المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) باب صفة النار وأهلها - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١١

[الطيبي]

الفصل: ‌(7) باب صفة النار وأهلها

وقال: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الله الكفار بالحجاب فقال: {كلَاّ إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} . رواه في ((شرح السنة)). [5663]

5664 -

وعن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((بينا أهلُ الجنة في نعيمهم، إذ سطعَ لهم نورٌ، فرفعوا رءوسهم، فإذا الربُّ قد أشرفَ عليهم من فوقهم، فقال السلام عليكم يا أهل الجنة! قال: وذلك قوله تعالى: {سلامٌ قولاً من ربٍّ رحيم}. قال: فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ماداموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم)) رواه ابن ماجه. [5664]

(7) باب صفة النار وأهلها

الفصل الأول

5665 -

عن أبي هريرة، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:((ناركم جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم)) قيل: يا رسول الله! إن كانت لكافية قال: ((فضلت عليهن بتسعة وستين جزءًا كلهنُّ مثلُ حرها)): متفق عليه. واللفظ للبخاري. وفي رواية مسلم: ((ناركم التي يوقد ابن آدم)). وفيها: ((عليها)) و ((كلها)) بدل: ((عليهن)). ((وكلهن)).

ــ

الحديث الخامس والسادس عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم)) هذا الاختصاص يؤيد ما ذهبنا إليه أن التقديم في قوله تعالى: {إلى ربها ناظرة} للاختصاص كما سبق في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في أول الفصل الثاني.

باب صفة النار وأهلها

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إن كانت لكافية)) إن هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، أي إن هذه النار لكافية في إحراق الكفار وعقوبة الفجار، فهلا اكتفي بها ولأي شيء زيدت في حرها؟.

ص: 3585

5666 -

وعن ابن مسعود: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)). رواه مسلم.

5667 -

وعن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار، يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل، ما يُرى أن أحدًا أشدُّ منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا)). متفق عليه.

5668 -

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أهون أهل النار عذابًا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلى منهما دماغه)). رواه البخاري.

5669 -

وعن أنسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا بن آدم! هل رأيت خيرًا قط؟ هل مرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يارب! ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا بن آدم! هل رأيت بؤسًا قط؟ وهل مرَّ بك شدةٌ قط؟ فيقول: لا والله، يارب! ما مرَّ بي بؤسٌ قطُّ، ولا رأيت شدَّة قطُّ)). رواه مسلم.

ــ

فإن قلت: كيف طابق قوله: ((فضلت عليهن)) جوابًا وقد علم من قوله: ((جزء من سبعين)) هذا التفضيل؟.

قلت: معناه المنع من الكفاية، أي لا بد من التفضيل لتمييز عذاب الله من عذاب الخلق، ولذلك أوثر النار على سائر أصناف العذاب زيادة في تنكيل عقوبة أعداء الله تعالى، وغضبًا شديدًا على مردة خلق الله من الجن والإنس.

قال الشيخ أبو حامل في الإحياء: اعلم أنك أخطأت في القياس، فإن نار الدنيا لا تناسب نار جهنم، ولكن لما كان أشد عذاب في الدنيا عذاب هذه النار عرف عذاب جهنم بها، وهيهات لو وجد أهل الجحيم مثل هذه النار لخاضوها هربا مما هم فيه.

الحديث الثاني إلى الخامس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((صبغة)) نه: أي يغمس في النار غمسة كما يغمس الثوب في الصبغ.

الحديث السادس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((لو أن لك ما في الأرض)) أي لو ثبت، لأن ((لو)) تقتضى الفعل الماضي، وإذا وقعت ((أن)) المفتوحة بعد ((لو)) كان حذف الفعل واجبًا، لأن ما في ((أن)) من معنى التحقيق والثبات منزل منزلة ذلك الفعل المحذوف.

ص: 3586

5670 -

وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يقول الله لأهون أهل النار عذابًا يوم القيامة: لو أنَّ لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدى به؟ فيقول: نعم. فيقول: أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئًا، فأبيتَ إِلا أن تُشرك بى)) متفق عليه.

5671 -

وعن سمرة بن جندب، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:((منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حُجزَتِهِ، ومنهم من تأخذه النار إلى تَرقُوته)). رواه مسلم.

ــ

قوله: ((أردت منك)) ظاهر هذا الحديث موافق لمذهب المعتزلة لأن المعنى أردت منك التوحيد فخالفت مرادى وأتيت بالشرك.

((مظ)): الإرادة هنا بمعنى الأمر، والفرق بين الإرادة والأمر أن ما يجرى في العالم لا محالة كائن بإرادته ومشيئته، وأما الأمر فقد يكون مخالفًا لإرادته ومشيئته.

أقول: الأظهر أن تحمل الإرادة هنا على أخذ الميثاق في قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم} لقرينة قوله: ((وأنت في صلب آدم)) فقوله: ((أبيت إلا أن تشرك بي)) إشارة إلى قوله: {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} ويحمل الإباء هاهنا على نقض العهد.

قوله: ((إلا أن تشرك بي)) استثناء مفرغ وإنما حذف المستثنى منه مع أن كلامه موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفيًا، أي: ما اخترت إلا الشرك.

الحديث السابع عن سمرة رضي الله عنه: قوله: ((منهم من تأخذه النار)) أول الحديث في شرح السنة برواية أبي سعيد رضي الله عنه: ((إذا خلص المؤمنون من النار

)) إلى قوله: ((فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم)).

قوله: ((إلى ترقوته)) نه: هي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين، وزنها ((فعلوة)) بالفتح.

وفي الحديث بيان تفاوت العقوبات في الضعف والشدة لا أن بعضًا من الشخص معذب دون بعض، ويؤيده قوله في الحديث السابق:((وهو منتعل بنعلين يغلى منهما دماغه)).

ص: 3587

5672 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بين منكبي الكافر في النار مسيرةُ ثلاثة أيام للراكب المسرع)). وفي رواية: ((ضرس الكافر مثل أحدٍ، وغلظ جلده مسيرة ثلاث)). رواه مسلم.

وذكر حديث أبي هريرة: ((اشتكت النار إلى ربها)). في باب ((تعجيل الصلوات)).

الفصل الثاني

5673 -

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة)). رواه الترمذي. [5673]

5674 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ضرسُ الكافر يوم القيامة مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة)). رواه الترمذي. [5674]

ــ

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((مسيرة ثلاثة)) هكذا هو في جامع الأصول وشرح السنة أنثه باعتبار الليالى.

((مح)): هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه، وهو مقدور الله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق به.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أوقد على النار)) هذا قريب من قوله تعالى: {يوم يحمى عليها في نار جهنم} أي أوقد الوقود فوق النار، أي النار ذات طبقات توقد كل طبقة فوق أخرى ومستعلية عليها.

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((مثل البيضاء)) نه: هو اسم جبل.

و ((الربذة)) بالراء المهملة بعدها باء مفتوحة بعدهما ذال معجمة، قرية معروفة قرب المدينة.

قض: أي يزاد في مقدار أعضاء الكافر زيادة في تعذيبه بسبب زيادة المماسة للنار.

ص: 3588

5675 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعًا، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة)). رواه الترمذي. [5675]

5676 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الكافر ليُسحب لسانه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس)). رواه أحمد، والترمذي، وقال هذا حديث غريب. [5676]

5677 -

وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الصعود جبل من نار يُتصعدُ فيه سبعين خريفًا، ويهوى به كذلك فيه أبدًا)). رواه الترمذي. [5677]

5678 -

وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله:((كالمهل)) ((أي كعكر الزيت، فإذا قرب إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه)). رواه الترمذي. [5678]

5679 -

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إن الحميم ليُصَبُّ على رءوسهم

ــ

الحديث الثالث والرابع عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قوله: ((الصعود)) التعريف فيه للعهد، والمشار إليه ما في قوله تعالى:{سأرهقه صعودا} أي سأغشيه عقبة شاقة المصعد.

قوله: ((فيه أبدًا)) فيه زيادة تأكيد، ومن أمثلة سيبويه في باب ما بينى فيه المستقر توكيدًا: عليك زيد حريص عليك، وفيك زيد راغب فيك.

الحديث الخامس عن أبي سعيد رضي الله عنه:

قوله: ((كعكر الزيت)) أي الدرن منه والدنس.

قوله: ((فروة وجهه)) أي جلدته، والأصل فيه فروة الرأس وهي جلدتها بما عليها من الشعر، فاستعارها من الرأس للوجه.

الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((حتى يخلص)) قض: يخلص إلى

ص: 3589

فينفذ الحميم، حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر ثم يُعاد كما كان)). رواه الترمذي. [5679]

5680 -

وعن أبي أُمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{يسقى من ماء صديد يتجرعه} قال: ((يقرب إلى فيه يكرهه، فإذا أدنى منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه، حتى يَخْرج من دبره. يقول الله تعالى: {وسُقُوا ماء حميمًا فقطع أمعاءهم} ويقول: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب})). رواه الترمذي. [5680]

5681 -

وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لسرادق النار أربعة جُدُرٍ، كثف كل جدار مسيرةُ أربعين سنة)). رواه الترمذي. [5681]

5682 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن دلوا من غساقٍ يُهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا)). رواه الترمذي. [5682]

ــ

جوفه أي يصل إليه ((فيسلت)) أي يذهب ويمر ((حتى يمرق)) أي يخرج، من مرق السهم إذا نفذ في الغرض وخرج منه.

و ((الصهر)) الإذابة، فيه إشارة إلى قوله تعالى:{يصهر به ما في بطونهم والجلود} .

الحديث السابع إلى التاسع عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((لسرادق النار)) روى بفتح اللام على أنه مبتدأ، وكسرها على أنه خبر، وهذا أظهر.

نه: السرادق كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء.

الحديث العاشر عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((من غساق)) نه: هو بالتخفيف والتشديد، ما يسيل من صديد أهل النار وغسالتهم، وقيل: ما يسيل من دموعهم، وقيل: هو الزمهرير.

((لأنتن)) أنتن الشيء إذا تغير وصار ذا نتن.

ص: 3590

5683 -

وعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية:{اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون} . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنَّ قطرةً من الزَّقُّرم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه؟!)) رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح. [5683]

5684 -

وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{وهم فيها كالحون} قال: ((تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته)). رواه الترمذي. [5684]

ــ

الحديث الحادي عشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((حق تقاته)) أي واجب تقواه وما يحق منها، وهو القيام بالمواجب واجتناب المحارم، أي بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئًا وهذا معنى قوله:{فاتقوا الله ما استطعتم} .

وقوله: {ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون} تأكيد لهذا المعنى، أي لا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت، فمن واظب على هذه الحالة وداوم عليها مات مسلمًا، وسلم في الدنيا من الآفات، وفي الأخرة من العقوبات، ومن تقاعد عنها وقع في العذاب في الآخرة، ومن ثم أتبعه صلى الله عليه وسلم بقوله:((لو أن قطرة من الزقوم ..)) الحديث.

و ((الزقوم)) ما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز فقال تعالى: {إنها شجرة تخرج في أصل الحميم طلعها كأنه رءوس الشياطين} وهو فعول من الزقم اللقم الشديد والشرب المفرط.

الحديث الثاني عشر عن أبي سعيد رضي الله عنه:

قوله: ((كالحون)) أي: عابسون حين تحترق وجوههم من النار.

قوله: ((فتقلص)) على صيغة المضارع، أي تتقلص ومعناه تنقبض.

الحديث الثالث عشر والرابع عشر من أبي الدرداء رضي الله عنه: قوله: ((فيعدل ماهم فيه)) أي مثله ومساويه في الألم.

ص: 3591

5685 -

وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يأيها الناس! ابكوا فإن لم تستطيعوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم، كأنها جداول، حتى تنقطع الدموع، فتسيل الدماء، فتقرح العيون، فلو أن سفنا أزجيت فيها لجرت)) رواه في ((شرح السنة)). [5685]

5686 -

وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُلقى على أهل النار الجوعُ، فيعدِلُ ماهم فيه من العذاب، فيستغيثون، فيغاثون بطعام من ضريع، لا يسمنُ ولا يغنى من جوع، فيستغيثون بالطعام، فيغاثون بطعام ذى غُصَّةٍ. فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغُصص في الدنيا بالشراب، فيستغيثون بالشراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطعت مافي بطونهم، فيقولون: ادعوا خزنة جهنم، فيقولون: ألم تكُ تأتيكم رسلكم بالبينات؟ قالوا: بلى. قالوا: فادعوا، وما دعاءُ الكافرين إلا في ضلال)) قال: ((فيقولون: ادعوا مالكًا، فيقولون: يا مالكُ! ليقض علينا ربُّكَ)) قال: ((فيجييهم إنكم ماكثونَ)). قال الأعمشُ: نبئتُ أنَّ بين دعائهم وإجابة مالك إياهُم ألف عامٍ. قال.

ــ

قوله: ((من ضريع)) هو نبت بالحجاز ذو شوك، يقال له: الشبرق.

وقوله: ((بطعام ذى غصة)) هو ما يتشبث في الحلق ولايسوغ فيه.

وقوله: ((فيذكرون)) يقتضى محذوفا، أي إذا أتوا بطعام ذى غصة فتناولوه وغصوا به فيذكرون.

قوله: ((ادعوا خزنة جهنم)) الظاهر أن ((خزنة)) ليس بمفعول لادعوا بل هو منادى ليطابق قوله تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب} وقوله {ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات} إلزام للحجة وتوبيخ وأنهم خلفوا وراءهم أوقات الدعاء والتضرع، وعطلوا الأسباب التي يستجيب الله لها الدعوات، قالوا: فادعوا أنتم فإنا لا نجتريء على ذلك، وليس قولهم: فادعوا، لرجاء المنفعة ولكن للدلالة على الخيية، وأن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكافرين؟ ولما أيسوا من دعاء خزنة جهنم لأجلهم وشفاعتهم لهم أيقنوا أن لاخلاص لهم ولا مناص من عذاب الله، فقالوا: ((يا مالك ادع

ص: 3592

((فيقولون: ادعوا ربكم، فلا أحدٌ خير من ربكم، فيقولون: ((ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قومًا ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عُدنا فإنا ظالمون)) قال: ((فيجيبُهم: {اخسئوا فيها ولاتكلمون} قال ((فعند ذلك يئسوا من كل خير وعند ذلك بأخذون في الزفير والحسرة والويل)). قال عبد الله بن عبد الرحمن: والناسُ لا يرفعون هذا الحديث. رواه الترمذي. [5686]

5687 -

وعن النعمان بن بشير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((أنذرتكم النار، أنذرتكم النار)) فما زال يقولها، حتى لو كان في مقامى هذا سمعه أهل السوق، وحتى سقطت خميصةٌ كانت عليه عند رجليه. رواه الدارمي. [5687]

5688 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن رصاصةً مثل هذه - وأشار إلى مثل الجمجمة - أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي

ــ

ربك ليقض علينا)) أي سل ربك أن يقضي علينا، وهو من: قضى عليه إذا أماته.

و ((غلبت علينا شقوتنا)) أي ملكتنا، من قولك: غلبني فلان على كذا إذا أخذه منك وامتلكه.

والشقاوة: سوء العاقبة.

واخسئوا فيها: ذلوا وانزجروا كما تنزجر الكلاب إذا زجرت، يقال: خسأ الكلب وخسأ بنفسه.

{ولا تكلمون} في رفع العذاب فإنه لا يرفع ولايخفف.

الحديث الخامس عشر عن النعمان رضي الله عنه: قوله: ((حتى لو كان في مقامي)) في الكلام حذف، أي قال الراوى: لم يزل يقول ويمد بها صوته ويتحرك حتى لو كان في مقامي هذا المكان كان الراوي فيه سمعه أهل السوق وحتى سقطت خميصته.

الحديث السادس عشر عن عبد الله رضي الله عنهما: قوله: ((لو أن رصاصة)) تو: في سائر نسخ المصابيح ((رضراضة)) مكان ((رصاصة)) وهو غلط لم يوجد في جامع الترمذي، ولعل الغلط وقع من غيره، ((والرصاصة)) القطعة من الرصاص.

((وأشار إلى مثل الجمجمة)) تشبيهًا بحجمها وتنبيها على تدور شكلها، بين مدى قعر جهنم بأبلغ ما يمكن من البيان، فإن الرصاص من الجواهر الرزينة، والجوهر كلما كان أتم رزانة كان

ص: 3593

مسيرة خمسمائة سنة، لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة، لسارت أربعين خريفًا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها)). رواه الترمذي. [5688]

5689 -

وعن أبي بُردة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن في جهنم لواديًا يقال له: هبهب، يسكنه كل جبار)). رواه الدارمي. [5689]

الفصل الثالث

5690 -

عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((يعظم أهل النار في النار حتى إنَّ بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عامٍ، وإنَّ غلظ جلدِه سبعونَ ذراعًا، وإنَّ ضرسه مثل أحدٍ)). [5690]

ــ

أسرع هبوطًا إلى مستقره لاسيما إذا انضم إلى رزانته كبر جرمه، ثم قدره على الشكل الكروي فإنه أقوى انحدارًا. وأبلغ مرورًا في الجو.

أقول: قوله: ((قبل أن تبلغ أصلها)) متعلق بمحذوف، أي سارت الرصاصة ومضى أربعون خريفًا قبل أن تبلغ الرصاصة إلى أصل السلسلة وهي المذكورة في قوله تعالى:{في سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا} والمراد بالعدد الكثرة.

وإذا روى: ((أو قعرها)) يراد به قعر جهنم لأن السلسلة لا قعر لها، والله أعلم.

الحديث السابع عشر عن أبي بردة رضي الله عنه:

قوله: ((هبهب)) نه: الهبهب السريع، وهبهب السراب إذا ترقوق.

الجوهري: هبهبته إذا دعوته لينزو، والهبهبي الراعي.

تو: سمى بذلك إما لسرعة وقوعه في المجرمين، أو لشدة أجيج النار فيه أو للمعانه عند الاضطرام والالتهاب.

ص: 3594

5691 -

وعن عبد الله بن الحارث بن جزء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ في النار حيَّات كأمثال البُخت تلسع إحداهن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفًا، وإن في النار عقارب كأمثال البغال المؤكفة، تلسع إحداهن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفًا)). رواه أحمد. [5691]

5692 -

وعن الحسن، قال: حدثنا أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة)). فقال الحسن، وما ذنبهما؟ فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! فسكت الحسن. رواه البيهقي في ((كتاب البعث والنشور)). [5692]

5693 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل النار إلا شقي)). قيل: يا رسول الله! ومن الشقي؟ قال: ((من لم يعمل لله بطاعةٍ، ولم يترك له معصيةً)). رواه ابن ماجه. [5693]

ــ

الفصل الثالث

الحديث الأول إلى الثالث: عن الحسن.

قوله: ((مكوران)) هو من طعنة فكوره إذا ألقاه، أي يلقى ويطرح كل منهما عن فلكهما.

قوله: ((أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تقابل النص الجلي بالقياس وتجعل موجب دخول النار العمل، فإن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه:

قوله: ((بطاعة)) الباء فيه زائدة، وكذا في قوله:((بمعصية)) وبناء المرة فيهما مع التنكير للتقليل، وزيادة الباء للتيأكيد يدل على ترجيح جانب الرحمة، وأن الله لا يضيع أجر من عمل له طاعة ما، أو ترك لأجله ولخوفه معصية ما، نحو قوله تعالى:{وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} .

ص: 3595