْفَرَدَ، فسَرَى إلى النَّفْسِ، ففيه طَرِيقان أيضًا. والصَّحيحُ منهما، أنَّه على الرِّوايتَيْن. اخْتارَه القاضى، والمُصَنِّفُ، وغيرُهما. فيَصِحُّ تمْثِيلُ المُصَنِّفِ بقَطْعِ اليَدِ مِنَ المَفْصِلِ. والطَّريقُ الثَّانى، أنَّه لا يقْتَصُّ مِنَ الطَّرَفِ، رِوايةً واحدةً. وهى طريقةُ أبى الخَطَّابِ وجماعَةٍ. ففى كلٍّ مِنَ المَسْألتَيْن طَرِيقان، ولكِن التَّرْجِيحَ مُخْتَلِفٌ. [وحيثُ قُلْنا: يُفْعَلُ به مِثْلُ ما فعَل. وفُعِلَ] (1)، فإن ماتَ وإلَّا ضُرِبَتْ عُنُقه. وفى «الانْتِصارِ» احْتِمالٌ، أوِ الدِّيَة بغيرِ رِضَاه. وقال
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى «الفُروعِ» : وأطلَقَ جماعَة رِوايةً، يُفْعَل به كفِعْلِه غيرِ المُحَرَّمِ. اخْتارَه أبو محمدٍ الجَوْزِىُّ. وعنه، يُفْعَلُ به كفِعْلِه إنْ كان مُوجِبًا، وإلَّا فلا. وعنه، يُفْعَلُ به كفِعْلِه إنْ كانَ مُوجِبًا، أو مُوجبًا لقَوَدِ طَرَفِه لوِ انْفَرَدَ، وإلَّا فلا. فعلى المذهبِ فى أَصْلِ المَسْألَةِ، لو فعَل به مِثْلَ فِعْلِه، فقد أساءَ ولم يَضْمَنْ، وأنَّه لو قطَع طَرَفَه ثم قَتَلَه قبلَ البُرْءِ، ففى دُخولِ (1) قَوَدِ طرَفه فى قَوَدِ نفْسِه -كدُخولِه فى الدِّيةِ- رِوايَتان، وأَطْلَقهما فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى» ؛ إحْداهما، يدْخُلُ قَوَدُ الطَّرَفِ فى قَوَدِ النَّفْسِ، ويَكْفِى قَتْلُه. صحَّحه فى
(1) فى الأصل: «وجوب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«النَّظْمِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» . وهو ظاهِرُ ما قطَع به الخِرَقىُّ.
والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يدْخُلُ قَوَدُ الطَّرَفِ فى قَوَدِ النَّفْسِ، فله قَطْعُ طَرَفِه، ثم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قتْلُه. قال فى «التَّرْغيبِ» : فائِدَةُ الرِّوايتَيْن، لو عفَا عنِ النَّفْسِ، سقَط القَوَدُ فى الطَّرَفِ؛ لأَنَّ قطْعَ السِّرايَةِ كانْدِمالِه. وعلى المذهبِ أيضًا، لو قطَع طَرَفًا، ثم عفَا إلى الدِّيَةِ، كان له تَمامُها، وإنْ قطَع ما يُوجِبُ الدِّيةَ ثم عفَا، لم يكُنْ له شئٌ، وإنْ قطَع أكثرَ ممَّا يُوجِبُ به دِيَةً ثم عفَا، فهل يَلْزَمُه ما زادَ على الدِّيَةِ أمْ لا؟ فيه احْتِمالَان. وأَطْلَقَهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ». قلتُ: الصَّوابُ أنَّه لا يلْزَمُه الزَّائدُ. وعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، الاقْتِصارُ على ضَرْبِ عُنُقِه أفْضَلُ. وإنْ قطَع ما قطَع الجانِى أو بعضَه ثم عفَا مجَّانًا، فله ذلك، وإنْ عفَا إلى الدِّيَةِ، لم يَجُزْ، بل له ما بَقِىَ مِن الدِّيَةِ، فإن لم يَبق شئٌ، سقَط.
وَإِنْ قَتَلَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ؛ كَتَجْرِيع الْخَمْرِ، وَاللِّوَاطِ، وَنحْوِهِ، قُتِلَ بِالسَّيْفِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَا قَطْعُ شَىْءٍ مِنْ أطْرَافِهِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَتَجِبُ فِيهِ دِيَتُهُ، سَوَاءٌ عَفَا عَنْهُ أو قَتَلَهُ.
ــ
قوله: ولا تَجُوزُ الزِّيادَةُ على ما أَتَى، رِوايَةً واحِدَةً، ولا قَطْعُ شئٍ مِن أَطْرافِه، فإنْ فعَل، فلا قِصاصَ فيه -عليه بلا خِلافٍ أعْلَمُه- وتَجِبُ فيه دِيَتُه، سَواءٌ عَفا عنه أو قَتَلَه. وهذا المذهبُ. جزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الحاوِى» ، و «الوَجيزِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وقيل: تجِبُ فيه دِيَتُه إنْ لم يَسْرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القَطْعُ. وجَزَمُوا به فى كُتُبِ الخِلافِ، وقالوا: أَوْمَأَ إليه فى رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو يقْتُلُه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: لو قطَع يَدَه، فقَطَعَ المَجْنِىُّ عليه رِجْلَ الجانِى، فقيلَ: هو كقَطْعِ يَدِه. وقيل: يَلْزَمُه دِيَةُ رِجْلِه. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَهما فى «المُغْنِى»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «الفُروعِ» .