الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
تعريف" بـ "الكافية الشافية
":
نظم العلوم:
شغل الناس في القرنين السادس والسابع من الهجرة النبوية بأحداث خطيرة في الداخل والخارج.
فقد رأوا دولًا تسقط، وتنهض في إثرها دول أخرى، وملكًا يزول من قوم ليحل في أناس آخرين، ووطنًا يفترق بنوه ثم يتحدون، وعقائد تسيطر حينًا من الدهر، ثم ينهار سلطانها أمام عقائد تأخذ مكانها.
والحكام عرضة لكيد أمراء الدول، وبطش رؤساء الجند، وانتقام نساء القصر كما كان الأمراء عرضة لنقمة هؤلاء، إن هم أنسوا في نفوسهم القدرة على ذلك مع ضمان شيء من الأمن والطمأنينية على حياتهم، حتى أصبحت حياة الجميع مكرًا في مكر.
لذلك انصرف من أراد السلامة من المواطنين إلى تدبير معاشهم بعد انهيار الحالة الاقتصادية، كما تكاتفوا في مواجهة الأعداء المحدقين بالبلاد من كل صوب.
وكان لذلك تأثيره في همة الناس ففترت عن الإقبال على مجالس العلم كما ينبغي أن يكون، ومن أقبل على طلب العلم لم يكن لديه متسع من الوقت لينظر في المطولات؛ لأنها تحتاج إلى وقت طويل ليخرج منها الباحث بشيء ذي غناء.
هذا إلى أن كثيرًا من المكتبات العربية أصابها ما أصابها من جراء الحروب المتوالية من خسائر فادحة، مما كان يخشى معه القضاء على الكنوز العربية الثمينة.
وهنا تنبه العلماء فشمروا عن ساعد الجد، وهبوا يحفظون ما يمكن حفظه من التراث العربي، وييسرون المهملة أمام المعلم والمتعلم.
وقد سلك العلماء في سبيل تذليل هذا أمورًا منها نظم الضوابط المختلفة لبعض العلوم.
وكان لابن مالك في هذا المجال القدح المعلى، إذ أمد القائمين بالتدريس في جميع مراحل التعليم بالمادة العلمية الموجزة، ويسر السبيل أمام المتعلمين بنظم القواعد النحوية، وغير النحوية بين أيديهم في عبارة تخف معها المئونة، وتحف بها المعونة ويكون الغناء بها مضمونًا، والعناء مأمونًا، وتضمن وصول المعلومات إلى أذهان المتعلمين في يسر، وسهولة وبحيث لا يحتاج القارئ إلى من يعاونه على الفهم.
وسبق المصنف إلى نظم العلوم كثير من العلماء، ولعل أقربهم منه زمانًا هو ابن معط (1) صاحب الألفية الموسومة بـ "الدرة الألفية في علم العربية"، والذي اقتفى ابن مالك أثره، وأشاد به حين قال يتحدث عنه في مقدمة "الخلاصة الألفية"(2).
(1) يحيى بن معط بن عبد النور، أبو الحسين زين الدين الزاوي المغربي الحنفي النحوي، كان إمامًا مبرزًا في العربية، شاعرًا محسنًا، أقرأ النحو بدمشق ثم بمصر ولد سنة 564 هـ، ومات سنة 628 هـ.
(2)
ألفية ابن مالك ص 9.
وهو بسبق حائز تفضيلًا
…
مستوجب ثنائي الجميلا
ومن أهم الأراجيز النحوية، التي بدأ بها ابن مالك حياته في مجال النظم، والتي تعد مثالًا طيبًا للجهد الموفق الذي كان يقوم به العلماء في وقت ظهرت فيه الحاجة إلى حفظ تراث العربية، وقد كاد يسلم الروح على أيدي التتار والصليبيين.
"الكافية الشافية"
تعريف بالأرجوزة:
الكافية الشافية نظم موجز يحتوي على سبعة وخمسين، وسبعمائة وألفين من الأبيات، وقد نص الناظم على ذلك صراحة في نهاية فصل "الآلة" -وهو آخر فصول الأرجوزة حيث قال (1).
وقد جعلت نظم هذا الباب
…
مكملًا أبواب ذا الكتاب
فالحمد لله على تكميله
…
ميسرًا ما ريم في تحصيله
أبياته ألفان مع سبعمائة
…
وزيد خمسون ونيف أكمله
وقد جاءت مقدمة الأرجوزة في سبعة عشر بيتًا والختام في خمسة، والباقي اختص بالمادة العلمية.
وقسم النظم إلى ستة وستين بابًا، واثنين وستين فصلًا.
وقد ضمن الناظم مقدمته الداعي إلى هذا النظم، وقد حصره في شيء واحد هو قصد إفادة المتعلمين بما اجتهد هو في تحصيله من علم يخشى أن يمضي دون أن يفيد به أحد:
(1) الكافية الشافية ص 147.
قال ابن مالك محمد وقد
…
نوى إفادة بما فيه اجتهد
ثم حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وآله وأصحابه، وبين فضل علم النحو ومكانه بين العلوم، إذ فيه صلاح الألسنة، والشخص الذي لا يتقنه لن يجد المكان المرموق في المجتمع:
وبعد: فالنحو صلاح الألسنة
…
والنفس إن تعدم سناه في سنة
به انكشاف حجب المعاني
…
وجلوة المفهوم ذا إذعان
وتحدث بعد ذلك عن فضله واستحقاقه كل ثناء، فقد جمع في هذا النظم خلاصة كتب النحو:
ومن يعن طالبه بسبب
…
فهو حر بنيل كل أرب
وقد جمعت فيه كتبًا جمة
…
مفيدة يعني بها ذو الهمة
ثم قرظ هذا النظم، وبين لماذا اختار له اسم "الكافية الشافية".
ومن خلال تقريظه يلوح لنا المنهج الذي اتبعه في هذا النظم، وسار عليه، فقد جمع فيه معظم مسائل النحو والصرف، وبسطها، ورتب الأبواب، وضبطها، وجلا الغامض، ويسر العسير، وضم المشتت، وقرب البعيد، حتى ظهرت في صورة كافية عن كل كتاب، شافية للأساتذة والطلاب:
وهذه أرجوزة مستوفيه
…
عن أكثر المصنفات مغنية
تكون للمبتدئين تبصرة
…
وتظفر الذي انتهى بالتذكرة
فليكن الناظر فيها واثقًا
…
بكونه إذا يجاري سابقًا
فمعظم الفن بها مضبوط
…
والقول في أبوابها مبسوط
وكم بها من شاسع تقربا
…
ومن عويص انجلى مهذبا
فمن دعاها قاصدًا بالكافية
…
مصدق، ولو يزيد الشافية
بين الكافية الشافية، والدرة الألفية:
قرأ ابن مالك ألفية ابن معط فراقت في عينه، وأعجب بها، ولعله لم يشاهد فيها كل ما كان يحب أن يراه، فعارضها بأرجوزته "الكافية الشافية" لتكون أعم منها وأشمل، محتوية على ما فات ابن معط من أحكام النحو وأسراره، منظمة الأبواب، سهلة الاستيعاب، يحتاج إليها الأساتذة والطلاب.
ومن هنا يبدو جليًا لقارئ كافية ابن مالك الشافية، ودرة ابن معط الألفية تقارب المنهج الذي سلكه العالمان الجليلان، كما يظهر له تأثر ابن مالك في أرجوزته بابن معط في ألفيته، ويتجلى هذا التأثر والتأثير في أمور منها:
وجود أبيات بكامل هيئتها، وفي نفس موضعها في المنظومتين فابن معط يقول في باب البدل (1).
وأبدلوا الفعل من الفعل إذا
…
كان بمعناه وذاك مثل ذا
إن على الله أن تبايعا
…
تؤخذ كرهًا أو تجيء طائعًا
وابن مالك في باب البدل يقول (2):
والفعل قد يبدل من فعل كما
…
قد قال بعض الراجزين القدما
وإن على الله أن تبايعا
…
تؤخذ كرهًا أو تجيء طائعًا
ب- الاستشهاد بآيات القرآن الكريم في النظم
قال ابن مالك في الكافية الشافية في "باب ما ولا وإن المشبهات. بليس"(3).
(1) ألفية ابن معط ص 27.
(2)
الكافية الشافية ص 70.
(3)
الكافية الشافية ص 19.
وملحق بـ "ما""إن" النافي لدى
…
محمد: الكسائي أنشدا
"إن هو مستوليًا أعلم، وأبو
…
بشر بإيماء إلى ذا يذهب
وبـ "إن الذين" مع "عبادًا
…
أمثالكم تلفى لذا اعتضادا
وهذا مسلك سبقه إليه ابن معط فقال في باب "إن" وأخواتها:
تقول ليت بيننا محمدًا
…
كقوله إن علينا للهدى
ومثل هذا قوله في باب التنازع:
كمثل زارني وزرت عمرًا
…
ومنه آتوني أفرغ عليه قطرًا
جـ- الاعتماد في تقرير القواعد على القراءات المختلفة للقرآن الكريم.
قال ابن معط يستشهد على رأي الحجازيين في إعمال "ما" عمل "ليس":
يشهد للحجازيين في لغاتهم
…
مقالة ما هن أمهاتهم
وقال ابن مالك يستشهد على الفصل بين جزأي الإضافة:
وعمدتي قراءة ابن عامر
…
وكم لها من عاضد وناصر
د- إسناد المذاهب لأصحابها من النحاة والحكم لها، أو عليها قال ابن مالك في باب الابتداء:
وخبرا بمبتدا أو بابتدا
…
أو بهما ارفع، والمقدم اعضدا
وقال أهل الكوفة الجزآن قد
…
ترافعها، وذا ضعيف المستند
وهذه طريقة لابن معط، ومما نظمه:
واشتق كوفيون أيضًا مصردًا
…
من فعله نحو نظرت نظرًا
واشتق منها الفعل أهل البصرة
…
وذا الذي به تليق النصرة
إذ كل فرع فيه ما في الأصل
…
وليس في المصدر ما في الفعل
هـ- التمثيل للأحكام المختلفة:
قال ابن مالك:
قول مفيد طلبًا أو خبرًا
…
هو الكلام كـ استمع وسترى
ومن قبله ابن معط:
اللفظ إن يفد هو الكلام
…
نحو مضى القوم وهم كرام
و- مراعاة السهولة والوضوح. وهو أمر حرص عليه المؤلفان -رحمهما الله- حتى إن أكثر أبيات "الكافية الشافية" لابن مالك و "الدرة الألفية" لابن معط لا تحتاج إلى أدنى شرح.
ومن هنا يظهر بجلاء أن ابن مالك في "الكافية الشافية" مقلد ومتابع، وإن كان في أرجوزته ما تتميز به عما نظمه ابن معط، فلا يعدو إلا أن يكون في كثرة المعلومات التي تضمنتها، وفي عدد الأبيات التي اشتملت عليها، وفي محاولات واضحة للترتيب والتبويب، والتنظيم والتنسيق.
لذلك فاقت ألفية ابن مالك ألفية ابن معط بحق وجدارة حين جمع فيها خلاصة ما أورده في الكافية الشافية.
لكن يبقى -على الدوام- لألفية ابن معط مميزاتها التي لا يمكن إنكارها، والتي تتمثل في سلاسة الأسلوب، وسهولة التعبير، والرفق في التناول، وإشراق المعنى، وروعة الأداء.
هذا كتاب شرح الكافية الكبرى:
لابن مالك طريقته الخاصة في التأليف، وهي طريقة تقوم على البداية بوضع المقدمات الموجزة، ثم بسطها بشروح سهلة ميسرة.
لذا فإنه بعد أن نظم أرجوزته التي سماها "الكافية الشافية" أتبعها بشرح "تخف معه المئونة، وتحف به المعونة".
تمامًا كما فعل مع "تسهيل" الفوائد، وتكميل المقاصد" و "عمدة الحافظ وعدة اللافظ" و "الاعتضاد، في الفرق بين الظاء والضاد" و "تحفة المودود، في المقصود والممدود"، وغيرها من المؤلفات والمنظومات.
ويظهر أن الراجز لم يبدأ بشرح الأرجوزة دفعة واحدة، وإنما بدأ بشرح القسم الذي يشتمل على الصرف -ومنه نسخة في دار الكتب المصرية باسم "شرح ابن مالك على تصريفه المأخوذ من كافيته"(1).
وقال في مقدمة هذا الشرح:
"أما بعد حمد الله -تعالى- حق حمده، والصلاة والسلام على
(1) منه نسخة في دار الكتب، والوثائق المصرية رقم 2 صرف.
محمد رسوله وعبده. وعلى آله وصحبه الموفين بعهده، فإني استحرب الله في تبيين ما تضمنه تصريف الأرجوزة الموسوعة بالكافية الشافية.
والله بالإعانة كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل" (1).
وبالموازنة بين ما تضمنه هذا الكتاب، وبين ما جاء في شرح الكافية الشافية يتضح توافق ما جاء في الكتابين من غير زيادة أو نقصان، أو تغيير في العبارة، فالأبيات هي الأبيات، والشرح صورة من الشرح.
وهذا يرجع أن ابن مالك شرح "الكافية الشافية" على مراحل، وفي فترات متقاربة أو متباعدة.
فشرح القسم الخاص بالصرف شرحًا مستقلًا، ولعله فعل مثل ذلك مع القسم الخاص بالنحو، ثم جمع الكل بين دفتي كتاب واحد.
ومن غير المقبول متابعة الدكتور/ عبد الرحمن السيد في قوله: "إن هذا الكتاب من عمل أحد النساخ، الذي رأى أن ينقل صورة منفصلة للجزء الخاص بالصرف"(2). وذلك لما يلي:
1 -
إن دعوى الدكتور/ عبد الرحمن السيد دعوى ليس لها بينة.
2 -
تقديم هذا الكتاب بمقدمة على لسان المؤلف يؤكد قيامه بهذا العمل.
3 -
قدم عهد النسخة التي حفظها الزمان من "شرح ابن مالك على تصريفه المأخوذ من كافيته"، وقربها من زمن حياة الناظم فقد جاء في نهايتها (3):
(1) المرجع السابق ص 1.
(2)
الدكتور عبد الرحمن السيد: نحو ابن مالك بين البصرة والكوفة ص 327.
(3)
ص 30.
"فرغ من نسخه عبد الصمد بن إبراهيم بن خليل في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم من سنة ثمان وسبعمائة".
وعلى هذا تكون هذه النسخة قد كتبت، ولما يمض على رحيل الشارح بضع وثلاثون سنة. وإذا كان ذلك كذلك رجح أن يكون الأصل الذي استنسخ منه كتب في عهد المصنف رحمه الله.
4 -
اختلاف منهج المصنف في الشرح بين قسم النحو، وقسم الصرف كما سنوضحه فيما بعد.
ولما اكتمل "شرح الكافية الشافية"، وجمعه المؤلف في كتاب واحد كان الأمر داعيًا إلى التقديم بمقدمة أخرى غير تلك المقدمات، التي اشتملت عليها الأقسام المشروحة شرحًا مستقلًّا.
وابن مالك في مقدمته الجديدة للكتاب بين الهدف من هذا الشرح. وهو تسهيل وصور المعلومات، التي تضمنتها أرجوزته "الكافية الشافية" إلى أذهان المتعلمين بحيث لا يحتاج قارئها إلى معونة في الفهم، ولا يشعر بمئونة في التعلم فيكون الغناء به مأمونًا، والزلل مأمونًا.
وإذا كان ذلك كذلك بطلت دعوى من زعم أن "ابن مالك كان يسهو فيترك شرح بعض الأبيات"(1).
متى أُلِّفَ هذا الكتاب:
جاء في تاريخ ابن الوردي:
"أخبرنا شيخنا قاضي القضاة، شرف الدين هبة الله بن البارزي قال:
(1) الدكتور يحيى الأسيوطي في كتابه ابن مالك، وأثره في اللغة العربية ص 46.
نظم شيخنا جمال الدين بن مالك الخلاصة الألفية بحماة".
وإذا كانت "الألفية" خلاصة لـ"الكافية الشافية" كما قال ناظمها (1):
أحصي من الكافية الخلاصة .... . . . . . . . . . .
فـ"الكافية الشافية" أسبق من "الألفية" ضرورة وجود الأصل قبل الفرع.
والراجع أن ابن مالك رحمه الله شرح "الكافية الشافية" قبل أن ينظم الألفية.
ذلك أن "الألفية" في حجم ثلث "الكافية الشافية" -تقريبًا- وهي في الوقت نفسه مشتملة على أكثر ما في "الكافية الشافية" من معلومات باعتراف ناظمها الذي يقول في نهاية الألفية (2).
وما بنظمه عنيت قد كمل
…
نظمًا على جل المهمات اشتمل
فإذا فرض جدلًا أن "الكافية الشافية" و "الألفية" منظومتان أمام المصنف، وأراد أن يشرح إحداهما فأيتهما أولى بالعناية، والشرح؟
آلنظم الموجز المركز المشتمل على جل المهمات، المحتاج إلى بسط عبارة، وتكميل باقي المباحث؟
أم النظم المبسوط سهل العبارة والصياغة، المشتمل على كل المهمات؟
إن الإجابة عن هذا السؤال واضحة، ولا تعدو أن تكون الإجابة: إن المصنف شرح "الكافية الشافية" قبل نظمه "الألفية".
(1)، (2) ألفية ابن مالك ص 19.
ولما كانت "الألفية" خلاصة لـ"الكافية الشافية" كانت "الكافية الشافية" أشمل وأكمل من "الألفية"، وكان ما ورد في شرحها هو شرح لما جاء في "الألفية" وزيادة.
من هنا رأينا المصنف رحمه الله يكتفي بشرح "الكافية الشافية" عن شرح "الألفية" مخالفًا بذلك طريقته المعهودة من تأليف المقدمات الموجزة، ثم شرحها.
ومن هنا -أيضًا- اكتسب "شرح الكافية الشافية" أهميته باعتباره شرحًا وافيًا للألفية بقلم ناظمها، فاعتمد عليه كل من تصدى لشرح "الألفية".
ولكن متى صنف هذا الكتاب؟
إذا كانت "الألفية" نظمت بحماة -كما جاء في تاريخ ابن الوردي- وكانت الكافية، وشرحها سابقين على نظم الألفية- كما رجحنا- ثبت أن ابن مالك صنف "شرح الكافية الشافية" قبل أن يرحل من "حماة" ليستقر في "دمشق".
ولم يحفظ التاريخ زمنًا محددًا لانتقال الشيخ رحمه الله بين مدن الشام قبل أن يلقي عصا التسيار في "دمشق".
كما لم يحفظ يوم دخوله "دمشق"، وإنما يستطيع الباحث أن يقرب ذلك تقريبًا.
ذلك أن المصنف اتصل أثناء وجوده في "دمشق" بحاكمها الناصر يوسف. الذي تولى حكم "دمشق"عام 648 هـ -تقريبًا- وكان مولعًا باللغة، وانعكس أثره على ابن مالك حيث اتجه إلى البحث
والتصنيف في اللغة متقربًا بذلك إلى الملك الناصر، كما قال في مقدمة كتابه "الإعلام بمثلث الكلام"(1).
لما رأيت أنه ذو أرب
…
إلى اتساع في كلام العرب
رأيت أن أجعل بعض قربي
…
له كتابًا فيه ذا احتساب
وإذا ثبت -من هذا- أن كتاب "الإعلام بمثلث الكلام" صنفه بعد اتصاله بحاكم "دمشق"، ثبت أن كتاب "إكمال الإعلام في تثليث الكلام" صنف بعد ذلك -ضرورة حدوث الفرع بعد الأصل.
كذلك فإن إهداء المصنف كتابه "الاعتضاد في الفرق بين الظاء والضاد" إلى ذلك الملك يثبت أنه وشرحه كانا في "دمشق" بعد اتصال المصنف بالملك الناصر.
والراجح أن يكون المصنف رحمه الله بدأ حياته نحويًا يدرس النحو، ويؤلف فيه، ويقوم بتدريس مؤلفاته، وقضى على هذه الحال الشطر الأول من حياته ذلك الشطر، الذي قضاه متنقلًا بين الأقاليم الشامية، قبل استقراره الدائم في دمشق واتصاله بحاكمها الملك الناصر.
فلما اتصل بهذا الحاكم المحب للغة المعتنى بحقائقها، المقرب للمشتغلين فيها، بدأ الشطر العلمي الثاني من حياة الشيخ ذلك الشطر الذي قضاه متنقلًا بين كتب اللغة، دارسًا لها، مشتغلًا بها، مؤلفًا فيها، معلمًا لعشاقها.
يشهد لذلك -بجانب تلك المنظومات، والشروح التي أهداها للملك الناصر- الإجازتان اللتان كتبهما المؤلف بخطه لتلميذه ابن جعوان في نهاية نسخته من كتاب "إكمال الإعلام في تثليث الكلام".
(1) الإعلام بمثلث الكلام ص 2.
وقد كتبت الأولى في يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ذي الحجة من سنة أربع وستين وستمائة.
وكانت الثانية في يوم الخميس التاسع والعشرين من ربيع الأول سنة سبع وستين وستمائة.
وفي الإجازتين يقرر ابن مالك أن تلميذه ابن جعوان قرأ عليه. "هذا الكتاب من أوله إلى آخره قراءة تامة التصحيح، عامة الاستيضاح والتوضيح، شاهدة لمتحريها بانقياد الفهم، وإبعاد الوهم"(1).
فإذا ثبت أن ابن جعوان -وهو واحد من تلاميذ الشيخ- قرأ على أستاذه ذلك الكتاب الضخم مرتين متتاليتين في الزمان المبين، وثبت أن المصنف استوفى أجله عام اثنتين وسبعين وستمائة، ثبت أن الشيخ اشتغل باللغة في أخريات أيامه بين مدرس ومصنف.
يؤيد ذلك ما قاله أبو الثناء، محمود كاتب السر في "دمشق":
"جلس ابن مالك يومًا، وذكر ما انفرد به صاحب المحكم عن الأزهري في اللغة"(2).
ولم يسمع واحد من غير أهل "دمشق" يقول عن المصنف مثل ذلك. من كل ما سبق يتضح ما يلي:
أن المصنف نظم "الكافية الشافية"، وشرحها قبل أن يدخل "دمشق".
أن يوم دخول المصنف "دمشق" ليستقر فيها غير معلوم، لكن
(1) إكمال الإعلام في تثليث الكلام مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 728 لغة.
(2)
الوافي بالوفيات 3/ 359.
المؤكد هو أن وجود المصنف في دمشق، وانصرافه إلى البحوب اللغوية اقترن بوجود الملك الناصر، الذي تولى حكم دمشق عام (648) هـ. أي أن "شرح الكافية" كان قبل ذلك التاريخ.
أن المؤلف شرح الكافية الشافية بعد فراغه من تصنيف "تسيهل الفوائد"، وتكميل المقاصد"، وانتهائه من شرحه. بدليل إحالته المستزيد لبعض الموضوعات في شرح الكافية إلى ما ورد في شرح التسهيل كقوله في باب المعرفة بالأداة (1).
"وقول الخليل هو المختار عندي، وبسط الاحتجاج لذلك مستوفى في "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد"، فلينظر هناك".
وقوله في باب الابتداء -بعد ذكر بعض أقوال العلماء في رافع الخبر (2).
"والأول قول سيبويه -وهو الصحيح- والاستدلال على صحته، وضعف ما سواه يفتقر إلى بسط. وهو أليق بكتابي الكبير فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه، وقد ذكر مستوفيًا".
فإحالة ابن مالك بعض المواضع في "شرح الكافية الشافية" إلى ما في "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد".
وتعبيره عنه بـ"شرح كتابي الكبير".
وترغيبه القارئ في الإطلاع عليه بقوله: "فمن أحب الوقوف عليه، فليسارع إليه، وقد ذكر مستوفيًا".
كل هذا يدل على أن "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد"
سابق لشرح الكافية الشافية.
(1) شرح الكافية الشافية الورقة 10 أ.
(2)
شرح الكافية الشافية الورقة 10 ب.
وإذا كان "شرح الكافية الشافية" قد ورد كاملًا، فالراجح أن يكون "شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" كان كاملًا.
ويشهد لذلك وصف المصنف له بالكبر، ولما جاء فيه بالاستيفاء.
وإذا كان كتاب "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" -كما يقول أبو حيان (1):
"أبدع كتاب في فنه ألف، وأجمع موضوع في الأحكام النحوية صنف".
وكان كتاب "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد" -كما يقول صاحب كشف الظنون (2).
"كتاب جامع لمسائل النحو بحيث لا يفوته مسألة من مسائله وقواعده".
دل ذلك على عظمة مؤلفهما وقوة اقتداره، وسعة اطلاعه، ونضوج ملكته، ولن يتم ذلك لإنسان مهما كان قبل أن يناهز الخامسة والعشرين من عمره.
فإذا كان ابن مالك ولد حول عام (600) هـ، فأغلب الظن أنه ألف "تسهيل الفوائد"، وشرحه حول عام (625) هـ إن لم يكن بعد ذلك.
وإذا كاهن "شرح الكافية الشافية" تم بعد "شرح تسهيل الفوائد"، وقبل دخول المصنف دمشق واتصاله بالملك الناصر، فالراجح أنه ألف ما بين عامي 625 - (650) هـ.
-والله أعلم-
(1) مقدمة التذييل، والتكميل شرح التسهيل لأبي حيان 1/ 2.
(2)
كشف الظنون 1/ 284.
السمات البارزة في الكتاب:
إذا كان "شرح الكافية الشافية" عنوانًا على عظمة مؤلفه واقتداره، وسعة اطلاعه وغزارة علمه، فهو بجانب ذلك كتاب جامع مفيد، قل أن تسمح القارئح بمثله. وباستطاعة القارئ أن يلمح فيه بعض سمات بارزة من أهمها:
1 -
سهولة الأسلوب:
ذلك أن المصنف رحمه الله عمد إلى استخدام أسلوب سهل مبسط، يناسب برفق وأناة فيسيل عذوبة تدفع حلاوتها القارئ إلى الاستمرار، والبعد عن الملل.
وكثيرًا ما يشاهد القارئ المصنف يوجه إليه الحديث مخاطبًا، فيقول:
"إذا عين لك اسم من جملة، وقيل لك: كيف تخبر عنه؟ فصدر بما يطابقه من "الذي" وفروعه مجعولًا مبتدأ، وأخر المسئول عنه مجعولًا خبرًا، واجعل في موضعه ضميرًا يخلفه فيما كان له من الإعراب عائدًا إلى الموصول. مطابقًا له، وما بين الخبر والموصول صلة له.
فإذا أخبرت عن التاء من قولك: "بلغت من الزيدين إلى العمرين رسالة" قلت:
"الذي بلغ من الزيدين إلى العمرين رسالة أنا".
فإن أخبرت عن "الزيدين" قلت: "اللذان بلغت عنهما رسالة إلى العمرين الزيدان".
فإن أخبرت عن "العمرين" قلت: "الذين بلغت من الزيدين إليهم رسالة العمرون".
فإن أخبرت عن "الرسالة" قلت: "التي بلغتها من الزيدين إلى العمرين رسالة"(1).
ومن هنا تتضح براعة المصنف في إيراد الأمثلة، فقد اشتمل مثاله الحكاية عن:
الضمير، والظاهر.
العاقل، وغير العاقل.
المفرد، والمثنى، والجمع.
2 -
توضيح بعض الكلمات:
"وكثيرًا ما يرى المصنف أن في بعض الكلمات غرابة، فيبادر بتوضيح المراد منها، وبيان معناها كقوله يتحدث عن الحال (2):
ويغتفر -أيضًا- جمودها فيما يدل على النوع نحو "هذا خاتمك فضة" و "هذه جبتك خزا"، وهما من أمثلة الكتاب.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة رقم 85 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 31 ب".
ويقارب هذا قولك "زكا تمرنا عنبا وعنجدا" وحبذا المال فضة وعسجدا" والعنجد: الزبيب، والعسجد: الذهب.
وكقوله يتحدث عن الفصل بين حرف الجر ومجروره (1):
"وقال الفرزدق:
وإني لأطوي الكشح من دون ما انطوى
…
وأقطع بالخرق الهبوع المراجم
أراد: أقطع الخرق بالهبوع المراجم.
والهبوع: البعير الماد عنقه في السير.
والمراجم: الذي يخبط بقوائمه.
3 -
شرح بعض الأمثلة، وأبيات الشعر لزيادة الوضوح:
وأحيانًا يبين المصنف المعنى المقصود من بعض الأمثلة أو الشواهد، وبخاصة إذا كان المشهور خلاف هذا المعنى، ومن ذلك قوله (2):
"اشتهر القول بأن "كاد" إثباتها نفي، ونفيها إثبات حتى جعل هذا المعنى لغزًا فقيل:
أنحوي هذا العصر ما هي لفظة
…
جرت في لساني جرهم وثمود
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت
…
وإن أثبتت قامت مقام جحود
ومراد هذا القائل "كاد"
ومن زعم هذا فليس بمصيب، بل حكم "كاد" حكم سائر الأفعال في أن معناها منفي إذا صحبها حرف نفي، وثابت إذا لم يصحبها.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 36 أ".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 16 ب، وما بعدها".
فإذا قال قائل: "كاد زيد يبكي"، فمعناه: قارب زيد البكاء، فالمقاربة ثابتة، ونفس البكاء منتف.
فإذا قال: "لم يكد يبكي" فمعناه: لم يقارب البكاء، فمقاربة البكاء منتفية، ونفس البكاء منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة.
ولهذا كان قول ذي الرمة:
إذا غير النأي المحبين لم يكد
…
رسيس الهوى من حب مية يبرح
صحيحًا بليغًا؛ لأن معناه: إذا تغير حب كل محب لم يقارب حبي التغير، وإذا لم يقارب حبي التغير، وإذا لم يقاربه فهو بعيد منه.
فهذا أبلغ من أن يقول: لم يبرح؛ لأنه قد يكون غير بارح، وهو قريب من البراح، بخلاف المخبر عنه بنفي مقاربه البراح.
وكذا قوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} (1) هو أبلغ في نفي الرؤية من لم يرها؛ لأن من لم ير قد يقارب الرؤية، بخلاف من لم ير ولم يقارب.
وأما قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ، فكلام يتضمن كلامين مضمون كل واحد منهما في وقت غير وقت الآخر.
والتقدير: فذبحوها بعد أن كانوا بعداء من ذبحها غير مقاربين له. وهذا واضح.
4 -
التنبيه على اللغات الواردة في بعض الكلمات:
إذا وردت الكلمة عن العرب في أكثر من صورة نبه المصنف على اللغات الواردة فيها كقوله يتحدث عن "الذي" و "التي"(2):
(1) من الآية رقم "40" من سورة "النور".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 6 ب، وما بعدها".
"وفيها أربع لغات:
تخفيف الياء، وتشديدها، وحذفها مع كسر ما قبلها، وحذفها مع سكون ما قبلها.
قال الشاعر في التشديد:
وليس المال فاعلمه بمال
…
وإن أغناك إلا للذي
يريد به العلاء ويصطفيه
…
لأقرب أقربيه وللقصي
وقال رجل من طيئ في الحذف وبقاء الكسرة:
لا تعذل الذ لا ينفعك مكتسبًا
…
حمدًا ولو كان لا يبقي ولا يذر
وقال آخر:
والذ لو شاء لكنت صخرا
…
أو جبلًا أصم مشمخرًا
ومثله:
شغفت بك الت تيمتك فمثل ما
…
بك ما بها من لوعة وغرام
وقال هيمان بن قحافة في تسكين الذال:
أحمد رب الذ تمت
…
نعماؤه علي واستتبت
وقال آخر في تسكين التاء:
أرضنا الت آوت ذوي الفقر والذي
…
فاضوا ذوي غنى واعتزاز
واللغات الأربع مقولة في "التي"
وكذلك فعل المصنف في بيان لغات "لعل" التسع (1).
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 17 أ".
5 -
التنبيه على الأحكام:
والمصنف لا يفتأ من مسألة لأخرى يبين الأحكام، وينبه عليها ومن ذلك
أ- التنبيه على الواجب:
كقوله (1):
"إذا كان مبتدأ معه ضمير يعود على شيء مما هو مع الخبر وجب تقديم الخبر نحو:
"عند هند بعلها" و "في النفوس مستسر فضلها".
ومنه قول الشاعر:
أهابك إجلالًا وما بك قدرة
…
علي ولكن مل عين حبيبها
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه".
كذا إذا ما كان المبتدأ "أن" وصلتها وجب تقديم الخبر كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} .
ب- التنبيه على المطرد:
كقوله: يتحدث عن جمع المذكر السالم (2):
"المراد بالجمع: ماله واحد من لفظه صالحًا لعطف مثليه، أو أمثاله عليه دون اختلاف معنى.
والمطرد منه: ما كان واحده لمذكر عاقل، أو شبيه به كـ
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 12 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 3 أ".
{رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} خاليًا من تاء التأنيث، علمًا، أو صفة لا من "أفعل: فعلاء" ولا من "فعلان: فعلى" كـ"أحمر" أو "سكران"، ولا مما يستوي فيه الذكر والأنثى كـ"صبور" و "قتيل".
جـ- التنبيه على المشهور:
كقوله (1):
"أما "ثبات" ونحوه من جمع المحذوف اللام المعوض منها التاء، فالمشهور جريه مجرى "هندات" ومن العرب من ينصبه بالفتحة، ومنه قول بعض العرب، "سمعت لغاتهم" -بالفتح.
وأنشد الفراء لأبي ذؤيب:
فلما جلاها بالإيام تحيزت
…
ثباتًا عليها ذلها واكتئابها
د- التنبيه على الأشهر:
كقوله (2):
"واتفقت العرب على فتح سين "عسى" إذا لم يتصل بتاء الضمير ونونه، فإذا اتصل بشيء من ذلك أجازوا فتح السين وكسرها.
والفتح أشهر، وبه قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والكوفيون.
ولم يقرأ بالكسر إلا نافع.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 4 أ".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 16 ب".
هـ- التنبيه على الغالب:
كقوله يتحدث عن "أنْ" المخففة" (1):
"ولا يكون الخبر عند إضمار اسم "أن" إلا جملة، إما امسية كقوله الأعشى:
في فتية كسيوف الهند قد علموا
…
أن هالك كل من يحفى وينتعل
وإما فعليه. فإن كان الفعل دعاء، أو غير متصرف باشرته "أن" كقوله تعالى:
{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} و {أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىْ} .
وإن كان غيرهما قرن بـ"قد" كقوله تعالى: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} ، وكقول الشاعر:
شهدت بأن قد خط ما هو كائن
…
وأنك تمحو ما تشاء وتثبت
أو بنفي نحو: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} .
"أو بحرف تنفيس نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} .
أو بـ"لو" نحو: {أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} .
وعلى كل حال لا تقع "أن" المذكورة -غالبًا إلا بعد علم أو ظن".
ز- التنبيه على الكثير:
كقوله في باب أفعال المقاربة (2).
"وأفعال هذا الباب كلها ملازمة للفظ الماضي إلا "كاد"
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 18 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 16 ب".
و "أوشك" فإنهما يستعملان بلفظ الماضي، والمضارع كثيرًا".
وقوله في باب إعمال اسم الفاعل يتحدث عن صيغ المبالغة (1):
"والمطرد الكثير الاستعمال بناء هذه الأمثلة من الثلاثي، وقد يبنى من "أفعل": "فعّال" كـ"أدرك، فهو دَرًّاك" .. و "فعيل" كـ"أنذر، فهو نذير".
وقد يبنى من "أفعل": "مفعال" كـ"معطاء" و "مهداء" و "معوان".
حـ- التنبيه على الأكثر:
كقوله (2):
"لو" على ضربين: موصولة وشرطية.
فالموصولة التي يصلح في موضعها "أن"، وأكثر ما تقع بعد "ود" أو ما في معناها.
والشرطية مرادفة لـ"إنْ" كالتي في قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} ، وغير مرادفة لـ"أن"، وهي أكثر وقوعًا من غيرها.
ط- التنبيه على الحسن:
كقوله (3):
إذا كان العائد على الموصول مبتدأ استحسن حذفه مع "أي"، وإن لم تكن صلتها مستطالة.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 45 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 77 ب".
(3)
شرح الكافية الشافية "الورقة 8 ب".
وإن كان مبتدأ والموصول غير "أي" لم يحسن حذفه إلا عند استطالة الصلة نحو قول بعض العرب: "ما أنا بالذي قائل لك سوءًا" أي: ما أنا بالذي هو قائل لك سوءًا.
وغذا زادت الاستطالة زاد الحذف حسنًا كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} .
التقدير والله أعلم: وهو الذي هو في السماء إله، وفي الأرض إله".
ي- التنبيه على الأحسن:
كقوله في الحديث عن الأسماء الستة (1):
"أجر الهن مجرى "يد" في لزوم النقص والإعراب بالحركات، فهو أحسن من جريه مجرى هذه الأسماء في الإعراب بالحروف".
ك- التنبيه على المختار:
كقوله في باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر بعد أن ذكر جواز دخول الباء في خبرها (2):
"المعطوف على الخبر المجرور بالباء الزائدة، التي تقدم ذكرها يجوز جره حملًا على اللفظ، وهو المختار.
ويجوز نصبه على المحل فيقال: "ليس زيد بقائم، ولا نائم، ولا نائمًا".
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 2 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 15 أ".
وقد يكون المختار عند واحد من العلماء، فينبه على ذلك -أيضًا- كقوله (1):
"من النحويين من يرى بقاء عمل "ما" إذا تقدم خبرها، وكان ظرفًا أو جارًا ومجرورا.
وهو اختيار أبي الحسن بن عصفور".
وقد يكون الرأي المختار عنده، فينص على ذلك كقوله (2):
"وإذا عطف على ضمير جر لزم عند غير يونس والأخفش، وقطرب والكوفيين ووافقهم أبو علي الشلوبين -وهو اختياري- إعادة الجار".
وهو عندما يختار رأيًا يدعمه بالدليل كقوله بعد هذا:
وللملتزمين إعادة الجار حجتان:
إحداهما: إن ضمير الجر شبيه بالتنونين، ومعاقب له، فلم يجز العطف عليه كما لم يجز العطف على التنوين.
الثانية: أن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يصلحا لحلول كل واحد منهما محل الآخر.
وضمير الجر غير صالح لحلوله محل ما يعطف عليه، فامتنع العطف إلا مع الجار، وكلتا الحجتين ضعيفة:
أما الأولى فيدل على ضعفها أن شبه ضمير الجر بالتنوين لو منع من العطف عليه لمنع من توكيده والإبدال منه؛ لأن التنوين لا
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 16 أ".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 57 أ".
يؤكد، ولا يبدل منه. وضمير الجر يؤكد ويبدل منه بإجماع، فللعطف أسوة بهما.
وأما الثانية: فيدل على ضعفها أنه لو كان حلول كل واحد من المعطوف، والمعطوف عليه -يعني في محل الآخر- شوطًا في صحة العطف لم يجز "رب رجل وأخيه" ولا
"أي فتى هيجاء أنت وجارها" .... . . . . . . . . . .
ولا "كل شاة وسخلها بدرهم" ولا:
الواهب المائة الهجان وعبدها .... . . . . . . . . . .
ولا "لا رجل وامرأة في الدار"
وأمثال ذلك من المعطوفات الممتنع تقديمها وتأخير ما عطفت عليه كثيرة.
فكما لم يمتنع فيها العطف لا يمتنع في نحو "مررت بك وزيد".
وإذا بطل كون ما تعللوا به مانعًا، وجب الاعتراف بصحة الجواز.
ومن مؤيدات الجواز قوله تعالى: {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، بالعطف على الهاء لا بالعطف على "سبيل" لاستلزامه الفصل بأجنبي بين جزأي الصلة.
وتوقي هذا المحذور حمل أبا علي الشلوبين على موافقة الكوفيين في هذه المسألة.
وقد غفل الزمخشري وغيره عن هذا.
ومن مؤيدات الجواز -أيضًا- قراءة حمزة: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ"- بخفض الأرحام.
وهي -أيضًا- قراءة ابن عباس، والحسن البصري، ومجاهد، وقتادة، والنخعي، والأعمش، ويحيى بن وثاب، وأبي رزين.
ومثل هذه القراءة قول بعض العرب: "ما فيها غيره وفرسه" رواه قطرب بجر فرسه.
ومثله ما أنشده سيبويه من قول الشاعر:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا
…
فاذهب فما بك والأيمام من عجب
وأنشد أيضًا:
آبك أبه بي أو مصدر
…
من حمر الجلة جأب حشور
وأنشد الفراء:
نعلق في مثل السواري سيوفنا
…
وما بينها والكعب غوط نفانف
وأنشد أيضًا:
هلا سألت بذي الجماجم عنهم
…
وأبي نعيم ذي اللواء المخرق
وأجاز الفراء أن يكون من هذا قوله تعالى: {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} ثم قال:
"وما أقل ما ترد العرب حرفًا مخفوضًا على مخفوض قد كني عنه".
وقال العباس بن مرداس:
أكر على الكتيبة لا أبالي
…
أحتفي كان فيها أم سواها
وقال آخر:
إذا أوقدوا نار لحرب عدوهم
…
فقد خاب من يصلى بها وسعيرها
وقال آخر:
بنا أبدًا لا غيرنا يدرك المنى
…
وتكشف غماء الخطوب الفوادح
ومثله:
لو كان لي وزهير ثالث وردت
…
من الحمام عدانا شر مورود
وأجاز الأخفش جر " الضحاك" من قول الشاعر:
. . . . . . . . . . .
…
فحسبك والضحاك سيفًا مهندا
ولأجل القراءة المذكورة، والشواهد لم أمنع العطف على ضمير الجر"
ل- التنبيه على الراجح:
كقوله يتحدث عن ضمير الشأن (1):
"وإن صدرت الجملة المفسرة لهذا الضمير بمؤنث، أو بفعل ذي علامة تأنيث، أو بمذكر شبه به مؤنث رجح تأنيثه باعتبار القصة على تذكيره باعتبار الشأن؛ لأن القصة والشأن معناهما واحد، وفي التأنيث مشاكلة لما بعد فكان أولى".
وكقوله (2):
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 5 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 41 ب".
"إذا أضيف المحمول على "إذ" إلى جملة جاز إعرابه، وبناؤه على الفتح إلا أن بناءه راجح إذ وليه فعل ماض كقول الشاعر:
على حين ألهى الناس جل أمورهم
…
فندلًا رزيق المال ندل الثعالب
م- التنبيه على الأولى:
كقوله يتحدث عن علامات الاسم (1):
"تنوين الترنم لا يختص بالاسم، بل الذي يختص به ما سواه، وهو المعبر عنه بـ"الصرف".
فكان ذكر الصرف أولى من ذكر التنوين".
وكقوله (2):
"والأولى أن يراد بـ"بضعة" من ثلاثة إلى تسعة، وبـ"بضع" من ثلاث إلى تسع، فيحمل الثابت التاء على الثابتها، والساقطها على الساقطها".
ن- التنبيه على الجائز:
كقوله في فصل الموصول (3):
"الضمير العائد على الموصول إن كان منصوبًا بـ"إن" أو إحدى أخواتها لم يجز حذفه نحو: "عرفت الذي كأنه أسد".
وإن كان منصوبًا بفعل أو صفة، وكان منفصلًا لم يجز حذفه نحو:"عرفت الذي إياه أكرمت، والذي أنت إياه مكرم".
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 1 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 79 ب".
(3)
شرح الكافية الشافية "الورقة 8 ب".
وإن كان منصوبًا بفعل أو صفة، وكان متصلًا جاز حذفه، وإبقاؤه كقوله تعالى:{وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} ، وقرأ شعبة:"وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ".
وكقول الشاعر:
ما الله موليك فضل فاحمدنه به
…
فما لدى غيره نفع ولا ضرر
أراد: الذي الله موليكه فضل، فحذف العائد؛ لأنه ضمير متصل منصوب بصفة عاملة عمل الفعل".
س- التنبيه على القليل:
كقوله يتحدث عن تاء التأنيث (1):
ويكثر مجيئها للتمييز الواحد من الجنس الذي لا يصنعه مخلوق كـ"نمر" و "نمرة" و "تمر" و "تمرة" و "نخل" و "نخلة" و "شجر" و "شجرة".
ويقل مجيئها لتمييز الجنس من الواحد كـ"كمأة كثيرة وكمأ واحد".
وكذلك يقل مجيئها لتمييز الواحد من الجنس، الذي يصنعه المخلوق نحو "جر" و "جرة" و "لَبِن" و "لبِنَة" و "قلنس" و "قلنسوة" و "سفين" و "سفينة".
ع- التنبيه على النادر:
كقوله في باب الحال (2):
"تقع الجملة الخبرية حالًا، فإذا كانت اسمية فالأكثر أن تكون
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 83 أ".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 32 ب، وما بعدها".
مقرونة بواو الحال مشتملة على ضمير ما هي له كقولي: "جاء زيد وهو ناو رحلة"، وكقوله تعالى:{لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىْ} .
وقد يستغنى بالواو عن الضمير كثيرًا كقول امرئ القيس:
وقد أغتدي والطير في وكناتها
…
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
وكذلك يستغي بالضمير عن الواو، إلا أنه لم يكثر كثرة الاستغناء بالواو: ومنه قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} .
وندر الخلو من الواو والضمير في قول الشاعر:
نصف النهار الماء غامره
…
ورفيقه بالغيب لا يدري
أراد: بلغ النهار نصفه في الماء غامر هذا الغائص لالتماس هذا اللؤلؤ، فحذف الواو مع كون الجملة لا ضمير فيها يرجع لصاحب الحال وهو النهار.
وكقوله في باب أسماء الأفعال والأصوات (1):
"وندر اسم الفعل من رباعي مقتصرًا فيه على السماع".
ف- التنبيه على الضعيف:
كقوله في باب العدد (2):
"إن قصد تعريف العدد المركب اقتصر على تعريف صدره، وقد يعرف الصدر والعجز على ضعف، وجاز ذلك مع أنهما كاسم
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 64 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 79 ب".
واحد؛ لأن الإفراد فيهما ملحوظ من قبل أنه اغتفر فيهما توالي ست حركات في "أحد عشر" و "أربعة عشرة" و "ثماني عشر" وتوالي خمس حركات في "ثلاثة عشر"، فما فوقها سوى "أربعة عشر" و "ثمانية عشر" فكما لحظ فيهما الإفراد من هذا الوجه جاز أن يلحظ من وجه آخر".
ص- التنبيه على الأضعف:
كقوله (1):
"وفتح ياء المتكلم المدغم فيها هو الفصيح الشائع في الاستعمال، وكسرها لغة قليلة حكاها أبو عمرو بن العلاء، والفراء، وقطرب، وبها قرأ حمزة:{مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} .
ومن قول الراجز:
قال لها هل لك يا تافي
…
قالت له ما أنت بالمرضي
وقول الشاعر:
علي لعمرو نعمة بعد نعمة
…
لوالده ليست بذات عقارب
هكذا سمعا بكسر الياءين.
وكسر ياء "عصاي" الحسن، وأبو عمرو في شاذه وهذه أضعف من الكسر مع التشديد".
ق- التنبيه على الشاذ:
كقوله في باب "كان"(2):
"من مواضع "كان" التي تختص بها الزيادة في التوسط دون
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 44 أ".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 14 أ".
التقدم، والتأخر والمشهور زيادتها بلفظ الماضي بين جزأي جملة كقول بعض العرب:"ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يوجد كان مثلهم".
وشذت زيادتها بين الجار والمجرور في قول الشاعر:
سراة بني أبي بكر تسامي
…
على كان المسومة العراب
وشذت -أيضًا- زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل بن أبي طالب:
أنت تكون ماجد نبيل
…
إذا تهب شمأل بليل
ر- التنبيه على الأشذ:
كقوله في باب التوكيد (1):
ولا يجاء بـ"أكتع" وأخواته -غالبًا- إلا بعد "أجمع" وأخواته على الترتيب".
وشذ قول بعضهم: "أجمع وأبصع" وإنما حق "أبصع" أن يأتي بعد "أكتع".
وأشذ من "أجمع أبصع" قول بعضهم "جمع بتع"، وإنما حق "أبتع" و "بتعاء" و "أبتعين" و "بتع" أن يجاء بهن آخرًا.
6 -
الاقتصار في الشرح على الآراء، التي وردت النظم -غالبًا:
إذا نص الناظم على بعض آراء العلماء في الأرجوزة، اقتصر عليها -غالبًا- في الشرح، واكتفى بضرب الأمثلة لها، أو ذكر الأدلة عليها،
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 53 أ".
كما يبين المقصود من بعض العبارات، التي جرت على لسانه في النظم إن استدعى الأمر ذلك.
يستوى في ذلك الآراء التي لم ينسبها إلى أصحابها ولم يرجع منها شيئًا، والآراء التي لم ينسبها إلى أصحابها ورجح بعضها، والآراء التي نسبها لأصحابها ورجحها، والآراء التي نسبها لأصحابها ولم يرجح شيئًا منها.
فمن النوع الأول ما ورد في باب الفاعل في شرح قوله:
في ساء عبد هند بعلها وما
…
أشبهه الفاعل آخر دائمًا
وإن عكست العملين صح في
…
رأي ومنع ذاك بعض يقتفي
قال (1):
إن كان الفاعل مضافًا إلى ضمير يعود إلى ما أضيف إليه المفعول نحو: "ساء عبد هند بعلها" لم يجز تقديم الفاعل؛ لأنه لو قدم فقيل: "ساء بعلها عبد هند" تقدم عائد على متأخر لفظًا، ورتبة مع عدم تعلق الفعل به، وشدة الحاجة إلى العائد عليه.
فلو عكست العملين، أي: لو رفعت "عبد هند" ونصبت "بعلها"، وقدمته جاز في رأي قوم دون قوم.
فمن أجاز قال: "لما عاد الضمير على ما أضيف إليه الفاعل، والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، كان بمنزلة عود الضمير إلى الفاعل، وتقديم ضمير عائد إلى الفاعل في غاية من الحسن، وتقديم ما هو والفاعل كشيء واحد جدير بأن يكون له حظ من الحسن.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 23 أ".
ومن لم يجز نظر إلى تأخر مفسر الضمير لفظًا ورتبة مع عدم تعلق الفعل به فمنع".
ومن النوع الثاني ما ورد في باب النائب عن الفاعل في شرح قوله:
وباتفاق قد ينوب الثان من
…
باب "كسا" فيما التباسه أمن
في باب "ظن" و "أرى" المنع اشتهر
ولا أرى منعًا إذا المعنى ظهر
قال (1):
"نيابة المفعول الأول من كاب باب جائزة بلا خلاف، وكذا نيابة الثاني من باب "كسا"
أما نيابة الثاني من باب "ظن" فأكثر النحويين يمنعها، والصحيح إجازة ذلك إذا أمن اللبس، وكذلك الثالث من باب "أعلم".
ومن النوع الثالث ما ورد في باب إعمال اسم الفاعل عند شرحه قوله:
وبعد مجرور المضاف المقتضي
…
زائدًا انتصابه رضي
أبو سعيد نحو زيد معطي
…
أبيك سؤله بغير سخط
وغيره أضمر ناصبًا وفي
…
تابع مجرور المضاف يقتفي
وجهين كل مضمرًا في النصب ما
…
ينصبه شبهًا لما تقدما
قال (2):
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 24 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 46 أ".
إذا كان اسم الفاعل من فعل يتعدى إلى مفعولين، أو ثلاثة فأضيف إلى واحد نصف ما سواه.
فإن كان اسم الفاعل بمعنى المضي فالنصب بفعل محذوف، وأجاز السيرافي نصبه باسم الفاعل مع كونه بمعنى المضى؛ لأنه اكتسب بالإضافة إلى الأول شبهًا بمصحوب الألف واللام وبالمنون.
ويقوي ما ذهب إليه السيرافي قولهم: "هو ظان زيد أمس فاضلًا"، فإن "فاضلًا" يتعين نصبه بـ"ظان"؛ لأنه إن أضمر له ناصب لزم حذف أول مفعولية، وثاني مفعولي "ظان" وذلك لا يجوز؛ لأن الاقتصار على أحد مفعولي "ظن" لا يجوز.
والهاء من قولي: "وغيره أضمر ناصبًا" عائدة إلى أبي سعيد السيرافي.
والإشارة إلى نحو "زيد معطي أبيك سؤله أمس"، فيتعين عند غير السيرافي أن يكون التقدير: أعطاه سؤله، بإضمار فعل، ومن قوله تعالى:{وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} .
التقدير -والله أعلم- وجعل الشمس والقمر حسبانًا.
ومن النوع الرابع ما ورد في باب الابتداء عند شرح قوله:
المبتدأ مرفوع معنى ذو خبر
…
أو وصف استغنى بفاعل ظهر
كـ ابني مقيم وأسار أنتما
…
و "ما شج هما" فقس عليهما
وإن خلا الوصف من استفهام أو
…
نفي فإخبار به لو عزوا
وكونه مبتدأ واه لدى
…
عمرو وعده سعيد جيدا
قال (1):
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 10 ب".
المبتدأ على ضربين:
أحدهما: مبتدأ ذو خبر في اللفظ، أو في التقدير كقولك "زيد قائم" و "لولا عمرو لقعدت".
والثاني: مبتدأ لا خبر له في اللفظ، ولا في التقدير بل له فاعل يحصل بذكره من الفائدة مثل ما يحصل بذكر الخبر لذي الخبر، وذلك كقولك "أقائم الزيدان".
ثم قال:
وإذا كان الوصف المذكور مسبوقًا باستفهام، أو نفي فلا خلاف في جعله مبتدأ عند عدم مطابقته لما بعده.
فإن تطابقا بإفراد نحو: "أقائم زيد" جاز أن يكونا خبرا مقدمًا، ومبتدأ مؤخرًا، وأن يكون مبتدأ مقدمًا، وفاعلًا مغنيًا عن الخبر.
فإن لم يكن الوصف مسبوقًا باستفهام، ولا نفي ضعف عند سيبويه إجراؤه مجرى المسبوق بأحدهما، ولم يمتنع.
وأجاز الأخفش ذلك دون ضعف.
ومن شواهد استعمال ذلك قول بعض الطائيين:
خبير بنو لهب فلا تك ملغيا
…
مقالة لهبي إذا الطير مرت
من هنا يتضح أن المصنف كان يقتصر في الشرح -غالبًا- على ما يورده في النظم من خلافات وآراء، وهذا هو المنهج الغالب الذي اتبعه، فمن النادر أن يذكر في الشرح آراء وخلافات أغفلها في النظم كقوله في "باب إعمال اسم الفاعل" عند شرحه هذه الأبيات:
وأحكم لمضمر يلي اسم فاعل
…
بما لمظهر له مواصل
فكاف "معطيك" كـ"زيد" عندما قلت: "أمعطي زيدًا ابني درهما" وكـ"الغلام" الكاف في "كاسيك" إن قلت: "أنا الكاسي الغلام المختتن".
قال (1):
"في الضمير المتصل باسم الفاعل نحو "معطيك" و "المعطيك" خلاف.
فمذهب سيبويه وأكثر المحققين أن يحكم له من الإعراب بما يحكم للظاهر الواقع موقعه، فعنده أن كاف "زيد معطيك" في موضع جر؛ لأن الظاهر الواقع موقعه بحق له الجر بالإضافة؛ لأن "معطيا" مجرد من مانعيها وهما التنوين، والألف واللام.
وعنده أن كاف "زيد المعطيك" في موضع نصب؛ لأن الظاهر الواقع موقعه يحق له النصب؛ لأن فيه أحد ما نعى الإضافة.
وحكم الأخفش لهذا الضمير بالنصب -مطلقًا.
وحكم له الرماني والزمخشري بالجر -مطلقًا- وهو ِأحد قولي المبرد.
وأجاز الفراء الوجهين.
ثم قال المصنف:
والصحيح ما رآه سيبويه؛ لأن الظاهر هو الأصل، والمضمرات نائبة عنه، فلا ينسب إلى شيء منها ما لا ينسب إليه إلا فيما لا مندوجة عنه من مواضع الشذوذ، وما نحن بصدده لم تدع حاجة إلى إلحاقه بالشواذ، فوجب صرفه من ذلك".
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 46 أوب".
7 -
التلميح إلى الآراء في النظم، والنص على أصحابها في الشرح من ذلك ما ورد في فصل الإضافة إلى ياء المتكلم عند شرحه قوله:
أحكم بإعراب المضاف لليا
…
وزاعم البناء واه رايا
قال (1):
"زعم الجرجاني وابن الخشاب، وابن الخباز أن المضاف إلى ياء المتكلم مبني، والصحيح أنه معرب إذا لا سبب فيه من أسباب البناء المرتب عليها بناء الأسماء.
فإن زعم أن سبب بنائه إضافته إلى غير متمكن رد ذلك بثلاثة أوجه:
أحدها: أن ذلك يوجب أن يكون المضاف إلى الكاف والهاء، وسائر الضمائر مساويًا للمضاف إلى الياء، وذلك باطل.
الثاني: أن ذلك يوجب بناء المثنى المضاف إلى ياء المتكلم، وذلك -أيضًا- باطل.
الثالث: أن المضاف غلى غير متمكن، لا يجوز بناؤه دون أن يكون ذا إبهام يفتقر بسببه إلى الإضافة لتتكمل دلالته بها كـ"غير" و "مثل"، والمضاف إلى ياء المتكلم لا يشترط في خفاء إعرابه ذلك فعلم أنه معرب تقديرًا.
فإن زعم أن سبب بنائه تقدير إعرابه بلزوم إنكار آخره لزم من ذلك الحكم ببناء المقصور، وبناء المحكي، فإن آخر كل واحد
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 43 ب، وما بعدها".
منهما ممنوع من ظهور الإعراب، ولا قائل بأنه مبني، بل هو معرب تقديرًا. وكذا المضاف إلى ياء المتكلم معرب تقديرًا.
8 -
اختيار الرأي في النظم، والسكوت عن ذلك في الشرح:
وقد يختار المصنف رأيا في النظم، ولا ينص على هذا الاختيار في الشرح، مكتفيًا ببيان جمع الآراء الواردة في المسألة، ومناقشتها، وذكر الأدلة لها. كما حدث عند شرحه الأبيات التالية في باب أفعال المقاربة:
ودليل استجز حذف الخبر
…
هنا ومنه قوله بعض من غير
يا أبتا علك أو عساكا
…
ونائب التا الكاف فاعرف ذاكا
هذا اختياري تابعًا أبا الحسن
…
منظرًا ما قال شاد ذو علن
يا ابن الزبير طالما عصيكا
…
وطالما عنيتنا إليكا
والعملين سيبويه عكسا
…
مسويًا هنا لعل بـ عسى
…
والآخر اسم، والمقدم الخبر
عند أبي العباس فاعرف الصوف
قال: (1)
إذا دل دليل على خبر هذا الباب جاز حذفه كما يجوز في غير هذا الباب حذف ما ظهر دليله، فمن ذلك الحديث:"من تأنى أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ أو كاد".
واختلف فيما يتصل بـ"عسى" من الكاف وأخواتها في نحو "عساك" و "عساي" و "عساه".
فمذهب سيبويه أنها في موضع نصب و "أن يفعل" في موضع رفع إلحاقًا لـ"عسى" بـ"لعل" كما ألحقت "لعل" بـ"عسى" في
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 16 ب".
اقتران خبرها بـ "أن" كقول متمم بن نويره:
لعلك يومًا أن تلم ملمة
…
عليك من اللائي يدعنك أجدعا
ومذهب أبي العباس المبرد أن "عسى" على ما كانت عليه من رفع الاسم ونصب الخبر، لكن الذي كان اسمًا جعل خبرًا، والذي كان خبرًا جعل اسمًا.
ومذهب أبي الحسن الأخفش أن "عسى" على ما كانت عليه من رفع الاسم، ونصب الخبر، إلا أن ضمير النصب ناب عن ضمير الرفع كما ناب عنه في قول الراجز:
يابن الزبير طالما عصيكا
وكما ناب ضمير الرفع عن ضمير النصب، وضمير الجر في التوكيد نحو "رأيتك أنت" و "مررت بك أنت"، وفي قول بعضهم "ما أنا كانت" و "ما أنا كإياك".
ولو كان الضمير المشار إليه في موضع نصب كما يقول سيبويه، والمبرد لم يقتصر عليه في مثل:
يا أبتا علك أو عساك
لأنه بمنزلة المفعول، والجزء الثاني بمنزلة الفاعل، والفاعل لا يحذف، وكذا ما أشبهه".
وهكذا رأينا المصنف يقف أمام الآراء المختلفة، يذكرها، ويعين أصحابها، ويردفها بأدلتها، ويناقشها، ولا يبين الرأي المختار عنده كما فعل في النظم.
ولعله اعتقد أن القارئ سيعرف أنه ما زال على موقفه من ترجيح مذهب أبي الحسن الأخفش بعد أن رد ما عداه.
9 -
رعاية حقوق العلماء:
وابن مالك رحمه الله عالم يحب العلماء، ويعرف قدرهم: ويحترمهم في ظلال احترام ما يصدر عنهم من آراء، ورد ما ينسب إليهم مما لا يليق بهم ويتجلى ذلك فيما يلي:
أ- الدفاع عنهم:
وذلك كقوله في باب إعمال اسم الفاعل (1):
"وأنشد سيبويه مستشهدًا على إعمال "فعل" قول الشاعر:
حذر أمورًا لا تضير وآمن
…
ما ليس منجيه من الأقدار
وروى عن المازني أن اللاحقي قال:
"سألني سيبويه عن شاهد في تعدي "فَعِل" فعملت له هذا البيت".
وينسب مثل هذا القول -أيضًا- إلى ابن المقفع:
والاختلاف في تسمية هذا الشاعر المدعي بوحي بأنها رواية موضوعة.
ووقوع مثل هذا مستبعد، فإن سيبويه لم يكن ليحتج بشاهد لا يثق بانتسابه إلى من يثق بقوله.
وإنما يحمل القدح في البيت المذكور على أنه من وضع الحاسدين، وتقول المتعنتين.
وقد جاء إعمال "فَعِل" فيما لا سبيل إلى القدح فيه، وهو قول زيد الخيل:
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 45 ب".
أتاني أنهم مزقون عرضي
…
جحاش الكرملين لها فديد
فأعمل "مزقا" وهو "فعل" عدل به للمبالغة عن "مازق".
ب- تمحيص ما ينسب إليهم من آراء:
والمصنف لا يقبل ما يرد عن العلماء حتى يراجعه في مواطنه، وكثيرًا ما كان ينسب لواحد من العلماء رأي لا يتفق مع ما عرف عنه، فيثبت المصنف ذلك الرأي في النظم على ما اقتضاه علمه، ولكنه يحقق ذلك، ويستمر في البحث والتنقيب، فإذا لم يجد ما ينفي نسبة هذا الرأي اقتصر على ذلك. وإن عثر على الحقيقة نبه إليها في الشرح، من ذلك ما جاء في فصل دخول الفاء على خبر المبتدأ عند شرحه قوله:
وابن ذا الفاء بعد لكن وإن
…
وأن والخلاف عن أبي الحسن
قال (1):
"روي عن الأخفش أنه منع من دخول الفاء بعد "إن" وهذا عجيب؛ لأن زيادة الفاء في الخبر على رأيه جائزة، وإن لم يكن المبتدأ يشبه أداء الشرط نحو "زيد فقائم"، فإذا دخلت على اسم يشبه أداة الشرط، فوجود الفاء في الخبر أحسن، وأسهل من وجودها في خبر "زيد" وشبهه.
وثبوت هذا عن الأخفش مستبعد.
وقد ظفرت له في كتابه "معاني القرآن" بأنه موافق لسيبويه في بقاء الفاء بعد دخول "أن"، وذلك أنه قال:
وأما "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 12 ب، وما بعدها".
فقد يجوز أن يكون هذا خبر المبتدأ؛ لأن الذي كان صلته فعلًا جاز أن يكون خبره بالفاء نحو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ، ثم قال:{فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} .
وقال المصنف في موضع آخر (1):
"وزعم بعض أهل الكوفة أن الواو للترتيب، وليس بمصيب، وأئمة الكوفة برآء من هذا القول، لكنه مقول".
ومما ذكره المصنف في هذين الموضعين، وأشباهما يتضح أمران:
أولهما: أن المؤلف كان لا يقبل رأيًا ينسب لبعض العلماء حتى يمحصه.
ثانيهما: أن هناك فترة من الزمان مرت بين نظم "الكافية الشافية"، وشرحها سمحت للمؤلف بمراجعة آراء العلماء. وتجري صحتها فيما يقعبين يديه من مصنفات، وكان هذا يدعوه -أحيانًا- إلى تعديل في بعض آرائه نتيجة عثوره على شاهد، أو ظفره بدليل.
وبهذا ينكشف الستار عن سر ما يشيع في مصنفات ابن مالك من آراء تبدو مختلفة، أو متباينة.
جـ- حمل كلام العلماء على المشهور من القواعد:
وذلك كقوله (2):
"وفي كلام ابن السراج ما يوهم بناء المضاف إلى ياء المتكلم، فإنه قال في باب الكنايات:
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 55 أ".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 44 أ".
"لأن هذه الياء لا يكون قبلها حرف متحرك إلا مكسورًا، وهي مفارقة لأخواتها في هذا ألا ترى أنك تقول: "هذا غلامه" فتعرب، فإذا أضفت غلامًا إلى نفسك قلت: "هذا غلامي" فيذهب الإعراب".
قال المصنف:
وإنما أراد فيذهب لفظ الإعراب؛ لأنه قال بعد ذلك "وإنما فعلوا ذلك؛ لأن الضم قبلها لا يصلح -ولم يقل: فإن الرفع- فلما غير لها الرفع وهو أول، غير لها النصب إذا كان ثانيًا، وألزمت حالًا واحدة".
فقال: "غير لها الرفع" يعني جعل مقدرًا بعد أن كان ملفوظًا به، وكذا قوله:"غير لها النصب إذا كان ثانيًا، وألزمت حالًا واحدة"، فقال غير لها النصب وسكت عن الجر.
فعلى هذا يحمل كلامه"
10 -
مراعاة أدب الحديث حتى مع المخالفين له:
وقد أبت على المصنف أخلاقه الفاضلة إلا أن يتلطف في حديثه عن العلماء، حتى مع من خالفه الرأي وها هو ذا يقول (1):
"ونسب سيبويه قال: "إنهم أجمعون ذاهبون" إلى الغلط مع أنه من العرب الموثوق بعربيتهم.
وليس ذلك من سيبويه بمرضي، بل الأول أن تخرج على أن قائل ذلك أراد: أنهم هم أجمعون ذاهبون على أن يكون "هم" مبتدأ مؤكدًا بـ"أجمعون" مخبرًا عنه بـ"ذاهبون" ثم حذف المبتدأ، وبقي توكيده كما يحذف الموصوف وتبقى صفته.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 19 أ".
ويقول متحدثًا عن قول الشاعر (1):
نهيتك عن طلابك أم عمرو
…
بعافية وأنت إذ صحيح
"زعم الأخفش أنه أراد "حينئذ" فحذف "حينًا" وأبقى جر "إذ" وهذا بعيد، وغير قول الأخفش أولى بالصواب".
ويقول (2):
"وإذا أضيف اسم زمان إلى جملة مستقبلة المعنى، وجب عند سيبويه منع كونها اسمية كما يمتنع ذلك بعد "إذا"؛ لأن "إذ" و "إذا" هما أصلان لكل زمان أضيف إلى جملة.
فإذا كان معناها الاستقبال فالموضع لـ"إذا"، فيجري ذلك الاسم مجراها.
وهذا الذي اعتبره سيبويه بديع لولا أن المسموع ما جاء بخلافه".
ولم يخالف المصنف هذا المنهج إلا مع الزمخشري: وربما كان لميل الزمخشري إلى مذهب المعتزلة دخل في ذلك إذا سمعنا المصنف يقول (3):
"ثم أشرت إلى ضعف قول من رأى تأييد النفي بـ"لن"، وهو الزمخشري في أنموذجه، وحامله على ذلك اعتقاده أن الله -تعالى- لا
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 41 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 41 ب".
(3)
شرح الكافية الشافية "الورقة 73 أ".
يرى وهو اعتقاد باطل بصحة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعني ثبوت الرؤية جعلنا الله من أهلها، وأعاذنا من عدم الإيمان بها".
ويقول (1):
وقد غلط الزمخشري في جعله ألف "تفاعل" مزيدة للإلحاق بـ"تَفَعْيَل" مع اعترافه بأن ألف "فاعل" ليست للإلحاق.
وألف "تفاعل" هي ألف "فاعل"؛ لأن نسبة "تفاعل" من "فاعل" كنسبة "تفعّل" من "فَعَّل"؛ لأن ذا التاء من القبيلين مطاوع المجرد من التاء.
11 -
اللاستشهاد بالقراءات:
تمسك ابن مالك بالروايات المختلفة للقرآن الكريم فاستشهد بها، واعتمد عليها في وضع القواعد، وساعده على ذلك دراية تامة بعلم القراءات، معرفة بكل القراءات ووجوهها.
وفي استشهاده بالقراءات كثيرًا ما كان المصنف ينسب القراءة لأصحابها، كقوله في باب عوامل الجزم (2):
"إذا أخذت أداة الشرط جوابها، وذكر بعده مضارع بعد فاء، أو واو جاز جزمه عطفًا على الجواب، ورفعه على الاستئناف، ونصبه على إضمار "أنْ"
قال سيبويه:
"فإذا انقضى الكلام ثم جئت بـ"ثم" جزمت وإن شئت رفعت، وكذلك الواو، والفاء، إلا أنه قد يجوز النصب بالواو، والفاء.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقية 103 أ".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 76 أ".
وبلغنا أن بعضهم قرأ "يُحَاسِبُكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ".
قرأ بالرفع عاصم، وابن عامر.
وبالجزم نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي".
وأحيانًا كان المصنف لا ينسب القراءة لصاحبها كقوله (1):
"قد يحذف من المضاف تاء التأنيث كقول الشاعر:
ونار قبيل الصبح بادرت قدحها
…
حيا النار قد أوقدتها للمسافر
أراد: حياة النار.
وقال الشاعر:
إن الخليط أجدوا البين وانجردوا
…
وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا
أراد: عدة الأمر، ومنه قراءة بعض القراء:{لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} .
والمصنف في استشهاده بالقراءات لا يفرق بين قراءة وأخرى، فهو يستشهد بالقراءات السبع كما يستشهد بالقراءات الشاذة.
وقد يصرح بشذوذ القراءة كقوله: (2)
"ولو توسطت "إذا" بين ذي خبر وخبر، أو بين ذي جواب وجواب ألغيت. ولو قم عليها حرف عطف جاز إلغاؤها، وأعمالها، وإلغاؤها أجود، وهي لغة القرآن التي قرأ بها السبعة في قوله تعالى:{وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} .
وفي بعض الشواذ: "لا يَلْبَثُوا" -بالنصب.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 39 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 73 أ".
وقوله (1):
"تبدل الهاء، من التاء والياء، والهمزة، والألف فإبدالها من التاء في الوقف قد بين في بابه، وقد أبدلت وصلًا من تاء "تابوت" في لغة الأنصار.
وقد قرئ بها من الشاذ".
ولا شك أن مسلك ابن مالك في الاستشهاد بالقرآن عمل يستحق التقدير، فإن أولى ما يحتج به في أصول اللغة، وتقرير العربية ووضع أحكامها يجب أن يكون أفصح ما ورد فيها، ولن يكون ذلك إلا القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله بلسان عربي مبين.
قال السيوطي (2):
أما القرآن فكل ما ورد أنه قرئ به جاز الاحتجاج به في العربية، سواء كان متواترًا أم آحادًا، أم شاذًا.
وقال (3):
كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم، وحمزة، وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن، وهم مخطئون في ذلك، فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا يطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية.
وفي المزهر (4):
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 109 أ".
(2)
الاقتراح ص 48.
(3)
الاقتراح ص 49.
(4)
جـ 1 ص 129.
قال ابن خالوية في شرح الفصيح:
أجمع الناس جمعيًا أن اللغة، إذا وردت في القرآن فهي أفصح مما في غير القرآن لا خلاف في ذلك.
وقال ابن جني (1):
فالناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ، وإن كان غير ما جاء به خيرًا منه.
وقال -أيضًا (2):
ومن بعد: فأقوى القياسين أن يقبل ممن شهرت فصاحته مما يورده، ويحمل أمره على ما حمل من حاله لا على ما عسى أن يكون من غيره".
وإذا كان هذا شأن العربي إذا نطق بشيء في غير القرآن، فلأن يعتبر هذا الكلام فيما ورد في قراءات القرآن أولى وأجدر.
وجاء في تفسير الألوسي عند شرحه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} (3).
"إذا جوزنا إثبات اللغة بشعر مجهول، فجواز إثباتها بالقرآن العظيم أولى.
وقال:
وكثيرًا ما أرى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريرهم ببيت مجهول فرحوا به.
(1) الخصائص 2/ 12.
(2)
الخصائص 1/ 27.
(3)
تفسير الألوسي 2/ 579.
وأنا شديد العجب منهم؛ لأنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول دليلًا على صحة القرآن، فلأن يجعلوا ورود القرآن به دليلًا على صحته كان أولى".
ولقد بلغ من اعتزاز ابن مالك بالقراءات في القرآن الكريم، أنه كان يرى أن القرآن العظيم اشتمل على الاستعمالات المختلفة في اللغة العربية.
قال في شرح التسهيل (1):
إن القرآن العزيز ليس فيه إشارة إلا بمجرد من اللام والكاف معًا، أو بمصاحب لهما معًا أعني: غير المثنى والمجموع.
فلو كانت الإشارة إلى المتوسط بكاف لا لام معها لكان القرآن العزيز غير جامع لوجوه الإشارة.
وهذا مردود بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} .
12 -
الدفاع عن القراء:
وابن مالك قارئ يحب القراء، ويدافع عنهم، ويقف بجانبهم، والحق معهم دائمًا، ولم يمنعه من هذا الموقف رد كثير من العلماء لبعض القراءات، ورمي أصحابها بالخطأ واللحن، كما فعل الزمخشري في قراءة ابن عامر:{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} .
قال المصنف (2):
(1) شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد للمصف 1/ 41 "مخطوطة دار الكتب المصرية 10 ش نحو".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 43 أ".
"الفصل بالظرف والجار والمجرور بين المضاف، والمضاف إليه كثير فمن ذلك قول الشاعر:
كما خط الكتاب بكف يومًا
…
يهودي يقارب أو يزيل
وقول آخر:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له
…
إذا خاف يومًا نبوة فدعاهما
وقد يقع بينهما فصلان كقول الشاعر:
كأن أصوات من إيغالهن بنا
…
أواخر الميس أصوات الفراريج
فهذا وما قبله لا يجوز في الاختيار، بل هو مخصوص بالاضطرار لوجهين:
أجدهما: أنه فصل بما لا يتعلق بالمضاف، فتمحضت أجنبيته.
الثاني: أنه فصل بحرف جر، أو بما فيه معنى جر مع كون المضاف مقتضيًا للجر ففي إيلائه ظرفًا، أو حرف جر يلاقي مقتضى الجر.
بخلاف إضافة المصدر إلى الفاعل مفصولًا بينهما بمفعول المصدر، فإن المجرورين فيهما مأمونان، مع أن الفاعل كجزء من عامله فلا يضر فصله؛ لأن رتبته منبهة عليه، والمفعول بخلاف ذلك.
فعلم بهذا أن قراءة ابن عامر رحمه الله غير منافية للقياس العربية.
على أنها لو كانت منافية له لوجب قبولها لصحة نقلها، كما قبلت أشياء تنافي القياس بالنقل، وإن لم تساو صحتها صحة القراءة المذكورة، ولا قاربتها كقولهم:"استحوذ" وقياسه "استحاذ" وقوله: "بنات ألببه"، وقياسه "ألبّة" وكقولهم: "هذا جحر ضَبٍّ
خرب" وكقولهم: "لدن غدوة" -بالنصب- وقياسه الجر.
وأمثال ذلك كثيرة.
13 -
الاستشهاد بالحديث:
ومن السمات البارزات في "شرح الكافية الشافية" الإفاضة في الاستدلال بالحديث الشريف.
وقد وقع في هذا الكتاب بضع وسبعون حديثًا نبويًا استمدها المصنف من الكتاب الصحاح، وساعده على ذلك درايته التامة بعلم الحديث.
وفي ساتدلاله بالحديث قد يثبت المصنف المراجع التي استمد منها كقوله في "باب القسم" يتحدث عن "أيمن"(1).
"يضاف في لغاته كلها إلى "الله"، ولا يضاف إلى غيره منقوصًا إلا ما ندر في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من كلامه في الصحيحين: "وايم الذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهد وأتى سبيل الله فرسانًا أجمعين".
وقد لا يثبت المصنف المرجع الذي استمد منه الحديث كقوله يتحدث عن علامات الاسم (2):
"وجعله معرفًا يتناول تعريف الإضافة، والتعريف بحرف التعريف سواء قيل: إنه اللام وجوها على ما ذهب إليه سيبويه، أو أنه الألف واللام معًا على ما ذهب إليه الخليل، ويتناول ذلك -أيضًا- التعريف بالألف والميم على لغة أهل اليمن، وقد تكلم بها الرسول
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 38 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 1 أ"، وما بعدها.
صلى الله عليه وسلم- إذا قال: "ليس من أمبر أمصيام في أمسفر"يريد: ليس من البر الصيام في السفر.
وقد يذكر المصنف الحديث على وجه لا ينبئ عنه، كقوله في باب الاختصاص المشابه للنداء (1):
قد يجاء بكلام على صورة هي لغيره توسعًا عند أمن الالتباس، فمن ذلك ورود الخبر بصورة الأمر، وورود الأمر بصورة الخبر، وورود الخبر بصورة الاستفهام، وورود الاستفهام بصورة الخبر، ومن ذلك ورود الاختصاص بصورة النداء كقولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، ونحن معاشر الأنبياء لا نورث".
ومهما يك من شيء فقد كان المصنف رحمه الله يعتد بالحديث أصلًا ثانيًا في إثبات القواعد بعد القرآن الكريم، وها هو ذا يقول (2):
"يجوز الاستغناء عن حرف النداء إن لم يكن المنادى "الله" ولا مضمرًا ولا مستغاثًا به، ولا اسم إشارة، ولا اسم جنس مفردًا غير معين.
فإن كان أحد هذه الخمسة لزمه "يا" نحو "يا الله" و "يا إياك" و:
يا لبكر انشروا لي كليبًا .... . . . . . . . . . .
و"يا هذا" و "يا رجلًا" إذا لم يتعين، فإن قصدت واحدًا معينًا، فالأكثر ألا يحذف الحرف، وقد يحذف في الكلام الفصيح كقول النبي صلى الله عليه وسلم مترجمًا عن موسى صلى الله عليه وسلم:"ثوبي حجر".
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 63 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 59 أ".
وكقوله صلى الله عليه وسلم"اشتدي أزمة تتفرجي".
وفي هذين غنى عن غيرهما من الشواهد نثرًا ونظمًا"، ثم قال المصنف:
"والبصريون يرونه شاذًا لا يقاس عليه، والكوفيون يقيسون عليه، وقولهم في هذا أصح"، فالمصنف يكتفي بالحديثين في الاستشهاد على القاعدة ويرى فيهما غناء عن غيرهما من الشواهد، ثم يصحح الرأي الذي اعتمد عليهما.
وبذا يكون ابن مالك، وضع الحديث النبوي الشريف في مكانه اللائق به.
وقد عاب أو حيان على ابن مالك ما فعله من استشهاد بالحديث، فقال في شرح التسهيل (1):
"قد أكثر هذا المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب، وما رأيت أحدًا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره، على أن الواضعين الولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين.
والفراء، وعلي بن المبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين، لم يفعلوا ذلك.
وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين، وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد، وأهل الأندلس".
(1) ينظر الاقتراح ص 19.
وادعاء أبي حيان بأن الواضعين الأولين لعلم النحو، لم يستدلوا بالحديث ادعاء غير مبني على أساس سليم من الحقيقة والواقع.
ذلك أن سيبويه، وهو إمام أئمة البصريين ضمن كتابه بعض الأحاديث، وفي المقتضب للمبرد، وهو من أئمة البصرة -أيضًا- ثلاثة أحاديث (1).
والكسائي إمام الكوفيين استدل بالحديث، بل أفاض في ذلك عندما استدل بثلاثة أحاديث، هي قوله صلى الله عليه وسلم:"فلا يقرب مسجدنا يؤذنا بريح الثوم"، وقوله:
"لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". وقول أبي طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشرف يصبك سهم"على مسألة واحدة هي جزم جواب النهي إذا سقطت الفاء.
واللغويون الأولون استشهدوا بالحديث، وممن أكثر من ذلك الأزهري صاحب "التهذيب" الذي كان كثيرًا ما يعمد إلى حديث من الأحاديث الشريفة، فيصدر به المادة، ويجعله مركزًا يدور حوله البحث. كما في مادة "نخ" الذي صدرها بقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس في النخة صدقة".
وادعاء أبي حيان بأن المتأخرين من نحاة الأقاليم، تابعوا المتقدمين في عدم الاحتجاج بالحديث إدعاء مردود بما تضمنته مؤلفات النحاة من أندلسيين، وغير أندلسيين من أحاديث.
فقد استدل بالحديث: الشريف الصقلي، والشريف الغرناطي، والسيرافي، والصفار في شروحهم لكتاب سيبويه.
(1) ينظر الكتاب المقتضب للمبرد، بتحقيق الشيخ عضيمة.
واستدل بالحديث ابن عصفور في المقرب، وابن الحاج في شرح "المقرب"، وابن الخباز في شرح ألفية ابن معط، وأبو علي الشلوبين في "التوطئة".
ولم يخل كتابًا أبي حيان "التذييل والتكميل" و "إرتشاف الضرب" من الاستدلال بالحديث كما في بابي أفعل التفضيل، والصفة المشبهة.
وقد تابع المصنف في هذا المسلك -وهو الاعتداد بالحديث في إرساء القواعد النحوية- كثير من المتأخرين كناظر الجيش، والدماميني الذي يقول (1):
"وقد أكثر المصنف -رحمه الله تعالى- من الاستدلال بالأحاديث النبوية على إثبات الأحكام النحوية، وشنع عليه أبو حيان، وقال: إن ذلك لا يتم له لتطرق احتمال الرواية بالمعنى إلى ما يستدل به من تلك الأحاديث، فلا يوثق بأن ذلك المحتج به لفظه عليه الصلاة والسلام حتى تقوم به الحجة".
ثم قال الدماميني:
"وقد أجريت ذلك لبعض شيوخنا، فصوب رأي ابن مالك فيما فعله من ذلك بناء على أن اليقين ليس بمطلوب في هذا الباب، وإنما المطلوب غلبة الظن الذي هو مناط الأحكام الشرعية".
14 -
الإشارة إلى المراجع:
وذلك كقول يتحدث عن الحروف المفتتح بها السور (2):
"وبعضهم يجعلها معربة؛ لأنها تتأثر بالعوامل لو دخلت عليها، وهذا اختيار الزمخشري في الكشاف".
(1) تعليق الفوائد ص 107 و 108 مخطوطة دار الكتب المصرية 1010 نحو.
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 4 ب".
وكقوله في باب الموصول (1):
وذكر أبو علي في الشيرازيات عن يونس وقوع "الذي" مصدرية مستغنية عن عائد، وجعل من ذلك قوله تعالى:{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} .
وقوله يتحدث عن "ذو"(2).
"وذكر ابن جني في المحتسب أن بعضهم يعربها، ومنه قول بعضهم:
وإما كرام موسرون رأيتهم
…
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا
وذكر ابن درستويه في الإرشاد مثل ما ذكر ابن جني في المحتسب".
وقوله في باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر (3):
وفي كلام ابن عصفور في شرح الجمل ما يوهم أن الأكثرين على تجويز نحو "كان الماء يشرب زيد".
وقوله (4):
وقال الأخفش في كتاب "المعاني" له: وزعموا أن بعضها يقول: "إن زيدًا لمنطلق" وهي مثل: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، قرئ بالنصب والرفع.
وقوله (5):
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 7 أ".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 7 ب".
(3)
شرح الكافية الشافية "الورقة 14 أ".
(4)
شرح الكافية الشافية "الورقة 19 أ".
(5)
شرح الكافية الشافية "الورقة 19 أ".
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل".
15 -
استخدام الأساليب المنطقية في الاستدلال:
والمصنف يلجأ كثيرًا إلى الأساليب المنطقية في إقامة حججه، أو هدم أدلة خصومه وهذا يدل على أنه نال قسطًا وفرًا من العلوم اللسانية ساعده على إقامة الأدل النظرية التي تؤيد آراءه، كما روفقه في الوصول إلى استنتاج أقيسة دقيقة على ما صح من كلام العرب.
من ذلك قوله في باب العطف يستدل لرأيه في "أما" المسبوقة بمثلها (1):
"وأما المسبوقة بمثلها عاطفة عند أكثر النحويين".
ومذهب ابن كيسان وأبي علي أن العطف إنما هو بالواو التي قبلها، وهي جائية لمعنى من المعاني المفادة بـ"أو".
وبقولهما أقول: لأنه في ذلك تخلصًا من دخول عاطف على عاطف.
ولأن وقوعها بعد الواو مسبوقة بمثلها شبيه بوقوع "لا" بعد الواو مسبوقة بمثلها في مثل "لا زيد، ولا عمرو فيها".
و"لا" هذه غير عاطفة بإجماع، فلتكن "أما" مثلها إلحاقًا للنظير بالنظير، وعملًا بمقتضى الأولوية.
وذلك أن "لا" قبل مقارنة الواو صالحة للعطفية بإجماع. ومع
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 56 أ".
ذلك حكم بعدم عطفيتها عند مقارنتها، فلأن يحكم بعدم عطفية "أما" عند مقارنة الواو أحق وأولى".
وقوله في باب ما ينصرف، وما لا ينصرف يرد مذهب صدر الأفاضل في "سحر" إذا قصد به سحر يوم بعينه، وجعل ظرفًا مثل:"خرجت يوم الجمعة سحر"(1):
وزعم صدر الأفاضل أن "سحر" المشار ِإليه مبني على الفتح لتضمنه معنى حرف التعريف، وما ذهب إليه مردود بثلاثة أوجه:
أحدهما: أن ما ادعاه ممكن وما ادعيناه ممكن، لكن ما ادعيناه أولى، فإنه خروج عن الأصل بوجه دون وجه؛ لأن الممنوع من الصرف باق على الإعراب.
بخلاف ما ادعاه؛ لأنه خروج عن الأصل بكل وجه.
الثاني: أنه لو كان مبنيًا لكان غير الفتحة أولى به؛ لأنه موضع نصب فيجب اجتناب الفتحة، لئلا يتوهب الإعراب.
كما اجتنب في "قبل" و "بعد" والمنادى المضموم.
الثالث: أنه لو كان مبنيًا لكان جائز الإعراب جواز إعراب "حين" في قوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا .... . . . . . . . . . .
لتساويهما في ضعف سبب البناء لكونه عارضًا، وكان يكون علامة إعرابه تنوينه في بعض المواضع.
وفي عدم ذلك دليل على عدم البناء، وأن فتحته إعرابية، وأن عدم التنوين إنما كان من أجل منع الصرف.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 70 أ".
16 -
تبرير أمور وقعت في النظم:
وجد المصنف في الشرح الفرصة السانحة، لتبرير أمور اضطره النظم إليها.
من ذلك ما ورد عند شرحه للبيتين الآتيين في باب ما ينصرف، وما لا ينصرف:
وزائدًا فعلان وصفًا قابلًا
…
فعلى وما يلفى لتاء قابلًا
وجهان في فعلان وصفا إن عدم
…
في الوضع تأنيثًا كانت من "رحم
قال المصنف (1):
الثاني من الأنواع الخمسة التي لا تنصرف في التعريف، ولا في التنكير: كل صفة على "فعلان" لا تلحقها تاء التأنيث أما؛ لأن لها مؤنث على "فعلي" فاستغنى به كـ"سكران" و "غضبان".
وإما لكونها صفة لا مؤنث لها كـ"لحيان"، وهو الكبير اللحية.
ثم قال:
والتمثيل بـ"لحيان" أولى بالتمثيل بـ"الرحمن" لوجهين:
أحدهما: أن "الرحمن" بغير ألف ولام دون نداء، ولا إضافة غير مستعمل فلا فائدة في الحكم عليه بانصراف ولا منع.
الثاني: إن الممثل به في هذه المسألة معرض، لأن يذكر موصولًا بالتاء، أو بألف "فعلى" ومجردًا منهما لينظر ما هو الأحق به، والأصلح له.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 157، وما بعدها".
وتعريض "الرحمن" لذلك مع وجدان مندوحة عنه مخاطرة من فاعله.
فلذلك مثلت بـ"لحيان" ولكني اضطررت فقلت:
. . . . . . . . . . . .... . . . . . . . . . . كآت من رحم
ومن ذلك ما ورد في فصل تمييز العدد بمذكر ومؤنث عند قوله:
الحكم للسابق أن يضف عدد
…
لذكر وضده وما اتحد
إذ قال (1):
إذا كان للعدد المضاف مميزان مذكر ومؤنث، فالحكم لسابقهما أي: إن سبق مذكر العدد بالتاء نحو: "لي ثمانية أبعد وآم"، وإن سبق مؤنث كان العدد بلا تاء نحو:"لي ثماني إماء وأعبد".
واحترزت بقولي:
. . . . . . . . . . . وما اتحد
من أن يعبر عن المذكر والمؤنث بلفظ واحد.
وهذا الاحتراز مستغنى عنه بذكر السابق، فإنه مشعر بعدم الاتحاد لكن الحاجة دعت إلى كلمة تكمل، فكان ما يناسب أولى مما لا يناسب.
17 -
الاعتداد بالنفس في غير غرور:
ومع ثقة المصنف فيما يورده من آراء، وأحكام في المسائل المختلفة لم يأخذه. الغرور فلم يصدر أحكامه قاطعة، ولم يطلق
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 67 ب".
القول على عمومه، وإنما كان يحترس معترفًا بأن ما أورده هو منتهى علمه، وهذا من تواضع العلماء.
وذلك كقوله (1):
وممن صرح بإلغاء عجمة الثلاثي -مطلقًا- السيرافي وابن برهان، وابن خروف ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفًا.
وقوله (2):
وبينت أن في "كأين" خمس لغات، وأصلها "كأي" وهي أشرها وبها قرأ السبعة إلا ابن كثير:
ويليها "كائن" وبها قرأ ابن كثير والبواقي.
وقرأ الأعمش وابن محيصن "كأين" -بهمزة ساكنة بعد الكاف، وبعدها ياء مكسورة خفيفة بعدها نون ساكنة في وزن "كَعْيِنْ".
ولا أعرف أحدًا قرأ باللغتين الباقيتين".
وقوله (3):
وأجاز يونس حكاية كل معرفة قياسًا على العلم، فيجوز عنده أن يقال: لمن قال: رأيت "غلام زيد" و "مررت بصاحب عمرو" من غلام زيد؟ ومن صاحب عمرو؟
وأجاز -أيضًا- حكاية النكرة بـ"من" في الوصل.
ولا أعلم له في المسألتين موافقًا".
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 69 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 81 ب".
(3)
شرح الكافية الشافية "الورقة 81 أ" وما بعدها.
وقوله (1).
"ومثال""فعائل" جمعًا للمجرد من التاء "شمائل" في جمع "شمأل" و"شمال"، "عجائز" و"عقائب" جمع "عجوز" و"عقاب".
وأما "فعائل" جمع "فعيل" من هذا القبيل، فلم يأت في اسم جنس فيما أعلم".
موقف المصنف بين البصريين والكوفيين:
نظر المصنف رحمه الله في النحو نظر المجتهدين، فهو يعرض الحكم، ويناقش أدلته مناقشة حرة، مبتعدًا عن التكلف في التأويل، والتعقيد في إيراد الدليل، يلتزم مبدأ السهولة، مؤثرًا جانب اليسر، غير متعبد بآراء القدماء، غير مهمل لها، وإنما ينظر فيها، ويناقش أدلتها، فإن اتفقت مع منهجه، ولم تخالف مبادئه أقرها، وأيدها بروح من عنده.
وإن خالفت منهجه، ولم يجد لها من الأدلة ما يدعم كيانها كر عليها، هادمًا أساسها الذي تعتمد عليه.
وهو في ذلك ينزع دائمًا إلى السهولة والتيسير في كل ما يذهب إليه من آراء. واتجاهات، ما دام الأسلوب لم يخرج عن نطاق العربية، وإن كان في ذلك مخالفة لمذهب أئمة النحو كسيبويه، ولم تمنعه مكانة سيبويه من الجهر بذلك كقوله في "باب إعمال اسم الفاعل"(2).
"ولك في المعطوف على ما خفض بإضافته إليه: الجر حملًا على اللفظ، والنصب حملًا على الموضع كما قال الشاعر:
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 91 أ".
(2)
الورقة 46 أ.
هل أنت باعث دينار لحاجتنا
…
أو عبد رب أخا عون بن مخراق
فنصب "عبد رب" عطفًا على "دينار" -وهو اسم رجل- ولا حاجة إلى تقدير ناصب غير ناصب المعطوف عليه.
وإن كان التقدير قول سيبويه".
من هنا رأينا المصنف يوافق الكوفيين إن رأى الصواب معهم، ويؤيد البصريين إن سار الحق في ركابهم، ويفند آراء هؤلاء وهؤلاء إن حادث عن طريقه المرسوم.
فمن تأييده للكوفيين قوله (1):
"وأشرت بقولي:
ونحو "زيد شثن كفه" أبى
…
في النثر سيبويه أن يرتكبا
إلى نحو قوله: "هو حسنُ وَجْهِه"
وقول الشماح:
أمن دمنتين عرس الركب فيهما
…
بحقل الرخامي قد عفا طللالهما
أقامت على ربعيهما جارتا صفا
…
كميتا الأعالي جونت مصطلاهما
وهذا عند سيبويه مخصوص بالشعر.
وهو عند أبي العباس المبرد ممنوع في الشعر وغيره.
وهو عند الكوفيين جائز في الكلام كله.
وهو الصحيح؛ لأنه مثله قد ورد في الحديث كقوله في حديث أم زرع: "سفر وشاحها"، وفي حديث الدجال:"أعور عينه اليمنى"، وفي وصف النبي، صلى الله عليه وسلم:"شثن أصابعه".
(1) الورقة 47 أ.
وقوله: في باب النائب عن الفاعل" (1):
ولا يجيز غير الأخفش من البصريين أن ينوب غير المفعول به وهو موجود.
وأجار ذلك الأخفش، والكوفيون ويؤيد مذهبهم قراءة بعض القراء:"لِيُجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"(2).
ومن تأييده للبصريين قوله في "باب المفعول المطلق، وهو المصدر"(3):
"والفعل مشتق من المصدر: لأن المشتق فرع، والمشتق منه أصل، وكل فرع يتضمن الأصل وزيادة عليه.
ولا شك في أن الفعل يتضمن المصدر، والوقت فثبتت فرعيته وأصلية المصدر؛ لأنه دل على بعض ما يدل عليه الفعل.
وهذا مذهب البصريين، وهو الصحيح".
وقد يبلغ من استهانته بالرأي، واستخفافه به لضعفه البين في نظرة أن يذكره في النظم، ولا يتعرض له في الشرح كما في حديثه عن الخير إذ قال في النظم:
وخبرا بمبتدأ أو بابتدا
…
أو بهما أرفع والمقدم اعضدا
وقال أهل الكوفة الجزآن قد
…
ترافعا وذا ضعيف المستند
وقال في الشرح (4):
(1) الورقة 24 أ.
(2)
من الآية رقم "14" من سورة "الجاثية".
(3)
الورقة 27 أ.
(4)
الورقة 10 ب.
"وأما الخبر:
فرافعه المبتدأ -وحده- أو الابتداء -وحده- أو المبتدأ والابتداء معًا.
هذه الثلاثة أقوال البصريين.
والأول قول سيبويه، وهو الصحيح".
ولم يتعرض في الشرح لقول الكوفيين، وإنما أغفله إغفالًا تامًا.
وقد لا يرتضى المصنف رحمه الله أقوال النحويين جميعًا فيردها، ثم يبين رأيه.
وذلك كما في تأويل العلم المستعميل في مثل قولهم "قضية ولا أبا حسن لها" إذ قال المصنف (1):
وللنحويين في تأويل العلم المستعمل هذا الاستعمال قولان:
أحدهما، أنه على تقدير إضافة مثل إلى العلم ثم حذف مثل فخلفه المضاف إليه في الإعراب والتنكير.
والثاني: أنه على تقدير لا واحد من مسميات هذا الاسم.
وكلا القولين غير مرضي:
أما الأول فيدل على فساده أمران:
…
"
وهكذا يبدأ المصنف يفند هذين الرأيين، فإذا ما انتهى من ذلك ذكر رأيًا يسلم من الاعتراض عليه.
(1) الورقة 20 أ.
شخصية المؤلف في الكتاب:
وشخصية المؤلف في الكتاب واضحة، فهو غير مقلد ولا متابع، وإنما مجتهد له رأيه، وهو حين يبدي رأيه لا يبديه إلا بعد أن يستعرض الآراء المختلفة ويبحث فيها، وينظر أدلتها، سواء تلك الأدلة التي أوردها صاحب الرأي أو الأدلة التي يراها هو مؤيدة له، ثم يختار الرأي، الذي ترجح كفته عنده بغض النظر عن شخصية قائله أو مكانته، ولا يلبث من موضع لآخر أن يدلي بدلوه بين الدلاء، فالعلم عنده ليس مقصورًا على طائفة من العلماء ولا محدودًا بزمن.
وقد صرح بذلك في مقدمة كتابه "شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" حين قال: "غير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين".
لذا فلا يكاد يمر موضوع من الموضعات التي تناولها الكتاب، إلا رأينا المصنف يبدي رأيه، مدعمًا بالدليل، ولقد شارع هذا الأمر بصورة يصعب على الباحث حصرها، وإنما يكتفي بضرب أمثلة منها كقوله (1):
"وأما نون "الزيتون" فالأكثر على أنها زائدة بناء على أنه من "الزيت".
والصحيح أنها غير زائدة لقول بعض العرب: "أرض زتنة" إذا كانت كثيرة الزيتون".
وقوله (2):
(1) الورقة 3 ب.
(2)
الورقة 4 أ.
"وزعم قوم أن المحذوف في نحو "تأمروني" هو الثاني، وليس كذلك.
بل المحذوف هو الأول، نص على ذلك سيبويه.
ويدل على صحة قوله".
وقوله (1):
وأجاز الفراء -أيضًا- في "الذي" من تمام على الذي أحسن" أن تكون مصدرية
…
وبه أقول".
وقوله (2):
اللام وحدها هي المعرفة عند سيبويه، والهمزة قبلها همزة وصل زائدة.
وهي عند الخليل همزة قطع عوملت غالبًا معاملة همزة الوصل لكثرة الاستعمال. وهي أحد جزأي الأداة المعرفة.
وقول الخليل هو المختار عندي
…
".
وقوله (3):
"واختلف في تقديم خبر "ليس" فأجازه قوم، ومنعه قوم. والمنع أحب إلى".
وكقوله -يبين الحكم إذا جر خبر "ليس" بالباء وعطف عليه مخبر عنه أجنبي (4).
(1) الورقة 7 أ.
(2)
الورقة 10 أ.
(3)
الورقة 13 ب.
(4)
الورقة 15 أ.
"ويجوز جر الخبر الثاني إذا جر الأول عند الأخفش، لا عند سيبويه.
والقول في ذلك قول الأخفش، لاستعمال العرب إياه كقول الشاعر:
وليس بمعروف لنا أن نردها
…
صحاحًا ولا مستنكرٍ أن تعقرا
وقوله في باب "ما" و "لا" و "إنْ" المشبهات بليس (1):
"وزعم أبو علي أن دخول الباء الجارة على الخبر -يعني خبر "ما"- مخصوص بلغة أهل الحجاز، وتبعه في ذلك الزمخشري.
والأمر بخلاف ما زعماه لوجوه".
وقوله (2):
"يحيى: هو الفراء، وسعيد: هو، أبو الحسن الأخفش اتفقا على جواز "إن قائمًا الزيدان"، فمذهبهما في ذلك ضعيف".
وقوله (3):
"ونسب سيبويه قائل "إنهم أجمعون ذاهبون" إلى الغلط مع أنه من العرب الموثوق بعربيتهم.
وليس ذلك من سيبويه رحمه الله بمرضي.
بل الأولى أن يخرج على أن قائل ذلك أراد".
(1) الورقة 15 ب.
(2)
الورقة 17 ب.
(3)
الورقة 19 أ.
وقوله (1):
وزعم قوم منهم الزمخشري، والجزولي أن بني تميم يحذفون خبر "لا" مطلقًا على سبيل اللزوم.
وليس بصحيح ما قالاه؛ لأن".
وقوله "في باب النائب عن الفاعل"(2):
"حكى ابن السراج أن قومًا يجيزون نيابة خبر كان المفرد.
وهو فاسد، لعدم الفائدة، ولاستلزامه إخبارًا عن غير مذكور ولا مقدر".
وقوله (3):
"يستغنى بذكر المصدر الذي له فعل عن فعله في الخبر، والدعاء، والأمر والنهي
…
والفراء يرى ذلك مطردًا غير متوقف على سماع، خبرًا كان ما يرد فيه ذلك أو طلبًا بشرط أن يكون الموضع صالحًا لوقوع الفعل فيه مجردًا.
ورأيه في ذلك عندي صواب".
وقوله (4):
"اختار أبو الفتح ابن جني في الخصائص تقديم المفعول معه
(1) الورقة 20 ب.
(2)
الورقة 24 ب.
(3)
الورقة 27 ب.
(4)
الورقة 29 ب.
على مصحوبه نحو "جاء والطيالسة البرد"، واستدل بقول الشاعر:
جمعت وفحشا غيبة ونميمة
…
ثلاثة خصال لست عنها بمرعو
ومثله قول الآخر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه
…
ولا ألقبه والسوأة اللقبا
ولا حجة لابن جني في البيتين لإمكان جعل الواو فيهما".
وقوله (1):
"سوى" اسم يستثنى به، ويجر ما يستثنى به لإضافته إليه، ويعرب هو تقديرًا كما تعرب "غير" لفظًا.
خلافًا لأكثر البصريين في ادعاء لزومها النصب على الظرفية، وعدم التصرف، وإنما اخترت خلاف ما ذهبوا إليه لأمرين"
وقوله (2):
"ورود المصدر النكرة حالًا كثير كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} (3).
ولا يجوز استعماله عند سيبويه إلا بسماع.
وأجاز أبو العباس القياس على ما كان نوعًا من الفعل كـ"جئت ركضًا"
(1) الورقة 30 ب.
(2)
الورقة 31 ب.
(3)
من الآية رقم "15" من سورة "الرعد".
فيقيس عليه "جئت سرعة ورجلة".
وليس ذلك ببعيد".
وقوله (1):
إذا كان صاحب الحال مجرورًا بالإضافة لم يجز تقديم الحال عليه بإجماع.
وأكثر النحويين يقيس المجرور بحرف على المجرور بالإضافة، فيلحقه به في امتناع تقدم حاله عليه. وأجاز ذلك أبو علي في كلامه في المبسوط.
وبقوله في ذلك أقول وآخذ؛ لأن"
وقوله (2):
وأشرت بقولي .... . . . . . . . . . .
وقديري "كما" لفعل ناصبًا.
إلى ما أنشده أبو علي في التذكرة من قول الشاعر:
وطرفك إما جئتنا فاصرفنه
…
كيما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
ومثله قول الآخر:
اسمع حديثًا كما يومًا تحدثه
…
عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا
وقدر أبو علي النصب بـ"كما" في البيتين، وزعم أن الأصل "كيما" فحذفت الياء.
وهذه دعوى لا دليل عليها".
(1) الورقة 32 أ.
(2)
الورقة 35 ب.
وقوله (1):
"ولما كان إقسامهم بالله أكثر من غيره خص في القسم بدخول التاء عليه.
وتحذف جارة بغير عوض قليلًا، وبعوض كثيرًا.
ومذهب الأخفش أن الجر هنا بالعوض من الحرف لا بالحرف المحذوف ..
وهو مذهب قوي؛ لأنه".
وقوله -في حديثه عن قول الشاعر:
نهيتك عن طلابك أم عمرو
…
بعاقبة وأنت إذ صحيح (2)
"وزعم الأخفش أنه أراد "حينئذ" فحذف "حينًا"، وأبقى جر "إذ" وهذا بعيد، وغير قول الأخفش أولى بالصواب".
وقوله:
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن "قبلا" في قوله:
. . . . . . . . . . . وكنت قبلا .... . . . . . . . . . .
معرفة بنية الإضافة إلا أنه أعرب؛ لأنه جعل ما لحقه من التنوين عوضًا من اللفظ بالمضاف إليه.
وهذا عندي قول حسن".
وقوله -يرد اعتذار الشنتمري عن سيبويه للاستشهاده بقول ساعده ابن جؤية:
(1) الورقة 37 ب.
(2)
الورقة 41 ب.
حتى شآها كليل موهنا عمل
…
باتت طراباوبات الليل لم ينم
قال محمد:
وهذا عندي تكلف لا حاجة إليه".
وهكذا تبدو شخصية المصنف واضحة من خلال ما يبديه من آراء لا تكاد تخلو صفحة من صفحات الكتاب منها.
بعض الأصول التي بنى عليها المصنف آراءه في الكتاب:
1 -
السماع حجة:
يعتد المصنف بما سمع من العرب، ويعتمد عليه في إرساء القواعد، ولا يهدره ولو كان في الاعتداد به ما يؤدي إلى مخالفة لأئمة النحو كسيبويه.
وذلك كقوله (1):
وإذا أضيف اسم زمان إلى جملة مستقبلة المعنى، وجب عند سيبويه منع كونها اسمية كما يمتنع ذلك بعد إذا.
لأن "إذ" و"إذا" هما أصلان لكل زمان أضيف إلى جملة، فإذا كان معناها المضي فالموضع لـ"إذ" فيجري مجراها.
وإن كان معناها الاستقبال فالموضع لـ"إذا" فيجري ذلك الاسم مجراها.
وهذا الذي اعتبره سيبويه بديع، لولا أن المسموع ما جاء بخلافه كقوله -تعالى:{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} (2).
وكقول سواد بن قارب رضي الله عنه
(1) الورقة 41 ب.
(2)
من الآية "16" من سورة "غافر".
فكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة
…
بمغن فتيلًا عن سواد بن قارب
وكقوله في باب الحال (1):
"وبعض النقلة يزعم أن الكوفيين لم يمنعوا تقديم حال المرفوع عليه، إلا إذا تأخر هو ورافعه عن الحال نحو "راكبًا جاء زيد"
وأما نحو "جاء راكبا زيد" فيجيزونه.
وعلى كل حال قولهم مردود بقول العرب "شتى تئوب الحلبة"
أي: متفرقين يرجع الحالبون.
وهذا كلام مروي عن الفصحاء، وقد تضمن جواز ما حكموا بمنعه، فتعينت مخالفتهم في ذلك.
وقد يعتد المصنف بالمسموع عن العرب، ولو كان غريبًا وذلك كقوله في "باب القسم"(2).
ثم أشرت إلى أن نافي الماضي قد يحذف إذا دلت قرينة على إرادة النفي، كقول أمية بن أبي عائذ الهذلي:
فإن شئت آليت بين المقا
…
م والركن والحجر الأسود
نسيتك ما دام عقلي معي
…
أمد به أمد السرمد
أراد: لا نسيتك.
فحذف النافي؛ لأن المعنى لا يصح إلا بتقديره؛ ولأنه لو أراد الإثبات لقال: لقد نسيتك.
وقد يحذف أيضًا نافي الجملة الاسمية إذا لم يستقم المعنى إلا بتقديره كقول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
(1) الورقة 32 أ.
(2)
36 ب وما بعدها.
فوالله ما نلتم وما نيل منكم
…
بمعتدل وفق ولا متقارب
أراد: ما ما نلتم وما نيل منكم بمعتدل.
فحذف "ما" النافية، وأبقى "ما" الموصولة، وجاز ذلك لدلالة الباء الزائدة في الخبر. ولدلالة العطف بـ"ولا".
وهذا البيت وبيت أمة غريبان.
وقال المصنف:
ثم نبهت على أن جواب القسم قد ينفي بـ"لن" و"لم" وذلك في غاية الغرابة.
وشاهد الأول قول أبي طالب، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
…
حتى أوارى في التراب دفينا
وشاهد الثاني: ما حكى الأصمعي قال:
قال لأعرابي: ألك بنون؟
قال: نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة".
2 -
القياس حجة:
والقياس حجة عند المصنف لا يفتأ من حين لآخر، يعتمد عليه فيما يبديه من آراء، وقد صرح بذلك في مواضع كقوله (1):
"إذا كان اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال، واعتمد على ما ذكر جاز أن ينصب المفعول الذي يليه، وأن يجره بالإضافة تخفيفًا.
ولك في المعطوف على ما خفض بإضافته إليه الجر حملًا على اللفظ، والنصب حملًا على الموضع.
(1) الورقة 46 أ.
ويجوز في نعت المجرور النصب على المحل كما جاز في المعطوف، وإن لم أجد له شاهدًا.
والحجة في جوازه القياس على نعت المجرور بالمصدر، فإن حمله على المحل ثابت كقول الشاعر:
حتى تهجر في الرواح وهاجه
…
طلب المعقب حقه المظلوم
فـ"المظلوم" صفة لـ"المعقب"؛ لأنه فاعل في المعنى فتبعته الصفة باعتبار المعنى.
وكما جاز في صفة المجرور بإضافة المصدر الحمل على المعنى، كذلك يجوز أن تحمل صفة المجرور باسم الفاعل على المعنى، فيقال:"هذا مكرم ابنك الكبير، ومهين غلامك الحبشي".
بل اسم الفاعل أولى بذلك؛ لأن إضافته وهو بمعنى الحال والاستقبال في نية الانفصال؛ ولأنه أمكن في عمل الفعل من المصدر، ولذا يعمل مضمرًا، ومؤخرًا بخلاف المصدر.
ومثل "طلب المعقب حقه المظلوم"، قول الآخر:
السالك الثغرة اليقظان سالكها
…
مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل
الخيعل: قميص بلا كمين، والفضل، اللابسة ثوب المهنة والخلوة، والهلوك، المتثنية عجبًا.
وهو مجرد اللفظ بالإضافة مرفوع الموضع بالفاعلية، فرع "الفضل" حملًا على الموضع.
وكقوله (1):
(1) الورقة 90 أ.
وأما "فعائل" جمع "فعيل" فلم يأت في اسم جنس فيما أعلم، لكنه يأتي بمقتضى القياس لعلم مؤنث كـ"سعايد" جمع "سعيد" -علم امرأة.
3 -
الإِجْمَاع حُجَّة:
والمصنف يقف عند الأحكام المجمع عليها، لا يتجاوزها يستوي في ذلك ما ورد عن العرب، وما اتفق عليه النحويون.
فمن الأ ول قوله (1):
"اتفقت العرب على فتح سين "عسى" إذا لم تتصل بتاء الضمير ونونيه".
ومن الثاني قوله (2):
إذا كان لشخص اسم ولقب، وذكرا معًا قدم الاسم على اللقب.
ثم إن كانا مركبين، أو كان أحدهما مفردًا، والآخر مركبًا جعل اللقب تابعًا للاسم في إعرابه، إما بدلًا، وإما عطف بيان كقولك:"هذا عبد الله عابد الكلب" و"رأيت زيدًا أنف الناقة".
وإن كانا مفردين أضيف الاسم إلى اللقب بإجماع".
4 -
الرجوع إلى الأصول المجمع عليها أولى:
وإذا ذهب بعض النحاة إلى مذهب يخالف الأصول المجمع عليها من جمهرة النحاة، وقف في سبيله، ورد ما يستدل به إلى
(1) الورقة 16 ب.
(2)
الورقة 6 ب.
المشهور من القواعد ومن ذلك ما جاء في "باب الحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر":
قال المصنف (1):
"ومن الكوفيين من ينصب الجزأين بـ"ليت" وغيرها من أخواتها، ويستشهد بقول الراجز العماني:
كأن أذنيه إذا تشوفا
…
قادمة أو قلما محرفا
وبحديث روي وهو:
"إن قعر جهنم سبعين خريفًا".
ثم قال:
"ورد جميع ذلك إلى الأصول المجمع عليها أولى، فيخرج "كأن أذنيه" على تقدير: كأن أذنيه يحاكيان -نحو ذلك.
ويخرج "إن قعر جهنم" على أن "قعر" مصدر من قولهم قعرت البئر أي بلغت قعرها.
و"سبعين" منصوبة على الظرفية، وقد وقع خبرا؛ لأن الاسم (2) مصدر، والإخبار عن المصدر بظرف الزمان مطرد".
5 -
الروايات المختلفة للنص مقبولة:
وإذا ورد للنص المستدل به على قاعدة ما روايتان، أو أكثر قبل المصنف كل الروايات ما دامت واردة عمن يوثق به، ولا يدفع رواية بأخرى.
(1) الورقة 19 أ.
(2)
يقصد المصنف اسم "إن"، وهو "قعر".
وإذا استدل بعض العلماء برواية للنص، وأيد البعض الآخر رأيه بالرواية الأخرى ذكر المصنف الرأيين، ولم يقف مع واحد ضد الآخر كما في قوله (1):
"وأجاز سيبويه للمضطر أن يرخم وينوي المحذوف، فيدع الحرف الذي قبله على ما كان عليه قبل الحذف كما قال الشاعر:
ألا أضحت حبالكم رماما
…
وأضحت منك شاسعة أماما
هكذا رواه سيبويه.
ورواه المبرد:
. . . . . . . . . . .
…
وما عهدي كعهدك يا أماما
ثم قال المصنف رحمه الله:
"والإنصاف يقتضي تقرير الروايتين
ولا يدفع إحداهما بالأخرى"
6 -
الرأي بغير دليل ضعيف:
والمصنف يلتمس الأدلة لآراء العلماء الورادة في الحكم، فإذا وجدها ذكرها، وناقشها وبين موقفه.
وإذا لم يجد الأدلة المؤيدة لرأي ما، ذكر الرأي ثم ألمح إلى ضعفه بعدم وجود دليل عليه، أو نبه على قبوله له لوجود نظائر له يقاس عليها.
فمن النوع الأول قوله في "باب التوكيد"(2):
وأغفل أكثر النحويين "جميعًا"، ونبه سيبويه على أنها بمنزلة
(1) الورقة 63 ب.
(2)
الورقة 53 أ.
"كل" معنى واستعمالًا ولم يذكر شاهدًا من كلام العرب.
وقد ظفرت بشاهد له، وهو قول امرأة من العرب ترقص ابنها:
فداك حي خولان
…
جميعهم وهمدان
وكل آل قحطان
…
والأكرمون عدنان
ومن النوع الثاني قوله في "باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبرة" -بعد أن ذكر بعض الأفعال الملحقة بـ"صار" في العمل (1):
"فهذه ثمانية أفعال مساوية لـ"صار" معنى وعملًا، وأما "غدا" و"راح"، فإنهما ملحقان عند بعضهم بها -أيضًا- إلا أني لم أجد لذلك شاهدًا من كلام العرب يكون الاستدلال به صريحًا".
ومن النوع الثالث قول في "باب إعمال اسم الفاعل" -يتحدث عن نعت المجرور باسم الفاعل (2):
"ويجوز في نعت المجرور النصب على المحل كما جاز على المعطوف، وإن لم أجد له شاهدًا.
والحجة في جوازه القياس على نعت المجرور بالمصدر، فإن حمله على لمحل ثابت".
7 -
الحمل على الأكثر راجح:
ومن ذلك قوله (3):
"إذا كان الحكم بأصالة حرف موجبًا لعدم النظير تعين الحكم بالزيادة كنون "نرجس" فإنه زائد، إذ لو لم يكن زائدًا لكان وزنه "فعْلِلًا".
(1) الورقة 13 ب.
(2)
الورقة 46 أ.
(3)
الورقة 102 ب.
وذلك ممتنع بإجماع أهل الاستقراء.
وكذا إذا كان الحكم بالأصالة يغلب ما قل كنون "جندب" فإنها زئادة؛ لأن "فُنْعَلًا" أكثر من "فُعلَل" عند من أثبت "فُعلَلًا".
والحمل على الأكثر راجح".
8 -
ما يؤدي إلى اللبس يجب اجتنابه:
من ذلك قوله في باب الفاعل (1):
"إذا خيف التباس فاعل بمفعول لعدم ظهور الإعراب، وعدم قرينة وجب تقديم الفاعل، وتأخير المفعول نحو: أكرم موسى عيسى" و"زارت سعدى سلمى".
فلو وجدت قرينة يتبين بها الفاعل من المفعول، جاز تقديم المفعول نحو "طلق سعدى يحيى" و"أضنت الحمى سلمى"
9 -
الابتعاد عما للناطق عنه مندوحة:
إذا جاز في العبارة وجهان، أحدهما: قوي لمسايرته الراجح من الآراء، والثاني فيه ضعف مستمد من مخالفته لها.
اختار المصنف للمتكلم سلوك الطريق القوي، والابتعاد عما فيه ضعف وذلك كقوله في "باب المفعول معه" يشرح (2) قوله في النظم:
والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق
…
والنصب مختار لدى ضعف النسق
"مثال إمكان العطف دون ضعف: "كنت أنا وزيد كالأخوين" و"اذهب أنت وربك" (3).
(1) الورقة 23 أ.
(2)
الورقة 29 أ.
(3)
من الآية رقم "24" من سورة "المائدة".
ومثال ما يختار فيه النصب لضعف النسق: "اذهب وزيدا"
فرفع "زيد" بأ، ينسق على فاعل "اذهب" جائز على ضعف؛ لأن العطف على ضمير الرفع المتصل لا يحسن، ولا يقوى إلا بعد توكيد، أو ما يقوم مقامه.
فلما ضعف العطف رجح النصب؛ لأن فيه سلامة من ارتكاب وجه ضعيف للناطق عنه مندوحة".
10 -
ما لا تدعو الحاجة لإلحاقه بالشواذ، يجب صرفه عن ذلك:
وإذا أدى رأي لبعض النحويين إلى أن يسير الكلام في طريق الشذوذ، رفضه المصنف وأيد الرأي الذي يسير بالكلام في طريق يتفق مع القواعد المشهورة.
ومن ذلك وقوفه بجانب سيبويه، فيما رآه في موقع الضمير المتصل باسم الفاعل، فقال (1):
"في الضمير المتصل باسم الفاعل من نحو "معطيك" و"المعطيك" خلاف".
فمذهب سيبويه وأكثر المحققين أن يحكم له من الإعراب بما يحكم للظاهر الواقع موقعه.
فعنده أن الكاف في "زيد معطيك" في موضع جر: لأن الظاهر الواقع موقعه يحق له الجر بالإضافة.
لأن "معطيك" مجرد من مانعيها، وهما: التنوين والألف واللام.
وعنده أن الكاف من "زيد المعطيك" في موضع نصب؛ لأن
(1) الورقة 46 أوب.
الظاهر الواقع موقعه يحق له النصب؛ لأن فيه أحد ما نعي الإضافة.
وحكى الأخفش لهذا الضمير بالنصب -مطلقًا، وحكم الرماني، والزمخشري بالجر -مطلقًا- وهو أحد قولي المبرد.
وأجاز الفراء الوجهين.
ثم قال المصنف:
والصحيح ما رآه سيبويه؛ لأن الظاهر هو الأصل، والمضمرات نائبة عنه، فلا ينسب إلى شيء منها ما لا ينسب إليه إلا فيما لا مندوحة عنه من مواضع الشذوذ.
وما نحن بصدده لم تدع حاجة إلى إلحاقه بالشواذ، فوجب صرفه عن ذلك".
11 -
الضرورة ما ليس للشاعر عنه مندوحة:
والضرورة عند المصنف ما ليس للشاعر عنه مندوحة، هو بذلك متابع لسيبويه فقد نبه سيبويه رحمه الله على أن ما ورد في الشعر من المستندرات لا يعد اضطرارًا، إلا إذ لم يكن للشاعر في إقامة الوزن، وإصلاح القافية عند مندوحة.
ويظهر رأي المصنف في الضرورة في أماكن متعددة منها قوله (1) في حديثه عن "ال" الموصولة:
"ولما كانت "ال" الموصولة بلفظ المعرفة كره وصلها بجملة صريحة، والتزم كون صلتها صفة في اللفظ مئولة بجملة فعلية.
(1) الورقة 8 ب.
ولتأولها بجملة فعلية حسن عطف الفعل عليها كقوله -تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} (1).
وقد وصلت بالفعل المضارع، ولم يقع ذلك إلا في الشعر كقوله:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته
…
ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
وأنشد أبو زيد:
أتاني كلام التغلبي ابن ديسق
…
ففي أي هذا ويله يتسرع
يقول الخنا، وأبغض العجم ناطقًا
…
إلى ربها صوت الحمار اليجدع
قال المصنف:
وليس هذا فعل مضطر بل فعل مختار لتمكنهما من أن يقولا:
ما أنت بالحكم المرضي حكومته .... . . . . . . . . . .
و. . . . . . . . . . .
…
صوت الحمار يجدع
وإلى هذا أشرت بقولي:
ومن رأى أطراد ذا فما وهن
أي: فما ضعف رأيه"
ثم قال المصنف:
"وأما قول الشاعر:
من القوم الرسول الله منهم
…
لهم دانت رقاب بني معد
فنادر معدود من الضرورات؛ لأن الألف واللام بمعنى "الذين"، ولا يتأتى الوزن إلا بما فعل".
(1) الآيتان رقم "3 و 4" من سورة "العاديات".
12 -
حق العامل أن يكون مختصًا:
من ذلك قوله يتحدث عن إعمال "ما" عمل "ليس"(1).
لغة بني تميم في ترك إعمال "ما" أقيس من لغة أهل الحجاز -كذا قال سيبويه- وهو كما قال.
لأن العامل حقه أن يمتاز من غير العامل بأن يكون مختصًا بالأسماء إن كان من عواملها، كحروف الجر.
ومختصًا بالأفعال إن كان من عواملها كحروف الجزم.
13 -
ما لا يعمل لا يفسر عاملًا:
من ذلك قوله في باب الاشتغال (2):
"الثاني من مانعي النصب أن يكون بين الاسم والفعل أحد الأشياء، التي لا يعمل ما بعدها فيما قبلها كالاستفهام، و "ما" النافية، ولام الابتداء، وأدوات الشرط، كقولك:
"زيد هل رأيته"؟
و"عمرو متى لقيته"؟
و"خالد ما صحبته".
و"بشر لأحبه"
و"الحق إن الفتنة فلحت"
فالرفع بالابتداء متعين في "زيد" و"عمرو" و"خالد" و"بشر" و"الحق" لتقدمها عن الاستفهام و"ما" النافية، ولام الابتداء، وأداة
(1) الورقة 15 ب.
(2)
الورقة 24 ب.
الشرط، وجميعها لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا".
14 -
المؤثر والمتأثر غَيْران:
ومن ذلك قوله في "باب المفعول المطلق"(1):
من المصادر الملتزم إضمار ناصبها المؤكد به كلام يتضمن معناه دون لفظه.
فإن لم يكن للكلام محتمل غيره نحو: "له علي درهمان عرفًا أو اعترافًا" سمي مؤكدًا لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة ما قبله، فكأن الذي قبله نفسه.
وإن كان له محتمل غيره نحو: "هو ابني حقًا" سمي مؤكدًا لغيره؛ لأنه يجعل ما قبله نصًا بعد أن كان محتملًا، فهو مؤثر، والمؤكد به متأثر.
والمتأثر والمؤثر غَيْرَان.
15 -
تقديم المفسر على المفسر مغتفر:
من ذلك قوله في "باب التنازع" يشرح قول في النظم:
ونحو ترضيه ويرضيك قدر
ومثله لو شاع لم يعد النظر
إذ قال (2):
وقولي و. . . . . . . . . . .
…
ومثله لو شاع لم يعد النظر
أي: لو شاع إثبات الضمير المنصوب مع المتقدم المهمل
(1) الورقة 27 ب.
(2)
الورقة 26 أ.
لكان له وجه من النظر؛ لأن فيه تقديم مفسر على مفسر فيغتفر.
كما اغتفر تقديم غيره من المفسرات على مفسراتها".
16 -
الفرع يتضمن الأصل وزيادة:
قال المصنف (1):
"الفعل مشتق من المصدر؛ لأن المشتق فرع، والمشتق منه أصل.
وكل فرع يتضمن الأصل وزيادة عليه.
ولا شك في أن الفعل يتضمن المصدر والوقت فثبتت فرعيته، وأصلية المصدر؛ لأنه دل على بعض ما يدل عليه الفعل.
وهذا مذهب البصريين وهو الصحيح".
ثم قال:
"وبنفس ما ثبتت به فرعية الفعل ثبتت به فرعية أسماء الفاعلين، وأسماء المفعولين.
فإن "ضاربا" مثلًا يتضمن المصدر وزيادة الدلالة على ذات الفاعل للضرب.
و"مضروب" يتضمن المصدر وزيادة الدلالة على ذات الموقع به الضرب، فهما مشتقان من الضرب".
17 -
الفرع لا يرجع على الأصل:
قال في "باب الحروف الناصبة المبتدأ الرافعة الخبر"(2):
(1) الورقة 27 أ.
(2)
الورقة 18 أ.
"وأجاز الأخفش نحو: "إني لبك وثقت" مع أنه لا يجيز "إني بك لوثقت".
ومعلوم أن اللام إنما دخلت على معمول الخبر لوقوعه قبل الخبر من أجل أنه واقع موقعه، فكأنها دخلت عليه.
فإن لم يكن هو صالحًا لها فلا حظ لمعموله فيها، وإلا لزم ترجيح الفرع على الأصل".
18 -
المجرد من الزيادة أصل للمزيد فيه:
ومن ذلك قول المصنف يعلل كون "إن" المكسورة أصل لـ"أنَّ" المفتوحة (1):
"إن -المكسورة مستغنية بمعموليها عن زيادة، والمفتوحة لا تستغني عن زيادة.
والمجرد من الزيادة أصل للمزيد فيه".
19 -
المرجوع إليه بحذف أصل للمتوصل إليه بزيادة:
ومن ذلك قوله -أيضًا- يبين أن "أن" المفتوحة فرع "إن" المكسورة إذ قال (2):
"لأن المفتوحة تصير مكسورة بحذف ما تتعلق به كقولك في "عرفت أنك بر": "إنك بر".
ولا تصير مفتوحة المكسورة إلا بزيادة كقولك في "إنك بر":
"عرفت أنك بر".
(1) الورقة 17 ب.
(2)
نفس المرجع والصفحة.
والمرجوع إليه بحذف أصل للمتوصل إليه بزيادة".
20 -
ما يدل عليه دليل يجوز حذفه:
من ذلك قوله في "باب أفعال المقاربة"(1):
"إذا دل دليل على خبر هذا الباب جاز حذفه، كما يجوز في غير هذا الباب حذف ما ظهر دليله".
21 -
حذف الجزء أسهل من حذف الكل:
22 -
بقاء ما يدل أبدًا أولى من بقاء ما يدل في بعض الأحيان: من ذلك قوله (2):
"فليعلم أن أصل "تفعلان": "تفعلانن" فاستثقوا توالي الأمثال، فحذفت نون الرفع.
وكانت أولى بالحذف؛ لأنها جزء كلمة، والمؤكدة كلمة قائمة مقام تكرار الفعل.
وحذف ما هو جزء أسهل من حذف ما هو ليس جزءًا.
ولأن المؤكدة تدل على معنى، ونون الرفع لا تدل في الغالب على معنى، وبقاء ما يدل أبدًا أولى من بقاء ما يدل في بعض الأحوال".
23 -
حذف ما عهد حذفه أولى:
ومن ذلك قوله يتحدث عن "أما"(3):
"وقد يليها "إنْ" فيغني جواب "إما" عن جوابها كقوله -تعالى:
(1) الورقة 16 ب.
(2)
الورقة 2 أ.
(3)
الورقة 78 أ.
{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} (1).
وقد تقدم أن الجواب لأول الشرطين المتواليين نحو قوله -تعالى: {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} (2).
فإذا كان أول الشرطين "إما" كانت أحق بذلك من وجهين:
أحدهما: أن جوابها إذا انفرد لا يحذف أصلًا، وجواب غيرها إذا انفرد يحذف كثيرًا لدليل.
وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه.
الثاني: إن "إما" قد التزم معها حذف فعل الشرط، وقامت هي مقامه، فلو حذف جوابها لكان ذلك إجحافًا.
و"إن" ليست كذلك.
24 -
النظير ملحق بنظيره:
من ذلك قوله في "باب العطف"(3):
"و"إما" المسبوقة بمثلها عاطفة عند أكثر النحويين.
ومذهب ابن كيسان، وأبي علي أن العطف إنما هو بالواو قبلها، وهي جائية لمعنى من المعاني المفادة بـ"أو".
وبقولهما أقول.
لأن في ذلك تخلصًا من دخول عاطف على عاطف.
(1) الآية رقم "88" من سورة "الواقعة".
(2)
من الآية رقم "34" من سورة "هود".
(3)
الورقة 56 أ.
ولأن وقوعها بعد الواو مسبوقة بمثلها شبيه بوقوع "لا" بعد الواو مسبوقة بمثلها في مثل "لا زيد ولا عمرو فيها".
و"لا" هذه غير عاطفة بإجماع، فلتكن "إما" مثلها إلحاقًا للنظير بالنظير".
25 -
ما يؤدي إلى عدم النظير يجب اجتنابه:
من ذلك قوله في "باب الترخيم في النداء"(1):
"ومما انفرد به الفراء ترخيم الثلاثي المحرك الوسط كـ"حكم"
فإنه إذا قيل في ترخيم "ياحك" يلزم منه عدم النظير، إذ ليس في الأسماء المتمكنة ما هو على حرفين ثانيهما محرك كـ"غد" و"يد".
فلو كان الثلاثي ساكن الثاني كـ"بكر" لم يجز ترخيمه بإجماع؛ لأن ترخيمه موقع في عدم النظير".
26 -
لا يجمع بين البدل والمبدل منه:
من ذلك قوله في "باب المفعول المطلق"(2):
"يستغني بذكر المصدر الذي له فعل عن فعله في الخبر، والدعاء، والأمر والنهي.
فمثال ذلك في الخبر قول القائل عند تذكر نعمة "حمدًا وشكرًا لا كفرًا"، وعند تذكر شدة: صبرًا لا جزعًا.
ومثال الدعاء: سقيا ورعيا، وجدعا وبعدا
(1) الورقة 62 ب.
(2)
الورقة 27 ب.
ومثال الأمر والنهي قوله: "قيامًا لا قعودًا" أي: قم لا تقعد.
ومن الأمر قوله -تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَاب} ، أي: فاضربوا الرقاب.
ومنه قول الشاعر:
فصبرا في مجال الموت صبرا
…
فما نيل الخلود بمستطاع
فإضمار الناصب في هذا، وما أشبهه لازم؛ لأن المصدر بدل من اللفظ به، فذكره جمع بين البدل والمبدل منه".
27 -
ما استلزم ممتنعًا فهو ممتنع:
من ذلك قوله (1):
"وقد يرجح انفصال ثاني مفعولي "ظن" بأنه مع كونه خبر مبتدأ في الأصل منصوب بجائز التعليق، والإلغاء.
ومع التعليق والإلغاء لا يكون إلا منفصلًا فكان انفصاله مع الإعمال أولى.
وهذا الاعتبار -أيضًا- يستلزم ترجيح انفصال المفعول الأول، وهو ممتنع بإجماع، وما استلزم ممتنعًا فهو حقيق بأن يمنع".
28 -
الأمر المبقى للأصل غالب للمخرج عنه:
29 -
حمل الشيء على ما هو من نوعه أولى:
ومن ذلك قوله يتحدث عن "أي"(2):
"إن كانت -يقصد أي- استفهامية ففيها شبه حرف الاستفهام. وإن كانت شرطية فيها شبه حرف الشرط.
(1) الورقة 5 ب.
(2)
الورقة 5 أ.
وإن كانت موصولة فهي كالحروف في الافتقار إلى جملة، إلا أن لشبه الحرف في "أي" معارضًا بما فيها من شبه الأسماء المتمكنة بالإضافة، التي انفردت بها من بين أخواتها.
فهي بمعنى "كل" إذا أضيفت إلى نكرة.
وبمعنى "بعض" إذا أضيفت إلى معرفة.
فحمى "أيا" عن التأثر بشبه الحرف شبهها بـ"بعض" و"كل" في المعنى والإضافة.
وكان اعتبار شبه "بعض" و"كل" أولى من اعتبار شبه الحرف لوجهين:
أحدهما: أن شبه الحرف يخرج عن حكم الأصل، وشبه البعض والكل مبق على الأصل.
والمبقي على الأصل غالب للمخرج عنه.
الثاني: أن حمل "أي" على "كل" و"بعض" من باب حمل الشيء على ما هو من نوعه للاشتراك في الاسمية.
فهو أولى من حمل "أي" على الحرف لتحالفهما في النوعية.
أمور في الكتاب تثير الانتباه
1 -
التفاوت في الشرح:
سار المصنف رحمه الله في معالجة الموضوعات سيرًا عجيبًا من الصعب تفسيره إلا بأمر واحد، هو أن الشرح تم في أزمنة مختلفة، متباعدة أو متقاربة.
ذلك أنه في أول الكتاب، وفي آخره توسع ظاهر، وفيما بين ذلك إيجاز بشكل ملحوظ.
فالمؤلف يذكر البيت أو البيتين في بداية الكتاب، ثم يتلو ذلك بشرح مستفيض تظهر فيه براعته، وقدرته، ومحصوله العلمي الغزير.
فإذا تابع القارئ السير، ووصل إلى "باب لا العاملة عمل إن" رأى الشارح وقد جمع واحد وعشرين بيتًا تحدث عنها جميعًا في صفحتين "19 ب، 20 أ" بينما استغرق شرح مثل هذا العدد من الأبيات أول الكتاب ضعف هذا العدد من الصفحات.
وإذا واصل القارئ السير في الكتاب حتى وصل إلى "باب عطف النسق" رأي المصنف يجمع خمسة وثلاثين بيتًا تحدث فيها جميعًا في ثلاث صفحات هي 55 أوب و 56 أونصف صفحة 97 أ.
فإذا استمر القارئ في سيرة، فوصل إلى "باب النسب" رأى المصنف قد جمع واحدًا وتسعين بيتًا استغرق شرحها زهاء ثلاث صفحات، ونصف (1) أي: نفس القدر الذي استغرقه شرح "باب عطف النسق".
فإذا وقف بالقارئ المسير عند "فصل يبين فيه ما يصرف، وما لا يصرف وما يتعلق بذلك (2) " أبصر المصنف، وقد عاد إلى سالف عهده حين بدأ الكتاب، وسار على المنهج الذي سار عليه هناك، فأفرد البيت والبيتين بالشرح المستفيض.
2 -
التفاوت في الاستشهاد:
وعلى العكس من منهج المصنف في الشرح كان منهجه في الاستشهاد، ويتضح ذلك مما يلي:
من يتصفح الصفحات الثلاث الأوليات، ويحصي ما فيها من الشواهد يجدها كما يأتي:
أ- حديثًا نبويا واحدًا.
ب- أربعة أبيات من الشعر.
ولا يجد لآيات القرآنية في هذه الصفحات أثرًا.
فإذا ترك هذه الصفحات، وانتقل إلى الثلاث الصفحات التي تليها، ويحصي الشواهد الواردة فيها يجدها كما يلي:
أ- تسع آيات من القرآن الكريم.
(1) ص 95 ب، 96 أوب وأقل من نصف 97 أ.
(2)
ص 99 أوما بعدها.
ب- حديثًا نبويًا واحدًا.
جـ- عشرين بيتًا من الشعر.
ولا يزال المصنف يتوسع في إيراد الشواهد، حتى يكاد يصبح الاستشهاد من أهم مميزات هذا الكتاب.
وقد يقتصد في الاستشهاد كقوله في "فصل دخول الفاء في خبر المبتدأ"(1).
"إذا دخل شيء، من نواسخ الابتداء على البمتدأ الذي اقترن خبره بالفاء، أزال الفاء إن لم يكن "إن" أو"أنَّ" أو"لكن" بإجماع المحققين.
فإن كان واحدًا منهن جاز بقاء الفاء. نص على ذلك سيبويه في "إن" و"أن" -وهو الصحيح الذي ورد به القرآن كقوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} (2).
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} (5).
(1) الورقة 12 ب.
(2)
من الآية رقم "13" من سورة "الأحقاف".
(3)
من الآية رقم "91" من سورة "آل عمران".
(4)
من الآية رقم "21" من سورة "آل عمران".
(5)
من الآية رقم "8" من سورة "الجمعة".
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (1).
ومثال ذلك مع "لكن" قول الشاعر:
بكل داهية ألقى العداة وقد
…
يظن أني من مكري بهم فزع
كلا ولكن ما أبديه من فرق
…
فكي يغروا فيغريهم بي الطمع
ومثله قول الآخر:
فوالله ما فارقتكم قاليًا لكم
…
ولكن ما يقضي فسوف يكون
وقد يسرف المصنف في الاستشهاد إسرافًا، كما في حديثه عن "سوى"(2) في "باب الاستثناء".
ويستمر على هذا المنهج بين إسراف، واقتصاد يحشد ما يحشد من الشواهد من القرآن الكريم، والحديث الشريف، ومن عيون الشعر، وكلام العرب المروي عن الفصحاء حتى إذا ما أدرك "فصل يبين فيه ما يصرف وما لا يصرف، وما يتعلق بذلك"(3) رجع إلى سالف العهد به أول الكتاب، فتمر صفحات، وصفحات لا يتخللها شاهد واحد.
3 -
إحالة القارئ إلى مصنفات له أخرى:
ربما كان التزام المصنف بما أورده في المقدمة من أن هذا الشرح سيكون مختصرًا "تخف معه المئونة" حاملًا له على إحالة القارئ المستزيد للمعرفة إلى كتاب له آخر.
(1) من الآية رقم "41" من سورة "الأنفال".
(2)
الورقة 30 ب.
(3)
الورقة 99 ب.
من ذلك قوله في "فصل المعرف بالأداة"(1):
"اللام وحدها هي المعرفة عند سيبويه، والهمزة قبلها همزة وصل زائدة.
وهي عند الخليل همزة قطع عوملت معاملة همزة الوصل لكثرة الاستعمال، وهي أحد جزأي الأداة المعرفة.
وقول الخليل هو المختار عندي.
وبسط الاحتجاج لذلك مستوفي في "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد" فلينظر هناك".
وقوله في "باب الابتداء"(2):
"تقدم تنبيه على أن المبتدأ مرفوع بالابتداء إذ قلت:
المبتدأ مرفوع معنى. . . . . . . . . . . .... . . . . . . . . . .
إذ ليس مع المبتدأ معنى إلا الابتداء.
وأما الخبر فرافعه المبتدأ وحده، أو الابتداء وحده، أو المبتدأ والابتداء معًا.
هذه الثلاثة أقوال البصريين.
والأول قول سيبويه، وهو الصحيح.
والاستدلال على صحته، وضعف ما سواه يفتقر إلى بسط، وهو أليق بكتابي الكبير، فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه.
وقد ذكر مستوفيًا"
(1) الورقة 10 أ.
(2)
الورقة 10 ب.
4 -
الوقوع فيما نهى عنه:
قد يشير المصنف إلى أمر بأنه مخالف وينبغي العدول عنه، ثم بعد قليل يرتكب هذا الأمر.
من ذلك قوله في "فصل الموصول"(1).
"التعبير بـ"ال" أولى من التعبير بالألف واللام، ليسلك في ذلك سبيل التعبير عن سائل الأدوات كـ"هل" و"بل".
فكما لا يعبر عن "هل" و"بل" بالهاء واللام، والباء واللام بل يحكي لفظهما، كذا ينبغي أن يفعل بالكلمة المشار إليها.
وقد استعمل التعبير بـ"ال" الخليل وسيبويه -رحمها الله"، وقبل أن يترك المصنف الحديث في هذا الباب، وقع فيما نهى عنه وذلك كقوله (2):
"وإن كان الموصول الألف واللام، أو حرفًا مصدريًا لم يجز تقديم المعمول؛ لأن امتزاج الألف واللام والحرف المصدري بالعامل آكد من امتزاج غيرهما به".
فإذا ما جاوز المصنف هذا الفصل لم يتنبه إلى ما أشار إليه من قبل فشاع هذا التعبير عنده كقوله (3):
قد يسمى باسم فيه الألف واللام فلا تفارقانه؛ لأنهما منه بمنزلة سائر حروفه.
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 8 ب".
(2)
شرح الكافية الشافية "الورقة 9 ب".
(3)
شرح الكافية الشافية "الورقة 10 ب".
ومن ذلك الألف واللام والمفتتح بهما "الله" في أصح القولين.
ومن ذلك الألف واللام في "اليسع".
ومن ذلك الألف واللام في "ذي الكلاع" -وهو علم لأحد أقيال حمير.
ومن ذلك الألف واللام في "اللات".
وقد زيدت الألف واللام على سبيل اللزوم في "الأن" و"الذي" و"التي".
5 -
اختلاف التعبير بين النظم والشرح:
وقد يبدو أن المصنف قد رجع في الشرح عن رأي له في النظم، لاختلاف عبارته في الشرح عن النظم.
وذلك كجعله الفصل بين حرف الجر ومجروره قليلًا بعد أن جعله في النظم اضطرارًا حين قال: (1).
والفصل بين حرف جر والذي
جر به لدى اضطرار ذا احتذى
وقال في الشرح:
"المشهور الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وكما فصل بين المضاف والمضاف إليه فصل بين حرف الجر والمجرور، إلا أنه قليل ومنه قول الشاعر -أنشده أبو علي.
إن عمرا لا خير في -اليوم- عمرو
إن عمرا محبر الأحزان
ففصل بـ"اليوم" بين "في" و"عمرو".
وقال الفرزدق:
(1) شرح الكافية الشافية "الورقة 36 أ".
وإني لأطوي الكشح من دون ما انطوى
وأقطع بالخرق الهبوع المراجم
والمتأمل لما أورده المصنف من أمثلة يراها فعل مضطر؛ لأنها وقعت في النظم، وليس للشاعر عنها مندوحة. ومثل هذا يعده المصنف من قبيل الضرورة.
فمن الحق القول: إن المصنف لم يرجع عن رأيه في النظم، وإنما الأقرب أن يقال: إن التعبير قد خانه في الشرح.
6 -
عبارتان:
وردت في ثنايا الكتاب عبارتان تدعوان القارئ للوقوف أمامهما، وهاتان العبارتان هما:
وكما هو ظاهر وردت العبارتان في جميع النسخ في نفس الموضع، وإن اختلف لفظهما من نسخة لأخرى.
وبالنظر إلى هاتين العبارتين، واختلافهما يتضح ما يلي:
1 -
أن نسخة الأصل اعتمدت على نسخة كتبت في عهد المصنف، وبلغت -كما قال الناسخ (1) - بأصل عليه خط المصنف رحمه الله.
2 -
أن المصنف عني بهذا الكتاب، فأملاه في حياته بدليل قول الناسخ -أدام الله بقاءه.
3 -
أن الدارسين تداولوا هذا الكتاب، وأفادوا منه منذ فجر تأليفه.
7 -
الاستطراد:
وتلوح في الكتاب ومضات من الاستطرادات، التي لا يوجد ما يدعو إليها ومن ذلك قول المصنف يشرح البيت الآتي في "باب الحال"(2).
والتزموا تأخيره في نحو "لن
يفوز فذا بالمنى إلا الحسن"
إذ قال:
الإشارة إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما وإلى ما فاز به من الثواب الجزيل والثناء الجميل، إذ أذعن لمصالحة معاوية رضي الله عنه فأغمد بفعله سيف الفتن تصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) الورقة 99 ب.
(2)
الورقة 32 أ.
"إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله بن بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
فهذا كلام لا موضع له في كتب النحو، وإنما الأجدر به كتب التاريخ والسير.
نسخ التحقيق:
النسخة الأولى:
chester. beatty libtary. 124
" مخطوطة "شستربيتي" رقم 4580" خاص 124.
وتقع في 114 ورقة، مسطراتها 33 سطرًا وجاء في صدرها:
"هذا كتاب "شرح الكافية الكبرى" لأوحد الفضلاء، تذكره أبي عمرو وسيبويه والفراء، وحيد الدهر، فريد العصر/ جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، الجياني، الطائي الشافعي، النحوي صاحب التصانيف المفيدة رحمه الله رحمة واسعة- وغفر لنا وله ولسائر المسملين أجمعين".
وجاء في نهايتها:
"تم الكتاب بحمد الله ومنه، والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا، وباطنًا، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد النبي، وآله الطيبين الطاهرين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
واتفق إنجاز هذا الكتاب في منتصف شهر المحرم من سنة ثماني عشرة وسبعمائة الهجرية الهلالية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام".
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
1 -
كتابتها في عهد مبكر قريب من المصنف، إذ أنها كتبت بعد وفاته ببضع وأربعين سنة.
2 -
النسخة كاملة، ومكتوبة بخط النسخ المشكول، وسقطاتها نادرة.
3 -
اشتمالها على أبيات لا توجد في غيرها من النسخ.
4 -
عليها حواش للمصنف.
5 -
بلغت مقابلة بأصل عليه خط المؤلف، وأثبت ذلك في هامش النسخة، ولا يفتأ الناسخ ينبه على ذلك من وقت لآخر حتى بلغت تنبيهاته بضعة عشر.
ولما كانت هذه النسخة كذلك جعلتها الأصل الذي اعتمدت عليه في التحقيق. ورمزت إليها بكلمة "الأصل".
- النسخة الثانية:
نسخة دار الكتب والوثائق المصرية مخطوطة رقم 264 نحو وقد جاء في نهايتها:
"تم الكتاب، والحمد لله رب العالمين على يد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن لولو بن عبد الله الشافعي، الشهير بابن النايب -غفر الله له ولوالديه، ولجميع المسلمين.
وكان الفراغ من تعليقه لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وسبعمائة.
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
1 -
أنها كاملة وعدد أوراقها 268.
2 كتبت بخط النسخ المعتاد، قد يضبط أحيانًا.
3 -
سقطاتها قليلة.
4 -
الراجح أنه اشترك في كتابتها أكثر من ناسخ يدل على ذلك أن الأوراق من "11 - 18" كتبت بخط مخالف لما قبلها ولما بعدها، فقد كتبت بخط فارسي بقلم رفيع، فأصبحت مسطرتها 28 سرطًا في الصفحة.
كما أنها اختلفت مع ما قبلها في المداد، وفي التنظيم.
ومن المستبعد أن تكون هذه الوريقات سقطت من النسخة، أو ضاعت فحاول مالكها تعويضها.
ذلك أن خط الناسخ قبلها وبعدها متحد، لكنه مختلف في مسطرات الصفحات.
فالصفحات السابقة من قبل مسطرتها 23 سطرًا.
والصفحات اللاحقة من بعد مسطراتها 21 سطرًا.
والكاتب واحد، والمداد غير مختلف، والتنظيم هو التنظيم.
فلعل الناسخ بدأ الكتابة حتى أنهى عشر ورقات، ثم جاء غيره فكتب ثماني ورقات، فلما عاد الناسخ الأول ليكمل لم يتنبه لعدد مسطراته في الصفحات الأولى، فكتب بمسطرات جديدة، أو لعله تنبه، ولكن زاد العدد.
5 -
لم يشر الناسخ الأصل الذي اعتمد عليه، ولا إلى بلوغها مقابلة بنسخة أخرى.
وقد أشرت إلى هذه النسخة بالرمز "ك"
- النسخة الثالثة:
نسخة مكتبة العروسي "إحدى المكتبات الملحقات بالمكتبة الأزهرية" رقم 3279 نحو جاء في صدرها:
"هذا شرح الكافية الشافية للإمام أبي عبد الله بن مالك".
وجاء في نهايتها:
"تم الكتاب، والحمد لله رب العالمين.
وكان الفراغ منه يوم الأربعاء المبارك الموافق سبعة خلت من شهر ربيع الآخر الذي هو من شهور سنة 1292 هـ اثنتين وتسعين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة، وأتم التحية، بيد الفقير محمد مكي العدوي -عفا الله عنه، وعن المسلمين آمين آمين.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم".
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
1 -
تقع في 262 ورقة مسطراتها 25 سطرًا.
2 -
كتبت بخط الرقعة المعتاد غير المشكول.
3 -
استعمل الناسخ بعض اصطلاحات منها:
ح = حينئذ ظه = الظاهر
أيض = أيضًا.
4 -
النسخة كاملة، وكتبت في زمن متأخر.
5 -
سقطاتها قليلة، وإن كانت أكثر من سابقتيها.
6 -
لم يشر الناسخ إلى النسخة التي اعتمد عليها، واستنسخ
منها. وإن كان من المحتمل أنه اعتمد على نسخة دار الكتب، والوثائق المصرية رقم 264، وهي النسخة المشار إليها هنا بـ"ك".
ولا يؤكد ذلك توافقهما الظاهر، فربما كان الناسخان معتمدين على أصل واحد.
وقد أشرت إلى هذه النسخة بالرمز "ع".
النسخة الرابعة:
مخطوطة المكتبة الأزهرية رقم 5591 أوراقها 140 ورقة ومسطراتها 27 سطرًا وطولها 28 سم، وجاء في نهايتها:
"كمل الكتاب بحمد الله وعونه، وصلاته على سيدنا محمد وآله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين.
ووافق الفراغ منه يوم الثلاثاء تاسع عشر شوال سنة أربعين وسبعمائة أحسن الله تقضيها في خير، وعافية لمحمد وآله.
كاتبه العبد الفقير محمد بن أحمد بن سالم الجعفري -رحم الله من دعا له بالموت على التوحيد، وغفر له ولمالكه، وللناظر فيه ولجميع المسلمين.
ملكه الشيخ الإمام القدوة مفتي المسلمين، نور الدين أبي الحسن القليني -أمده الله بالتقوى، وكان له عونًا في السر والنجوى آمين".
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
1 -
كتابتها في عهد قريب بالمصنف.
2 -
توافقها في كثير من المواضع مع الأصل مما يدل على
اتحاد الأصل الذي اعتمدا عليه، وهو نسخة المصنف، أو على أصل نسخ منها. يؤكد ذلك أو يرجحه أنه في بعض المواضع، التي تحدث فيها المصنف عن نفسه جاءت العبارة في هذه النسخة في الموضعين "قال محمد":
أما في النسخة الثاني والثالثة، فالعبارة فيهما "قال المصنف رحمه الله""قال الشيخ العلامة جمال الدين رحمه الله".
3 -
كتبت بخط النسخ المعتاد، غير مضبوط بالشكل.
4 -
ضاع من أولها ثلاث ورقات تقريبًا، كما فقد منها عدة أوراق في مواضع متفرقة.
وقد جاء ترقيمها متأخرًا فلم يظهر الخرم إلا في الأول، أما في الداخل فلا يظهر إلا بعد موازنتها بباقي النسخ.
5 -
شيوع السقطات من الناسخ، وبخاصة إذا وردت كلمتان متشابهتان في موضعين متقاربين، فإنه ينتقل من الموضع الأول إلى الموضع الثاني تاركًا ما بين الكلمتين.
6 -
في الورقة الأخيرة طمس من آثار الرطوبة.
7 -
كثرة الأخطاء الإملائية.
8 -
سقوط علامة النظم "ص"، أو علامة النظم "ش" أو وضعهما في غير موضعهما مع كتابة النظم في صورة النثر أدى إلى تداخل النظم في الشرح في كثير من الأحيان، وقد رمزت إلى هذه النسخة بالرمز "هـ".
وبجانب النسخ المشروحة من كتاب "شرح الكافية الشافية"، اعتمدت على نسخ للأرجوزة هي:
1 -
النسخة "ش":
وهي مخطوطة دار الكتب والوثائق المصرية رقم 239 نحو.
وجاء في صدرها: "الكافية الشافية. تأليف ابن مالك.
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله".
وجاء في نهايتها:
"كمل الكتاب الموسوم بـ"الكافية الشافية" بحمد الله ومنه ويمنه".
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
- لم تشتمل على تقديم للراجز.
ويحتمل أن يكون "بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله" هو من كلام الناظم، ولم يزد على ذلك اكتفاء بما ورد في النظم من تقديم.
- جاء في آخر النسخة:
"العبد الفقير إلى الله العلي الكبير، خليل وهبة الصباغ يوم لخميس المبارك أحد عشر جمادى آخر سنة 1191".
ولم يوضح العبد الفقير هل هو كاتب المخطوطة أم مالكها؟
ولكن الذي يرجح احتمال أن كاتبها أن المعهود ممن يكتبون التمليكات فوق الكتب غالبًا ما يغفلون تفصيل يوم تملكهم للكتاب، وإنما يكتفون بذكر العام وإن زادوا أثبتوا الشهر.
- كتبت المخطوطة بخط معتاد.
- النسخة كاملة.
- لم ينبه الناسخ على الأصل الذي اعتمد عليه، وإنما اكتفى بقوله:"بلغت مقابلة بحسب الإمكان".
- تقع النسخة في 81 ورقة مسطراتها 18 سطرًا.
2 -
النسخة "س":
وهي المخطوطة رقم 4990 المحفوظة في مكتبة ناشيونال لاي برلي بمدريد -أسبانيا.
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
- تقع في 96 ورقة مسطراتها 15 سطرًا.
- خطها مغربي غير مشكول.
- أدى فقد الصفحة الأخيرة إلى فقد تسعة أبيات من النظم مع تاريخ النسخ.
- تلتقي كثيرًا مع "الأصل" الذي اعتمدت عليه، وبالمحفوظ في "شستربيتي" وهذا يرجح أنها كتبت في عهد مبكر.
فإذا أضيف إلى ذلك أن شمس العرب آذنت بالمغيب من الأندلس في القرن الثامن الهجري رجحت هذه النظرة.
3 -
النسخة "ط":
وهي النسخة المطبوعة من أرجوزة "الكافية الشافية"، وتقع في 148 صفحة. وتولت طبعها "مطبعة الهلال بالفجالة" بمصر.
على نفقة شركة الإسلام بمكة المشرفة، وتاريخ الطبع هو 1914 م-1332 هـ.
وجاء في صدر هذه النسخة:
"متن الكافية الشافية في علم العربية، تأليف الإمام العلامة، والعمدة الفهامة، جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي، ثم الدمشقي رضي الله عنه ونفعنا به آمين".
وجاء في نهايتها:
"الحمد لله وحده، وصلى الله على خير خلقه محمد النبي - ورضي الله عن الصحابة وسائر الزوجات، والقرابة وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه آمين. لعبد الله بن عبد العزيز باشيبان".
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
- عدم إيماء المشرف على الطبع إلى النسخة، أو النسخ التي اعتمد عليها مع إشارته كثيرًا إلى رواية أخرى لكلمة أو لشطر بيت، مما يدل على أنه اعتمد على أكثر من نسخة.
- كثرة الأخطاء، وبخاصة أخطاء الضبط بالشكل.
- النسخة كاملة ومسطراتها 20 سطرًا.
ومما يجدر التنبيه عليه أنني لم أشر في التحقيق إلى أخطاء الضبط بالشكل كما أغفلت الإشارة إلى الأخطاء الإملائية، أو ما رجح عندي أنه أخطأ مطبعية باعتبار أن هذه أمور يصعب الاحتراز منها في الطباعة.
باسمك اللهم، هذا كتاب شرح الكافية الكبرى:
لأوحد الفضلاء، تذكرة أبي عمرو وسيبويه والفراء، وحيد الدهر، فريد العصر، جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الجياني، الطائي الشافعي النحوي، صاحب التصانيف المفيدة رحمه الله رحمة واسعة، وغفر له ولنا، ولسائر المسلمين أجمعين آمين.