المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١١

[الطيبي]

الفصل: ‌(7) باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس

لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم)). قيل لسعد: وكم نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة. رواه أبو داود. [5514]

الفصل الثالث

5515 -

عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل هذه الدنيا مثل ثوب شق من أوله إلى آخره، فبقى متلعقاً بخيط في آخره، فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [5515]

(7) باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس

الفصل الأول

5516 -

عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال في

ــ

أن يكون لأمتي عند الله مكانة ومنزلة يمهلهم من زماني هذا إلى انتهاء خمسمائة سنة، بحيث لا يكون أقل من ذلك إلى قيام الساعة.

وإنما فسر الراوي نصف اليوم بخمسمائة نظرا إلى قوله تعالى: {وَإنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأَرْضِ [ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْهِ] فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} .

وإنما عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خمسمائة سنة بنصف يوم تقليلا لبغيتهم، ورفعا لمنزلتهم، أي لا يناقشهم في هذا المقدار القليل، بل يزيدهم من فضله. وقد وهم بعضهم ونزل الحديث على أمر القيامة، وحمل اليوم على يوم المحشر، فهب أنه غفل عما حققناه ونبهنا عليه، فهلا انتبه لمكان الحديث وأنه من أي باب من أبواب الكتاب فإنه مكتوب في باب قرب الساعة، فأين هو منه، فقوله:((أن لا تعجز)) مفعول أرجو، و ((أن يؤخرهم)) من صلة العجز، وحذف عنه ((عن)) والله أعلم.

باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس

هذه المجملة محكية مضاف إليها ترجمة الباب وهو من باب تسمية الشيء بالجمل على سبيل الحكاية؛ كما سموا: تأبط شرا، وبرق نحره، وشاب قرناها، وكما لو سمى بـ ((زيد منطلق)) أو بـ ((بيت شعر)).

ص: 3483

الأرض: الله الله)). وفي رواية قال: ((لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله)). رواه مسلم.

5517 -

وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق)). رواه مسلم.

5518 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة)). وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية. متفق عليه.

ــ

الفصل الأول

الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((حتى لا يقال)) أي حتى لا يذكر اسم الله ولا يعبد، وإليه ينظر قوله تعالى:{ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} يعني ما خلقته باطلا بغير حكمة، بل خلقته لتذكر فيها وتعبد. فإذا لم يذكر ولم يعبد فيها فبالحري أن [يخرب] فتقوم الساعة.

((مظ)) هذا دليل على أن بركة العلماء والصلحاء تصل إلى من في العالم من الإنس والجن وغيرهما من الحيوانات والجمادات.

الحديث الثاني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((لا تقوم الساعة)) الحديث فإن قيل: ما وجه التوفيق بين هذا الحديث والحديث السابق: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)).

قلنا: السابق مستغرق للأزمنة عام فيها، والثاني مخصص له، كما [سينبئ] عليه حديث عبد الله بن عمر بعيد هذا.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أليات نساء دوس)) هي جمع ألية، وهي في الأصل اللحمة التي تكون في أصل العضو. ((نه)): الخلصة هو بيت كان فيه صنم لدوس وخثعم وبجيلة وغيرهم. وقيل: ذو الخلصة الكعبة اليمانية التي كانت باليمن، فأنفذ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله فخربها. وقيل: ذو الخلصة اسم الصنم نفسه، وفيه نظر؛ لأن ذو لا يضاف إلا إلى اسم الجنس، والمعنى: أنهم يرتدون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان، فتسعى نساء دوس طائفات حول ذي الخلصة، فترتج أعجازهن.

ص: 3484

5519 -

وعن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يذهب الليل والنهار حتى يعبد اللات والعزى)). فقلت: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ} أن ذلك تاماً. قال: ((إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة، فتوفي كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم)). رواه مسلم.

5520 -

وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج الدجال فيمكث أربعين)) لا أدري أربعين يوماً أو شهراً أو عاماً ((فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث في الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه) قال: ((فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا

ــ

الحديث الرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((إن كنت لأظن)) إن هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة. وقوله:((تاما)) هو بالرفع في الحميدي على أنه خبر إن، وفي صحيح مسلم وشرح السنة: بالنصب. فعلى هذا هو إما حال والعامل اسم الإشارة، والخبر محذوف، أو خبر لكان المقدر، أي ظنت من مفهوم الآية أن ملة الإسلام ظاهرة على الأديان كلها، غالبة عليها غير مغلوبة، فكيف تعبد اللات والعزى؟.

وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله: ((فتوفي كل من كان في قلبه)) نظيره قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا)).

الحديث الخامس عن عبد الله: قوله: ((لا أدري أربعين يوما)) ((تو)): ((لا أدري)) إلى قوله: ((فيبعث الله عيسى))، من قول الراوي، أي لم يزدني على أربعين شيئاً يبين المراد منها، فلا أدرى أيا أراد به من هذه الثلاثة، وكبد الشيء وسطه، ومنه كبد السماء.

قوله: ((في خفة الطير)) ((الشيء)): المراد بخفة الطير اضطرابها ونفرها بأدنى توهم، شبه حال الأشرار في تهتكهم، وعدم وقارهم، وثباتهم، واختلال رأيهم، وميلهم إلى الفجور والفساد، بحال الطير. قوله:((إلا أصغى ليتا)) ((تو)): أي أمال صفحة عنقه، والمراد منه ها هنا

ص: 3485

تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا، ورفع ليتا)) قال:((وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله، فيصعق ويصعق الناس، ثم يرسل الله مطراً كأنه الطل، فينبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يأيها الناس! هلم إلى ربكم، وقفوهم إنهم مسئولون. فيقال أخرجوا بعث النار. فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين)) قال: ((فذلك يوم يجعل الولدان شيباً، وذلك يوم يكشف عن ساق)). رواه مسلم.

وذكر حديث معاوية: ((لا تنقطع الهجرة)) في ((باب التوبة)).

ــ

أن السامع يصعق، فيصغى ليتا ويرفع ليتا، وكذا شأن من يصيبه صيحة، فيشق قلبه، فأول ما يظهر منه سقوط رأسه إلى أحد الشقين، فأسند الإصغاء إليه إسناد الفعل الاختياري.

قوله: ((وقفوهم)) عطف على قوله تعالى على سبيل التقدير، أي يقال للناس: هلم ويقال للملائكة: وقفوهم، وفي بعض النسخ بدون العاطف فهو على الاستئناف.

قوله: ((بعث النار)) أي مبعوثها فيقال: ((من كم)) أي يسأل المخاطبون [عن] كمية العدد البعوث إلى النار، فيقولون: كم عددا نخرجه من كم عدد. فيقال لهم: أخرجوا من كل ألف تسعمائة [وتسعة] وتسعين. قوله: {يَوْمًا يَجْعَلُ الوِلْدَانَ} يحتمل أن يكون يوم مرفوعاً، ويجعل الولدان صفة له، فيكون الإسناد مجازيا، وأن يكون مضافا مفتوحا، فيكون الإسناد حينئذ حقيقا، والأول أبلغ وأوفق لما ورد في التنزيل.

قوله: ((يوم يكشف عن ساق)) ((خط)): هذا مما هاب القول فيه شيوخنا، وأجروه على ظاهر لفظه، ولم يكشفوا عن باطن معناه على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل مالا يحيط [العلم] بكنهه من هذا الباب. أما من تأوله فقال: ذاك يوم يكشف عن شدة عظيمة وأمر فظيع، وهو إقبال الآخرة وذهابها وذهاب الدنيا، ويقال للأمر إذا اشتد وتفاقم وظهر وزال خفاؤه: كشف عن ساقه، وهذا جائز في اللغة، وإن لم يكن للأمر ساق. والله أعلم بالصواب.

ص: 3486