الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنزاع في هذا الدليل يقع في أمرين:
أحدهما: كون الأمر المشار إليه ممكنا، وقد بينا: أن الشرع لم يأت بما ليس ممكنا.
والثاني: في كون المخبر به صادقا. وعلى أهل كل ملة بيانه بالدليل.
ونحن سنبين صدق محمد- عليه السلام في أثناء هذا الكتاب، حيث يناسب ذكره،- إن شاء الله تعالى- على وجه يقبله كل منصف عاقل.
[المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول]
المقدمة الثالثة:
إن الأحكام العقلية على وزان الأحكام الحسية. ولهذا إذا أشكل على العقلاء أمر عقلي، ضربوا له مثالا حسيا ليتصور لهم. وصور ذلك كثيرة جدا في سائر العلوم، يعرف ذلك من له أدنى نظر في العلم.
وإذا عرفت/ ذلك فاعلم أن الأدلة الشرعية لها مراتب مختلفة بحسب اختلاف مدلولاتها.
فيثبت ببعضها فروع الشريعة دون أصولها، كالخبر المستفيض «1» ، وخبر الواحد «2» ، والقياس الظني «3» ،
(1) انظر الكلام عنه في ص: 570.
(2)
سيأتي الحديث عن خبر الواحد- إن شاء الله- ص: 569.
(3)
القياس: لغة التقدير نحو قست الثوب بالذراع والجراحة بالمسيار وشرعا: حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. وينقسم إلى قطعي وظني، فالقطعي: ما كان الإثبات فيه- أي الادراك- علي وجه الجزم واليقين ويتوقف هذا النوع على العلم بعلة حكم الأصل والعلم بحصولها في-
والاستحسان «1» ، والاستصحاب «2» ، وقول الصحابي «3» ونحوه. ولا تثبت أصول الشريعة إلا بقاطع كالبديهيات والنظريات «4» والمتواترات «5» ونحوها.
- الفرع. وأما الظني فهو: ما كان الإثبات- أي الادراك- على وجه الرجحان وغلبة الظن. أي إذا ظن في علة حكم الأصل أو حصولها في الفرع، أو ظن في أحدهما.
(انظر المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 142، ودراسات في أصول الفقه للدكتور عبد الفتاح الشيخ ص 197).
(1)
الاستحسان: في اللغة: عد الشيء واعتقاده حسنا. تقول استحسنت كذا، أي اعتقدته حسنا، أو طلب الأحسن للاتباع الذي هو مأمور به كما في قوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (الزمر 17 - 18) وفي الاصطلاح: هو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص. وقال به الحنفية، وأنكره غيرهم، وقال المنكرون:" من استحسن فقد شرع"(انظر مقدمة: ابن قدامة وآثاره الأصولية للدكتور عبد العزيز السعيد، والمختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 162، وأدلة التشريع للربيعة ص 155 وما بعدها).
(2)
الاستصحاب: لغة: طلب المصاحبة. واصطلاحا: له عدة تعاريف عند العلماء منها: هو البقاء على الأصل فيما لم يعلم ثبوته وانتفاؤه بالشرع، ويسمى العدم الأصلي عند عدم الدليل الشرعي. وهو دليل مختلف في الاحتجاج به (انظر فتاوى ابن تيمية 11/ 342، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 160، ابن قدامة وآثاره الأصولية متن الروضة ص 155 وما بعدها، التعليقات على الورقات ص 89، أدلة التشريع للربيعة ص 275 وما بعدها).
(3)
الراجح من أقوال العلماء أن قول الصحابي إذا اشتهر ولم يخالفه أحد من الصحابة، ولا عرف نص يخالفه: أنه حجة.
(انظر فتاوى ابن تيمية 20/ 14، 573).
(4)
هكذا في النسخ الثلاث ولعل صحيح العبارة:" كالبديهيات والفطريات نسبة إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها. والله أعلم.
(5)
سيأتي الكلام عن المتواتر في ص: 569.
ووزانه من المحسوسات البناء. فإنه يحتاط لأسه بتخير الآلة الجيدة القوية الثابتة ما لا يحتاط لحشوه وأعلاه، لأن ثبوت أعلاه بأسّه.
وفائدة هذه المقدمة: أن يستند إليها في أن كل ما أورده علينا من الأخبار التي حقها أن لا تثبت بمثلها الأصول، لا ترد علينا، ولا تلزمنا لأن تلك أخبار توجب العمل دون العلم، لكونها مظنونة الثبوت. وإن كانت في البخاري «1» ومسلم «2» ، لاحتمال وقوع علة قادحة في طريقها، فلا تقوى على إثبات أصل، ولا على أن يقدح بها في أصل، خصوصا وقد دخلها تصرف الرواة في الرواية بالمعنى. وقد أورث ذلك إشكالا عظيما في أحكام الفروع، واختلافا جمّا بين أهل العلم.
فنقول في مثل تلك الأحاديث: هذه لا نثبت بها أصلا، ولا ترد علينا نقصا «3» . وإنما المعتمد على ما يثبت به ذلك «4» .
(1) تقدمت ترجمته ص: 61 من القسم الدراسى.
(2)
تقدمت ترجمته ص: 175 من القسم الدراسي.
(3)
في (م): نقصا.
(4)
تقدمت الإشارة إلى أن الخبر عند بعض المحدثين والفقهاء إما متواتر أو آحاد، والآحاد إما مشهور مستفيض أو خبر واحد، وسيأتي تعريف المتواتر وتعريف المشهور المستفيض، وأنه على الرأي الراجح حجة ما دامت روايته صحيحة وتلقته الأمة بالقبول. وكذا خبر الواحد حجة للعمل به في الدين والدنيا كما سبق أن أوضحت هذا في قسم الدراسة ورددت على الطوفي وغيره من الأصوليين فيما ذهبوا إليه في حجية خبر الواحد.