الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
5408 -
عن أبي واقد الليثي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين مر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم، يقال لهم: ذات أنواط. فقالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: {اجْعَل لَّنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم)) رواه الترمذي. [5408]
5409 -
وعن ابن المسيب، قال: وقعت الفتنة الأولى - يعني مقتل عثمان - فلم يبق من أصحاب بدر أحد، ثم وقعت الفتنة الثانية - يعني الحرة - فلم يبق من أصحاب الحديبية أحد، ثم وقعت الفتنة الثالثة فلم ترتفع وبالناس طباخ. رواه البخاري.
(1) باب الملاحم
الفصل الأول
5410 -
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا تقوم الساعة حتى تقتتل
ــ
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي واقد: قوله: ((ذات أنواط)). ((نه)): هي جمع نوط وهو مصدر سمي به المنوط وهي هنا اسم شجرة بعينها كانت للمشركين ينوطون بها سلاحهم أي يعلقونه بها ويعكفون حولها فسألوه أن يجعل لهم مثلها، فنهاهم عن ذلك.
الحديث الثاني عن ابن المسيب: قوله: ((يعني الحرة)) ((نه)): الحرة هذه أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة. كانت الوقعة المشهورة في الإسلام أيام يزيد بن معاوية لما انتهب المدينة عسكره من أهل الشام الذين ندبهم لقتال أهل المدينة من الصحابة والتابعين، وأمر عليه مسلم بن عقبة المري في ذي الحجة سنة ثلاث وستين بها. وأصل الطباخ القوة والسمن ثم استعمل في غيره. فقيل: فلان لا طباخ له، أي لا عقل له ولا خير عنده، أراد أنها لم تبق في الناس من الصحابة أحداً.
باب الملاحم
((نه)): هي جمع الملحمة وهي الحرب وموضع القتال، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها، كاشتباك لحمة الثوب بالسدا. وقيل: هو من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها.
فئتان عظيمتان، تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون، قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، ويظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين {لا يَنفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا} ، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها)) متفق عليه.
ــ
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((دعواهما واحدة)) أي كل واحدة من الفئتين تدعى الإسلام. قوله: ((دجالون)). ((حس)): كل كذاب دجال. يقال: دجل فلان الحق بباطله، أي غطاه. ومنه: أخذ الدجال، ودجله سحره وكذبه. وقيل: سمى الدجال دجالا لتمويهه على الناس وتلبيسه. يقال: دجل إذا موه ولبس. قوله: ((يتقارب الزمان)) ((خط)): أراد به زمان المهدي لوقوع الأمن في الأرض فيستلذ العيش عند ذلك لانبساط عدله فيستقصر مدته؛ لأنهم يستقصرون مدة أيام الرخاء وإن طالت، ويستطيلون مدة أيام الشدة وإن قصرت.
قوله: ((حتى يهم)) في جامع الأصول مقيد بضم الياء. و ((رب المال)) مفعوله والموصول مع صلته فاعله. وقوله: ((حتى يعرضه)) معطوف على مقدر المعنى: حتى يهم طلب من يقبل الصدقة صاحب المال في طلبه، حتى يجده وحتى يعرضه عليه. قوله:{لا يَنفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا} . معناه: لا ينفع نفسا إيمانها حينئذ أو كسبها في إيمانها خيراً لم تكن آمنت من قبل حينئذ أو كسبت في إيمانها خيراً من قبل، فهو من اللف التقديري.
قوله: ((لقحته)) ((قض)): اللقحة: اللبون من النوق و ((ليط الحوض)) تطيينه. وأصله اللزق. والمعنى أن الساعة تأخذ الناس بغتة، تأتيهم وهم في أشغالهم فلا تمهلهم أن يتموها.
5411 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً، نعالهم الشعر وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة)) متفق عليه.
5412 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر)) رواه البخاري.
5413 -
وفي رواية له عن عمرو بن تغلب ((عراض الوجوه)).
5414 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه شجر اليهود)) رواه مسلم.
5415 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه)) متفق عليه.
ــ
الحديث الثاني والثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ذلف الأنوف)). ((قض)): ذلف جمع أذلف. وهو الذي يكون أنفه صغيرا ويكون في طرفه غلظ. و ((المجان)) – بفتح الميم – جمع مجن وهو الترس. والمطرق الذي أطرق أي جعل على ظهره طراق. وهو جلد يقطع على مقدار الترس فيلصق على ظهره، شبه وجوههم بالترس لبسطها وتدويرها، وبالمطرق لغلظها وكثرة لحمها. وقد ورد ذلك في الحديث الذي بعده صفة لخوز وكرمان. ولو لم يكن ذلك من بعض الرواة، فلعل المراد بها صنفان من الترك. كان أحد أصول أحدهما من خوز وأحد أصول الآخر من كرمان. فسماهم الرسول صلى الله عليه وسلم باسمه وإن لم يشتهر ذلك عندنا، كما نسبهم إلى قنطوراء وهي امة كانت لإبراهيم عليه السلام. وفيه فطس الأنوف بدل قوله:((ذلف الأنوف)) وهو جمع أفطس من الفطس وهو تطامن قصبة الأنف وانتشارها. ولعل المراد بالموعود في الحديث ما وقع في هذا العصر بين المسلمين والترك.
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إلا الغرقد)) ((نه)) هو ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك. والغرقدة واحدته. ومنه قيل لمقبرة أهل المدينة: بقيع الغرقد: لأنه كان فيه غرقد وقطع.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((قحطان)) هو أبو اليمن وسوق الناس بعصاه عبارة عن تسخير الناس واسترعائهم كسوق الراعي الغنم بعصاه.
5416 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له: الجهجاه)) وفي رواية: ((حتى يملك رجل من الموالي يقال له: الجهجاه)) رواه مسلم.
5417 -
وعن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض)) رواه مسلم.
5418 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هلك كسرى فلا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده، ولتقسمن كنوزهما في سبيل الله)) وسمى ((الحرب خدعة)) متفق عليه.
ــ
الحديث السادس والسابع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((الهجهجاه)). ((مح)): هو بفتح الجيم وإسكان الهاء. وفي بعض النسخ: ((الهجهجها)) بهائين. وفي بعضها: ((الهجهجا)) بحذف الها التي بعد الألف. والأول هو المشهور. قوله: ((لتفتحن)). ((تو)): وجدناه في أكثر نسخ المصابيح بتائين بعد الفاء. ونحن نرويه عن كتاب مسلم بتاء واحدة وهو أمثل معنى؛ لأن الافتتاح أكثر ما يستعمل بمعنى الاستفتاح. فلا يقع موقع الفتح في تحقيق الأمر ووقوعه. والحديث إنما ورد في معنى الإخبار عن الكوائن.
((قض)): ((الأبيض)) قصر حصين كان بالمدائن. وكانت الفرس تسميه سفيد كوشك. والآن بني مكانه مسجد مدائن. وقد أخرج كنزه في أيام عمر رضي الله عنه. وقيل: الحصن الذي بهمدان بناه [دار بن دارا].
الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ليهلكن)) هلاك كسرى وقيصر كانا متوقعين. فأخبر عن هلاك كسرى بالماضي دلالة على أنه كالواقع بناء على إخبار الصادق. وأتى في الإخبار عن قيصر بلام القسم في المضارع. وبنى الكلام على المبتدأ والخبر. إشعارا بالاعتناء بشأنه وأنه [أطلب] منه. وذلك أن الروم كانوا سكان الشام، وكان صلى الله عليه وسلم في فتحه أشد رغبة؛ ومن ثمة غزا صلى الله عليه وسلم تبوك، وهي من الشام.
فإن قلت: ما وجه المناسبة بين قوله: ((وسمى الحرب خدعة)) وبين الكلام السابق؟ قلت: هو وارد على سبيل الاستطراد؛ لأن أصل الكلام كان في ذكر الفتح، وكان حديثا مشتملا على الحرب. فأورده في الذكر كما ورد في قوله تعالى:{ومِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًا} بعد قوله: {ومَا يَسْتَوِي البَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} والمراد منهما المؤمن والكافر.
5419 -
وعن نافع بن عتبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله)) رواه مسلم.
5420 -
وعن عوف بن مالك، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: ((اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بين المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً)) رواه البخاري.
5421 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض
ــ
الحديث التاسع والعاشر عن عوف: قوله: ((ثم موتان)). ((تو)) أراد بالموتان الوباء وهو في الأصل موت يقع في الماشية، والميم منه مضمومة. واستعماله في الإنسان تنبيه على وقوعه فيهم وقوعه في الماشية؛ فإنها تسلب سلبا سريعا. وكان ذلك في طاعون عمواس زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهو أول طاعون وقع في الإسلام، مات منه سبعون ألفا في ثلاثة أيام. و ((عمواس)) قرية من قرى بيت المقدس وقد كان بها معسكر المسلمين. والقعاص: داء يأخذ الغنم فلا يلبثها أن تموت.
قوله: ((ثم استفاضة المال)). ((حس)): هي كثرته، وأصله التفرق والانتشار. يقال: استفاض الحديث إذا انتشر. ((نه)): هو من فاض الماء والدمع وغيرهما يفيض فيضا إذا كثر. انتهى كلامه. قوله: ((فيظل ساخطاً)) أي إنه يسخط استقلالاً للمبلغ المذكور وتحقيراً منه. والغاية والراية سواء ومن رواه بالباء الموحدة، أراد بها الأجمة. فشبه كثرة رماح العسكر بها وبنوه الأصفر الروم.
الحديث الحادي عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بالأعماق)). ((تو)): العمق ما بعد من أطراف المفاوز. وليس ((الأعماق)) ها هنا بجمغ. وإنما هو اسم موضع بعينه من أطراف المدينة. و ((دابق)) – بفتح الباء – دار نخلة موضع سوق بالمدينة. وقوله: ((سبوا منا)) على بناء الفعل يريدون بذلك محاملة المؤمنين بعضهم عن بعض. ويبغون به تفريق كلمتهم. والمرادون بذلك هم الذين غزوا بلادهم فسبوا ذريتهم. والأظهر أن هذا القول منهم يكون بعد الملحمة
يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً فيفتتحون قسطنطينية، فبيناهم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبيناهم يعدون للقتال يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته)) رواه مسلم.
5422 -
وعن عبد الله بن مسعود، قال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة. ثم قال: عدو يجمعون لأهل الشام ويجمع لهم أهل
ــ
الكبرى التي تدور رحاها بين الفئتين بعد المصالحة والمناجزة لقتال عدو يتوجه إلى المسلمين. وبعد [غدرة] الروم بهم. وذلك قبل فتح قسطنطينة، فيطأ الروم ارض العرب حتى ينزل بالأعماق أو بدابق، فيسأل المسلمين أن يخلوا بينهم وبين من سبى من ذريتهم فيردون الجواب عليهم على ما ذكر في الحديث.
((مح)): قسطنطينة: هي بضم القاف وإسكان السين وضم الطاء الأولى وكسر الثانية وبعدها ياء ساكنة ثم نون، هكذا ضبطناه ها هنا وهو المشهور. ونقل القاضي في المشارق عن المتقنين زيادة ياء مشددة بعد النون، وهي مدينة مشهورة أعظم مدائن الروم.
قال الترمذي: والقسطنطينة قد فتحت في زمان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتفتح عند خروج الدجال. قوله: ((لكن يقتله الله بيده)) أي بيد عيسى عليه السلام. هذا الإسناد عند الموحدين حقيقي. وعند غيرهم مجازي. وفيه تصريح بأن فعل العبد مخلوق لله تعالى، وكسب للعبد على ما هو مذهب أهل الحق. وفي معنى الاستدراك سر. وذلك أنه لو تركه حتى انذاب وهلك لكان محض فعل الله وتقديره. ولم يكن لفعل العبد مدخل فيه. فأراد أن يظهر الحكمة في عالم الأسباب. فاستدركه بقوله:((ولكن يقتله الله)). والله أعلم.
الحديث الثاني عشر عن عبد الله: قوله: ((عدو)) مبتدأ أي عدو كثير يجمعون لمقاتلة أهل الشام. قوله: ((شرطة)). ((فا)): يقال: أشرط نفسه لكذا أي أعلمها له وأعدها. فحذف المفعول.
الإسلام، يعني الروم، فيتشرط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون، حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفني الشرطة، ثم يتشرط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون، حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفني الشرطة، ثم يتشرط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب وتفنى الشرطة فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الدبرة عليهم، فيقتلون مقتلة لم ير مثلها، حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فلا يخلفهم حتى يخر ميتاً، فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقسم؟ فبيناهم كذلك إذا سمعوا ببأس هو اكبر من
ــ
والشرطة نخبة الجيش التي تشهد الوقعة أولا، سموا بذلك: لأنهم يشرطون أنفسهم للهلكة. ((مح)): ((الشرطة)) – بضم الشين – طائفة من الجيش يتقدمون للقتال. وقوله: ((يشترط)) ضبطوه بوجهين: أحدهما: بياء مثناة تحت ثم شين ساكنة مثناة فوق. والثاني بياء مثناة تحت ثم تاء مثناة فوق، ثم شين مفتوحة وتشديد الراء.
((تو)): يشكل معنى هذا من بقية الحديث، ((فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة)) فلو كانت الشرطة ها هنا على ما وصفوه في معنى قوله:((وتفنى الشرطة)) وقد ذكر أن كل واحد من الفئتين يرجع غير غالب. والوجه في تصحيح هذه الرواية من طريق المعنى أن يقال: أراد بـ ((من بقى)) غير غالب معظم الجيش وصاحب رايتهم، لا النفر الذين تقدموا وهم الشرطة.
وقوله: ((يتشرط)) فإنه في الحديث كذلك، استعمل ((يشترط)) مكان ((اشترط)) يقال: اشترط فلان بنفسه لأمر كذا، أي قدمها وأعدها وأعلمها. ولو وجدت الرواية بفتح الشين من الشرطة لكان معناه أوضح وأقوم مع قوله:((وتفني الشرطة)) أي يشترطون فيما بينهم شرطا أن لا يرجعوا إلا غالبة، يعني يومهم ذلك فإذا حجز بينهم الليل ارتفع الشرط الذي شرطوه. وإنما أدخل فيه التاء؛ ليدل على التوحيد أي يشترطون شرطة واحدة لا مثنوية فيها ولم يعرف ذلك من طريق الرواية.
أقول: إذا وجدت الرواية الصريحة الصحيحة وجب الذهاب إليها، والانحراف عن التحريف من ضم الشين إلى فتحها والتزام التكلف في تأويل التاء، والعدول عن الحقيقة في نفس الشرطة إلى ذلك المجاز البعيد. وأي مانع من أن يفرض أن الفئة العظيمة من المسلمين أفرزوا من بينهم طائفة تقدم الجيش للمقاتلة. واشترطوا عليها أن لا ترجع إلا غالبة؛ فلذلك بذلوا جهدهم وصدقوا فيما عاهدوا، وقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم. وهو المراد من قوله:((وتفني الشرطة)).
ذلك، فجاءهم الصريخ: أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم، ويقبلون فيبعثون عشر فوارس طليعة)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس، أو من خير فوارس، على ظهر الأرض يومئذ)) رواه مسلم.
5423 -
وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((هل سمعتم بمدينة، جانب منها في البر، وجانب منها في البحر؟)) قالوا: نعم يا رسول الله قال: ((لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاءوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها. قال ثور بن زيد الراوي: لا أعلمه إلا قال -: ((الذي في البحر، ثم يقولون الثانية: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولون الثالثة: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيفرج لهم فيدخلونهم فيغنمون، فبيناهم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون)) رواه مسلم.
ــ
قال: الجوهري: قد شرط عليه كذا واشترط عليه يشترط. وقوله: ((فيفيء هؤلاء وهؤلاء)) المراد منهما الفئتان العظيمتان لا الشرطة. وقوله: ((فبأي غنيمة يفرح)) هو جزاء شرط محذوف أبهم أولا في قوله: ((إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة)) حيث أطلقه ثم بين بقوله: ((عدو)) إلخ. بأن ذلك مقيد بهذه الصفة. فحينئذ يصح أن يقال: فإذا كان كذلك فبأي غنيمة يفرح:؟ إلخ. قوله: ((نهد إليهم)) ((مح)): أي نهض وتقدم. ((والدبرة)) بفتح الدال والباء: الهزيمة. وقوله: ((فلا يخلفهم)) هو بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام المشددة أي يجاوزهم. قوله: ((حتى يخرميتا)) ((مظ)): يعني طار الطير على أولئك الموتى فما وصل إلى آخرهم حتى يخر ويسقط ميتا من نتنهم، أو من طول مسافة مسقط الموتى.
أقول المعنى الثاني ينظر إلى قول البحتري في وصف بركة:
لا يبلغ السمك المحصور غايتها لبعد ما بين قاصيها ودانيها
((فيتعاد بنو الأب)) يعني تعد جماعة حضروا تلك الحرب كلهم أقارب فلم يبق من مائة إلا واحد قد خلفهم أي قعد مكانهم في أولادهم. و ((الصريخ)) المستغيث فعيل من الصراخ. و ((الطليعة)) هو الذي يبعث ليطلع على أحوال العدو.
الحديث الثالث عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((من بني إسحاق)). ((مظ): أي من أكراد الشام وهم من بني إسحاق النبي عليه السلام وهم مسلمون. قوله: ((قال ثور بن يزيد))، هذا إشارة إلى أن ما وقع في نسخ المصابيح من قوله:((الذي في البحر)) مدرج من قول الراوي.
الفصل الثاني
5424 -
عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح قسطنطينية خروج الدجال)) رواه أبو داود. [5424]
5425 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر)) رواه الترمذي، وأبو داود. [5425]
5426 -
وعن عبد الله بن بسر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين، ويخرج الدجال في السابعة)) رواه أبو داود، وقال: هذا أصح. [5426]
5427 -
وعن ابن عمر، قال: يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة،
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول عن معاذ رضي الله عنه: قوله: ((عمران بيت المقدس)). ((شف)): لما كان عمران بيت المقدس باستيلاء الكفار عليه وكثرة عمارتهم فيها أمارة مستعقبة لخراب يثرب. وهو أمارة مستعقبة لخروج الملحمة وهو أمارة لفتح قسطنطينية، وهو أمارة مستعقبة لخروج الدجال جعل النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد منها عين ما بعده وعبر به عنه. انتهى كلامه.
فإن قلت: قال ها هنا: ((فتح قسطنيطينية خروج الدجال)). وفي الحديث السابق: ((إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون، وذلك باطل)) فكيف الجمع بينهما؟ قلت: إنه صلى الله عليه وسلم جعل الفتح علامة لخروج الدجال لا أنها مستعقبة له من غير تراخ. وصراخ الشيطان كان للإيذان بأنه واقع ليشغلوا عن القسم وكان باطلا. يدل عليه الحديث الآتي: ((الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر)) والتعريف في الصارخ في هذا الحديث للعهد، والمعهود الشيطان.
الحديث الثاني إلى الرابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((أن يحاصروا إلى المدينة))
حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح وسلاح قريب من خيبر. رواه أبو داود. [5427]
5428 -
وعن ذي مخبر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ستصالحون الروم صلحاً آمناً، فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم، فتنصرون وتغنمون وتسلمون، ثم ترجعون، حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب، فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة)). وزاد بعضهم: ((فيثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة)). رواه أبو داود. [5428]
5429 -
وعن عبد الله بن عمرو. عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة)). رواه أبو داود. [5429]
ــ
أي يضطروا لمحاصرة العدو إياهم. المسالح جمع المسلح والمسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو وسموا مسلحة: لأنهم يكونون ذوي سلاح أو لأنهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر. والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له. و ((سلاح)) موضع قريب من خيبر.
الحديث الخامس عن ذي مخبر: قوله: ((آمناً)) صفة ((صلحا)) أي ذا أمن أو جعل الصلح أمنا على الإسناد المجازي.
الحديث السادس والسابع عن عبد الله: قوله: ((ذو السويقتين)) ((مح)): هما تصغير ساقي الإنسان لدقتها. وهي صفة سوق السودان غالبا. ولا يعارض هذا قوله تعالى: {حَرَمًا آمِنًا} لأن معناه آمناً إلى قرب القيامة وخراب الدنيا. وقيل يخص منه قضية ذي السويقتين: قال: القاضي عياض: القول الأول أظهر. ((تو)): ((ودعوكم)) تركوكم، وقلما يستعملون الماضي منه إلا ما روى في بعض الأشعار، كقول القائل:
غاله في الحب حتى ودعه
5430 -
وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم)). رواه أبو داود، والنسائي. [5430]
5431 -
وعن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث:((يقاتلكم قوم صغار الأعين)) يعني الترك. قال: ((تسوقونهم ثلاث مرات حتى تحلقوهم بجزيرة العرب، فأما في
ــ
ويحتمل أن يكون الحديث: ((ما وادعوكم)) أي سالموكم فسقط الألف من قلم بعض الرواة.
أقول: لا افتقار إلى هذا الطعن مع وروده في التنزيل. الكشاف: في قوله تعالى: {مَا ودَّعَكَ رَبُّكَ} وقرئ بالتخفيف يعني ما تركك. قال:
ثم ودعنا آل عمرو وعامر فرائس أطراف المثقفة السمر
ولأن لفظ الازدواج ورد العجز على الصدر يجوز؛ لذلك جاء في كلامهم: إني لآتيه بالغدايا والعشايا. وقوله: ((ارجعن مأزورات غير مأجورات)). ((مظ)): كلام النبي صلى الله عليه وسلم متبوع لا تابع بل فصحاء العرب عن آخرهم بالإضافة إليه بأقل. وأيضا فلغات العرب مختلفة، منهم من انقرض لغته. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بها. قال شمر: زعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدره وماضيه. والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح.
((خط)): اعلم أن الجمع بين قوله تعالى: {قَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً} وبين هذا الحديث – أن الآية مطلقة والحديث مقيد. فيحمل المطلق على المقيد ويجعل الحديث مخصصا لعموم الآية كما خص ذلك في حق المجوس فإنهم كفرة. ومع ذلك أخذ منهم الجزية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)).
أقول: ويحتمل أن تكون الآية ناسخة للحديث لضعف الإسلام ثم قوته. وأما تخصيص الحبشة والترك بالترك والودع فلأن بلاد الحبشة وغيرها بين المسلمين وبينهم مهامة وقفار فلم يكلف المسلمين دخول ديارهم لكثرة التعب وعظم المشقة. وأما الترك فبأسهم شديد، وبلادهم باردة. والعرب وهم جند الإسلام كانوا من البلاد الحارة فلم يكلفهم دخول البلاد، فلهذين السرين خصصهم. وأما إذا دخلوا بلاد المسلمين قهرا – والعياذ بالله – فلا يجوز لأحد ترك القتال؛ لأن الجهاد في هذه الحالة فرض عين. وفي الحالة الأولى فرض كفاية.
الحديث الثامن عن بريدة رضي الله عنه: قوله: ((بجزيرة العرب)) قيل: هي اسم لبلاد العرب
السياقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما في الثانية فينجو بعض ويهلك بعض، وأما في الثالثة فيصطلمون)) أو كما قال. رواه أبو داود. [5431]
5432 -
وعن أبي بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ينزل أناس من أمتي بغائط، يسمونه البصرة، عند نهر يقال له: دجلة، يكون عليه جسر، يكثر أهلها، ويكون من أمصار المسلمين، وإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عرض الوجوه، صغار الأعين، حتى ينزلوا على شط النهر، فيتفرق أهلها ثلاث فرق، فرقة يأخذون في أذناب البقر والبرية وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم وهلكوا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء)). رواه أبو داود. [5432]
ــ
سميت بذلك لإحاطة البحار والأنهار بها: بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات. قال مالك: جزيرة العرب: الحجاز واليمامة ومالم يبلغه ملك فارس والروم. وقوله: ((فيصطلمون)) أي يحصدون بالسيف والاصطلام افتعال من الصلم وهو القطع المستأصل.
الحديث التاسع عن أبي بكرة رضي الله عنه: قوله: ((بغائط)). ((فا)): الغائط: الوادي المطمئن. وغاط في الأرض يغوط ويغيط إذا غار. قوله: ((عند نهر يقال له: دجلة)) ((شف)): أراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المدينة مدينة بغداد؛ فإن دجلة هي الشط، وجسرها في وسطها لا في وسط البصرة. وإنما عرفها النبي صلى الله عليه وسلم ببصرة؛ لأن بغداد موضعا خارجا منه قريب من بابه يدعى بباب البصرة. فسمى النبي صلى الله عليه وسلم بغداد باسم بعضها، أو على حذف المضاف، كقوله تعالى:{واسْأَلِ القَرْيَةَ} . وبغداد ما كانت مبنية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الهيئة ولا كان مصرا في الأمصار؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ويكون من أمصار المسلمين)) بلفظ المستقبل، بل كان في عهده صلى الله عليه وسلم قرى متفرقة سورت بعد ما خرجت مدائن كسرى منسوبة إلى البصرة محسوبة من أعمالها. وأن أحدا لم يسمع إلى زماننا بدخول الترك بصرة قط على سبيل القتال والحرب. ومعنى الحديث أن بعضا من أمتي سينزلون عند دجلة فيتوطنون ثمة، ويصير ذلك الموضع مصرا من أمصار المسلمين، وهو بغداد. فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء فتقاتل أهل بغداد. وقال بلفظ ((جاء)) دون يجيء إيذانا بوقوعه فكأنه قد وقع.
وقوله: ((فرقة يأخذون في أذناب البقر)) أي فرقة يعرضون عن المقاتلة هرباً منها وطلبا للخلاص فيهيمون في البوادي ويهلكون فيها أي يعرضون عن المقاتلة، ويشتغلون بالزراعة
5433 -
وعن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((يا أنس! إن الناس يمصرون أمصاراً، فإن مصراً منها يقال له: البصرة؛ فإن أنت مررت بها أو دخلتها. فإياك وسباخها وكلأها ونخيلها وسوقها وباب أمرائها، وعليك بضواحيها، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف وقوم يبيتون ويصبحون قردة وخنازير)). رواه [أبو داود]. [5433]
5434 -
وعن صالح بن درهم، يقول: انطلقنا حاجين، فإذا رجل فقال لنا:
ــ
ويتبعون البقر للحراثة. ((وفرقة يأخذون لأنفسهم)) أي يطلبون الأمان من بني قنطوراء، وهلكوا بأيديهم.
ولعل المراد بهذه الفرقة ((المستعصم بالله)) ومن معه من المسلمين طلبوا الأمان لأنفسهم ولأهل بغداد، وهلكوا بأيديهم عن آخرهم. وفرقة ثالثة هم الغازية المجاهدة في سبيل الله قاتلوا الترك قبل ظهورهم على أهل الإسلام فاستشهد معظمهم، ونجت منهم شرذمة قليلون.
قوله: ((وإذا كان في آخر الزمان)) اسم ((كان)) مضمر يدل عليه الكلام السابق، نحو قولهم: إذا كان غدا فأتني. قيل فيه: إذا تقدم أمر أو حال فهو المقدر. انتهى كلامه. قال: ((يأخذون في أذناب البقر)) على معنى يوقعون الأخذ في الأذناب كقولهم: تخرج في عراقيبها تصلى، كأنهم يبالغون في الاشتغال بالزرع ولا يعبأون بأمر آخر. ويتوغلون في السير خلفها إلى البلاد الشاسعة، فيهلكون.
الحديث العاشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((يمصرون أمصاراً)) أي يتخذون بلاداً. والتمصير اتخاذ المصر. والسباخ جمع سبخة، وهي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. والضواحي جمع ضاحية. وهي الناحية البارزة. قوله:((بها خسف)) ((شف)): يريد به الخسف في الأرض. و ((قذف)) يريد به الريح الشديدة البارزة. أو قذف الأرض الموتى بعد الدفن، أو رمى أهلها بالحجارة بأن تمطر عليهم. والرجف الزلزلة، وقوله:((ويصبحون قردة وخنازير)) المراد به المسخ، عبر عنه بما هو أشنع.
الحديث الحادي عشر عن صالح: قوله: ((فإذا رجل)) خبره محذوف. وقوله: ((فقال)) معطوف عليه أي فإذا رجل واقف. فقال. والمراد بالرجل أبو هريرة. ((نه)): الأبلة – بضم الهمزة والباء وتشديد اللام – البلد المعروف قرب النصرة من جانبها البحري.
إلى جنبكم قرية يقال لها: الأبلة؟ قلنا: نعم. قال: من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً، ويقول؛ هذه لأبي هريرة؟ سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول:((إن الله عز وجل يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم)). رواه أبو داود وقال: هذا المسجد مما يلي النهر.
وسنذكر حديث أبي الدرداء: ((إن فسطاط المسلمين)) في باب: ((ذكر اليمن والشام))، إن شاء الله تعالى. [5434]
ــ
قوله: ((هذه لأبي هريرة)) أي يقول: هذه الصلاة لأبي هريرة. قيل: فإن قيل: الصلاة عبادة بدنية لا تقبل النيابة، فيما معنى قول أبي هريرة؟ قلنا: يحتمل أن يكون هذا مذهب أبي هريرة. قاس الصلاة على الحج وإن كان في الحج شائبة مالية. ويحتمل أن يكون معناه: ثواب هذه الصلاة لأبي هريرة؛ فإن ذلك جوزه بعضهم.
قوله: ((سمعت خليلي)) ((تو)): قد سبق منه هذا القول في عدة أحاديث. وكأنه قول لم يصدر عن روية، بل كان الباعث عليه ما عرف من قبله من صدق المحبة. ولو تدبر القول لم يلتبس عليه كون ذلك زائغا عن نهج الأدب. وقد قال صلى الله عليه وسلم:((لو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا)). قال صلى الله عليه وسلم: إني أبرأ إلى كل خليل من خلته فليس لأحد أن يدعى خلته مع براءته عن خلة كل خليل)).
أقول: لو تأمل حق التأمل ما ذهب إلى ما ذهب إليه؛ لأن المحب من فرط المحبة وصدق الوداد قد يرفع الاحتشام من البين، لاسيما إذا امتد زمان المفارقة على أنه نسب الخلة إلى جانبه لا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه رضي الله عنه مذ أسلم ما فارق حضرة الرسالة من شدة احتياجه وفاقته. والناس مشتغلون بتجاراتهم وزروعهم. وقيل: إن إبراهيم عليه السلام بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتار منه. فقال خليله: لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت، ولكنه يريدها للأضياف، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملأوا منها الغرائر حياء من الناس. فلما أخبروه أساءه الخبر، فحملته عيناه، وعمدت امرأته إلى غرارة منها. فأخرجت أحسن حوراي واختبزت وتنبه فاشتم رائحة الخبز. فقال: من أين لكم هذه؟ فقالت امرأته: من خليلك المصري. فقال: بل من عند خليلي: الله، فسماه الله خليلا. هكذا ذكره في الشكاف. ((مح)): أصل الخلة الاختصاص والاستصفاء. وقيل: أصلها الانقطاع إلى من خاللت، مأخوذ
الفصل الثالث
5435 -
عن شقيق، عن حذيفة، قال: كنا عند عمر فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء، وكيف؟ قال: قلت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)). فقال عمر: ليس هذا أريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر. قال: قلت: مالك ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها باباً مغلقاً. قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قال: قلت: لا؛ بل يكسر. قال: ذاك أحرى أن لا يغلق أبداً. قال: فقلنا لحذيفة:
ــ
من الخلة وهي الحاجة. فسمى إبراهيم عليه السلام بذلك؛ لأنه قصر حاجته على ربه سبحانه وتعالى. وقيل: الخلة صفاء المودة التي توجب تخلل الأسرار، وقيل: معناها المحبة والإلطاف. هذا كلام القاضي.
وقال ابن الأنباري: الخليل معناه: المحب الكامل المحبة، والمحبوب الموفي بحقيقة المحبة التي ليس فيها نقص ولا خلل. قال الواحدي: هذا القول هو الاختيار لأن الله تعالى خليل إبراهيم وإبراهيم خليل الله. ولا يجوز أن يقال: الله تعالى خليل إبراهيم من الخلة التي هي الحاجة.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن شقيق: قوله: ((كما قال)) صفة مصدر محذوف، أي أنا أحفظ قوله صلى الله عليه وسلم حفظا مماثلا لما قال. وقوله:((إنك لجريء)) من الجراءة الإقدام على الشيء. ومعناه أنك غير هائب وقد تجاسرت على ما لا أعرفه ولا يعرفه أصحابك. وادعيت أيضاً أنك عرفت صريح القول. ومن ثمة قال: ((هات)). قوله: ((وكيف؟ قال)) عطف على ((هات)) أي هات ما قال وبين كيفيته.
قوله: ((ليس هذا أريد)) وذلك أن عمر رضي الله عنه لما سأل: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ واحتمل أن يراد الفتنة الاختبار والابتلاء كما في قوله تعالى: {ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} وأن يراد بها الوقعة والقتال. وكان سؤاله عن الثاني قال: ليس هذا أريد. وإنما أنث عمر رضي الله عنه المشار إليه بعد ما ذكره باعتبار المذكور دلالة على فظاعة المشار إليه وأنها الداهية الدهماء.
قوله: ((لا بل يكسر)). فإن قلت: كان يكفي في الجواب أن يقول: يكسر، فلم أتى بـ ((لا))