المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب العلامات بين يدي الساعة - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١١

[الطيبي]

الفصل: ‌(3) باب العلامات بين يدي الساعة

(3) باب العلامات بين يدي الساعة

ذكر الدجال

الفصل الأول

5464 -

عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر. فقال: ((ما تذكرون؟)). قالوا: نذكر الساعة. قال: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم)) وفي رواية: ((نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر)) وفي رواية في العاشرة ((وريح تلقي الناس في البحر)) رواه مسلم.

4565 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بأدروا بالأعمال ستاً: الدخان، والدجال، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة أحدكم)) رواه مسلم.

ــ

باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال

أصل الدجل: الخلط، يقال: دجل إذا لبس وموه. و ((الدجال)) فعال من أبنية المبالغة أي: يكثر منه الكذب والتلبيس، وهو الذي يظهر في آخر الزمان ويدعي الإلهية.

الفصل الأول

الحديث الأول عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((فذكر الدخان)) هو الذي ذكر في قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} وذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمراد من ((الدابة)) هو المذكور في قوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} . قيل: المراد من ((المحشر)) أرض الشام: إذا صح في الخبر: ((إن الحشر يكون في أرض الشام)).

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بادروا بالأعمال ستاً)). [((فا))]: معنى مبادرة الست بالأعمال: الانكماش في الأعمال الصالحة، والاهتمام قبل وقوعها. وتأنيث

ص: 3448

5466 -

وعن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريباً)) رواه مسلم.

5467 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث إذا خرجن {لا يَنفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا}: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض)) رواه مسلم.

ــ

((الست))؛ لأنها دواه ومصائب ((قض)): أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات؛ فإنها إذا نزلت دهشتهم وشغلتهم عن الأعمال أو سد عليهم باب التوبة وقبول العمل.

و ((أمر العامة)) يريد به الفتنة التي تعم الناس، أو الأمر الذي يستبد به العوام ويكون من قبلهم. و ((خويصة)) تصغير خاصة، أي: الوقعة التي تخص أحدكم، يريد بها الموت، أو ما تعلق الإنسان في نفسه وأهله وماله فتشغله عن غيره. والله أعلم،

الحديث الثالث عن عبد الله بن عمرو: قوله: ((إن أول الآيات)) فإن قيل: طلوع الشمس ليس بأول الآيات: لأن الدخان والدجال قبله؟.

أجيب بأن الآيات إما أمارات دالة على قرب قيام الساعة، وإما أمارات دالة على وجود قيام الساعة وحصولها. ومن الأول الدخان وخروج الدجال ونحوهما. ومن الثاني ما نحن فيه من طلوع المس من مغربها، [والرجفة]، وبس الجبال، وخروج النار وطردها الناس إلى المحشر. وإنما سمي أولا؛ لأن مبدأ القسم الثاني؛ ويؤيده حديث أبي هريرة بعده:((لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها)) حيث جعل طلوع الشمس من مغربها غاية لعدم قيام الساعة، وينصره أيضاً ما رواه البيهقي في كتاب البعث والنشور عن الإمام الحاكم أبي عبد الله الحليمي:((إن أول الآيات ظهور الدجال، ثم نزول عيسى، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها)) وذلك أن الكفار يسلمون في زمان عيسى حتى تكون الدعوة واحدة، ولو كان طلوع الشمس من مغربها قبل خروج الدجال ونزول عيسى، لم ينفع الكفار إيمانهم أيام عيسى، ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا.

ص: 3449

5468 -

وعن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس: ((أين تذهب؟)). قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد، ولا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، ويقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} قال: ((مستقرها تحت العرش)) متفق عليه.

5469 -

وعن عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر اكبر من الدجال)) رواه مسلم.

5470 -

وعن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يخفي عليكم، إن الله تعالى ليس بأعور وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية)) متفق عليه.

ــ

الحديث الرابع إلى السادس عن أبي ذر رضي الله عنه: قوله: ((لمستقر لها)) ((خط)): قال بعض أهل التفسير: معناه: أن الشمس تجري لأجل قدر لها معين إلى انقطاع مدة بقاء العالم. وقال بعضهم: مستقرها من غاية ما تنتهي إليه في صعودها وارتفاعها لأطول يوم من الصيف، ثم تأخذ في النزول إلى أقصى مشارق الشتاء لأقصر يوم في السنة. وأما قوله:((مستقرها تحت العرش)) فلا ينكر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده، وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه؛ لأن علمنا لا يحيط به.

الحديث السابع والثامن عن عبد الله؛ قوله: ((إن الله لا يخفي عليكم)) جملة موطئة لقوله: ((إن الله ليس بأعور)) للتنزيه كما في وسط قوله: ((سبحانه)) في قوله: {ويَجْعَلُونَ لِلَّهِ البَنَاتِ سُبْحَانَهُ ولَهُم مَّا يَشْتَهُونَ} .

قوله: ((عين اليمنى)) أي عين الجنبة اليمنى أو الجهة اليمنى. قوله: ((عنبة طافية)) الطافية هي الناتنة عن حد أخواتها من الطفو، وهو أن يعلو الماء ما وقع فيه. ((تو)): وفي الأحاديث التي وردت في وصف الدجال، وما يكون منه كلمات متنافرة يشكل التوفيق بينها، ونحن نسأل الله التوفيق في التوفيق بينها، وسنبين كلا منها على حدته في الحديث الذي ذكره فيه أو تعلق به، ففي هذا الحديث أنها طافية، وفي آخر أنه جاحظ العين كأنها كوكب، وفي آخر أنها ليست بناتئة ولا حجراء.

ص: 3450

5471 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: ك ف ر)) متفق عليه.

5472 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه؟: إنه أعور؛ وإنه يجيء معه بمثل الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة، هي النار، وإن أنذركم كما أنذر به نوح قومه)) متفق عليه.

ــ

والسبيل في التوفيق بينها أن نقول: إنما اختلف الوصفان بحسب اختلاف العينين؛ ويؤيد ذلك ما في حديث ابن عمر هذا: ((إنه أعور عين اليمنى)) وفي حديث حذيفة: ((إنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة)) وفي حديثه أيضا. ((إنه أعور عين اليسرى)). ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة أن يقدر فيها أن إحدى عينيه ذاهبة والأخرى معيبة، فيصح أن يقال: لكل واحدة عوراء: إذ الأصل في العور العيب. وذكر نحوه الشيخ محيي الدين.

الحديث التاسع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((مكتوب بين عينيه ك ف ر)) لعل المراد بالتنصيص أن لا يتوهم فيها السيماء من حيث المعنى. ((مح)): هو بيان علامة تدل على كذب الدجال دلالة قطعية بديهية يدركها كل أحد، ولم يقتصر على كونه جسما أو غير ذلك من الدلائل القطعية؛ ليكون بعض العقول قد لا يهتدي إليها.

الحديث العاشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عن الدجال)) ((مح)): هذه الأحاديث حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلى الله تعالى به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله، وظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وابتاع كنوز الأرض له، وأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويقتله عيسى عليه السلام، ويثبت الله الذين آمنوا.

وفتنته عظيمة جدا، تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء دلائل الحدوث والنقص، فيصدقه من يصدقه في هذه الحالة؛ ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله عليهم من فتنته، ونبهوا على نقصه ودلائل إبطاله. أما أهل التوفيق فلا يغترون ولا ينخدعون بما فيه: لما ذكرنا من الدلائل المكذبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله.

قوله: ((كما أنذر به نوح قومه)) فإن قيل: لم خص نوحا عليه السلام بالذكر؟. قلت: لأن نوحا عليه السلام مقدم المشاهير من الأنبياء، كما خصه بالتقديم في قوله تعالى:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وصَّى بِهِ نُوحًا} .

ص: 3451

5473 -

وعن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الدجال يخرج وإن معه ماء ونارا، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا؛ فإنه ماء عذب طيب)) متفق عليه. وزاد مسلم: ((وإن الدجال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب)).

5474 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنته وناره، فناره جنة، وجنته نار)) رواه مسلم.

5475 -

وعن النواس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: ((إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط، عينه طافية، كأني أشبهه بعبد العزي بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف)) وفي رواية ((فليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف، فإنها جواركم من فتنته، إنه خارج خلة بين الشام والعرق، فعاث يمينا، وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا)) قلنا: يا رسول الله! وما لبثه

ــ

الحديث الحادي عشر عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((ممسوح العين)) ((قض)): أي ممسوح إحدى عينيه للحديث السابق ونظائره. و ((الظفرة)) بالتحريك لحمة تنبت عن الماقين من كثرة البكاء أو الماء. وقيل جلدة تخرج من العين من الجانب الذي يلي الأنف، وهي يحتمل أن تكون في العين الممسوحة. وأن تكون في العين الأخرى، ولا تواري الحدقة بأسرها لتعميها.

الحديث الثاني عشر عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((جفال الشعر)) ((فا)): هو الكثير الشعر مجتمعة، ومنه الجفالة الجماعة من الناس.

الحديث الثالث عشر عن النواس: قوله: ((حجيجه)) ((نه)): أي محاجه ومغالبه بإظهار الحجة عليه، والحجة الدليل والبرهان يقال: حاججته حجاجا ومحاجة فأنا حجيج فعيل بمعنى فاعل. قوله: ((دونكم)) فيه إرشاد إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان في المحاجة معه غير محتاج إلى معاونة معاون من أمته في غلبته عليه بالحجة.

((تو)): فإن قيل: أو ليس قد ثبت في أحاديث الدجال أنه يخرج بعد خروج المهدي، وأن عيسى عليه السلام يقتله إلى غير ذلك من الوقائع الدالة على أنه لا يخرج ونبي الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، بل لا تراه القرون الأولى من هذه الأمة. فما وجه قوله:((إن يخرج وأنا فيكم))؟.

ص: 3452

في الأرض؟ قال: ((أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم)). قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال:

ــ

قلنا: إنما سلك هذا المسلك من التورية؛ لإبقاء الخوف على المكلفين من فتنته واللجأ إلى الله تعالى من شره، لينالوا بذلك الفضل من الله ويتحققوا بالشح على دينهم.

((مظ)): يحتمل أن يريد به تحقيق خروجه، يعني لا تشكوا في خروجه؛ فإنه سيخرج لا محالة. وأن يريد به عدم علمه بوقت خروجه، كما أنه كان لا يدري متى الساعة.

أقول: الوجه الثاني من الوجهين هو الصواب: لأنه يمكن أن يكون قوله هذا قبل علمه صلى الله عليه وسلم بذلك.

وقوله: ((فامرؤ حجيج نفسه)) أي وكل امرئ يحاجه ويحاوره، والدليل على عمومه قوله:((والله خليفتي على كل مسلم)). قوله: ((قطط)) ((مح)): هو بفتح القاف والطاء، أي شديد جعودة الشعر.

قوله: ((كأني أشبهه بعبد العزى)) لم يقل: كأنه عبد العزى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن جازما في تشبيهه به. قيل: إنه كان يهوديا ولعل الظاهر أنه مشرك؛ لأن العزى اسم صنم، يؤيده ما جاء في بعض الحواشي: هو رجل من حزاعة، هلك في الجاهلية.

قوله: ((فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف)) فإن الله تعالى يؤمنه من فتنة الدجال كما أمن أولئك الفتية من فتنة الدقيانوس الجبار. قوله: ((خلة بين الشام والعراق)) ((نه)): أي من طريق بينهما. وقيل للطريق والسبيل خلة: لأنه خل ما بين البلدين، أي أخذ محيط ما بينهما.

((مح)): هكذا هو في نسخ بلادنا خلة بفتح الخاء المعجمة وتنوين التاء. وقال القاضي: المشهور فيه حلة بالحاء المهملة ونصب التاء، يعني غير منونة. معناه سمت ذلك وقبالته، وفي كتاب العين: الحلة موضع حزن وصخور. قال: ورواه بعضهم ((حلة)) بضم اللام وبهاء الضمير أي نزوله وحلوله. قال وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا ببلادنا.

وقوله: ((فعاث)) هو بعين مهملة وثاء مثلثة من العيث وهو أشد الفساد والإسراع فيه. وحكى القاضي: أنه رواه بعضهم: ((فعاث)) على صيغة اسم الفاعل.

((شف)): قيل: الصواب فيه ((فعاث)) بصيغة اسم الفاعل؛ لكونه عطفا على اسم فاعل قبله وهو قوله: ((خارج)). ((تو)): وإنما قال: ((يمينا)) و ((شمالا))؛ إشارة إلى أنه لا يكتفي بالإفساد في ما يطؤه من البلاد ويتوجه له من الأغوار والأنجاد. بل يبعث سراياه يمينا وشمالا فلا يأمن شره مؤمن ولا يخلو من فتنته موطن.

قوله: ((يا عباد الله)) من الخطاب العام أراد به من يدرك الدجال من أمته. قيل: هذا القول

ص: 3453

((لا، اقدروا له قدره)). قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: ((كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم فيؤمنون به، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله: فينصرف عنهم،

ــ

منه استمالة لقلوب أمته، وتثبيتهم على ما يعاينونه من شر الدجال، وتوطينهم على ما هم فيه من الإيمان بالله تعالى والاعتقاد به، والتصديق بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

((تو)): ويشكل من هذا الفصل قوله صلى الله عليه وسلم: ((يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة)) مع قوله: ((وسائر أيامه كأيامكم)) ولا سبيل إلى تأويل امتداد تلك الأيام على أنها وصفت بالطول والامتداد؛ لما فيها من شدة البلاء وتفاقم البأساء والضراء؛ لأنهم قالوا: ((يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا))

الحديث.

فنقول وبالله التوفيق ومنه المعونة: وقد تبين لنا بإخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: أن الدجال يبعث معه من الشبهات، ويقبض على يديه من التمويهات ما يسلب عن ذوي العقول عقولهم، ويخطف من ذوي الأبصار أبصارهم، فمن ذلك تسخير الشياطين له، ومجيئه بجنة ونار وإحياء الميت على حسب ما يدعيه، وتقويته على من يريد إضلاله تارة بالمطر والعشب، وتارة بالأزمة والجدب. ثم لا خفاء بأنه أسحر الناس، فلم يستقم لنا تأويل هذا القول إلا بأن نقول إنه يأخذ بأسماع الناس وأبصارهم، حتى يخيل إليهم أن الزمان قد استمر على حالة واحدة، إسفار بلا ظلام وصباح بلا مساء، ويحسبون أن الليل لا يمد عليهم رواقه، وأن الشمس لا تطوي عليهم ضياءها، فيقعون في حيرة والتباس من امتداد الزمان، وتدخل عليهم الدواخل باختفاء الآيات الظاهرة في اختفاء الليل والنهار، فأمرهم أن يجتهدوا عند مصادفة تلك الأحوال ويقدروا لوقت كل صلاة قدرها إلى أن يكشف الله عنهم تلك الغمة، هذا الذي اهتدينا إليه من التأويل، والله الموفق لإصابة الحق.

((مح)): قالوا: هذا على ظاهره، وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث، يدل عليه قوله:((وسائر أيامه كأيامكم)). وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((اقدروا له قدره)) فقال القاضي وغيره: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم، شرعه لنا صاحب الشرع. قالوا ولولا هذا الحديث ووكلنا إلى اجتهادنا، اقتصرنا على الصلوات عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام. ومعناه: إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر في كل يوم، فصلوا الظهر، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر، فصلوا العصر، فإذا مضى بعدها قدر ما يكون

ص: 3454

فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف

ــ

بينها وبين المغرب، فصلوا المغرب، وكذا العشاء والصبح، ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب، وكذا حتى ينقضي ذلك اليوم، وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض مؤداة في وقتها. وأما الثاني الذي كشهر، والثالث الذي كجمعة، فيقاس على اليوم الأول في أنه يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرنا. والله أعلم.

قوله: ((أربعون يوما)) وفي رواية المالكي: ((أربعين يوما)) وقال: أضمر: ((يلبث)) ونصب به أربعين اكتفاء بالمعنى، ولو قصد تكميل المطابقة لقيل: اربعون يوما، بالرفع؛ لأن الاسم المستفهم به في موضع رفع.

أقول: الفرق بين الجوابين: أن الرفع يدل على أن الجواب لم يكن عن تفكر ورويه، فلما سألوا أطبق الجواب عليه، وأن النصب كان عن توقف وتفكر؛ حيث أنه كرر الفعل، ونحوه قوله تعالى:{قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} أي قال المشركون. و {قَالُوا خَيْرًا} أي المسلمون في جواب قوله: {مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ} .

قوله: ((وما إسراعه)) لعلهم علموا أن له إسراعا في الأرض، فسألوا عن كيفيته كما كانوا عالمين بلبثه في الأرض فسألوا عن كميته بقولهم:((ما لبثه؟)) أي ما مدة لبثه؟. والمراد بالغيث هنا الغيم إطلاقا للمسبب على السبب. أي يسرع في الأرض إسراع الغيم إذا استدبرته الريح.

قوله: ((فتروح عليهم سارحتهم)) أي ترجع آخر النهار. ((نه)): السارحة والسارح والسرح سواء الماشية، يقال: سرحت الماشية تسرح فهي سارحة، وسرحتها يتعدى ولا يتعدى. و ((ذري)) جمع ذروة وهي أعلى سنام البعير، وذروة كل شي أعلاه. و ((الخواصر جمع خاصرة، ومدها كناية عن الامتلاء وكثرة الأكل.

قوله: ((ممحلين)) ((تو)): أمحل القوم أصابهم المحل وهو انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ. ((مح)): ((اليعاسيب)) ذكور النحل هكذا فسره ابن قتينة وآخرون. قال القاضي: المراد جماعة النحل لا ذكورها خاصة، لكنه كنى عن الجماعة باليعسوب وهو أميرها؛ لأنه متى طار اتبعته جماعته.

((شف)): معناه يتبع الدجال كنوز الأرض كما تتبع اليعسوب النحل، فقوله:((كاليعاسيب)) حال من الدجال، ويمكن أن يكون حالا من ((الكنوز)) أي كائنة كاليعاسيب، وهو كناية عن سرعة اتباعه، أي تتبعه الكنوز بالسرعة.

ص: 3455

فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه بضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق بين مهروذتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث

ــ

أقول: إذا كان قوله: ((كاليعاسيب)) حالا من الدجال فـ ((الخربة)) صفة البقاع، وإذا كان حالا من الكنوز فيجوز أن يكون الموصوف جمعا أو مفردا، و ((الممتلئ شبابا)) هو الذي يكون في غاية الشباب ونضرة مائه.

((مح)): ((جولتين)) هو بفتح الجيم على المشهور، وحكى ابن دريد كسرها، أي قطعتين. ويعني برمية الغرض أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رمية الغرض، هذا هو الظاهر المشهور. وحكى القاضي هذا ثم قال: وعندي أن فيه تقديما وتأخيرا، وتقديره: فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين، والصحيح الأول. ((تو)): أراد برمية الغرض إما سرعة نفوذ السيف فيه، وإما إصابة المحز.

أقول: يؤيد تأويل محيي الدين قوله في الحديث الذي يليه: ((ثم يمشي الدجال بين القطعتين.

قوله: ((يتهلل وجهه) أي يتلألأ ويضيء ويجيب ضاحكا بالدجال ويقول: كيف يصلح هذا إلها!. قوله: ((بين مهروذتين)) ((مح)): روي بالدال المهملة، والذال المعجمة أكثر، والوجهان مشهوران للمتقدمين والمتأخرين، وأكثر ما يقع في النسخ بالمهملة، معناه: لابس ثوبين مصبوغين بورس ثم الزعفران. و ((الجمان)) بضم الجيم وتخفيف الميم حب يتخذ من الفضة على هيئة اللآلئ الكبار.

أقول: شبهه بالجمان في الكبر، ثم شبه الجمان باللؤلؤ في الصفاء والحسن، فالوجه أن يكون الوجه الكبر مع الصفاء والحسن.

قوله: ((فلا يحل)) ((مح)): بكسر الحاء، أي لا يمكن ولا يقع. قال القاضي: معناه عندي حق واجب. قال: ورواه بعضهم بضم الحاء، وهو وهم وغلط. و ((نفسه)) بفتح الفاء.

أقول: معناه لا يحصل أو لا يحق، أن يجد من ريح نفسه وله حال من الأحوال إلا حال الموت. فقوله:((يجد)) مع ما في سياقه فاعل يحل على تقدير أن.

قوله: ((بباب لد)) ((مح)): هو بضم اللام وتشديد الدال مصروف، وهو بلدة قريبة من بيت المقدس. وهذا المسح يحتمل أن يكون على ظاهره، فيمسح وجوههم تبركا، أو أنه إشارة إلى كشف ما يكونون فيه من الشدة والخوف.

ص: 3456

ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى إلى قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج {وهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} ، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم ويقول: لقد كان بهذه مرة ماء، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما، ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم

ــ

وقوله: ((لا يدان)) معناه لا قدرة ولا طاقة؛ لأن المباشرة والدفاع إنما يكون باليد، وثنى مبالغة كأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه. ومعنى ((فحرز عبادي)) أي ضمهم واجعل لهم حرزا. و ((الحدب)) بالتحريك ما ارتفع من الأرض. و ((النسل)) الإسراع.

((نه)): الخمر بالخاء المعجمة والميم الشجر المتلف، وفسر في الحديث: أنه جبل ببيت المقدس، لكثرة شجره، وهو كل ما يسترك من شجر أو بناء أو غيره. و ((هلم)) معناه: تعال، وفيه لغتان: فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد مبني على الفتح، وبنو تميم تثني وتجمع وتؤنث، تقولك هلم وهلمي وهلما وهلموا.

قوله: ((رأس الثور)) ((تو)): أي تبلغ الفاقة بهم إلى هذا الحد. وإنما ذكر رأس الثور ليقاس البقية عليه في القيمة. قوله: ((فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه)) ((قض)): أي يرغبون إلى الله تعالى في إهلاكهم وإنجائهم عن مكابدة بلائهم، ويتضرعون إلى الله فيستجيب الله فيهلكهم بالنغف. ((تو)): النغف دود يكون في أنوف الإبل والغنم. و ((فرسى)) جمع فريس، كقتيل وقتلى، من فرس الذئب الشاة إذا كسرها وقتلها، ومنه: فريسة الأسد.

يريد أن القهر الإلهي الغالب على كل شيء يفرسهم دفعة واحدة فيصبحون قتلى. وقد نبه بالكلمتين – أعني النغف وفرسى – على أنه سبحانه يهلكهم من أدنى ساعة بأهون شيء وهو النغف، فيفرسهم فرس السبع فريسة، بعد أن طارت نعرة البغي في رءوسهم، فظنوا أنهم قاتلوا من في السماء.

ص: 3457

النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله)) وفي رواية ((تطرحهم بالنهبل، ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا بر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللحقة من البقر لتكفي القبيلة من

ــ

و ((الزهم)) بالتحريك مصدر قولك: زهمت يدي بالكسر من الزهومة فهي زهمة أي دسمة، وعليه أكثر الروايات فيما أعلم، وفيه من طريق المعنى وهن، وضم الزاي مع فتح الهاء أصح معنى، وهو جمع زهمة وهو الريح المنتنة.

قوله: ((طيرا كأعناق البخت)) أي طيرا أعناقهم كأعناق البخت. والنهبل اسم موضع. ((مح)): ((لا يكن)) أي لا يمنع من نزول الماء بيت. ((المدر)) وهو الطين الصلب. ((قض)): أي لا يحول بينه وبين مكان ما حائل، بل يعم الأماكن كلها فيغسلها.

قوله: ((كالزلفة)) روي بفتح الزاي واللام، وبالفاء وبالقاف، وروي بضم الزاي وإسكان اللام وبالفاء. قال القاضي: روي بالفاء والقاف، وبفتح اللام وإسكانها، كلها صحيحة، واختلفوا في معناه فقال ثعلب وأبو زيد وآخرون: معناه كالمرآة، وحكى صاحب المشارق هذا عن ابن عباس أيضا، شبهها بالمرآة في صفائها ونظافتها، وقيل: معناه كمصانع الماء، أي أن الماء يستنقع فيها، حتى تصير الأرض كالمصنع الذي يجتمع في الماء. قال أبو عبيدة: معناه الإجانة الخضراء، وقيل: كالصحفة، وقيل: كالروضة.

و ((العصابة)) الجماعة. و ((قحفها)) بكسر القاف وهو مقعر فشرها، شبهها بقحف الآدمي وهو الذي فوق الدماغ، وقيل: هو ما انفلق من جمجمته وانفصل. و ((الرسل)) بكسر الراء وإسكان السين هو اللبن. و ((اللقحة)) بكسر اللام وفتحها مشهورتان، والكسر أشهر، وهي القريبة العهد بالولادة، وجمعها لقح بكسر اللام وفتح القاف كبركة وبرك، و ((اللقوح)) ذات اللبن.

و ((الفئام)) بكسر الفاء وبعدها همزة ممدوة هي الجماعة الكثيرة، هذا هو المشهور والمعروف في اللغة، ورواية الحديث بكسر الفاء والهمزة. قال القاضي: ومنهم من لا يجيز الهمز بل يقوله بالياء، وقال في المشارق: وحكاه الخليل بفتح الفاء، قال: وذكر صاحب العين غير

ص: 3458

الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينا هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباظهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة)) رواه مسلم إلا الرواية الثانية وهي قوله:((تطرحهم بالنهبل إلى قوله: سبع سنين)) رواها الترمذي. [5475]

5476 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج الدجال، فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فيلقاه المسالح مسالح الدجال. فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج. قال: فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه)) قال: ((فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يأيها الناس! هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: ((فيأمر الدجال به فيشبح.

ــ

مهموز، وأدخله في حرف الياء، وحكى الخطابي أن بعضهم ذكره بفتح الفاء وتشديد الياء وهو غلط فاحش، والفخذ الجماعة من الأقارب، وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة.

قال القاضي عياض: الفخذ هنا بإسكان الخاء لا غير، فلا يقال بإسكانها، بخلاف الفخذ التي هي العضو؛ فإنها تكسر وتسكن. قوله:((وكل مسلم)) هكذا هو في جميع النسخ بالواو. وأقول: أراد بالتكرار ها هنا الاستيعاب أي يقبض روح خيار الناس كلهم.

قولهم: ((يتهارجون)) ((مح)): أي يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس كما تفعله الحمير، ولا يكترثون لذلك. و ((الهرج)) بإسكان الراء الجماع. يقال: هرج زوجته أي جامعها يهرجها بفتح الراء وضمها وكسرها.

الحديث الرابع عشر عن أبي سعيد رضي الله عنه قوله: ((مسالح الدجال)) ((قض)): المسالح جمع مسلحة وهي قوم ذو سلاح، ولعل المراد به ها هنا مقدمة جيشه، وأصلها موضع السلاح، ثم استعمل للثغر؛ فإنه تعد فيه الأسلحة، ثم للجند المترصدين، ثم لمقدمة الجيش؛ فإنهم من الجيش كأصحاب الثغور ممن وراءهم من المسلمين.

قوله: ((ما بربنا خفاء)) هذا تكذيب لهم وبيان لتمويههم وتلبيسهم. ((أو ما تؤمن بربنا)) كما قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يخفي عليكم إن الله ليس بأعور.

ص: 3459

فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربا)). قال:((فيقول: أو ما تؤمن بي؟)) قال: ((فيقول: أنت المسيح الكذاب)). قال: ((فيؤمر به فيؤشر بالمئشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه)). قال: ((ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائما، ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت إلا بصيرة)). قال: ((ثم يقول: يأيها الناس! إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس)). قال: ((فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا)). قال: ((فيأخذه بيديه ورجليه، فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين)) رواه مسلم.

5477 -

وعن أم شريك، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال)). قالت أم شريك: قلت: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: ((هم قليل)) رواه مسلم.

ــ

قوله: ((فيشبح)) ((مح)): بشين معجمة ثم باء موحدة وحاء مهملة، أي مدوه على بطنه و ((شجوه)) بجيم مشددة من الشج، وهو الجرح في الرأس، ثم قال: وهذه الرواية أصح عندنا وقوله: ((فيوسع)) بإسكان الواو وفتح السين. وقوله: ((فيؤشر)) الرواية فيه بالهمزة و ((المنشار)) بهمزة بعد الميم وهو الأفصح، ويجوز تخفيف الهمزة فيهما فيجعل في الأول واو وفي الثاني ياء، ويجوز المنشار بالنون، وعلى هذا يقال نشرت الخشبة. و ((مفرقه)) بكسر الراء وسطه، و ((الترقوة)) بفتح [التاء وضم] القاف، العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق.

قوله: ((لا يفعل بعدي)) مفعوله محذوف، أي ما فعل بي. وقوله:((فيجعل)) أي الله تعالى كالنحاس لا يعمل فيه السيف. ((حس)): قال معمر: بلغني أنه يجعل على حلقة صفحة نحاس.

وقوله: ((فيحسب الناس)) أي يحسبون أن الدجال قذفه فيما زعم أنه ناره، وإنما ألقي في الجنة وهي دار الثواب؛ يدل عليه قوله:((هذا أعظم الناس شهادة)) نحو قوله تعالى: {ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ} أي يسرحون في ثمار الجنة.

الحديث الخامس عشر عن أم شريك: قوله: ((فأين العرب يومئذ)) الفاء فيه جزاء شرط

ص: 3460

5478 -

وعن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفا، عليهم الطيالسة)) رواه مسلم.

5479 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه رجل وهو خير الناس، أو من خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله، فلا يسلط عليه)) متفق عليه.

ــ

محذوف أي إذا كان حال الناس هذا، فأين المجاهدون في سبيل الله الذابون عن حريم الإسلام، المانعون عن أهله صولة أعداء الله، فكنى عنهم بها، قال: أنا الذاب الحامي الذمار، وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي.

الحديث السادس عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((أصبهان)) ((مح)): يجوز فيه كسر الهمزة وفتحها وبالباء والفاء.

الحديث السابع عشر عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: قوله: ((نقاب المدينة)) ((مح)): هو بكسر النون. ((نه)): هو جمع نقب وهو الطريق بين الجبلين، والأنقاب جمع قلة له. قوله:((خير الناس)) ((حس)): قال معمر: بلغني أن الرجل الذي يقتله الدجال الخضر عليه السلام.

قوله: ((حديثه)) جار على قوله: الدجال؛ لأن المظهر غائب، لا على ضمير المخاطب وعكسه قوله:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

قوله: ((فيقولون لا)) ((مح)): أما قول الدجال: ((أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر، فيقولون: لا)) فقد يشكل؛ لأن ما أظهره الدجال لا دلالة له فيه على ربوبيته؛ لظهور النقص عيه، ودلائل الحديث، وتشويه الذات، وشهادة كذبه، وكفره المكتوبة بين عينيه، وغير ذلك.

ويجاب بأنه: لعلهم قالوه خوفا منه لا تصديقا، ويحتمل أنهم قصدوا: لا نشك في كذبك وكفرك فإن من شك في كفره وكذبه كفر، وخادعوه بهذه التورية خوفا منه، ويحتمل أن الذين قالوا: لا نشك، هم مصدقوه من اليهود وغيرهم ممن قدر الله تعالى شقاوته.

ص: 3461

5480 -

وعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((يأتي المسيح من قبل المشرق همته المدينة، حتى ينزل دبر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام، وهنالك يهلك)) متفق عليه.

5481 -

وعن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب ملكان)) رواه البخاري.

5482 -

وعن فاطمة بنت قيس، قالت: سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة؛ فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى صلاته جلس على المنبر وهو يضحك؛ فقال:((ليلزم كل إنسان مصلاه)) ثم قال: ((هل تدرون لم جمعتكم؟)). قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ((إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر،

ــ

الحديث الثامن عشر والتاسع عشر عن فاطمة: قوله: ((الصلاة جامعة)) ((مح)): هو بنصب الصلاة وجامعة، الأول على الإغراء، والثاني على الحال. ((تو)): وجه الرواية بالرفع أن يقدر ((هذه)) أي هذه الصلاة جامعة. ويجوز أن ينتصب جامعة على الحال، ولما كان هذا القول للدعاء إليها والحث عليها، كان النصب أجود وأشبه بالمعنى المراد منه.

قوله: ((ما جمعتكم لرغبة)) أي في أمر مرغوب من نحو عطاء، ((ولا لرهبة)) أي من خوف عدو. وقوله:((سفينة بحرية)) أي كبيرة لا زورقا نهريا. و ((لخم)) بالخاء المعجمة، و ((جذام)) بالجيم قبيلتان. قوله:((تميما الداري)) كذا هو في جامع الأصول وأكثر نسخ المصابيح، وتميم الداري من غير تنوين في كتاب الحميدي وبعض نسخ المصابيح، وفي بعض نسخ المصابيح وفي مسلم:((لأن تميما الداري)).

قوله: ((فلعب بهم الموج)) ((فا)): سمي اضطراب أمواج البحر. لعبا؛ لما يسير بهم إلى الوجه الذي ما أرادوه، يقال لكل من عمل عملا ل يجدي عليه نفعا: إنما أنت لاعب. قوله: ((فأرفئوا)) ((تو)): قال الأصمعي أرفأت السفينة أرفئها إرفاء أي قربتها من الشط. وبعضهم يقول: أرفيها بالياء على الإبدال، وهذا مرفأ السفن أي الموضع الذي تشد إليه وتوقف عنده.

ص: 3462

فأرفئوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابه، أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، قالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة قالوا: وما لجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمعت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يده إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم علي خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فلعب بنا البحر شهرا، فدخلنا

ــ

((مح)): ((أقرب السفينة)) هو بضم الراء جمع قارب بكسر الراء وفتحها، وهي سفينة صغيرة، تكون مع الكبيرة كالجنيبة، يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم.

((نه)): أما أقرت فلعله جمع قارب، وليس بمعروف في جمع فاعل أفعل، وقد أشار الحميدي في غريبه إلى إنكار ذلك، وقال الخطابي: إنه جمع على غير قياس.

الهلب الشعر، وقيل ما برز من الشعر وغيره، وذكر الصفة؛ لأن لفظ ((الدابة)) يقع على الذكر والأنثى. قوله:((ما قبله)) ما استفهامية، و ((يدرون)) يمعنى يعلمون؛ لمجيئ الاستفهام تعليقا، ولا بد من تقدير المضاف بعد حرف الاستفهام، أي ما نسبة قبله من دبره. ((مح)): الحساسة هي بفتح الجيم وتشديد السين المهملة الأولى، قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال. وقوله:((في الدير)) حال والعامل فيه اسم الإشارة.

قوله: ((إلى خبركم بالأشواق)) ((تو)): أي شديد نزاع النفس إلى ما عندكم من الخبر حتى كأن الأشواق ملصقة به، أو كأنه مهتم بها. انتهى كلامه. و ((فرقنا)) أي خفنا. وقوله:((أن تكون شيطانة)) بدل من الضمير المجرور. قوله: ((ما رأيناه قط)) (0شف)) ضمير المفعول راجع إلى الأعظم، أي ((ما)) رأينا قط أعظم الإنسان خلقا، وخلقا نصب على التمييز من ((أعظم الإنسان)).

أقول: ويحتمل أن يقدر مضاف، أي ما رأينا مثل ذلك الأعظم. و ((أشده)) مرفوع عطف على الأعظم هذا. وإن لفظة ((ما)) ليست في صحيح مسلم ولا في كتاب الحميدي ولا في جامع الأصول ولا في أكثر نسخ المصابيه، ولعل من زادها نظر إلى لفظ ((قط)) حيث يكون في الماضي المنفي، والوجه أن يكون مرادا كما جاء في قول القائل:

لله يبقى على الأيام ذو حيد

البيت. وقوله: ((ما بين ركبتيه إلى كعبيه) ما موصولة مرفوعة المحل، المعنى مجموعة ساقاه

ص: 3463

الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، فقالت: أنا الجساسة، اعمدوا إلى هذا في الدير، فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها. ولم نأمن أن تكون شيطانة فقال: أخبروني عن نخل بيسان قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل تثمر؟ قلنا: نعم. قال: أما إنها توشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء قلنا هي كثيرة الماء. قال أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: وعن أي شأتها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قلنا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح الدجال. وإني يوشك أن

ــ

بالحديد، وحذف ((مجموعة)) في الثاني؛ لدلالة الأولى عليها. وقوله:((ما أنت)) كأنهم لما رأوا خلقا عجيبا خارجا عما عهدوه خفي عليهم حاله فقالوا: ما أنت مكان: من أنت، وكذلك قوله لهم: ما أنتم؛ لأنه ما عهد أن إنسانا يطرق ذلك المكان، نظيره في حديث أم زرع: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع ..

قوله: ((قد قدرتم على خبري)) ((قض)): أي تمكنتم من خبري، فإني لا أخفيه عنكم، فأحدث لكم عن حالي فأخبروني عن حالكم، وما أسأله عنكم أولا. و ((بيسان)) بالباء المفتوحة قرية بالشام. ((مح)):((زغر)) بزاي مضمومة ثم غين معجمة ثم راء. وهي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام.

قوله: ((إن ذلك خير لهم أن يطيعوه)) المشار إليه ما يفهم من قوله: ((وأطاعوه)) وقوله: ((أن يطيعوه)) جاء لمزيد البيان، ويجوز أن يكون المشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم و ((خير)) إما خبر لـ ((ذلك)) مسند إلى ((أن يطيعوه)) وعلى هذا لا يكون بمعنى التفضيل. أو يكون ((أن يطيعوه)) مبتدأ، و ((خير)) خبره مقدما عليه، والجملة خبر إن.

((تو)): فإن قيل: يشبه هذا القول قول من عرف الحق، والمخذول من البعد من الله بمكان لم ير له فيه مساهم، فما وجه قوله هذا.

قلنا: يحتمل أنه أراد به الخير في الدنيا، أي طاعتهم له خير لهم؛ فإنهم إن خالفوه

ص: 3464

يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، هما محرمتان على كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها.)) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – وطعن بمختصرته في المنبر:((هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة)) يعني المدينة ((ألا هل كنت حدثتكم؟)) فقال الناس: نعم، ((فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشأم أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو)) وأومأ بيده إلى المشرق رواه مسلم.

ــ

اجتاحهم واستئصلهم، ويحتمل أنه من باب الصرفة صرفه الله تعالى عن الطعن فيه والتكبر عليه وتفوه بما ذكر عنه كالمغلوب عليه والمأخوذ عليه فلم يستطع أن يتكلم بغيره تأييدا لنبيه صلى الله عليه وسلم، والفضل ما شهدت به الأعداء.

قوله: ((صلتا)) ((نه)): أي مجردا، يقال: أصلت السيف إذا جرده من غمده وضربه بالسيف صلتا. قوله: ((بمخصرته)) ((فا)): هو قضيب يشير به الخطيب أو الملك إذا خاطب.

((فا)): المخصرة كالسوط، وكل ما اختصر الإنسان بيده فامسكه من عصي ونحوها فهو مخصرة. وقوله:((هذه طيبة)) لما وافق هذا القول ما كان حدثهم به أعجبه ذلك وسر به فقال

وقوله: (أو بحر اليمن)) لما حدثهم بقول تميم الداري لم ير أن يبين لهم موطنه ومجلسه كل التبيين؛ لما رأي في التباس من المصلحة، فرد الأمر فيه إلى التردد بين كونه في بحر الشام أو بحر اليمن، ولم تكن العرب يومئذ تسافر إلا في هذين البحرين. ويحتمل أنه أراد ببحر الشام ما يلي الجانب الشامي، وببحر اليمن ما يلي الجانب اليماني، والبحر بحر واحد. وهو الممتد على أحد جوانب جزيرة العرب، ثم أضرب عن القولين مع حصول اليقين في أحدهما فقال: لا بل من قبل المشرق.

((شف)): يمكن أنه صلى الله عليه وسلم كان شاكا في موضعه، وكان في ظنه أنه لا يخلو عن هذه المواضع الثلاثة، فلما ذكر بحر الشام وبحر اليمن، تيقن له من جهة الوحي أو غلب على ظنه، أنه من قبل المشرق، فنفي الأولين وأضرب عنهما وحقق الثالث.

قوله: ((ما هو)) ((مح)): قال القاضي: لفظة ما ها هنا زائدة، صلة للكلام وليست بنافية، والمراد إثبات أنه في جهة المشرق. ((تو)): ويحتمل أن يكون خبرا، أي الذي هو فيه، أو الذي

ص: 3465

5483 -

وعن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((رأيتني الليلة عند الكعبة، فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها، فهي تقطر ماء، متكئا على عواتق رجلين، يطوف بالبين، فسألت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح بن مريم)). قال: ((ثم إذا أنا برجل جعد قطط، أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن واضعا يديه على منكبي رجلين، يطوف بالبيت، فسألت من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح الدجال)) متفق عليه. وفي رواية: قال في الدجال: ((رجل أحمر جسيم، جعد الرأس، أعور عين اليمنى، أقرب الناس به شبها ابن قطن)).

وذكر حديث أبي هريرة: ((لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها)) في ((باب الملاحم)).

وسنذكر حديث ابن عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس في ((باب قصة ابن صياد)) إن شاء الله تعالى.

ــ

هو يخرج منه، وفي كتب أهل اللغة في ذكر ابن قترة: حية خبيثة إلى الصغر ما هي، ومن مصطلح الأطباء في ذكر طباع العقاقير ووصف طعم الأدوية: إلى الحرارة ما هو، إلى اليبوسة ما هو، إلى العفوصة ما هو، أي الذي طبعه وطعمه كذا. أي أمر ظهوره من قبل المشرق، وابن قيرة بالياء وكسر القاف كنية نوع من الحيات.

الحديث العشرون عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((هذا المسيح الدجال)) ((تو)): طواف الدجال عند الكعبة من أنه كافر، مؤول بأن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم من مكاشفاته، كوشف بأن عيسى عليه السلام في صورته الحسنة التي ينزل عليها، يطوف حول الدين لإقامة أوده وإصلاح فساده، وأن الدجال في صورته الكريهة التي ستظهر يطوف حول ادين يبغي العوج والفساد.

ووجه تسميته بالمسيح في أحب الوجوه إلينا: أن الخير مسح عنه فهو مسيح الضلالة، كما أن الر مسح عن مسيح الهداية عليه السلام. وقيل: سمي عيسى بن؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برأ، وقيل: لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له. وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن. وقيل: لأنه كان يمسح الأرض. أي يقطعها. وقيل: المسيح الصديق، وسمي الدجال به؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة لا يبصر بها، والأعور يسمى مسيحا.

ص: 3466

الفصل الثاني

5484 -

عن فاطمة بنت قيس في حديث تميم الداري: قالت قال: ((فإذا أنا بامرأة تجر شعرها قال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى ذلك القصر، فأتيته، فإذا رجل يجر شعره، مسلسل في الأغلال، ينزو فيما بين السماء والأرض. فقلت: من أنت؟ قال: أنا الدجال)). رواه أبو داود. [5484]

5485 -

وعن عبادة بن الصامت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا. إن المسيح الدجال قصير، افحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليست بناتئة ولا حجراء فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور)) رواه أبو داود. [5485]

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن فاطمة رضي الله عنها: قوله: ((فإذا أنا بامرأة)) قال في الحديث السابق: ((فلقيتهم دابة أهلب)) وها هنا: ((فإذا أنا بامرأة)) قيل: يحتمل أن للدجال جساستين: إحداهما الدابة، والثانية امرأة، ويحتمل أن الجساسة كانت شيطانة، تمثلت مرة في صورة دابة، وأخرى في صورة امرأة، وللشيطان التشكل بأي شكل أراد، ويحتمل أن تسمى المرأة دابة مجازا: قال تعالى: {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ} .

قوله: (0ينزو)) ((نه)): يقال: نزوت على الشيء أنزوا نزوا إذا وثب عليه، وقد يكون في الأجسام والعاني.

الحديث الثاني عن عبادة قوله: ((حتى خشيت)) حتى غاية ((حدثتكم)) أي حدثتكم أحاديث شتى حتى خشيت أن يلتبس عليكم الأمر فاقلوا. وقوله: ((إن المسيح الدجال)) استئناف وقع تأكيدا لما عسى أن يلتبس عليهم. قوله: ((قصير)) وجه الجمع بينه وبين قوله في الحديث السابق: ((أعظم إنسان رأيناه)) أنه لا يبعد أن يكون قصيرا بطينا عظيم الخلقة، ويحتمل أن الله تعالى يغيره عند الخروج.

ص: 3467

5486 -

وعن أبي عبيدة بن الجراح، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا قد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه)) فوصفه لنا قال: ((لعله سيدركه بعض من رآني أو سمع كلامي)). قالوا: يا رسول الله! فيكف قلوبنا يومئذ؟ قال: ((مثلها)) يعني اليوم ((أو خير)) رواه الترمذي، وأبو داود. [5486]

5487 -

وعن عمرو بن حريث، عن أبي بكر الصديق، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة)) رواه الترمذي. [5487]

5488 -

وعن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سمع بالدجال فلينأ منه، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات)) رواه أبو داود. [5488]

ــ

قوله: ((أفحج)) ((نه)): الفحج تباعد ما بين الفخذين. و ((مطموس العين)) أي ممسوحها، والطمس استئصال أثر الشيء، وقوله:((ولا حجراء)) معنا لا غائرة منحجرة في نقرتها.

الحديث الثالث عن أبي عبيدة: قوله: ((انذر الدجال قومه)) قدم المفعول الثاني على الأول اهتماما بشأنه، فلما حصل علم المخاطبين بالاهتمام نسق الكلام على الأصل في ((أنذركموه)) ولم يقدم الثاني على الأول.

فإن قلت: قوله: ((بعد نوح)) يشعر بأنه غير منذر، وهو مخالف للحديث السابق:((لقد أنذر نوح قومه)).

قلت: غير مخالف؛ لأن الظرف أعني بعد نوح لم يؤت به للتمييز والتفضلة بل للبيان، فلا يشعر بأنه لم ينذر، فبين بالحديث السابق أنه أيضا منذر.

الحديث الرابع والخامس عن عمران: قوله: ((مما يبعث به)) يعني يحسب الشخص أن نفسه مؤمن، فيتبعه لأجل ما يثيره من الشبهات، أي السحر وإحياء الميت وغير ذلك، فيصير كافرا وهو لا يدري.

ص: 3468

5489 -

وعن أسماء بنت يزيد بن السكن، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة، السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كاضطرام السعفة في النار)) رواه في ((شرح السنة)). [5489]

5490 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم السيجان)) رواه في ((شرح السنة)). [5490]

5491 -

وعن أسماء بنت يزيد، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فذكر الدجال، فقال:((إن بين يديه ثلاث سنين: سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها. والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها. والثالثة تمسك السماء قطرها كله، والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلك، وإن من أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت لك إبلك! ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيمثل له الشيطان نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعا، وأعظمه أسمنة)). قال: ويأتي الرجل قد مات أخوه، ومات أبوه، فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك وأخال ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه)). قالت: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجه، ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم. قالت: فأخذ بلحمتي الباب فقال: ((مهيم

ــ

الحديث السادس عن أسماء: قوله: ((السعفة)) هو بفتح العين واحدة السعف، وهو غصن النخل، والكلام محمول على سرعة انقضاء تلك السنين.

الحديث السابع عن أبي سعيد رضي الله عنه قوله: ((السيجان)) ((تو)): السيحان جمع ساج، وهو الطيلسان الأخضر، وقيل: هو الطيلسان الأخضر المنقوش بنسج، كذلك كانت القرنس كانت تعمل منها، أو من نوعها. ومنهم من يجعل ألفها منقلبة عن الواو، ومنهم من يجعلها عن الياء.

الحديث الثامن عن أسماء: قوله: ((بلحمتي الباب)) ((تو)): الصواب: فأخذ بلحفتي الباب، أريد بهما العضادتان، وقد فسر بجانبيه، ومنه ألجاف السرير أن جوانبها، وفي كتاب المصابيح: بلحمتي الباب، وليس بشيء، ولم يعرف ذلك من كتب أصحاب الحديث إلا على ما ذكرنا.

ص: 3469

أسماء؟)) قلت: يا رسول الله! لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال. قال: ((إن يخرج وأنا حي، فأنا حجيجه، وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن)). فقلت: يا رسول الله! والله إنا لتعجن عجيننا فما نخبزه حتى نجوع، فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال:((يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس)) رواه أحمد. [5491]

الفصل الثالث

5492 -

عن المغيرة بن شعبة، قال: ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته، وإنه قال لي:((ما يضرك؟)) قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء. قال: هو أهون على الله من ذلك)) متفق عليه.

ــ

((قض)): ((مهيم)) كلمة يمانية، ومعناه: ما الحال وما الخبر؟. وأسماء منادى حذف منه حرف النداء. قوله: ((لنعجن عجيننا معناه: إنا نعد العجين لنخبزه فلا نقدر على خبزه لما فينا من خوف الدجال حين خلعت أفئدتنا بذكره، فكيف حال من ابتلي بزمانه. فمعنى قوله: ((يجزئهم)) إن الله تعالى يسليهم ببركة التسبيح والتقديس.

((مظ)): ((يجزئهم)) أي يكفيهم ما يكفي الملأ الأعلى من التسبيح والتقديس، يعني من ابتلي بزمانه في ذلك اليوم لا يحتاج إلى الأكل والشرب، كما لا يحتاج الملأ الأعلى إليهما. قوله:((إلا هلك)) حال، يعني لا تبقى ذات ظلف في حال من الأحوال إلا في حال الهلاك.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن المغيرة: قوله: ((وإنه قال لي ما يضرك)) حال أي كنت مولعا بالسؤال عن الدجال، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما يضرك؛ فإن الله تعالى كافيك شره، وقوله:((قلت: إنهم يقولون)) استئناف جواب عن سؤال مقدر، أي سألته يوما عنه، فقال: ما يضرك، أي ما يضلك، قلت: كيف ما يضلني وإنهم يقولون أن معه جبل خبز؟. قوله: ((هو أهون)) ((مح)): قال القاضي: معناه: هو أهون على الله من أن يجعل ما خلقه الله تعالى على يده مضلا للمؤمنين ومشككا لقلوبهم، بل إنما جعله الله ليزداد الذين آمنوا إيمانا، ويلزم الحجة على الكافرين والمنافقين ونحوهم، وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك.

ص: 3470