الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب خلق الجنة والنار
الفصل الأول
5694 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فما لي لايدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم. قال الله تعالى للجنة: إنما أنت رحمتي ارحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتليء حتى يضع الله رجله. تقول: قط قط قط. فهنالك تمتليء ويزوى بعضها إلى بعض، فلا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنة فإن الله ينشيء لها خلقًا)) متفق عليه.
ــ
باب خلق الجنة والنار
الفصل الأول
الحديث الأول والثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه:
قوله: ((تحاجت الجنة والنار)) نه: يقال: حاججته حجاجًا ومحاجة فأنا محاج أي غالبته فالحجة عليه، ومنه الحديث:((فحج آدم موسى)) أي غلبة بالحجة - انتهى كلامه -.
والحديث لا يحمل على هذا لأن كل واحدة منهما ليست بغالبة على الأخرى فيما تكلمت به بل لمجرد حكاية ما اختصت به، وفيها شائبة من معنى الشكاية، ألا ترى كيف قال الله تعالى للجنة:((إنما أنت رحمتي)) وللنار: ((إنما أنت عذابي)) فأفحم كلا منهما بما تقتضيه مشيئته.
وهذه المحاجة جارية على التحقيق فإنه تعالى قادر على أن يجعل كل واحدة منهما مميزة مخاطبة، أو على التمثيل.
و ((سقطهم)) أي أرداءهم.
((وغرتهم)) بغين معجمة مكسورة، أي من ليس لهم حذق في أمور الدنيا.
((حس)): سمى الجنة رحمة لأن بها تظهر رحمة الله تعالى كما قال: ((أرحم بك من أشاء)) وإلا فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفًا، ليس لله تعالى صفة حادثة ولا اسم حادث فهو قديم بجميع أسمائه وصفاته جل جلاله وتقدست أسماؤه، والقدم والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله تعالى المنزهة عن التكييف والتشبيه، وكذلك كل
5695 -
وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقولُ: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط، بعزتك وكرمك، ولايزال في الجنة فضلٌ حتى ينشيء الله لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنة)). متفق عليه. وذكر حديث أنس: ((حفت الجنة بالمكاره)) في ((كتاب الرقاق)).
الفصل الثاني
5696 -
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لما خلق الله الجنة قال
ــ
ما جاء من هذا القبيل في الكتاب والسنة كاليد والأصبع والعين والمجيء والإتيان والنزول، فالايمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ، والمنكر معطل، والمكيف مشبه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} .
قوله: ((قط قط)) أي حسبي.
((مح)): فيه ثلاث لغات، بإسكان الطاء فيهما، وبكسرها منونة وغير منونة.
((ويزوي بعضها إلى بعض)) أي يضم بعضها إلى بعض ويجمع.
وقوله: ((وأما الجنة)) أما التفصيلية تقتضي متعددًا وقرينتها قوله: ((فلا يظلم الله من خلقه)). يعني أما النار فيضع الله رجله فتمتليء، ولا ينشيء لها خلقًا فلا يظلم الله من خلقه أحدًا لم يعمل سوءا، وأما الجنة فينشيء لها خلقًا لم يعمل خيرًا، حتى تمتليء، فإن الله متفضل على عباده بغير عمل منهم فالله أعلم بحقائق الأمور. ((مح)): وأما الجنة فإن الله ينشيء لها خلقا.
هذا دليل لأهل السنة على أن الثواب ليس متوقفًا على الأعمال، فإن هؤلاء يخلقون حينئذ ويعطون الجنة بغير عمل - انتهى كلامه.
وللمعتزلة أن يقولوا: إن نفي الظلم عمن لم يذنب دليل على أنه إن عذبهم كان ظلمًا وهو عين مذهبنا.
والجواب: إنا وإن قلنا: إنه تعالى وإن عذبهم لم يكن ظالما فإنه لم يتصرف في ملك غيره، لكنه تعالى لا يفعل ذلك لكرمه ولطفه مبالغة في نفي الظلم وإثبات للكرم.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه:
لجبريل: اذهب فانظر إليها، نذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لايسمع بها أحدٌ إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحدٌ)). قال: ((فلما خلق الله النار قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، قال: ((فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فقال: أي رب! وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها)). رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي. [5696]
الفصل الثالث
5697 -
عن أنسٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى لنا يومًا الصلاة، ثم رقى المنبر، فأشار بيده قبل قبلة المسجد، فقال:((قد أريتُ الآن مذ صليتُ لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين في قبل هذا الجدار، فلم أر كاليوم في الخير والشر)). رواه البخاري.
ــ
قوله: ((لا يسمع بها أحد إلا دخلها)) أي طمع في دخولها، ولا يهتم إلا بشأنها لحسنها وبهجتها.
وقوله: ((لقد خشيت أن لا يدخلها أحد)) أي لوجود المكاره من التكاليف الشاقة ومخالفة هوى النفس وكسر الشهوات، وقوله:((لا يسمع بها أحد فيدخلها)) أي لا يسمع بها أحد إلا فزع منها واحترز فلا يدخلها.
الفصل الثالث
الحديث الأول: عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((كاليوم)) الكاف في موضع الحال، وذو الحال المفعول به وهو الجنة والنار لشهادة السابق، والمعنى لم أر الجنة والنار في الخير والشر يومًا من الأيام مثل ما رأيت اليوم، أي رأيتهما رؤية جلية ظاهرة مثلتا في قبل هذا الجدار ظاهرًا خيرها وشرها، ونحوه قول الشاعر:
حتى إذا الكلاب قال لها كاليوم مطلوبًا ولا طالبًا