الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5) باب الرياء والسمعة
الفصل الأول
3514 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) رواه مسلم.
3515 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه)). وفي رواية: ((فأنا بريء، هو للذي عمله)). رواه مسلم.
ــ
باب الرياء والسمعة
المغرب: يقال: فعل ذلك سمعة، أي: ليريه الناس من غير أن يكون قصد به التحقيق. وسمع بكذا: شهره تسميعا.
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا ينظر إلى صوركم)) ((نه)): معنى النظر ها هنا الاختيار والرحمة والعطف؛ لأن النظر في الشاهد دليل المحبة، وترك النظر دليل البغض والكراهة. وميل الناس إلى الصور المعجبة، والأموال الفائقة، والله يتقدس عن شبه المخلوقين، فجعل نظره إلى ما هو السر واللب وهو القلب والعمل، والنظر يقع على الأجسام والمعاني، فما كان بالأبصار فهو للأجسام، وما كان بالبصائر كان للمعاني.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أنا أغنى الشركاء)) اسم التفضيل ها هنا لمجرد الزيادة، والإضافة فيه للبيان أو على زعم القوم. والضمير المنصوب في ((تركته)) يجوز أن يرجع إلى ((العمل)). والمراد من ((الشرك)) الشريك. ((مح)): معناه: أنا أغنى عن المشاركة [وغيرها] فمن عمل شيئا لي ولغيري، لم أقبله بل أتركه مع ذلك الغير، ويدل عليه الحديث الول من الفصل الثاني. ويجوز أن يرجع إلى العامل، والمراد بالشرك الشركة. وقوله:((هو)) يعود إلى ((العمل)) على الوجه الأول وإلى ((العامل)) على الوجه الثاني، أي العامل ما عمل به من الشرك، يعني يختص به ولا يتجاوز عنه، وكذا الضمير في ((منه)).
قال الشيخ أبو حامد: درجات الرياء أربعة أقسام:
الأولى: وهي أغلظها، أن لا يكون مراده الثواب أصلا كالذي يصلي بين أظهر الناس، ولو انفرد لكان لا يصلي. بل ربما يصلي من غير طهارة مع الناس. فهذا حرد قصده إلى الرياء، فهو الممقوت عند الله تعالى.
5316 -
وعن جندب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به)). متفق عليه.
5317 -
وعن أبي ذر، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل من الخير ويحمده الناس عليه. وفي رواية: يحبه الناس عليه. قال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن)). رواه مسلم.
ــ
والثانية: أن يكون له قصد الثواب أيضا. ولكن قصدا ضعيفا بحيث لو كان في الخلوة، لكان لا يفعله ولا يحمله ذلك القصد على العمل، ولو لم يكن الثواب، لكان قصد الرياء يحمله على العمل، فقصد الثواب فيه لا ينفي عنه المقت.
والثالثة: أن يكون قصد الرياء والثواب متساويين، بحيث لو كان واحدا خاليا عن الآخر، لم يبعثه على العمل. فلما اجتمعا انبعثت الرغبة. وظواهر الأخبار تدل على أنه لا يسلم رأسا برأس.
والرابعة: أن يكون إطلاع الناس مرجحا مقويا لنشاطه، ولو لم يكن لا يترك العبادة، ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم، فالذي نظنه - والعلم عند الله تعالى - أنه [لا يحبط] أصل الثواب، ولكنه بنقص منه، أو يعاقب على مقدار قصد الرياء، ويثاب على مقدار قصد الثواب. [وأما] قوله:((أنا أغنى الشركاء عن الشرك)) فهو [محمول] على ما إذا تساوى القصدان، أو كان قصد الرياء أرجح.
الحديث الثالث عن جندب رضي الله عنه: قوله: ((من سمع)) ((مح)): أي من أظهر عمله للناس رياء، سمع الله به، أي فضحه يوم القيامة. ومعنى ((من يرائي)) من اظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم، وليس هو كذلك، ((يرائي الله به)) أي أظهر سريرته على رءوس الخلائق. وقيل: معناه: من سمع بعيوب الناس وأذاعها، أظهر الله عيوبه وقيل أسمعه المكروه. وقيل: أراه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إياه؛ ليكون حسرة عليه. وقيل: معناه: من أراد أن يعلمه الناس أسمعه الله الناس وكان ذلك حظه منه.
قال الشيخ أبو حامد: الرياء مشتق من الرؤية والسمعة من السماع، وإنما الرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإراءتهم الخصال المحمودة. فحد الرياء هو إراءة العباد بطاعة الله، فالمرائي هو العابد والمرائى له هو الناس، والمراءى به هو الخصال الحمديه، والرياء هو قصد إظهار ذلك.
الحديث الرابع عن أبي ذر رضي الله عنه: قوله: ((أرأيت الرجل)) ((مظ)): أي أخبرنا بحال
الفصل الثاني
5318 -
عن أبي سعد بن أبي فضالة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا، فليطلب ثوابه من عند غير الله؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك)). رواه أحمد [5318]
5319 -
وعن عبد الله بن عمرو، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((من سمع الناس بعمله سمع الله به أسامع خلقه وحقره وصغره)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) [5319]
ــ
من يعمل عملا صالحا لله تعالى لا للناس ويمدحونه، هل يبطل ثوابه؟ فقال صلى الله عليه وسلم:((تلك عاجل بشرى المؤمن)) يعنى هو في عمله ذلك ليس مرائيا، فيعطيه الله تعالى به ثوابين: في الدنيا وهو حمد الناس له، وفي الآخرة ما أعد الله له.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أبي سعد رضي الله عنه: بسكون العين، وكذا في مسند أحمد وفي الاستيعاب وجامع الأصول وفي نسخ المصابيح: أبو سعيد بياء بعد العين. قوله: ((ليوم لا ريب فيه)) اللام متعلق بـ ((جمع)) معناه: جمع الله الخلق ليوم لا بد من حصوله، ولا يشك في وقوعه، لتجزى كل نفس بما كسبت، وقوله:((يوم القيامة)) توطئة له. ويجوز أن يكون ظرفا لـ ((جمع)) كما جاء في الاستيعاب: ((إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه)) الحديث. فعلى هذا قوله: ((ليوم لا ريب فيه)) مظهر وقع موقع المضمر، أي جمع الله الخلق يوم القيامة ليجزيهم فيه.
الحديث الثاني عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((سمع الله به)) ((حس)): يقال: سمعت بالرجل تسميعا إذا شهرته. وقوله: ((أسامع خلقه)) هي جمع أسمع يقال: سمع وأسمع، وأسامع جمع الجمع، يريد أن الله تعالى [سمع أسامع] خلقه به يوم القيامة، ويحتمل أن يكون أراد به أن الله تعالى يظهر للناس سريرته، ويملأ أسماعهم بما ينطوي عليه من خبث السرائر. جزاء لفعله، كما قال صلى الله عليه وسلم:((من تتبع عورات المسلمين يتبع الله به عورته حتى يفضحه)). ويروى: ((سامع خلقه)) مرفوعا، فيكون السامع من نعت الله تعالى، يريد سمع الله
5320 -
وعن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه. وشتت عليه أمره، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له)) رواه الترمذي، ورواه أحمد. [5320]
5321 -
والدارمي عن أبان، عن زيد بن ثابت. [5321]
5322 -
وعن أبي هريرة، قال قلت: يا رسول الله! بينا أنا في بيتي في مصلاي. إذ دخل علي رجل، فأعجبني الحال التي رأنى عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((رحمك الله يا أبا هريرة! لك أجران: أجر السر وأجر العلانية)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [5322]
ــ
الذي هو سامع خلقه يعني يفضحه الله. ((فا)): في هذه الرواية ولو روى بالنصب، لكان المعنى: سمع الله به من كان له سمع من خلقه.
الحديث الثالث عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((شمله)) أي أموره المتفرقة، يقال: جمع الله شمله، أي ما تشتت من أمره، وفرق الله شمله، أي ما اجتمع من أمره فهو من الأضداد.
والحديث من باب التقابل والمطابقة، فقوله:((جعل الله غناه في قلبه)) مقابل لقوله: ((جعل الله الفقر بين عينيه)) وقوله: ((جمع له شمله)) لقوله: ((شتت عليه أمره)). وقوله: ((وأتته الدنيا وهي راغمة)) لقوله: ((ولا يأتيه منها إلا ما كتب له)) فيكون معنى الأول: وأتته ما كتب له من الدنيا وهي راغمة. ومعنى الثاني: وأتته ما كتب له من الدنيا وهو راغم.
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بينا أنا في بيتي في مصلاي إذ دخل)) الحديث. إخبار فيه معنى الاستخبار، يعني هل يحكم على هذا أنه رياء أم لا؟، ولذلك طابقه قوله صلى الله عليه وسلم:((رحمك الله يا أبا هريرة!)). أي أعجبني ما كنت عليه من الخشوع في صلاتي ليقتدي الرائي بي. ((حس)): قيل: معناه فأعجبه رجاء أن يعمل من رآه بمثل عمله، فيكون له مثل أجره. هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:((من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها)).
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يختلون)) ((نه)): أي يطلبون الدنيا
5323 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله: ((أبي يغترون أم علي يتجرؤون؟ فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران)) رواه الترمذي. [5323]
5324 -
وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله تبارك وتعالى، قال: لقد خلقت خلقا ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم أمر من الصبر، فبي حلفت لأتيحنهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران، فبي يغترون أم علي يجترؤون؟)) رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب. [5324]
5325 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل شيء شرة،
ــ
بعمل الآخرة؛ يقال: ختله يختله إذا خدعه وراوغه. قوله: ((يلبسون للناس جلود الضأن)) كناية عن إظهار التمسكن والتلين مع الناس، وما أحسن التطابق بين القولين. أعني هذا وقوله:((وقلوبهم قلوب الذئاب))، و ((أم)) في قوله:((أم علي يجترؤون)) منقطعة، أنكر أولا اغترارهم بالله و [بإهماله] إياهم حتى اغتروا، ثم أضرب عن ذلك، وأنكر عليهم ما هو أطم منه، وهو اجتراؤهم على الله.
((شف)): ((من)) في ((منهم)) يجوز أن تكون للتبيين بمعنى الذين، والإشارة إلى الرجال. وتقديره: على أولئك الذي يختلون الدنيا بالدين، وأن يجعل متعلقا بالفتنة، أي لأبعثن على هؤلاء الذي يطلبون الدنيا بالدين فتنة ناشئة منهم. انتهى كلامه، ويراد بـ ((الحليم)) العالم الحازم، وفيه تتميم للمعنى، أي إذا كان حال العالم الحازم كذا فكيف بغيره؟.
الحديث السادس عن ابن عمر رضي الله عنه: قوله: ((لأتيحنهم)) ((نه)): يقال: أتاح الله لفلان كذا أي قدره له وأنزله به والإتاحة التقدير وأتاح له الشيء.
الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((شرة)) ((قض)): الشرة بالتشديد الحرص على الشيء والنشاط فيه، وصاحبها فاعل فعل دال عليه ما بعده ونظيره قوله تعالى:{وإنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} والمعنى أن من اقتصد في الأمور وسلك الطريق
ولكل شرة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه)) رواه الترمذي. [5325]
5326 -
وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((بحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمه الله)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [5326]
ــ
المستقيم واجتنب جانبي إفراط الشرة وتفريط الفترة فارجوه، ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس واعتقادهم فيه.
[أقول]: قد ذهب إلى أن الشرطية الثانية من تتمة الأولى، فلعل الظاهر أن يكون مثلها في الاستقلال فيكون تفصيلا لذلك المجمل؛ فإن قوله:((إن لكل شيء شرة)) إلخ معناه: إن لكل شيء من الأعمال الظاهرة والأخلاق الباطنة طرفين: إفراطا وتفريطا، فالمحمود القصد بينهما، فإن رأيت أحدا يسلك سبيل القصد، فارجوه أن يكون من الفائزين ولا تقطعوا له؛ فإن الله هو الذي يتولى السرائر. وإن رأيته يسلك سبيل الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع فلا تفشو القول فيه بأنه من الخائنين؛ فإن الله هو الذي يطلع على الضمائر. ويؤيد هذا التأويل الحديث الذي يليه والاستثناء فيه، وترك ما للقسم الثالث، ولم يذكره لظهوره.
الحديث الثامن عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((من الشر أن يشار إليه)) أي حب الرئاسة والجاه في قلوب الناس، وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها، يبتلى به العلماء والعباد، والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة؛ فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات وصانوها عن الشبهات، وحملوها بالقهر على أصناف العبادات، عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة الواقعة على الجوارح، فطلبت الاستراحة إلى الظاهر بالخير وإظهار العلم والعمل، فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق، ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس ولم تقنع بحمد الله وحده، فأحب مدحهم وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل، فأصابت النفس في ذلك أعظم اللذات وألذ الشهوات، وهو يظن أن حياته بالله تعالى وبعبادته. وإنما حياته هذه [الشهوة] الخفية التي تعمى عن دركها إلا العقول النافذة، قد أثبت اسمه عن الله تعالى من المنافقين، وهو يظن أنه عند الله من عباده المقربين. وهذه مكيدة للنفس لا يسلم عنها إلا الصديقون؛ ولذلك قيل: آخر
الفصل الثالث
5327 -
عن أبي تميمة، قال: شهدت صفوان وأصحابه وجندب يوصيهم، فقالوا: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سمع سمع الله به يوم القيامة، ومن شاق شق الله عليه يوم القيامة)) قولوا: أوصنا. فقال: إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل، ومن استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم اهراقه فليفعل. رواه البخاري.
5328 -
وعن عمر بن الخطاب، أنه خرج يوما إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد معاذ بن جبل قاعدا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: يبكيني
ــ
ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرئاسة، وهو أعظم شبكة للشياطين، فإذا المحمود المخمول، إلا من شهره الله لنشر دينه من غير تكلف منه، كالأنبياء والخلفاء الراشدين، والعلماء المحققين والسلف الصالحين.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي تميمة: قوله: ((من شاق) أطلق ليشمل المشقة على نفسه وعلى الغير بأن يكلف نفسه أو غيره بما هو فوق طاقته، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) ((نه)): أي لولا أن أثقل عليهم، من المشقة وهي الشدة.
قوله: ((إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه)) كناية عن مسه النار، وإنما يفتقر إلى هذا التأويل؛ ليطابق قوله:((فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا)) أي حلالا، ونظيره قوله تعالى:{إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} وعقب بقوله: {وسَيَصْلَوْنَ} قوله: {إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ} [دلالة على أن أول ما يمس النار هو البطن]. وقوله: ((ملء كف من دم)) إنما قلله تسفيها لرأي من يرتكب هذا المحظور تهجينا لفعله؛ فإنه يفوت على نفسه الجنة التي عرضها السماوات والأرض بهذا الحقير.
الحديث الثاني عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((لله وليا)) لا يجوز أن يكون نتعلقا بـ ((عادى)) فهو إما متعلق بقوله: ((وليا)) أو صفة له، قدم فصار حالا منه. وقوله:((إن الله يحب الأبرار)).
استئناف مبين لحقيقة الولي، وذكر لهم أحوالا ثلاثة: إذا كانوا سفرا لم يتفقدوا، وإذا
شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إن يسير الرياء شرك، ومن عادى لله وليا فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يتفقدوا، وإن حضروا لم يدعوا ولم يقربوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة)). رواه ابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [5328]
5329 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا صلى في العلانية فأحسن، وصلى في السر فأحسن؛ قال الله تعالى: هذا عبدي حقا)). رواه ابن ماجه. [5329]
5330 -
وعن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يكون في آخر الزمان أقوام، إخوان العلانية، أعداء السريرة)). فقيل: يا رسول الله! وكيف يكون ذلك؟ قال: ((ذلك برغبة بعضهم إلى بعض، ورهبة بعضهم من بعض)). [5330]
5331 -
وعن شداد بن أوس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك)). رواهما أحمد. [5331]
ــ
كانوا حاضرين لم يدعوا إلى مأدبة، وإن حضروها لم يقربوا، وتركوا في [صف] النعال. وهذا تفصيل ما ورد:((رب أشعث أغبر لا يؤبه له)).
وقوله: ((يخرجون من كل غبراء مظلمة)) كناية عن حقارة مساكنهم وأنها مظلمة مغبرة لفقدان أداة ما يتنور به ويتنظف به. وطابق في القرينتين بين النور والظلمة كما طابق المعري في قوله:
مراستها أمست لنور مراسيا فلما تظلم الأبيات إلا من الظلم
الحديث الثالث والرابع عن معاذ رضي الله عنه: قوله: ((أعداء السريرة)) و ((في)) مقدرة فيها وفي قرينتها. الجوهري: السر ما يكتم والسريرة مثله.
الحديث الخامس والسادس عن شداد رضي الله عنه قوله: ((شهوة من شهواته)) كالأكل
5332 -
وعنه، أنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكرته، فأبكاني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية)) قال: قلت: يا رسول الله! أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: ((نعم؛ أما إنهم لا يعبدون شمسا، ولا قمرا، ولا حجرا، ولا وثنا، ولكن يراؤون بأعمالهم. والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائما، فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [5332]
5333 -
وعن أبي سعيد الخدري، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال:((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟)) فقلنا: بلى يا رسول الله! قال: ((الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي، فيزيد صلاته لما يرى من نظر رجل)). رواه ابن ماجه. [5333]
5334 -
وعن محمود بن لبيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)). قالوا: يا رسول الله! وما الشرك الأصغر؟ قال: ((الرياء)). رواه أحمد. وزاد البيهقي في ((شعب الإيمان)): ((يقول الله لهم يوم يجازي العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء وخيرا؟)). [5334]
ــ
والجماع وغيرهما، يعني إذا كان الرجل في طاعة من [طاعات] الله تعالى، فتعرض له شهوة من شهوات نفسه، رجح جانب النفس على جانب الله تعالى فيتبع هوى نفسه، فيؤديه ذلك إلى الهلاك والردى، {فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى}. سمي خفيا لخفاء هلاكه أو مشاكله لقوله:((الشرك))؛ لأن المراد منه الشرك الخفي بدلالة ما ذكر في الحديث الآتي.
الحديث الآتي.
الحديث السابع عن أبي سعيد رضي الله عنه قوله: ((ألا أخبركم)) ((ألا)) ليست للتنبيه، بل هي لا النافية، دخلت عليها همزة الاستفهام.