المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) باب تغير الناس - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١١

[الطيبي]

الفصل: ‌(7) باب تغير الناس

(7) باب تغير الناس

الفصل الأول

5360 -

عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)). متفق عليه.

5361 -

وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعن سنن من قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم)). قيل: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟)). متفق عليه.

ــ

باب تغير الناس

الفصل الأول

الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((كالإبل المائة)) اللام فيها للجنس ((تو)): الرواية فيه على النعت ((كإبل مائة)) بغير ألف ولام فيهما، والمعنى أنك لا تكاد تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب، فإنما [يصلح] للركوب ما كان وطيا سهل القياد، وكذلك لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة ويعاون صاحبه ويلين له جانبه.

أقول: على القول الأول تجد فيها ((راحلة)) صفة لـ ((الإبل)) والتشبيه مركب تمثيلي، والوجه منتزع من عدة أمور متوهمة. وعلى الثاني هو الوجه للتشبيه وبيان لما شبه الناس بالإبل والتشبيه مفرد.

((مظ)): معناه أن الناس في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف. ولا لرفيع منهم على وضيع، كالإبل المائة لا يكون فيها راحلة.

الحديث الثاني عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله ((سنن من قبلكم)) السنن جمع سنة وهي الطريقة حسنة كانت أو سيئة. والمراد بها ها هنا طريقة أهل الأهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم، من [تغيير] دينهم وتحريف كتابهم كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل. وقوله:((شبرا بشبر)) حال مثل ((يدا بيد)). قوله: ((اليهود والنصارى)) [أي: أتعني من نتبعهم] اليهود والنصارى؟ فأجاب: ((فمن؟)) أي إن لم أردهم فمن سواهم؟.

ص: 3390

5362 -

وعن مرداس الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يذهب الصالحون، الأول فالأول، وتبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بالة)). رواه البخاري.

الفصل الثاني

5363 -

عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مشت أمتي المطيطياء وخدمتهم أبناء الملوك أبناء فارس والروم، سلط الله شرارها على خيارها)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [5363]

5364 -

وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لاتقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم، وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم)). رواه الترمذي. [5364]

ــ

الحديث الثالث عن مرداس: قوله: ((الأول فالأول)) الفاء للتعقيب، ولا بد من تقدير، أي الأول منهم فالأول من الباقين منهم، هكذا حتى ينتهي إلى الحفالة، مثله الأفضل فالأفضل. و ((الأول)) بدل من ((الصالحون)). قوله:((حفالة)) ((قض)): الحفالة رذالة الشيء وكذا ((الحثالة))، والفاء والثاء يتعاقبان كثيرا. ((لا يباليهم الله)) أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا وأصل باله بالية مثل عافاه الله عافية فحذفوا الياء منها تخفيفا كما حذفوا [من ((لم أبل)) يقال ما باليته وما باليت به أي لم أكترث به انتهى كلامه، والتنكير في حفالة تنكير للتحقير].

الفصل الثاني

الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنه: قوله: ((المطيطياء)) ((فا)): هي ممدودة ومقصورة بمعنى التمطي، وهو التبختر ومد اليدين، وأصل [التمطي] تمطط تفعل من المط، وهو المد، وهي من المصغرات التي لم يستعمل بها مكبر، نحو كعيب وكميت وكالمريطاء وهي ما بين الصدر إلى العانة. ((قض)): وقياس [بمكبرها] ممدودة مطياء بوزن طرمساء، ومقصورة مطيا بوزن هرندي على أن أصلها مططا على فعلا، فأبدلت الطاء الثالثة ياء.

وهذا الحديث من دلائل نبوته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن الغيب، ووافق الواقع خبره؛ فإنهم لما فتحوا بلاد فارس والروم وأخذوا أموالهم وتجملاتهم وسبوا أولادهم فاستخدموهم، سلط الله قتلة عثمان رضي الله عنه عليه حتى قتلوه، ثم سلط بني أمية على بني هاشم ففعلوا ما فعلوا.

الحديث الثاني عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((وتجتلدوا)) أي تتضاربوا. ((نه)): في

ص: 3391

5365 -

وعنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع)). رواه الترمذي، والبيهقي في ((دلائل النبوة)). [5365]

5366 -

وعن محمد بن كعب القرظي، قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب، قال: إنا لجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المسجد، فاطلع علينا مصعب بن عمير، ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،:((كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة، وراح في حلة ووضعت بين يديه صحفة. ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟)) فقالوا: يا رسول الله! نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة، ونكفي المؤنة. قال:((لا))، أنتم اليوم خير منكم يومئذ)). رواه الترمذي. [5366]

5367 – وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمان، الصابر

ــ

الحديث: ((فنظر إلى مجتلد القوم فقال: الآن حمي الوطيس)) أي إلى موضع الجلاد وهو الضرب بالسيف في القتال، يقال: جلدته بالسيف والسوط ونحوه إذا ضربته به.

الحديث الثالث عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((لكع بن لكع)) ((تو)): اللكع العبد، وقد يكنى به عن الحمق، ويوصف به اللئيم، ويقولون للعبد: لكع؛ لما فيه من الذلة، وللجحش لكع، لما فيه من الخفة، وللصبي ما فيه من الضعف، ويقال أيضا للذليل الذي تكون نفسه نفس العبيد، وأريد به ها هنا الذي لا يعرف له أصل ولا يحمد له خلق.

أقول: وهو غير منصرف للعدل والصفة. ((فا)): هو معدول عن اللكع يقال: لكع لكعا فهو اللكع. وأصله أن يكون في النداء لفسق وعذر [وهو اللئيم].

الحديث الرابع عن محمد بن كعب: قوله: ((مصعب بن عمير)) هو من أغنياء قريش. هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وترك النعمة بمكة، وهو من كبار الصحابة من أصحاب الصفة الساكنين في مسجد قباء. وقوله ((لا، أنتم اليوم خير)) أي ليس الأمر كما تظنون بل أنتم اليوم خير؛ لأن الفقير الذي له كفاف خير من الغني؛ لأن الغني يشتغل بدنياه، ولم يكن له فراغ للعبادة من كثرة اشتغاله بتحصيل المال.

الحديث الخامس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((كالقابض على الجمر)) خبر ((الصابر)

ص: 3392

فيهم على دينه كالقابض على الجمر)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب إسنادا. [5367]

5368 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأموركم شورى بينكم؛ فظهر الأرض خير لكم من بطنها. وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم؛ فبطن الأرض خير لكم من ظهرها)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [5368].

5369 -

وعن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)). فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن)). قال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)). رواه أبو داود، والبيهقي في ((دلائل النبوة)). [5369]

ــ

والجملة صفة لـ ((زمان)) والراجع محذوف أي الصابر فيه، أي كما لا يقدر القابض على الجمر أن لا يصبر لاحتراق يده، كذلك المتدين يومئذ لا يقدر على ثباته على دينه لغلبة العصاة والمعاصي، وانتشار الفتن وضعف الإيمان.

الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله: ((وأموركم شورى)) هو مصدر بمعنى التشاور، أي ذو شورى، معناه يشاور بعضهم بعضا فيما عن لهم من الرأي، لا يستبد أحد منهم في رأيه؛ فإن المشاورة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستبداد من شيمة الشيطان.

الحديث السابع عن ثوبان رضي الله عنه: قوله: ((أن تداعى عليكم)). ((تو)): يريد أن فرق الكفر وأمم الضلالة يوشط أن تتداعى عليكم بعضطم بعضا، ليقاتلوكم ويكسروا شروكتكم ويغلبوا على ما ملكتموه من الديار والأموال، كما أن الفئة الأكلة تتداعى بعضهم بعضا إلى قصعتهم التي يتناولونها من غير ما بأس ولا مانع، فيأكلونها عفوا صفوا. فيستفرغوا ما في صحفتكم من غير ما تعب ينالهم أو ضرر يلحقهم أو بأس يمنعهم.

ص: 3393

الفصل الثالث

5370 -

عن ابن عباس، قال:((ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قوم إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال إلا قطع عنهم الرزق، ولا حكم قوم بغيرحق إلا فشا فيهم الدم، ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط عليهم العدو)). رواه مالك. [5370]

ــ

والرواية في ((الآكلة)) بالمد على نعت ((الفئة)) أو الجماعة أو نحو ذلك، كذا روي لنا عن أبي داود، وهذا الحديث من أفراده. والغثاء بالضم والمد وبالتشديد أيضا، ما يحمله السيل من القماش شبههم بذلك لقلة عنائهم ودناءة قدرهم وخفة أحلامهم. وقول القائل:((وما الوهن؟)) سؤال عن نوع الوهن، أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك الوهن؟ فقال:((حب الدنيا)) يريد أن حب البقاء في الدنيا وكراهية الموت يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين واحتمال الذل عن العدو، نسأل الله العافية فقد ابتلينا به وكأنه نحن المعنيون بذلك. قوله:((ومن قلة)) خبر مبتدأ محذوف. و ((نحن يومئذ)) مبتدأ وخبر صفة لها، أي ذلك التداعي لأجل قلة نحن عليها يومئذ ..

الفصل الثالث

الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب)) رتب إلقاء الرعب على الوصف المناسبن وهو الغلول على الكناية التلويحية؛ فإن إلقاء الرعب مشعر بظفر العدو عليهم، وهو مشعر بأن تكون أموالهم غنيمة للعدو، فيلزم منه أن يكون كاله فيئا للأعداء. ورتب كثرة الموت على فشو الزنا وكثرتها؛ وذلك أن النكاح إنما شرع لغرض التوالد والتناسل، والزنا يفضي إلى قطعهما، فلما سعى الزاني في إبطال ذلك الغرض الصحيح بفعله، جوزي بإبطال ذاته بضمها الغرض الصحيح. فالموت على هذا عبارة عن قطع التوالد والتناسل.

وقريب منه ما قال صاحب الكشاف في قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وهو هذا. فإن قلت كيف يقل عيال من تسري وفي السراري نحو ما في المهائر؟ قلت ليس كذلك؛ لأن الغرض بالتزوج التوالد والتناسل بخلاف التسري؛ ولذلك جاز العزل عن السراري بغير إذنهن، فكان التسري مظنة لقلة الولد بالإضافة إلى التزوج، كتزوج الواحدة بالإضافة على تزوج الأربع.

ص: 3394