المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب قصة ابن صياد - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١١

[الطيبي]

الفصل: ‌(4) باب قصة ابن صياد

5493 -

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((يخرج الدجال على حمار أقمر ما بين أذنيه سبعون باعا)). رواه البيهقي في ((كتاب البعث والنشور)).

(4) باب قصة ابن صياد

الفصل الأول

5494 -

عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رهط من أصحابه قبل ابن الصياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان في أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال:((أتشهد أني رسول الله؟)) فنظر إليه، فقال: أشهد أنك رسول الله الاميين.

ــ

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((على حمار أقمر)) ((نه)): هو الشديد البياض. انتهى كلامه. ((ما بين أذنيه)) وقعت صفة أخرى لحمار.

باب قصة ابن الصياد

الفصل الأول

الحديث الأول عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قوله: ((في أطم بني مغالة)) ((نه)): الأطم بالضم بناء مرتفع وجمعه آطام [مح]: المشهور مغالة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة. قوله: ((رسول الأميين)) ((قض)): يريد بهم العرب؛ لأن أكثرهم كانوا لا يقرءون ولا يكتبون، وما ذكره وإن كان حقا من قبل المنطوق، لكنه يشعر بباطل من حيث المفهوم، وهو أنه مخصوص بالعرب غير مبعوث إلى العجم، كما زعمه بعض اليهود، وهو إن قصد به ذلك فهو من جملة ما يلقى إليه الكاذب الذي يأتيه وهو شيطانه.

قوله: ((فرصة)) ((مح)): قال الخطابي في غريبه: ((فرصه)) بصاد مهملة، أي ضغطه حتى ضم بعضه إلى بعض، ومنه قوله تعالى:{بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} قال الشيخ محيي الدين: هو في أكثر نسخ بلادنا: ((فرضه)) بالفاء والضاد المعجمة ومعناه ترك سؤاله عن الإسلام ليأسه منه حينئذ، ثم شرع في سؤاله بقوله: ماذا ترى؟. قوله: ((ثم قال)) عطف على ((فرصه)) وثم للتراخي في الرتبة، والكلام خارج على إرخاء العنان. أي آمنت بالله ورسله، فتفكر هل أنت منهم؟.

ص: 3471

ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ فرصه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((آمنت بالله وبرسله)) ثم قال لابن صياد: ((ماذا ترى؟)) قال: يأتيني صادق وكاذب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلط عليك الأمر)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني خبأت لك خبيئا)). وخبأ له: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} . فقال: هو الدخ. فقال: ((اخسأ فلن تعدو قدرك)). قال عمر: يا رسول الله! أتأذن لي فيه أن أضرب عنقه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن يكن هو لا تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله)). قال ابن عمر: انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها ابن

ــ

قوله: ((خلط)) ((مح)): أي ما يأتي به شيطانك مخلط. ((خط)): معناه: أنه كان له تارات يثيب في بعضها ويخطئ في بعضها، فلذلك التبس عليه الأمر. ((مح)):((الدخ)) بضم الدال وتشديد الخاء وهي لغة في الدخان. ومعنى ((خبأت)) أضمرت لك اسم الدخان، والصحيح المشهور أنه صلى الله عليه وسلم أضمر له آية الدخان وهي قوله تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} .

قال القاضي: وأصح الأقوال أنه لم يأت من الآية التي أضمرها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب؛ ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((اخسأ فلن تعدو قدرك)) أي القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء [أي] بعض الشيء.

أقول: [يعني] قدرك أن لا تتجاوز عن إظهار الخبيئات على هذا الوجه كما هو دأب الكهنة، فلا تتجاوز منها إلى دعوى النبوة، فتقول: أشهد أني رسول الله، فهنا نكتة سنذكرها في الحديث الذي يتلوه ((تو)):((اخسأ)) كلمة زجر واستهانة أي اسكت صاغرا مدحورا.

قوله: ((إن يكن هو لا تسلط عليه)) ((قض)): ((إن يكن هو)) الضمير للدجال ويدل عليه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن يكن هو فلست صاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم عليه السلام، وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد)) وهو خبر كان واسمه مستكن فيه، وكان حقه: إن يكنه، فوضع المرفوع المنفصل موضع المرفوع المتصل عكس قولهم: لولاه. ويحتمل أن يكون تأكيدا للمستكن، والخبر محذوفا على تقدير: إن يكن هو هذا.

أقول: ويجوز أن يقدر: إن يكن هو الدجال، و ((هو)) ضمير فصل أو مبتدأ والدجال خبره والجملة خبر كان.

ص: 3472

صياد، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة، له فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل. فقالت: أي صاف – وهو اسمه – هذا محمد. فتناهى ابن صياد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو تركته بين)) قال عبد الله بن عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى علي الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال

ــ

قوله: ((وهو يختل)) ((مح)) هو بكسر التاي أي يخدع ابن صياد ليسمع من كلامه ويعلم هو والصحابة حاله في أنه كاهن أم ساحر ونحوهما. وفيه جواز كشف أحوال ما تخاف مفسدته، وكشف الإمام الأمور المبهمة بنفسه. وقوله:[زمزمة] ((هو في معظم نسخ مسلم بزايين معجمتين، وفي بعضها برائين مهملتين، ووقع في البخاري بالوجهين: وهو صوت خفي لا يكاد يفهم أو لا يفهم.

قوله: ((فتناهى)) تناهى عما كان فيه وسكت. وقوله: ((لو تركته بين)) أي بين لكم باختلاف كلامه ما يهون عليكم شأنه. ((حس)): أي بين ما في نفسه.

قوله: ((لم يقله نبي لقومه)) ((تو)): يحتمل أن أحدا من الأنبياء لم يكاشف أو لم يخبر بأنه أعور، ويحتمل أنه أخبر ولم يقدر له أن يخبر عنه كرامة لنبينا صلى الله عليه وسلم حتى يكون هو الذي يبين بهذا الوصف دحوض حجته الداحضة، فيبصر بأمره جهال العوال فضلا عن ذوي الألباب والأفهام.

((مح)): قصته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال أم غيره، ولا شلك أنه دجال من الدجاجلة. قالوا: وظاهر الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، وإنما أوحى إليه بصفات الدجال. وكان لابن الصياد قرائن محتملة، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره؛ ولهذا قال لعمر رضي الله عنه:((إن يكن هو فلن تستطيع قتله)). وأما [احتجاجه هو] بأنه مسلم والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له، وأن لا يدخل مكة والمدينة وابن صياد قد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض.

قال الخطابي: واختلف السلف في أمره بعد كبره، فروى عنه أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنه لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى يراه الناس، وقيل لهم: اشهدوا. قال: وكان ابن عمر وجابر يحلفان أن ابن الصياد هو الدجال لا يشكان فيه، فقيل لجابر: إنه

ص: 3473

فقال: ((إني أنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور)). متفق عليه.

ــ

أسلم، فقال: وإن أسلم. فقيل: إنه دخل مكة، وكان بالمدينة، فقال: وإن دخل. وروى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن جابر: قال: فقدنا ابن صياد يوم حرة، وهذا يبطل رواية من يرى أنه مات بالمدينة وصلى عليه، وقد روى مسلم في هذه الأحاديث أن جابرا حلف بالله تعالى أن ابن الصياد هو الدجال، وأنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره.

قال البيهقي في كتابه ((البعث والنشور)): اختلفوا في أمر ابن الصياد اختلافا كثيرا: هل هو الدجال؟. فمن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة، ويجوز أن تتوافق صفة ابن الصياد وصفة الدجال كما ثبت في الصحيح: أن أشبه الناس بالدجال عبد العزي بن قطن وليس هو هو. قال: وكان أمر ابن الصياد فتنة ابتلى الله بها عباده فعصم الله تعالى منها المسلمين ووقاهم شرها. قال: وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول عمر، فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كالمتوقف في أمره ثم جاءه البيان أنه غيره. كما صح به في حديث تميم. هذا كلام البيهقي فقد اختار أنه غيره. وقد قدمنا أنه صح عن عمر وابن عمر وجابر أنه الدجال، فإن قيل: لم لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ادعى بحضرته النبوة؟.

فالجواب من وجهين ذكرهما البيهقي وغيره أحدهما: أنه كان غير بالغ، واختار القاضي عياض هذا الجواب. والثاني: أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم، وجزم الخطابي بالجواب الثاني؛ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاب الصلح على أن يتركوا على حالهم، وكان ابن الصياد منهم، أو دخيلا فيهم.

قال الخطابي: وأما امتحان النبي صلى الله عليه وسلم بما خبأ له من آية الدخان؛ فلأنه كان يبلغه ما يدعيه من الكهانة، ويتعاطاه من الكلام في الغيب، فامتحنه ليعلم حقيقة [حاله]، ويظهر إبطال حاله للصحابة، فإنه كاهن ساحر يأتيه الشيطان فيلقي على لسانه ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة، فامتحنه ثم قال:((فلن تعدو قدرك)) أي لا تتجاوز قدرك وقدر أمثالك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء الشيطان كلمة واحدة من جملة كثيرة. بخلاف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فإنهم يوحي الله تعالى إليهم من علم الغيب ما يوحي، فيكون واضحا جليا كاملا، وبخلاف ما يلهم الله تعالى الأولياء من الكرامات والله أعلم.

ص: 3474

5495 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر – يعني ابن صياد – في بعض طرق المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أتشهد أني رسول الله؟)) فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله، ماذا ترى)). قال: أرى عرشا على الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ترى عرش إبليس على البحر وما ترى؟)) قال: أرى صادقين وكاذبا، أو كاذبين وصادقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لبس عليه، فدعوه)). رواه مسلم.

4596 -

وعنه، أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة. فقال:((درمكة بيضاء مسك خالص)). رواه مسلم.

5497 -

وعن نافع، قال: لقي ابن عمر ابن صياد في بعض طرق المدينة، فقال له قولا أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها، فقالت له: رحمك الله ما أردت من ابن صياد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما يخرج من غضبة يغضبها)). رواه مسلم.

ــ

الحديث الثاني عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((آمنت بالله)) فإن قلت: كيف طابق هذا الجواب قوله: ((أتشهد أني رسول الله؟)). قلت: لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يلزمه ويفحمه فيه، ويظهر للقوم أنه كاذب في دعوى الرسالة، أخرج الكلام مخرج الاستدراج. والكلام المنصف، يعني: آمنت بالله ورسله، فإن كنت رسولا صادقا في دعواك غير ملتبس عليك الأمر كسائر الرسل فأومن بك، وإن كنت كاذبا ولبس عليك الأمر فأنت كاهن كسائر الكهان، فاخسأ ولا تعد طورك فتدعي الرسالة، ولو أجيب بقوله:((اخسأ ولا تعد طورك)) ابتداء لم يقع هذا الموقع. وهذه النكتة الموعودة في الحديث السابق.

((مح)): ((لبس)) بضم اللام وتخفيف الباء، خلط عليه أمره.

الحديث الثالث عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((درمكة)) ((نه)): الدرمكة الدقيق الحواري، شبه تربة الجنة بها لبياضها ونعومتها، وبالمسك لطيبها.

الحديث الرابع عن نافع: قوله: ((من غضبة يغضبها)) قيل: ((يغضبها)) في محل الجر صفة غضبة، والضمير في موضع النصب، أي أنه يغضب غضبة ليخرج بسبب غضبته فيدعي النبوة، فلا تغضبه يا عبد الله، ولا تتكلم معه لئلا يخرج، فيظهر الفتن. ((مظ)) يعني إنما يخرج الدجال حين يغضب.

5498 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: صحبت ابن صياد إلى مكة، فقال لي: ما لقيت من الناس؟! يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إنه لا يولد به))؟. وقد ولد لي. أليس قد قال: ((هو كافر))؟ وأنا مسلم، أو ليس قدقال:((لا يدخل المدينة ولا مكة))؟ وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة. ثم قال لي في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده ومكانه وأين هو، وأعرف أباه وأمه قال: فلبسني، قال: قلت له: تبا لك سائر اليوم. قال: وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل؟ قال: فقال: لو عرض علي ما كرهت. رواه مسلم.

5499 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لقيته وقد نفرت عينه فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري. قلت لا تدري وهي في رأسك؟ قال: إن شاء الله خلقها في عصاك. قال: فنخر كأشد نخير حمار سمعت. رواه مسلم.

ص: 3475

ــ

الحديث الخامس عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((يزعمون)) استئناف كأنه لما قال: ((ما لقيت)) أي أي شيء لقيت من الناس، قال: ماذا تشكو منهم؟ فقال: يزعمون

ويجوز أن يكون حالا من فاعل لقيت، يعني أي شيء لقيت من الناس وإنهم يزعمون كذا، حتى ترددت في أمري وشككت فيه، ألست سمعت .. إلخ. ويجوز بفتح التاء على الخطاب، أي أي شيء لقيت أبا سعيد من الناس، و ((يزعمون)) على هذا بيان، والهمزة مقدرة.

قوله: ((فلبسني)) ((مح)): هو بالتخفيف أي جعلني ألتبس في أمري وأشك فيه. قوله: ((لو عرض علي ما كرهت)). ((مظ)): يعني لو عرض على ما جبل في الدجال من الإغواء والخديعة والتلبيس وغير لك لما كرهت بل قبلت، وهذا دليل واضح على كفره.

الحديث السادس عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((وقد نفرت عينه)) ((مح)) هو بفتح النون والفاء، أي ورمت ونتأت. وذكر القاضي عياض وجوها أخر والظاهر أنها تصحيف.

((قض)) قول ابن صياد ((إن شاء الله خلقها في عصاك)) في جواب قوله: ((لا تدري وهي في رأسك)) إشارة إلى أنه يمكن أن تكون العين بحال لا يكون له شعار بحالها، فلم ل يجوز أن يكون الإنسان مستغرقا في أفكاره بحيث يشغله عن الإحساس بها والتذكر لأحوالها. قوله:((كأشد نخير)) صفة مصدر محذوف، أي نخر نخرة.

ص: 3476

5500 -

وعن محمد بن المنكدر، قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال. قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.

الفصل الثاني

5501 -

عن نافع، قال: كان ابن عمر يقول:: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد. رواه أبو داود، والبيهقي في ((كتاب البعث والنشور)). [5501]

5502 -

وعن جابر رضي الله عنه. قال: قد فقدنا ابن صياد يوم الحرة. رواه أبو داود. [5502]

5503 -

وعن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يمكث أبو الدجال ثلاثين عاما، لا يولد لهما ولد، ثم يولد لهما غلام أعور أضرس، وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه)). ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: ((أبوه طوال ضرب اللحم

ــ

الحديث السابع عن محمد: قوله: ((سمعت عمر يلحف)) لعل عمر أراد بذلك أن ابن الصياد من الدجالين الذين يخرجون فيدعون النبوة، أو يضلون الناس ويلبسون الأمر عليهم، لا أنه المسيح الدجال.

الفصل الثاني

الحديث الأول والثاني عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((يوم الحرة)) هو غلبة يزيد بن معاوية على أهل المدينة، ومحاربته إياهم. قيل: هذا يخالف رواية من روى أنه مات بالمدينة وليس بمخالف.

الحديث الثالث عن أبي بكرة: قوله: ((أضرس)) ((قض)): هو عظيم السن. و ((أقله)) أي أقل غلام منفعة. و ((لا ينام قلبه)) أي لا تنقطع أفكاره الفاسدة عند النوم لكثرة وساوسه وتخيلاته وتواتر ما يلقي الشيطان إليه، كما لم يكن ينام قلب النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة أفكاره الصالحة، بسبب ما تواتر عليه من الوحي والإلهام.

((طوال)) بالضم والتخفيف مبالغة طويل، [والمشدد] أكثر مبالغة. و ((الفرضاخية)) بكسر الفاء وتشديد الياء الضخمة العظيمة. ((فا)): هي صفة بالضخم. وقيل: بالطول والياء مزيدة فيه للمبالغة، كما في أحمري.

ص: 3477

كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين)). فقال أبوبكرة: فسمعنا بمولود في اليهود، فذهبت أنا والزبير بن العوام، حتى دخلنا على أبويه، فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما، فقلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاما، لا يولد لنا ولد، ثم ولد لنا غلام أعور أضرس، وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: فخرجنا من عندهما، فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة، وله همهمة، فكشف عن رأسه فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم، تنام عيناي ولا ينام قلبي. رواه الترمذي. [5503]

5504 -

وعن جابر، أن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه طالعة بابه، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الدجال، فوجده تحت نظيفة يهمهم: فآذنته أمه فقالت: يا عبد الله! هذا أبو القاسم فخرج من القطيفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومالها قاتلها والله؟ لو تركته لبين)). فذكر مثل معنى حديث ابن عمر، فقال عمر بن الخطاب: ائذن لي يا رسول الله! فأقتله فقال رسول الله،:((إن يكن هو فلست صاحبه، إنما صاحبه عيسى بن مريم، وإلا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد)). فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشفقا أنه هو الدجال. رواه في ((شرح السنة)). [5504]

[وهذا الباب خال عن: الفصل الثالث]

ــ

((نه)): ((ضرب اللحم)) هو الخفيف اللحم المستدق، وفي صفة موسى عليه السلام أنه ضرب من الرجال. وقوله:((منجدل في الشمس)) أي ملقى علي الجدالة وهي الأرض، ومنه الحديث:((أنا خاتم الأنبياء في أم الكتاب ولآدم منجدل في طينته)).

الحديث الرابع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((طالعة نابه)) هكذا هو في شرح السنة، والظاهر: طالعا نابه، إلا أن يراد به الجنس، والتعدد فيه على التمحل.

قوله: ((يهمهم)) ((نه)): أي كلام خفي لا يفهم، وأصل الهمهمة صوت البقر. قوله:((أن يكون)) هو خبر اسمه مستكن فيه، وخبره هو، وضع الضمير المرفوع موضع المنصوب وذلك شائع. ويحتمل أن يكون ((هو)) تأكيدا للمستكن، وخبره محذوف، أي إن يكن هو ذلك الدجال. ويحتمل أن يكون هو مبتدأ وخبره محذوفا والجملة خبر كان.

ص: 3478