الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: حياة الطوفي
* مولده ونسبه.
* كنيته ولقبه.
* نشأته وأسرته.
* طلبه للعلم وفقهه.
* شيوخه.
* تلامذته.
* آثاره العلمية.
* عقيدته ومذهبه.
* وفاته وأقوال الناس فيه.
الفصل الثاني: حياة الطوفي «1» :
1 -
اسمه:
هو الشيخ العلامة سليمان بن عبد القوي «2» بن عبد الكريم بن سعيد بن الصفي «3» .
2 -
كنيته ولقبه:
يكنى بأبي الربيع، وأبي العباس، ويلقب بنجم الدين «4» ، الطوفي «5» ، الصرصري ثم البغدادي فالدمشقي ثم المصري الحجازي فالمقدسي «6» .
(1) ترجمته في: الدرر الكامنة 2/ 154 - 157، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 366 - 370، وشذرات الذهب 6/ 39 - 40، والأنس الجليل 2/ 257، وجلاء العينين ص 36 - 37، ومرآة الجنان 4/ 255، وبغية الوعاة ص 262، والمصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي، وكشف الظنون، إيضاح المكنون في عدة أماكن، والأعلام 3/ 127 - 128.
(2)
في الأنس الجليل، وكشف الظنون (2/ 688): سليمان بن عبد الله بن عبد الكريم. وفي كشف الظنون (2/ 96) وإيضاح المكنون (1/ 83، 1/ 443): سليمان بن عبد الله بن عبد القوي بن عبد الكريم.
(3)
في ذيل طبقات الحنابلة، وجلاء العينين: المعروف بابن البوقي. وفي هامش الدرر الكامنة نقلا عن طبقات الحنابلة: والشطي، وفي كشف الظنون (1/ 443): المعروف بابن السوقي.
(4)
في كشف الظنون (1/ 1616): محي الدين.
(5)
في الأنس الجليل، وكشف الظنون (2/ 688): الطوخي.
(6)
في مرآة الجنان: النسفي.
والطوفي: بضم الطاء واسكان الواو وبعدها فاء: نسبة إلى (طوف) أو (طوفى)«1» قرية تبعد عن بغداد بفرسخين.
والصرصري: نسبة إلى صرصر: موضع من نواحي بغداد ومن قرى نهر الملك ومنها: العليا والسفلى: والعليا على جانبه الشمالي، وهي في طريق الحاج، وهذه تعرف بصرصر الدير لأن ديرا كان فيها «2» .
3 -
مولده:
اختلف الذين ذكروا سنة ولادة الطوفي من المترجمين له، فابن رجب الحنبلي «3» يقول:" ولد سنة بضع وسبعين وستمائة بقرية طوفى من أعمال صرصر". وتابعه في ذلك: أبو اليمن العليمي «4» في الأنس الجليل، وابن العماد «5» في شذرات الذهب.
(1) في الأنس الجليل: طوخي، وهو تصحيف.
(2)
انظر مراصد الاطلاع 2/ 838).
(3)
زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي المشهور بابن رجب المتوفى سنة خمس وتسعين وسبعمائة للهجرة. (انظر مقدمة ذيل طبقات الحنابلة).
(4)
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العليمي المقدسي الحنبلي مجير الدين العمري المنتهي نسبه إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما المتوفى سنة ثمان وعشرين وتسعمائة للهجرة (انظر مقدمة الأنس الجليل).
(5)
أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد المعروف بابن العماد العكري الدمشقي الحنبلي العالم الأديب المؤرخ المتفنن المتجول في المذاكرة والاستحضار والتمتع بالخزائن العلمية وتقييد الشوارد من كل فن. توفي سنة تسع وثمانين وألف، ودفن بالمعلاة بمكة المكرمة. (انظر مقدمة تحقيق شذرات الذهب).
وقال ابن الألوسي «1» في جلاء العينين: ولد سنة بضع وستمائة
…
وبعضهم لم يذكر السنة التي ولد فيها. ولكن ذكرها على وجه التحديد الامام ابن حجر العسقلاني «2» في كتابه الدرر الكامنة، ولكنه خالف ابن رجب ومن تابعه حيث ذكر أنه ولد عام سبعة وخمسين وستمائة للهجرة.
وقد رجح الدكتور مصطفى أبو زيد في كتابه" المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي ص 68 - 69 أنه ولد سنة خمس وسبعين وستمائة للهجرة فقال:" والذي يبدو أن الطوفي ولد عام 675 هـ" فحرف الرقم إلى 657 هـ في كتب ابن حجر ذلك أن المؤلفات التي بدأ بها الطوفي حياته العلمية ومن بينها:" الاكسير في قواعد التفسير" وقد ألفه قبل أن ينتهي القرن السابع يبدو فيها طابع الشباب الذي كان الطوفي يجتاز مرحلته حينذاك، إذ لم يكن فيها من دلائل ثورة الطوفي الفكرية وتحرره شيء، وكان معظم ما فيها تكرار لمن سبقه، مع شيء من التنظيم.
ورد هذا الترجيح الدكتور حمزة الفعر في رسالته التي تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه بعنوان: سواد الناظر وشقائق الروض الناضر في أصول الفقه للكناني «3» تحقيق ودراسة.
(1) نعمان بن محمود بن عبد الله، أبو البركات خير الدين الألوسي الواعظ الفقيه الباحث ولد ونشأ ببغداد وتولى القضاء في بلاد متعددة. توفي ببغداد سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف للهجرة (مقدمة جلاء العينين).
(2)
أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني المصري المولد والمنشأ والوفاة الشافعي المذهب شهاب الدين أبو الفضل المحدث المؤرخ، الأديب الشاعر المتوفى سنة تسع عشرة وثمانمائة للهجرة.
(معجم المؤلفين 1/ 20 - 21).
(3)
أبو الحسن علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن علي بن عبد الله الكناني العسقلاني الحنبلي المتوفى سنة 777 هـ. (انظر ترجمته الوافية في مقدمة الرسالة المذكورة ص 118 - 139).
وذكر عدة أمور ترجح أن مولده في سنة سبع وخمسين وستمائة للهجرة هي:
1 -
أن ما ذكره الإمام ابن حجر من أن مولده عام 657 هـ، ليس محرفا عن عام 675 هـ بدليل أنه لم يوجد من ينص على أن الطوفي ولد في عام 675 هـ حتى يمكن التسليم بأنه محرف عنه، وإنما ذكر ابن رجب ومن تابعه أنه ولد عام بضعة وسبعين وستمائة وليس في هذا نص على أنه ولد عام 675 هـ.
2 -
أن الذي ذكر أنه ولد في عام بضعة وسبعين إنما هو ابن رجب وحده ونقل عنه ابن العماد والعليمي هذا، فهم اعتمدوا على ما ذكره ابن رجب وعليه فإن القائل واحد هو ابن رجب.
3 -
أن ما ذكره ابن رجب مبهم وهو قوله بضع وسبعين، وما ذكره ابن حجر صريح لا يحتمل، فيتعين المصير إليه، فلا يقال لعل الناسخ حرف لأن هذا الفرض لا دليل عليه، وهو معارض بمثله، إذ يمكن أن يفرض هذا فيما ذكره ابن رجب" ا. هـ
قلت: ثم إن نسخ كتاب ابن حجر كلها المطبوعة والمخطوطة متفقة على أن ولادته سنة سبع وخمسين وستمائة للهجرة. فلا دليل على التحريف.
4 -
يقول الدكتور حمزة:" حفظ الطوفي لمختصر الخرقي «1» ، واللمع
(1) أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي نسبة إلى بيع الخرق والثياب، أحد الأئمة الحنابلة، صنف في مذهبهم كتبا كثيرة منها هذا المختصر الذي اشتغل به أكثر المبتدءين في فقه الحنابلة. وأكثر كتبه احترقت ببغداد. توفي في دمشق سنة 334 هـ. (انظر طبقات الحنابلة 2/ 75 - 118، ووفيات الأعيان 3/ 441، وتاريخ بغداد 11/ 234).
لابن جني «1» وقراءته للفقه بصرصر، وحفظه للمحرر، ومجالسته لأكابر العلماء في بغداد وبحثه فنون العلم، وتأليفه لكتاب الإكسير قبل نهاية القرن السابع. كل هذا يشعر بتقدم ولادته عما ذكر ابن رجب" اه.
قلت: وقول الدكتور مصطفى أبو زيد:
…
إذ لم يكن فيها من دلائل ثورة الطوفي الفكرية وتحرره شيء". يرد عليه بأن قول الطوفي في مقدمة الإكسير:" ولم أضع هذا القانون لمن يجمد عند الأقوال، ويصمد لكل من أطلق لسانه وقال، بل وضعته لمن يغتر بالمحال، وعرف الرجال بالحق، لا الحق بالرجال وجعلته
…
" يدل على ثقته بنفسه واعتداده بها وأنه صاحب فكر قوي لا يصل إليه إلا من بلغ في العلم مكانة مرموقة.
ولهذا كله فإني أرجح ما سبقنى إليه الدكتور حمزة الفعر، من أن ولادة الطوفي كانت سنة سبع وخمسين وستمائة للهجرة. والله أعلم.
نشأته وأسرته:
كانت نشأته الأولى في قريته" طوفى" وكان أثناء ذلك يتردد على أهل العلم بصرصر القريبة من بغداد وبقي بتلك القرية حتى سنة إحدى وتسعين
(1) أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي المشهور بإمامته في العربية. كان أبوه روميا مملوكا. وله تصانيف مفيدة في النحو منها المذكور. وله شعر، وشروح لبعض دواوين الشعراء، وكان المتنبئ يقول:" ابن جني أعرف بشعري مني". توفي ببغداد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة للهجرة.
(انظر: وفيات الأعيان 3/ 246 - 248، وشذرات الذهب 3/ 140 - 141، والأعلام 4/ 204).
وستمائة ثم دخل بغداد.
ولم يذكر المؤرخون للطوفي عن أسرته شيئا ولكن يبدو أنها كانت تسكن قرية طوفى حتى انتقل الى بغداد فانتقلت معه ثم انتقلت معه إلى دمشق ثم إلى مصر وقوص وكانت معه عند ما نزل بيت المقدس في آخر حياته. يقول ابن حجر في الدرر الكامنة:" وكان موته ببلد الخليل
…
وعاش أبوه بعده سنوات.
طلبه للعلم وفقهه وأدبه:
جد الطوفي- رحمه الله في طلب العلم منذ الصغر، فقد بدأ في قريته" طوفى" يطلب العلم ويتصل بالعلماء ويجلس في مجالسهم لطلبه، ويحفظ المتون، والمختصرات.
ففي طوفى تتلمذ على بعض شيوخها، وحفظ مختصر الخرقي، واللمع لابن جنى، ثم أخذ يتردد على صرصر، فقرأ الفقه بها على الشيخ شرف الدين على بن محمد الصرصري الحنبلي «1» ، ثم دخل بغداد سنة إحدى وتسعين وستمائة وقرأ العلوم وناظر وبحث ببغداد. فحفظ المحرر في الفقه للإمام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية «2» ، ثم بحثه على شيخه تقي الدين
(1) ستأتي ترجمته في شيوخ الطوفي.
(2)
مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية الحراني جد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم. ولد مجد الدين بحران وحدث بالحجاز والعراق والشام ثم ببلده حران التي توفي بها سنة اثنتين وخمسين وستمائة للهجرة.
(انظر فوات الوفيات 2/ 323 - 324، وشذرات الذهب 5/ 212، والأعلام 4/ 6).
الزريراتي «1» ، ثم قرأ العربية على شيخه أبي عبد الله الموصلي «2» ، وتلقى أصول الفقه على النصير الفاروثي «3» وغيره، وسمع الحديث عن مجموعة من العلماء منهم:
الرشيد بن القاسم «4» ، وابن الطبال «5» ، والحفيد الحراني «6» ، وأبو بكر القلانسي «7» وغيرهم
…
في المدرسة المستنصرية وغيرها.
وقد درس الجدل، وأفرد مؤلفا للجدل في القرآن الكريم، ودرس المنطق والفرائض، وكان لدراسته للجدل والمنطق أثر في معظم مؤلفاته بعد ذلك، لأنه صار جريئا في تفكيره، حر الرأي إلى حد بعيد.
ولقد أصبح الطوفي في بغداد فقيها أصوليا بارعا، واختار مذهب الامام أحمد فكان أحد فقهاء الحنابلة في بغداد، كما أصبح في نفس الفترة شاعرا أديبا، وهكذا كان طلبه للعلم في بغداد مقبلا على العلم والدرس والقراءة والحفظ ثم التصنيف.
وفي سنة 704 هـ سافر إلى دمشق فكان موضع التقدير والإجلال من
(1) ستأتي ترجمته في شيوخ الطوفي.
(2)
ستأتي ترجمته في شيوخ الطوفي.
(3)
ستأتي ترجمته في شيوخ الطوفي.
(4)
ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.
(5)
ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.
(6)
ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.
(7)
ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.
الفقهاء والمحدثين فيها والعلماء كافة، ولم ينقل عنه أنه انحرف عما هو عليه في الفقه والتفكير، وجلس في حلقات شيخ الإسلام ابن تيمية كما سيأتي، ودرس عليه ابن تيمية النحو أياما والتقى بالعلماء الأفاضل في دمشق منهم الشيخ أبو الحجاج المزى «1» ، والشيخ أبو محمد القاسم البرزالي الإشبيلي «2» وتقي الدين بن حمزة «3» وهم من أعيان المذهب الحنبلى، وقد سمع عن ابن حمزة الحديث أيضا.
وبعد عام من نزوله دمشق توجه تلقاء القاهرة بمصر، وحرص على طلب العلم وسمع العلماء، فسمع فيها الحديث من الحافظ عبد المؤمن بن خلف «4» وسمع من القاضي سعد الدين الحارثي «5» ، وقرأ على أثير الدين أبي حيان النحوي مختصره لكتاب سيبويه، وتولى الإعادة أو التدريس بالمدرسة الصالحية التي ألف فيها هذا الكتاب" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية"، ثم تولى الإعادة بالمدرسة المنصورية، التي أعاد فيها النظر في هذا الكتاب فقرأه، وألحق به بعض الفوائد سنة ثمان وسبعمائة للهجرة، ثم تولى الإعادة بعد ذلك في الناصرية حتى نفي إلى قوص في صعيد مصر بسبب سوء الصلة بينه وبين شيخه سعد الدين الحارثي، فقد خالفه الطوفي في بعض ما قرره سعد الدين في أحد الدروس ويبدو أن الطوفي كان مقتنعا برأيه إلى درجة أغضبت شيخه وفسرت بأنها إساءة أدب مع
(1) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.
(2)
ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.
(3)
ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.
(4)
ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.
(5)
ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.
أستاذه الذي يكرمه ويبجله، فثار لأستاذه ابنه شمس الدين عبد الرحمن «1» فوكل أمر الطوفي إلى بدر الدين بن الحبال «2» ،- أحد النواب- أو رجال الإدارة في تلك السنة- وسرعان ما أشهد هذا عليه بالرفض، وأخرج بخطه هجوا في الشيخين
…
ثم مضت الحيلة في الطريق المرسوم فعزر الطوفي وطيف به ثم نفي إلى قوص وقيل: نفي إلى الشام، وكان قد هجا أهلها فتوجه إلى دمياط ثم إلى قوص ولقي بها جماعة من العلماء.
وبقي في قوص عدة سنوات ولم يتوان عن القراءة والاطلاع والتحصيل فقرأ الحديث وصنف كثيرا من الكتب حتى يقال: إن له خزانة كتب بقوص.
يقول كمال الدين جعفر الأدفوي «3» :" كان كثير المطالعة، أظنه طالع أكثر كتب خزائن قوص"«4» .
واشتغل فيها بالتأليف فقد ألف فيها عددا من كتبه منها" الصعقة الغضبية في الرد على منكري العربية".
(1) عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري، الفقيه المناظر الأصولي، ولد سنة إحدى وسبعين وسبعمائة للهجرة، وسمع من والده وغيره بمصر، وبدمشق من جماعة منهم: ابن النحاس، وفي الاسكندرية من شهاب الدين أحمد القرافي. توفي بالقاهرة سنة 732 هـ.
(انظر الدرر الكامنة 2/ 347، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 420 - 421).
(2)
محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي الفرج الحراني الحنبلي نزيل مصر، فقيه ولد بعد سنة سبعين وستمائة تقريبا، ناب في الحكم بظاهر القاهرة، وله شرح مختصر الخرقي، وغيره. توفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة للهجرة. (انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 442، وشذرات الذهب 6/ 157).
(3)
جعفر بن ثعلب بن جعفر أبو الفضل، المؤرخ، وله علم بالفقه والفرائض والأدب، ولد بأدفو بصعيد مصر، وتعلم في قوص والقاهرة، توفي في القاهرة سنة 748 هـ. (انظر شذرات الذهب 6/ 153، والدرر الكامنة 1/ 535).
(4)
الدرر الكامنة 2/ 5.
ثم رحل إلى الحجاز فحج وجاور في الحرمين سنة 714 هـ وقرأ بها كثيرا من الكتب ثم رحل إلى القدس فبقي فيها حتى توفي سنة 716 هـ.
ولم ينقطع عن العلم والتحصيل والتأليف وكان آخر مؤلف ألفه في بيت المقدس هو كتابه" الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية".
وللطوفي مشاركات أدبية. يقول العليمي- رحمه الله:" وله نظم كثير رائق وقصائد في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقصيدة طويلة في مدح الإمام أحمد- رضي الله عنه «1» أولها:
ألذ من الصوت الرخيم إذا شدا وأحسن من وجه الحبيب إذا بدا ثناء على الحبر الهمام ابن حنبل إمام التقى محي الشريعة أحمدا «2» قلت: ومن مدحه له أيضا:
روى ألف ألف من أحاديث أسندت وحصلها حفظا بقلب محصل
(1) أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي، أصله من مرو، وكان أبوه والي سرخس، ولد أحمد ببغداد ونشأ منكبا على طلب العلم، وسافر في سبيله كثيرا، وكان إمام المذهب الحنبلي ومن أشهر مصنفاته المسند. في أيامه كانت فتنة القول بخلق القرآن، سجن وعذب وجلد من أجلها، لامتناعه عن القول بخلق القرآن، وخرج من السجن بعد أن قضى فيه ثمانية وعشرين شهرا سنة 120 هـ. توفي في عهد المتوكل سنة 141 هـ.
[انظر صفوة الصفوة 2/ 336 - 358، والأعلام 1/ 203].
(2)
انظر الأنس الجليل 2/ 256.
أجاب على تسعين ألف قضية بحدثنا لا من صحائف نقل
وقال ابن حجر- رحمه الله:" وله قصيدة في المولد أولها:
إن ساعدتك سوابق الأقدار فأنخ مطيك في حمى المختار وقصيدة في ذم أهل الشام أولها:
جد للمشوق ولو بطيف كلام
…
اه «1»
ومن شعر الطوفي في ذم دمشق:
قوم إذا دخل الغريب بأرضهم أضحى يفكر في بلاد مقام
بثقالة الأخلاق منهم والهواء والماء وهي عناصر الأجسام
ووعورة الأرضين فامش وقع ونم كبعير المستعجل التمتام
بجوار قاسيون هم وكأنهم من جرمه خلقوا بغير خصام «2»
وله قصيده في العقيدة «3» .
كما أن مؤلفاته الأدبية: الرحيق المسلسل في الأدب، وموائد الحيس في شعر امرئ القيس، والشعار المختار علي مختار الأشعار، وشرح مقامات الحريري، وغيرها تدل على مكانته في الأدب والشعر.
(1) الدرر الكامنة 2/ 157.
(2)
الدرر الكامنة 2/ 155.
(3)
كشف الظنون 2/ 1343.
شيوخه:
عرفنا مما تقدم حرص الطوفي على اتصاله بالعلماء، ومجالسهم منذ صغره وهو في قريته" طوف" أو طوفى" وكيف" يتردد على مشايخ صرصر، ثم قربه من مشاهير بغداد والأخذ عنهم، بل لقد أمضى جل عمره في التنقل بين بغداد ودمشق، والقاهرة، والصعيد، والحرمين الشريفين، يجالس العلماء الفضلاء، فيرشف من ينابيع علومهم وشتى فنونهم، مسترشدا بكتب العلماء السابقين له، واستظهارها حفظا.
ومن أشهر العلماء الذين جالسهم وطلب العلم على أيديهم وأروى بهم ظمأه في طلب العلم:
1 -
زين الدين علي بن محمد الصرصري، وهو شيخه في قريته طوف.
ذكره المؤرخون للطوفي ومنهم ابن رجب- رحمه الله في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وابن حجر- رحمه الله في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (2/ 154)، ولم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع في تاريخ الأعلام.
2 -
الشيخ تقي الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل ابن أبي البركات بن مكي بن أحمد الزريراتي، البغدادي
، فقيه العراق ولد في جمادى الآخر سنة ثمان وستين وستمائة. وحفظ القرآن وله سبع سنين وسمع الحديث من إسماعيل بن الطبال- الآتية ترجمته قريبا- وغيره. وتفقه ببغداد على جماعة من العلماء ثم ارتحل إلى دمشق فقرأ مذهب الإمام أحمد على جمع من العلماء الحنابلة فيها، ثم عاد إلى بلده، وكان عارفا بأصول الدين والفقه والفرائض والحديث وأسماء الرجال والتواريخ واللغة العربية. وانتهت إليه
رئاسة الفقه في العراق. وله اليد الطولى في المناظرات والبحث ومعرفة مذاهب الناس، وكان يرجع إلى ما يقول. حتى ابن المطهر شيخ الشيعة «1» في عهده كان الشيخ تقي الدين يبين له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له. وقال له بعض أئمة الشافعية يوما: أنت اليوم شيخ الطوائف ببغداد.
درس في المستنصرية، وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشرين من جماد الأولى سنة تسع وسبعمائة ودفن بمقبرة الإمام أحمد. ومدحه الناس ورثوه كثيرا، وقد قرأ عليه الطوفي كتاب المحرر «2» .
3 -
النصير الفاروثي «3» :
نصير الدين أبو بكر عبد الله بن عمر بن أبي الرضي الفاروثي الشافعي، (بضم الراء بعدها واو ساكنة آخره ثاء مثلثة) قرية من قرى شيراز، وسكن بغداد ثم قدم دمشق وكان ممن التقى به من العلماء البرزالي وقد ترجم له في تاريخه فهو
(1) الحسن، ويقال: الحسين بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي من أئمة الرافضة، وعلمائهم الكبار، ولد بالحلة بالعراق، وسكنها ومات فيها، له كتب كثيرة تبين انحرافه وسوء عقيدته، ومنها كتابه:" منهاج الكرامة، أو الندامة" الذي رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بكتاب منهاج السنة توفي ابن المطهر سنة 726 هـ. (انظر الأعلام 2/ 227 - 228، والدرر الكامنة 2/ 71).
(2)
انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 410 - 412، 366، والدرر الكامنة 2/ 154، وشذرات الذهب 6/ 89 - 90.
(3)
في الدرر الكامنة" ط دار الجيل نصير الدين الفاروقي. وجاء في شذرات الذهب 6/ 39 أن ممن قرأ عليهم الطوفي:" النصير الفارقي" وفي ذيل طبقات الحنابلة 2/ 366:" النصر الفاروقي" والصحيح ما أثبتناه نسبة إلى قرية فاروث- والله أعلم-.
يقول عنه:" قدم علينا دمشق، وكان يعرف الفقه والأصلين والعربية والأدب، وكان جيد المناظرة
…
"
وقال الذهبي:" قدم دمشق وتكلم فظهرت فضائله".
درس الفاروثي- رحمه الله في المدرسة المستنصرية ببغداد وغيرها من المدارس الكبار. وكان من كبار الشافعية. توفي- رحمه الله في بغداد سنة ست وسبعمائة للهجرة «1» .
4 -
أبو عبد الله محمد بن الحسين الموصلي:
هكذا ذكره المؤرخون للطوفي كابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 366)، وابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 154)، والسيوطي في بغية الوعاة (1/ 95)، ولم أجد له ترجمة فيما استطعت الوصول إليه من مراجع الأعلام.
5 -
إسماعيل بن الطبال:
وهو إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن حمزة المبارك الأزجي الحنبلي، أبو الفضل عماد الدين ابن الطبال. شيخ الحديث بالمدرسة المستنصرية ببغداد.
ولد سنة إحدى وعشرين وستمائة للهجرة وسمع جامع الترمذي على عمر
(1) انظر ترجمته في الدرر الكامنة 2/ 281، وشذرات الذهب 6/ 13 - 14.
ابن كرم «1» ، وسمع منه الحديث ومن ابن روزبه «2» ، ومن القطيعي «3» صحيح البخارى «4» ، وحدث بصحيح البخاري وبسنن النسائي «5» عن القطيعي، وولي
(1) عمر بن كرم بن أبي الحسن أبو حفص الدينوري ثم البغدادي الحمامي، ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة للهجرة سمع الحديث من عدد من العلماء وكان صالحا توفي سنة 629 هـ (انظر شذرات الذهب 5/ 132).
(2)
أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبه البغدادي القلانسي العطار الصوفي حدث بالصحيح ببغداد وحران وحلب وغيرها توفي فجأة في ربيع الآخر سنة 633 هـ وقد نيف على التسعين. (انظر شذرات الذهب 5/ 160).
(3)
أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر البغدادي المحدث المؤرخ، وهو أول شيخ ولي المستنصرية توفي في ربيع الآخر سنة 634 هـ (انظر شذرات الذهب 5/ 168).
(4)
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن بردزبة البخاري نسبة إلى بخارى أعظم مدن ما وراء النهر- الجعفي- لأن جده المغيرة أسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي والي بخارى- ولد البخاري سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة. وأخذ يحفظ الحديث وهو دون العاشرة
…
روي عنه أنه قال:" أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح" امتحنه جماعة من أهل الحديث في مائة حديث مغلوطة الأسانيد فرواها على الوجه الصحيح تلقى الناس عنه ولم يبلغ الثامنة عشرة. له آراء فقهية مشهورة. من أشهر كتبه" الصحيح" الذي لم يضع فيه حديثا حتى يصلي ركعتين ويستخير الله في وضعه، بعد استكمال وسائل الدقة والصواب.
توفي- رحمه الله سنة ست وخمسين ومائتين من الهجرة. (الرسالة المستطرفة ص 9، وتاريخ بغداد 2/ 20 وما بعدها).
(5)
هو أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن علي، وقيل أحمد بن شعيب بن علي القاضي الحافظ شيخ الإسلام الشافعي صاحب السنن الكبرى، والصغرى، كان مهيبا قويا لا يحب مجالس السلطان. توفي- رحمه الله سنة ثلاث وثلاثمائة للهجرة. (انظر طبقات الشافعية 2/ 83 - 84 والبداية والنهاية 11/ 123 - 124).
مشيخة المستنصرية بعد ابن أبي القاسم- الآتي- وكان مكثرا. أخذ عنه جماعة كبيرة من العلماء، مات ببغداد في شهر شعبان سنة ثمان وسبعمائة للهجرة «1» .
6 -
الرشيد ابن أبي القاسم:
هو رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن أبي القاسم البغدادي الحنبلي مقرئ، محدث صوفي كاتب، ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة وسمع الحديث من كثير من العلماء كابن روزبه- المتقدم- وغيره من علماء الحديث وعني بالحديث، وسمع الكتب الكبار، وكان من أعيان بغداد، عالما صالحا حسن الأخلاق من أجلاء أهل العدل، سمع تحديثه خلق كثير من أهل بغداد والرحالين إليها، وانتهى إليه علو الإسناد، توفي في جماد الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد «2» .
7 -
المفيد عبد الرحمن بن سليمان:
مفيد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سليمان بن عبد العزيز المجلخ الحربي، الضرير، الفقيه، معيد الحنابلة في المستنصرية ببغداد. سمع من الشيخ مجد الدين ابن تيمية وغيره من المتأخرين روى كتاب الخرقي- الذي حفظ مختصره الطوفي في قريته طوفى- عن شيوخه.
(1) انظر ترجمته في الدور الكامنة (1/ 369 - 370) وفي شذرات الذهب (6/ 16).
(2)
انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 353 - 354) وفي الدور الكامنة (2/ 154) وفي شذرات الذهب (6/ 15 - 16).
كان من كبار الشيوخ وأعيانهم، فقيها محدثا عارفا بالعربية سمع منه جماعة من شيوخ الحنابلة. وتوفي في سنة سبعمائة للهجرة «1» .
8 -
المحدث أبو بكر القلانسي:
هو جمال الدين أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر القلانسي الباجسري ثم البغدادي الحنبلي. ولد في جماد الآخرة سنة أربعين وستمائة للهجرة، وعني بالحديث، وسمع الكثير، وتفقه وكتب الكثير بالخط الجيد المتقن، وسمع من جماعة من العلماء وكان صدوقا، والظاهر أنه كان قارئ الحديث بالمستنصرية البغدادية، وقيل: إنه ولي حسبة بغداد. خرج لغير واحد من الشيوخ وسمع جماعة من المحدثين منهم الإمام الذهبي- رحمه الله توفي ببغداد في شهر رجب سنة أربع وسبعمائة للهجرة «2» .
9 -
القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة:
هو: القاضي تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي، ولد في منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة للهجرة، وكان فقيها إماما محدثا وتفرد في زمانه، حضر على مجموعة من العلماء: صحيح البخاري، وسمع من جماعة المحدثين، قال بعض العلماء: شيوخه بالسماع نحو مائة شيخ وبالإجازة أكثر من سبعمائة،
(1) انظر ذيل طبقات الحنابلة (2/ 344)، وشذرات الذهب (5/ 456 - 457).
(2)
انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 353، وشذرات الذهب 6/ 10، الدرر الكامنة 1/ 216، 1/ 157.
كان كثير العبادة والتهجد حسن الخلق، قوي النفس، لين الجانب، متوددا إلى الناس، حريصا على قضاء الحوائج، وعلى النفع المتعدي. توفي ليلة الاثنين حادي عشر ذي القعدة سنة خمس عشرة وسبعمائة للهجرة بمنزله فجأة بعد صلاة المغرب «1» .
10 -
ابن تيمية:
شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية الحراني، الدمشقي الحنبلي.
ولد في حران يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة للهجرة، وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر، فكان إمام عصره بلا مدافعة في الفقه والحديث والأصول والنحو واللغة وغير ذلك. قرأ العربية على سليمان بن عبد القوي الطوفي- تلميذه هذا- أياما في دمشق. رحل إلى مصر وتعصب عليه مجموعة من العلماء فيها فحبس، وجرت له عدة محن وحبس من أجلها في دمشق ومصر، كان يجاهد بنفسه مع الجيوش التتار والصليبيين وله مواقف جليلة في نصرة دين الله ونصرة المذهب الحق- مذهب أهل السنة والجماعة- ومؤلفاته لا تحصى كثرة. توفي رحمه الله في دمشق ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة في سجنه بقلعة دمشق «2» .
(1) انظر البداية والنهاية 14/ 75، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 364 - 366، والدرر الكامنة (2/ 146 - 147).
(2)
انظر ترجمته في مقدمة الجواب الصحيح بتحقيق الدكتور علي بن حسن العسيري، وفي البداية والنهاية 14/ 135 - 140، وفي النجوم الزاهرة 9/ 271 - 272، وفي ذيل طبقات الحنابلة 3/ 387 - 408، وغيرها.
11 -
الحافظ المزي:
الحافظ أبو الحجاج جمال الدين أبو محمد يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي الكلبي المزي، محدث الديار الشامية في عصره، ولد بظاهر حلب، في عاشر ربيع الثاني سنة أربع وخمسين وستمائة للهجرة، ونشأ بالمزة قرب دمشق.
حفظ القرآن الكريم، وعني باللغة العربية وبرع فيها، وأتقن النحو والتصريف، ولي دار الحديث الأشرفية، شافعي المذهب وصاحب حياء وسكينة، واحتمال وقناعة، وقلة كلام، إلا أنه إذا سئل أجاب وأجاد، برع في معرفة الرجال، وشدت إليه الرحال من أجل ذلك، ومما يشهد بذلك كتابه تهذيب الكمال: في أربعة عشر مجلدا، توفي- رحمه الله في ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة للهجرة، ودفن بجوار زوجته الصالحة الحافظة لكتاب الله في مقبرة الصوفية بدمشق «1» .
12 -
مجد الدين الحراني:
مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الفراء الحراني، ثم الدمشقي، الفقيه الحنبلي شيخ المذهب، ولد سنة خمس أو ست وأربعين وستمائة للهجرة بحران، ثم قدم دمشق مع أهله سنة إحدى وسبعين، فسمع بها من جماعة من المحدثين والعلماء، وسمع المسند وتصدى للاشتغال والفتوى مدة طويلة، قال عنه الطوفي:" كان من أصلح خلق الله وأدينهم، كأن على
(1) انظر فوات الوفيات 4/ 353 - 355، والدليل الشافعي على المنهل الصافي: 2/ 803، والبداية والنهاية 14/ 191 - 192.
رأسه الطير، وكان عالما بالفقه والحديث، وأصول الفقه، والفرائض، والجبر، والمقابلة" اه، وقال الذهبى «1»:" كان شيخ الحنابلة" اه، ويقال: إنه أقرأ المقنع مائة مرة، كان كثير البكاء، رقيق القلب، توفي في ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى، سنة تسع وعشرين وسبعمائة للهجرة بالمدرسة الجوزية، ودفن بمقابر الباب الصغير بدمشق «2» .
13 -
محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل:
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل البعلي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي اللغوي، ولد سنة خمس وأربعين وستمائة للهجرة في بعلبك وسمع بها وبدمشق، وعني بالحديث وقرأ العربية واللغة على ابن مالك «3» حتى برع في ذلك. وشرح ألفية ابن مالك، كان غزير الفوائد صالحا متواضعا على طريقة السلف. توفي بالقاهرة في ثامن عشر المحرم سنة تسع وسبعمائة ودفن بالقرافة «4» .
(1) الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبي، ولد سنة 673 هـ
من أسرة تركمانية الأصل، وعرف بالذهبي نسبة إلى صنعة أبيه. مشهور بطول باعه في الحديث، ومؤلفاته تشهد بذلك. توفي- رحمه الله سنة 748 هـ.
(انظر البداية والنهاية 14/ 225، ومقدمة تحقيق الجزء الأول من سير أعلام النبلاء).
(2)
انظر ترجمته في البداية والنهاية 14/ 146، وفي شذرات الذهب 6/ 89.
(3)
محمد بن عبد الله بن مالك جمال الدين الطائي الحيّاني الشافعي النحوي، نزيل دمشق، وتصدر بحلب لاقراء العربية، وكان إماما في القراءات وعللها وله الألفية المشهورة في النحو، توفي سنة 672 هـ (انظر فوات الوفيات 3/ 407 - 408، وطبقات الشافعية 5/ 28).
(4)
انظر الدرر الكامنة 4/ 140 - 141، وشذرات الذهب 6/ 20 - 21.
14 -
الحافظ الدمياطي:
شرف الدين أبو محمد وأبو أحمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف الدين بن الخضر الدمياطي، الشافعي، ولد عام ثلاثة عشر وستمائة للهجرة، وكان إمام الحديث في عصره، عالما بالأنساب، عمدة في النقد، نشأته بدمياط، وسمع بالاسكندرية، ثم قدم القاهرة، وسمع بالحرمين سنة 643 هـ، ورحل إلى الشام، وإلى الجزيرة، والعراق مرتين، وبغداد، وسمع بها وخرج الحديث فيها، شيوخه نحو ألف وثلاثمائة، ومن تلاميذه المزي والذهبي، توفي بالقاهرة سنة 705 هـ «1» .
15 -
الحافظ المحدث المؤرخ البرزالي:
الشيخ الإمام علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي الإشبيلي ثم الدمشقي الشافعي ولد في جمادى الأولى سنة خمس وستين وستمائة للهجرة، وحفظ القرآن، والتنبيه، ومقدمة ابن الحاجب، سمع الجامع الصحيح، وأحب الحديث ونسخ الأجزاء ودار على الشيوخ، وجد في الطلب وذهب إلى بعلبك وارتحل إلى حلب سنة خمس وثمانين وستمائة للهجرة وفيها ارتحل إلى مصر، وله تاريخ بدأه من عام مولده الذي توفي فيه الإمام أبو شامة «2» فجعله صلة لتاريخ أبي شامة في خمس مجلدات. وعمل في فن الرواية عملا
(1) انظر طبقات الشافعية 6/ 132 - 140، وفوات الوفيات 2/ 409 - 411، والبداية والنهاية:
14/ 40.
(2)
عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي مؤرخ محدث شافعي المذهب، وهو صاحب التصانيف المشهورة، قتل في منزله سنة 665 هـ.
[انظر البداية والنهاية 13/ 250 - 251، وبغية الوعاة ص 297].
قل من يبلغ إليه وبلغ عدد مشايخه بالسماع أكثر من ألفين، وبالإجازة أكثر من ألف. رتب ذلك وترجمهم في مسودات متقنة. حج سنة ثمان وثمانين وأخذ عن مشيخة الحرمين.
يقول الذهبي: وهو الذي حبب إليّ طلب الحديث، ولي دار الحديث الأشرفية مقرئا فيها وقرأ بالظاهرية سنة ثلاث عشرة وسبعمائة للهجرة. توفي بخليص- بين مكة والمدينة- سنة 739 هـ «1» .
16 -
القاضي سعد الدين الحارثي:
الحافظ أبو محمد وأبو عبد الرحمن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد بن عياش الحارثي نسبة إلى الحارثية من قرى بغداد، ثم المصري، فقيه، محدث، ولد سنة ثنتين أو ثلاث وخمسين وستمائة للهجرة، وسمع من جماعة من العلماء بمصر، والاسكندرية، ودمشق وعني بالحديث وفنونه، وكان فقيها مناظرا، مفتيا، وخرج لجماعة من الشيوخ معاجم، وكان يكتب خطا حسنا حلوا متقنا، وحج غير مرة.
درّس بالمنصورية، والصالحية، وجامع الحاكم، وولي القضاء، ورأس الحنابلة، سمع منه الطوفي بمصر، وكانت بينهما مودة، ثم حدث بينهما فجوة سنتحدث عنها قريبا- إن شاء الله- توفي سعد الدين في سحر يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة سنة عشر وسبعمائة للهجرة بالقاهرة، ودفن من يومه في مقبرة القرافة «2» .
(1) انظر فوات الوفيات 3/ 196 - 198، والنجوم الزاهرة 9/ 319.
(2)
انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 362 - 364، والدرر الكامنة 4/ 347 - 348، ومعجم المؤلفين 12/ 225.
17 -
أبو حيان النحوي:
شيخ النحاة أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفري الغرناطي الحيّاني الأصل، الشافعي، ولد بغرناطة سنة أربع وخمسين وستمائة للهجرة، قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس، وإفريقيا، والاسكندرية ومصر والحجاز، وحصل على الإجازات من الشام، والعراق وغير ذلك.
اجتهد في طلب العلم، وحصّل، وكتب، وله نثر ونظم، وله الموشحات البديعة، وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله، ذا دراية باللغة وألفاظها، وإمام الدنيا في النحو، والتصريف، وله اليد الطولى في التفسير والحديث، والتراجم، والطبقات، والتواريخ، والحوادث.
له مصنفات عديدة منها: البحر المحيط، وشرح سيبويه، والنافع في قراءة نافع، والإعلام بأركان الإسلام، وغيرها كثير.
قرأ عليه الطوفي مختصره لكتاب سيبويه، توفي في شهر صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة للهجرة بمنزلة بالديار المصرية «1» .
18 -
شهاب الدين السراج:
هو أحمد بن خليل البزاعي التاجي السراج: المولود سنة بضع وعشرين
(1) انظر طبقات الشافعية 6/ 31 - 44، والدرر الكامنة 4/ 302 - 310، وفوات الوفيات 4/ 71 - 79.
وستمائة للهجرة، أسير الآداب، له نظم ونثر، وله ديوان، حدث بشيء منه وسمع منه الطوفي والسراج عبد اللطيف بن الكويك «1» ، والسديد محمد بن فضل الله بن كاتب المرج «2» ، وغيرهم. مات يوم عاشوراء سنة 725 هـ وقد قارب المائة عام «3» .
تلاميذه:
عرفنا فيما سبق في الفصول المتقدمة دور الطوفي- رحمه الله في خدمة العلم وبذله ونشره، رغم العقبات التي وقفت أمامه، والمحن التي كان لها أثر في تنقلاته، وعدم استقرار إقامته في بلد من البلدان. فقد قام بالبحث والمناظرة في بغداد وأجاد وأفاد، وشارك في مجالس العلم والعلماء في دمشق، وبيت المقدس، ودرّس في مدارس الحنابلة في القاهرة، بل لقد أجهد نفسه في التأليف في العلوم الشرعية وغيرها من الفنون حتى يقال: أن له بقوص وحدها خزانة من الكتب، وقد استفاد من الطوفي مجموعة من رواد العلم وطلابه إما بالجلوس عليه والأخذ منه أو بالاستفادة من كتبه وتصانيفه، وممن جلس على الطوفي وأخذ عنه على سبيل المثال لا الحصر:
(1) سراج الدين عبد اللطيف بن أحمد بن محمود بن أبي الفتح بن محمود ابن أبي القاسم التكريتي المعروف بابن الكويك، التاجر، الاسكندراني، الربعي، مات سنة 712 هـ. (انظر الدرر الكامنة 2/ 405).
(2)
ستأتي ترجمته- إن شاء الله-.
(3)
انظر الدرر الكامنة 1/ 130، ومعجم المؤلفين 1/ 216.
1 -
شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- رحمه الله.
فهو شيخ الطوفي المثالي كما تقدم كما أن ابن تيمية قد جلس على الطوفي وأخذ عنه في اللغة العربية يقول ابن رجب- رحمه الله" وقرأ- اي ابن تيمية- في العربية أياما على سليمان بن عبد القوي «1» " ا. هـ.
2 -
عبد الرحمن القوصي:
الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية ج 1 71 2 - عبد الرحمن القوصي: ..... ص: 71
2 -
عبد الرحمن القوصي:
عبد الرحمن بن محمود القوصي، ينعت بالمجد، ويعرف بابن قرطاس، سمع الحديث بالقاهرة من المتأخرين، وقرأ النحو على أبي حيان النحوي، وتأدب على نجم الدين الطوفي، والشيخ صدر الدين ابن الوكيل «2» ، والأمير مجير الدين عمر بن اللمطي «3» ، فكان أديبا شاعرا فاضلا، له نظم ونثر، رثى
(1) ذيل طبقات الحنابلة: 2/ 388.
(2)
محمد بن عمر بن مكي أبو عبد الله المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل: شاعر، ومن علماء الفقه، ولد بدمياط وانتقل إلى دمشق فنشأ فيها، وأقام مدة في حلب. كان ذا ذاكرة وحافظة عجيبة، حفظ المقامات الحريرية في خمسين يوما وديوان المتنبي في أسبوع، كان لا يقوم بمناظرة ابن تيمية أحد سواه، توفي سنة 716 هـ فقال ابن تيمية: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين.
(انظر الدرر الكامنة 4/ 115 - 123، وفوات الوفيات 4/ 13 - 26).
(3)
عمر بن عيسى بن نصر، كان فاضلا نحويا شاعرا أديبا سمع الحديث على جماعة من العلماء، وكذلك الأصول، وكان شريف النفس والمروءة لا يصبر على الذل، ولي النظر على رباع الأيتام بالقاهرة، توفي بقوص سنة 721 هـ.
(انظر الطالع السعيد ص 448 - 454، ومعجم المؤلفين 7/ 304).
شيخه مجير الدين.
تولى الخطابة بجامع الصارم بمدينة قوص، وعلق تعاليق كثيرة، ووقف كتبه على المدرسة السابقية بقوص، توفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة للهجرة «1» .
3 -
محمد بن فضل بن كاتب المرج القوصي:
محمد بن فضل الله بن أبي نصر بن أبي الرضى، السديد بن كاتب المرج، القوصي المولد، أديب شاعر فاضل، حسن المنظر، فصيح اللسان، ذو حياء وكرم وصدق لهجة، كان والده غنيا كثير العطاء، وكانت أسرتهم على دين النصرانية فهداهم الله أجمعين، قرأ محمد هذا النحو والأصول والفقه على نجم الدين الطوفي، عند ما استوطن قوص وقرأ النحو أيضا على أبي حيان النحوي وتأدب على أدباء قوص، وأجاد في الأدب حتى وصل إلى النهاية- كما يقال- وله مشاركة في النحو والأصول والحكمة والطب وغيرها، وأشعاره كثيرة، منها الموشحات وغيرها. وكان كثير الغزل، ومنه ما لا يليق بالعلماء، جلس بالوراقين بقوص، وولي وكالة بيت المال بالأعمال القوصية، توفي سنة بضع وأربعين وسبعمائة للهجرة «2» .
(1) انظر الدرر الكامنة 2/ 346 - 347، والطالع السعيد ص 296 - 297.
(2)
انظر ترجمته في الطالع السعيد ص 602 - 612، والدرر الكامنة 4/ 135 - 137.
آثاره العلمية
رأينا فيما سبق كيف حرص الطوفي على العلم منذ صغره، وكيف كان شديد الذكاء، فرحل إلى عدة بلدان حرصا على طلب العلم واللقاء بالعلماء، وكيف كان شديد الشغف بالبحث والمعرفة، فقد طالع أغلب الكتب المؤلفة وخاصة في قوص، وكان يشارك في سائر العلوم، وكذلك كيف كان حرا جريئا في تفكيره كما يتضح من قوله في كتابه" الاكسير في قواعد التفسير" ص 1:
" ولم أضع هذا القانون لمن يجمد عند الأقوال، ويصمد لكل من أطلق لسانه وقال، بل وضعته لمن لا يغتر بالمحال، وعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال" ا.
هـ.
وقال في شرح الأربعين النووية:" فأوصيك أيها الناظر فيه، المحيك طرفه في أثنائه، ومطاويه- ألا تسارع فيه إلى إنكار خلاف ما ألفه وهمك، وأحاط به علمك، بل أجدّ النظر وجدده، وأعد الفكر ثم عاوده، فإنك حينئذ جدير بحصول المراد
…
" «1» .
وكان طبيعيا من تعدد البلدان التي درس ودرّس وقرأ فيها أن تتسع دائرة معارفه فشملت علوم القرآن، والحديث، وأصول الفقه والفقه وأصول الدين، واللغة العربية، والأدب. بل لقد كان شاعرا ناقدا يشرح أشعار فحول الشعراء ويجمع عيون الشعر من مظانها، ويبين آلاته التي يحتاج إليها وكيف تأليفه
(1) المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي ص 71 - 72.
والطريق إلى نقده «1» .
وقد ذكر العلماء والمترجمون للطوفي عددا كبيرا من كتبه ولكن ليس على سبيل الحصر ولذلك فإنني أذكر ما تيسر معرفته من كتبه ولا يتيقن لنا حصرها واستيفاء الاطلاع عليها ومعرفة أماكن وجودها في مكتبات العالم، وقد رتبت ما عرفته من كتبه على الفنون: التفسير وعلومه، ثم الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم اللغة العربية والأدب.
1 -
الاكسير في قواعد التفسير:
وقد طبع هذا الكتاب أكثر من طبعة وحققه الدكتور عبد القادر حسين، في مصر.
2 -
إيضاح البيان عن معنى أم القرآن:
منه صورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. وقد كتبه في حبس رحبة باب العيد «2» بالقاهرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة.
3 -
مختصر المعالين:
يقول ابن رجب- رحمه الله:" جزءين فيه: أن الفاتحة متضمنة لجميع القرآن" اهـ. ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب
(1) انظر مخطوطة الشعار على مختار الأشعار.
(2)
رحبة باب العيد: كانت عظيمة الطول والعرض يقف فيها العساكر في أيام مواكب الأعياد ينتظرون ركوب الخليفة وخروجه من باب العيد ويذهبون في خدمته لصلاة العيد. ثم بنيت فيها الدور والمساجد وغيرها فصارت خطة كبيرة من أجل اخطاط القاهرة وبقي اسم رحبة باب العيد لا تعرف إلا به (انظر الخطط المقريزية 2/ 47).
الأنس الجليل (2/ 258).
4 -
فواصل الآيات:
ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1293).
5 -
تفسير سورة ق:
ذكره بروكلمان. وعندي صورة لاحدى نسخه الخطية. وكتبه في سجن رحبة باب العيد بالقاهرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة.
6 -
تفسير سورة القيامة:
وهو ضمن مجموع للطوفي صورت هذا المجموع مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية برقم 1205.
7 -
تفسير سورة سبأ:
وهو ضمن المجموع السابق. وقد كتبه في حبس رحبة باب العيد بالقاهرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة.
8 -
تفسير سورة الانشقاق:
ضمن المجموع السابق.
9 -
بيان ما وقع في القرآن من الأعداد:
منه صورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
10 -
جدل القرآن:
ذكره السيوطي «1» في الاتقان في علوم القرآن النوع الثامن والستين.
(1) عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري، إمام حافظ مؤرخ أديب له نحو ستمائة مصنف منها الكتاب الكبير والرسالة الصغيرة نشأ في القاهرة يتيما ولما بلغ.
11 -
بغية الواصل إلى معرفة الفواصل:
ذكره الإمام السيوطي أيضا في مصادر كتابه: الاتقان (1/ 11 - 12) وصاحب كشف الظنون (1/ 251).
12 -
دفع التعارض عما يوهم التناقص في الكتاب والسنة:
ذكره صاحب كشف الظنون (1/ 756) وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب الأنس الجليل (2/ 257).
13 -
شرح الأربعين النووية:
ذكره أكثر من واحد، واطلعت على نسختين خطيتين منه في دار الكتب القومية بالقاهرة. وممن ذكره صاحب الأنس الجليل (2/ 258).
14 -
مختصر جامع الترمذي «1» :
ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155)، والسيوطي في بغية الوعاة ص 262، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وغيرهم.
15 -
بغية السائل في أمهات المسائل:
وقد عده بعضهم في الطب، وليس كذلك وممن ذكره صاحب كشوف
- أربعين سنة اعتزل الناس، فألف أكثر كتبه. توفي سنة إحدى عشرة وتسعمائة للهجرة.
(انظر شذرات الذهب 8/ 51، والأعلام 3/ 302).
(1)
أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي البوغي الترمذي من أئمة علماء الحديث وحفاظه، تلميذ البخاري، وزميله في بعض شيوخه، أشهر تصانيفه" الجامع الصحيح" أحد الكتب الستة. عمي الترمذي في آخر حياته، وتوفي- رحمه الله سنة تسع وسبعين ومائتين من الهجرة، وقيل غير ذلك. (انظر شذرات الذهب 2/ 174 - 175، والنجوم الزاهرة 3/ 81 - 82، ومقدمة سننه بتحقيق أحمد شاكر).
الظنون (1/ 248) وصاحب الأعلام (3/ 128) وذكره الطوفي نفسه في كتابه الاكسير في قواعد التفسير ص 4.
16 -
قدوة المهتدين إلى مقاصد الدين:
منه نسخة ضمن مجموع صورت بعضه الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية.
17 -
حلال العقد في أحكام المعتقد:
منه صورة في مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
18 -
الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية:
وهو هذا الكتاب الذي قمت بتحقيقه.
19 -
الباهر في أحكام الباطن والظاهر:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وصاحب كشف الظنون (1/ 219) وغيرهما. ويقول الطوفي عنه في الإشارات:" وهذا رد على الاتحادية وغيرهم".
20 -
درء القول القبيح في التحسين والتقبيح:
وقد اطلعت على نسخة منه في مكتبة شهيد علي بتركيا، وقد ذكره غير واحد، منهم صاحب الأنس الجليل (2/ 257).
21 -
رد على الاتحادية:
ذكره في كتابه الانتصارات الإسلامية، وفي كتابه الإشارات الإلهية وذكره أكثر من واحد.
22 -
الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية في الاعتقادات:
وعندي منه صورتان لمخطوطتين في المكتبة الأحمدية بحلب والمكتبة العلمية
ببريدة، وقد اطلعت على نسخة له في مكتبة عارف حكمت بالمدينة النبوية، وله عدة نسخ أخرى في مكتبات تركيا وغيرها. وليس له نظير في بابه وترتيبه.
23 -
العذاب الواصب على أرواح النواصب:
ذكره صاحب إيضاح المكنون (2/ 96) والزركلي في الأعلام (3/ 128) ويقال إنه حبس وطيف به لأجله.
24 -
قصيدة في العقيدة وشرحها:
ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1343) وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وغيرهما.
25 -
تعاليق في الرد على جماعة من النصارى:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، ويقول الطوفي في الإشارات الإلهية:" والبحث مع النصارى أفردنا له عدة تعاليق".
26 -
النور الوهاج في الإسراء والمعراج:
ذكره صاحب إيضاح المكنون (2/ 688) وغيره.
27 -
تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر:
منه نسختان اطلعت عليهما بالمكتبة السليمانية بتركيا، وذكره غير واحد.
28 -
كتاب في القدر:" قاعدة القدر
" ذكره في مقدمة كتابه الإشارات الإلهية .. وفي كتابه الانتصارات الإسلامية.
29 -
الفوائد:
ذكره في كتابه هذا" الانتصارات الإسلامية".
30 -
الآداب الشرعية:
ذكره في كتابه هذا" الانتصارات الإسلامية".
31 -
الجدل في علم الجدل:
اطلعت على نسخة منه في مكتبة شهيد علي بتركيا- استانبول-.
32 -
مصنف آخر صغير في الجدل:
وقد ذكره في الإشارات باسم" مختصر الجدل".
وذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب الأنس الجليل (2/ 257).
33 -
دفع الملام عن أهل المنطق والكلام:
ذكره هو في كتابه الإشارات الإلهية
…
وذكره د. مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة
…
ونجم الدين الطوفي ص 91.
34 -
البلبل في اختصار روضة الناظر:
ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155) وصاحب كشف الظنون (1/ 930)" مطبوع".
35 -
شرح روضة الناظر:
ثلاثة مجلدات، الجزء الثاني منه في مكتبة الحرم المكي، وصورته في مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وحققه وطبعه معالي الأستاذ الدكتور عبد الله التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وكذلك د. إبراهيم البراهيم.
36 -
معراج الوصول إلى علم الأصول:
ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1738) والزركلي في الأعلام (3/ 128)، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367).
37 -
الذريعة إلى معرفة أسرار الشريعة:
ذكره صاحب كشف الظنون (1/ 827) والزركلي في الأعلام (3/ 128)، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367).
38 -
شرح المحصول في أصول الفقه:
ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1616).
39 -
مختصر المحصول:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، والدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 92.
40 -
مختصر الحاصل في أصول الفقه:
ذكره الدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 92. وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367).
41 -
الرياض النواظر في الأشباه والنظائر:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، والزركلي في الأعلام (3/ 128)، والدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة ص 92.
42 -
القواعد الكبرى في فروع الحنابلة:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (2/ 1359).
43 -
القواعد الصغرى:
ذكره الطوفي في الانتصارات الإسلامية وشرح الروضة (2/ 445) خ وفي أكثر كتبه التي اطلعت عليها.
44 -
شرح نصف مختصر الخرقي:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وغير واحد.
45 -
القواعد الدمشقية:
ذكره الطوفي في كتابه هذا:" الانتصارات الإسلامية" في أول حديثه عن الشرط الرابع.
46 -
مقدمة في علم الفرائض:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب الأنس الجليل (2/ 258).
47 -
شرح مختصر التبريزي في الفقه الشافعي:
ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155)، والسيوطي في بغية الوعاة ص 262، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وغيرهم.
48 -
الصعقة الغضبية على منكري العربية:
منه نسخة بدار الكتب القومية المصرية برقم (228/ مجاميع). وقد ذكره الدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 93. وصاحب إيضاح المكنون (2/ 67) حققه د. محمد الفاضل وطبع في مكتبة العبيكان بالرياض.
49 -
الرسالة العلوية في القواعد العربية:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (1/ 878).
50 -
غفلة المجتاز في علم الحقيقة والمجاز:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (2/ 1153).
51 -
تحفة أهل الأدب في معرفة لسان العرب:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (1/ 363) والزركلي في الأعلام (3/ 128).
52 -
الرحيق السلسل في الأدب المسلسل:
ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367).
53 -
موائد الحيس في شعر امرئ القيس:
ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1897) وابن رجب في الذيل (2/ 368).
54 -
شرح مقامات الحريري:
في ثلاثة مجلدات، ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155)، والسيوطي في بغية الوعاة ص 262، وابن رجب في الذيل (2/ 368).
55 -
الشعار المختار على مختار الأشعار:
ذكره الدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 93. وقد اطلعت على صورة منه في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وعنوانه فيها:" الشعار على مختار الأشعار".
56 -
إزالة الأنكاد في مسألة كاد:
ذكره صاحب كشف الظنون (1/ 71) وبروكلمان.
57 -
قصيدة طويلة في مدح الإمام أحمد بن حنبل:
ذكرها ابن رجب وغيره.
هذه هي مصنفات الإمام الطوفي- رحمه الله لا على وجه الحصر وإن كنت أريد الحصر، فلم يتسير لي ذلك، وله مؤلفات أخرى لم أستطع معرفة اسمائها، وقد شهد بكثرة مؤلفاته وعدم حصرها المؤرخون له.
يقول ابن رجب- رحمه الله في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 368) بعد أن عدد مؤلفاته:" واختصر كثيرا من كتب الأصول، ومن كتب الحديث أيضا" اه.
ويقول العلمي في الأنس الجليل:" ويقال: إن له بقوص خزانة كتب من تأليفه، فإنه أقام بها مدة".
عقيدته ومذهبه:
إن من يعيش في بيئة كالبيئة التي عاش فيها الطوفي- رحمه الله لا بد أن يواجه كثيرا من المشكلات، خاصة وأن بيئته كما أسلفنا مليئة بالصراعات السياسية المبنية على اختلاف الدين والعقيدة بل مليئة بالصراعات الفكرية والعقدية لتعدد الطوائف والفرق من أهل القبلة وغيرهم كالرافضة والصوفية «1» والحلولية «2» والمعتزلة «3»
(1) نسبة إلى الصوف الّذي كان أوائلهم يلبسونه تقشفا، أو إلى صفاء القلب بكف النفس عن الهوى والاستغراق بالكلية في ذكر الله- على زعمهم- ويزعمون أنهم يستطيعون الكشف عن الحقائق الخفية والإلهية بحدس متعال إما بطريق الإلهام، أو بطريق الوحي
…
ويزعمون بأن الأولياء وصلوا إلى ما لم يصل إليه الأنبياء، وعامتهم يجعل الولي مساويا لله في كل صفاته ويرزق ويحي
…
الخ. (انظر المعجم الفلسفي 1/ 747، والفكر الصوفي ص 38 - 39، ومجموع الفتاوى 11/ 5 وما بعدها).
(2)
الحلولية هم غلاة الصوفية الذين يعتقدون أن الله حل بذاته في مخلوقاته، وأنه تعالى بذاته في كل مكان. وهم الاتحادية. (انظر مجموع الفتاوى 2/ 111 - 84.).
(3)
المعتزلة: إحدى الفرق الكبار المنتسبة إلى أهل القبلة وتحتها عدة فرق. وسموا معتزلة لاعتزالهم المسلمين أو لاعتزالهم مجلس الحق، فقد اعتزل رئيسهم واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري فسماهم الحسن معتزلة، وقد أجمعت على نفي صفات الله وخلق القرآن، وأن العبد يخلق فعله، وأن مرتكب الكبيرة موحد مخلد في النار، ونفوا الشفاعة، ويرون الخروج على السلطان وترك طاعته، ولهم أصول خمسة هي: العدل والتوحيد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتفصيلها في كتبهم. (انظر البرهان في عقائد أهل الأديان ص 26 - 27، والفرق بين الفرق ص 114 - 117، ولوامع الأنوار البهية 1/ 76، وغيرها).
والأشاعرة «1» وغيرها، وقل من عصمه الله في تلك الحقبة من الزمن أن يزل أو ينحرف عن الحق أو يخطئ. لكثرة الجدل واختلاف المشارب واستيلاء الأهواء على كثير من الناس، وفشو الجهل بين البعض الآخر.
ولقد كان من نتائج ذلك الاختلاف فشو الحسد بين أهل العلم، فلقد حرص الشيطان على إيقاع الاختلاف والفرقة بين كثير منهم وكثرت إشاعة الأخطاء مما أوقد نار الحقد والضغينة بين أصحاب المذاهب والنحل، وأصبح همّ بعضهم التغلب على خصمه في الجدل والمناظرات، واستعداء الناس على مقاطعته، وتسجيل الأخطاء والاشتغال بذلك.
والمتتبع لما كتب عن الطوفي- رحمه الله يجد أن كل من كتب عنه من المؤرخين قد اتفقوا على فضله وصلاحه وذكائه، وزهده في الدنيا وتقلله منها وتدينه.
كما اتفقوا على طول باعه في الأصول، وعلى تفننه، وعلى أنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل في الفقه والأصول، وكتبه تشهد بذلك.
كما اتفقوا أيضا على اشتغاله بالحديث على أشهر علماء عصره فى الحديث ومصطلحه.
وسأتحدث في هذا المبحث عن عقيدة الطوفي ومذهبه في النقاط التالية:
(1) الأشاعرة هم أتباع أبي الحسن الأشعري ومن على مذهبه قبل رجوعه إلى أهل السنة، وبعد تركه لمذهب المعتزلة. وهم ينكرون بعض الصفات ويتأولون نصوصها والمتأخرون منهم لا يثبتون إلا سبع صفات ويؤلون الباقي بتأويلات عقلية، وهم يوافقون أهل السنة في غالب أصول الاعتقاد (انظر الملل والنحل 1/ 94 وما بعدها).
الأولى: الطوفي وموقفه من الرفض.
الثانية: مذهب الطوفي في الأسماء والصفات وبعض مسائل العقيدة.
الثالثة: مذهب الطوفي في المصلحة المرسلة.
الرابعة: قول الطوفي في حديث الآحاد.
وخصصت هذه المسائل بالبحث لأن الطوفي متهم بالرفض حتى من الذين أثنوا على تدينه وعلمه وفضله وصلاحه.
كما اتهم أيضا بأنه أشعري العقيدة.
وله رأي خاص به في المصلحة المرسلة، وإن لم يذكره العلماء السابقون أو المؤرخون للطوفي وإنما اشتهر في هذا العصر بعد الاطلاع على ما كتبه في هذا الموضوع في كتابه شرح الأربعين النووية عند شرحه لحديث:«لا ضرر ولا ضرار» «1» .
أما رأيه في خبر الآحاد فقد تبين لي من كلامه في هذا الكتاب" الانتصارات
…
" ومن اطلاعي على بعض كتبه الأخرى، ويشاركه في ذلك كثير من الأصوليين.
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره. وقال في الزوائد:
" في إسناده جابر الجعفي: متهم" اهـ، وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب الأقضية، باب القضاء في المرفق. مرسلا، وأحمد في المسند (5/ 327) عن عبادة في حديث طويل في أقضية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال النووي:" حديث حسن رواه ابن ماجه، والدارقطني وغيرهما مسندا، ورواه مالك في الموطأ مرسلا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوي بعضها بعضا". اهـ.
الطوفي وموقفه من عقيدة الرافضة:
قبل أن نعرض لآراء الطوفي- رحمه الله لا بد أن نعرف معنى: الرافضة والشيعة وهل مدلولهما واحد، أم أن كل لفظ يطلق على موصوف غير الموصوف الذي يوصف به اللفظ الآخر:
معنى الرفض والتشييع:
1 -
الرفض في اللغة مصدر رفض يرفض إذا ترك. قال ابن منظور «1» :
" الرفض: تركك الشيء، وهو من باب ضرب أو ترك. والروافض: جنود تركوا قائدهم وانصرفوا فكل طائفة منهم رافضة، والنسبة إليهم: رافضي «2» .
وقد سمي قوم من الشيعة: رافضة لأنهم تركوا زيد بن علي «3» . فإنهم لما
(1) محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل جمال الدين الأنصاري، الرويفعي الافريقي إمام اللغة، ولد بمصر، وخدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة ثم تولى القضاء في طرابلس وعاد إلى مصر، وتوفي بها سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة. [انظر وفيات الأعيان 4/ 39 - 40، والدرر الكامنة 4/ 262].
(2)
انظر لسان العرب 7/ 156، 157، والمشوف المعلم 1/ 307، والمصباح المنير 1/ 276، ومختار الصحاح ص 250.
(3)
زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام، أبو الحسن العلوي الهاشمي القرشي، ويقال له" زيد الشهيد" فقيها فصيحا بليغا خطيبا، أقام بالكوفة، يروى أنه أخذ عن واصل بن عطاء الاعتزال، وأنه سافر إلى الشام ثم ضيق عليه هشام بن عبد الملك وحبسه ثم عاد إلى العراق ثم إلى المدينة ثم إلى الكوفة، ونشبت بينه وبين الأمويين معارك قتل فيها سنة 122 هـ. [فوات الوفيات 2/ 53 - 38، والأعلام 3/ 59].
سئل- رضي الله عنه عن أبي بكر «1» وعمر «2» رضي الله عنهما فترحم عليهما رفضه قوم من الذين بايعوه وقالوا له: أبرئ من الشيخين نقاتل معك، فأبى وقال: كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما «3» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله" فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديا لانتسابهم إليه «4» .
ولم يعرف لفظ الرافضة قبل ذلك «5» ، ولكنه استعمل في كل من غلا في هذا المذهب وأجاز الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم «6» .
(1) عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي الصديق- رضي الله عنه أول مؤمن برسول الله صلّى الله عليه وآله من الرجال وخليفته في الصلاة وبعد موته صلى الله عليه وآله وسلم كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله. ولد بعد عام الفيل بسنتين ونصف، ولازم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة وبعدها وهو صاحبه في الهجرة، حضر المشاهد كلها، وهو أفضل الصحابة وأحد المبشرين بالجنة بويع بالخلافة في السقيفة وتوفي سنة ثلاث عشرة من الهجرة. [انظر الاصابة 2/ 341 - 344، والاستيعاب 3/ 963 - 978].
(2)
عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة أسلم قبل الهجرة بخمس سنوات وقوي جانب المسلمين بإسلامه. وأول من لقب من الخلفاء بأمير المؤمنين، لقبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفاروق ونزل الوحي مؤيد لرأيه، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي بالناس الفجر وعاش بعدها ثلاث ليال ثم مات سنة ثلاث وعشرين من الهجرة. [انظر الإصابة (ت 5736)، وصفة الصفوة 1/ 268 - 293].
(3)
انظر منهاج السنة 1/ 10، ولسان العرب 7/ 156، والمصباح المنير 1/ 276.
(4)
المواضع المذكورة من المراجع السابقة.
(5)
المواضع السابقة من المراجع نفسها.
(6)
المواضع السابقة من المراجع نفسها.
2 -
والشيعة القوم الذين اجتمعوا على الأمر، ويتبع بعضهم رأي بعض وليس كلهم متفقين على رأي. كما قال الله تعالى: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)«1» فكل فرقة تكفر الفرقة المخالفة لها.
والشيعة أتباع الرجل وأنصاره، وجمعها شيع وأشياع وفي الحديث:
" القدرية شيعة الدجال" أي أولياؤه، وأنصاره، وقد غلب هذا الاسم على من يتولى عليا «2» وأهل بيته، رضوان الله عليهم «3» .
وبعد هذا التعريف الموجز فقد تتبعت ما استطعت الوصول إليه من مؤلفات الطوفي ووجدته يتحدث كثيرا عن الرافضة والشيعة وعن مذهبهم ويهاجمهم ويلعنهم، وهذه نماذج مما وجدته في هذا الموضوع:
يقول في كتابه:" الصعقة الغضبية على منكري العربية" الورقة (24) من النسخة الخطية بدار الكتب المصرية:
(1) سورة الروم، آية:32.
(2)
أبو الحسن علي بن أبي طالب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأول من أسلم من الصبيان، تربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وشهد معه المشاهد ما عدا تبوك استخلفه على المدينة على غير رغبة منه في ترك الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم كان له أربعة عشر ولدا ذكورا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين. ضربه عبد الرحمن بن ملجم- لعنه الله- بالكوفة في رمضان سنة 40 فبقي يومان ثم مات- رضي الله عنه[انظر صفة الصفوة 1/ 308 - 335، والإصابة ت 5688].
(3)
انظر لسان العرب 8/ 188، 189، ومختار الصحاح ص 353، والمصباح المنير 1/ 390، والشيعة والتشيع لإحسان إلهي ظهير ص 13.
" من الأصول العظيمة التي نشأ النزاع فيها من جهة العربية اختلاف الشيعة والسنة فيما يتعلق بأبي بكر الصديق- رضي الله عنه، ومنعه فاطمة «1» رضي الله عنها فدكا «2» والعوالي «3» ، فإنها لما جاءت تطلب إرثها عن أبيها قال:
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما تركناه صدقة «4» ، ولم يعطها شيئا فخاضت الرافضة في أبي بكر وقالوا: منع فاطمة إرثها. وقال أهل السنة: إنما عمل بما سمع، ولم يمنعها حقا. ومنشأ الخلاف بينهم من حيث أن" ما" وردت في اللغة على وجهين: اسمية وحرفية، ولكل واحد منهما خمسة أقسام
…
إذا عرفت
(1) بنت الرسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب، الهاشمية القرشية، وأمها خديجة بنت خويلد أولى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها علي بن أبي طالب في الثامنة عشرة من عمرها وولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، وبقيت فاطمة بعد أبيها ستة أشهر. وهي أول من جعل له النعش في الإسلام. [انظر طبقات ابن سعد 8/ 11 - 20، والإصابة 4/ 773، وصفة الصفوة 2/ 9 - 15، والأعلام 5/ 132].
(2)
فدك: بلد بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، وقيل ثلاث مراحل أفاءها الله على رسوله- عليه السلام صلحا. [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1020، وفتح الباري 6/ 203].
(3)
العوالي: بالفتح، جمع العالي: كانت ضيعة، بينها وبين المدينة أربعة أميال، وقيل: ثلاثة، وقيل ثمانية. [انظر مراصد الاطلاع 2/ 970]. والآن أصبحت أحد أحياء المدينة النبوية.
(4)
طرف من الحديث الذي أخرجه البخاري في أول فرض الخمس، وفي المغازي، باب حديث بني النضير، وباب غزوة خيبر وفي النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله
…
، وفي الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا نورث ما تركنا صدقة"، وفي الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع
…
، وأخرجه مسلم في الجهاد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا نورث ما تركنا فهو صدقة» ، حديث: 52، 54، 56، وأخرجه أبو داود في الخراج والإمارة
…
باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال. وأخرجه الترمذي في السير باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم والنسائي في الفيء، وأحمد في المسند في عدة مواضع منها (1/ 4، 6، 9، 10).
ذلك فالرافضة حملوا" ما" في قوله- عليه السلام: «ما تركنا صدقة» «1» على أنها نافية، أي: لم نترك صدقة، وإنما تركنا ما تركناه إرثا لغيرنا، وحملها أهل السنة على أنها موصولة، بمعنى الذي، تقديره: الذي تركناه صدقة، بالرفع على الخبر، وحذف الهاء من تركناه لأنها ضمير منصوب وهو سائغ الحذف فى الصلة، كقوله تعالى: وما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ
…
(35)«2» قرئ بحذف الهاء وإثباتها «3» .
وهذا هو الحق- إن شاء الله تعالى- وما ذهب إليه الرافضة خطأ صريح محض" «4» .
ثم رد على الرافضة في نفس الموضع على تضعيفهم الحديث المذكور فقال:"
…
لا سبيل إلى منع صحته، إذ قد رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث عائشة «5» ، وأبو داود من حديث مالك بن أوس
(1) سبق تخريجه في الصفحة السابقة.
(2)
سورة يس، آية 35.
(3)
انظر الإقناع في السبع 2/ 742.
(4)
قلت: وقوله في لفظ الحديث: (لا نورث)، والرواية الأخرى من مسلم في الجهاد، حديث 49:
(لا نورث ما تركناه صدقة) والثالثة عند البخاري في فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول الله
…
، وعند مسلم في الجهاد حديث 51، وأبو داود في الموضع السابق:(لا نورث ما تركنا فهو صدقة)، تدل على أن (ما) موصولية وليست نافية.
(5)
عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن عثمان الصديق- رضي الله عنهما ولدت بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين وعقد عليها وهي بنت تسع. كانت من أفقه الناس وأعلمهم، وفي الحديث:«فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» . وكانت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه.
ماتت سنة 58 هـ، ودفنت بالبقيع. (انظر الإصابة 4/ 359 - 361، وسير أعلام النبلاء 2/ 135 - 210).
ابن الحدثان «1» ، وهو حديث مشهور مستفيض، إلا أن للرافضة أصلا خبيثا باطلا، وهو أنهم لا يقبلون رواية الصحابي لمرض في قلوبهم عليهم وليس هذا موضع الرد عليهم في ذلك الأصل «2» ". اهـ.
وقد تحدث عن ذلك في كتابه الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية عند كلامه عن قوله تعالى: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ
…
(16) الآية «3» ثم قال:" وقصد الشيعة- لعنهم الله- بذلك تظليم الشيخين بمنع فاطمة إرثها من أبيها، والعباس إرثه من ابن أخيه صلى الله عليه وسلم .... "
أما عن التفضيل بين أبي بكر وعلي- رضي الله عنهما فيقول عند كلامه عن قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ
…
(19)«4» الآية" وتعلقت به الشيعة فقالوا: كان علي يوم بدر أول مبارز، وأبو بكر في العريش مع النبي- عليه السلام فعلي أعظم جهادا، فليكن أفضل من أبي بكر لقوله- عز وجل:
وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ
…
(95)«5» . وأجيب بأنه يلزمكم مثله في النبي صلى الله عليه وسلم، وأن عليا أفضل منه، وأنه محال «6». فإن قيل: النبي- عليه السلام
(1) انظر سنن أبي داود: كتاب الإمارة، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال". وابن الحدثان هو أبو سعيد اليربوعي النصرى، تابعي من أهل المدينة ولد في الجاهلية وتأخر إسلامه، وكان عريف قومه في زمن عمر، وكان ثقة. (انظر تهذيب التهذيب 10/ 10، والأعلام 5/ 258).
(2)
الإشارات الإلهية ص 292 خ المكتبة الأحمدية.
(3)
سورة النمل، آية:16.
(4)
سورة الحج، آية:19.
(5)
سورة النساء، آية:95.
(6)
الأولى أن يقول:" وهذا محال".
كالإمام شأنه أن يقاتل بين يديه. قيل: وأبو بكر كالوزير شأنه أن يكون مع الإمام" «1» اهـ.
ويقول عن فضل أبي بكر- رضي الله عنه عند كلامه عن قوله تعالى: ولا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ
…
(22)«2» الآية:" احتج بها الجمهور على فضل أبي بكر لأنها نزلت فيه، إذ ترك الإنفاق على مسطح «3» ، وقد وصف فيها بأنه من أولي الفضل. أي والله الذي لا إله إلا هو إنه من أولي الفضل. وأجابت الشيعة- لعنهم الله- بأن الوارد فضل المال وكثرته بدليل اقترانه بالسعة، لا الفضل الذي هو الكمال ضد النقص. لكن يحتج بها الجمهور من موضع آخر وهو قوله عز وجل:
أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ
…
(22)«4» وهو يدل على أنه مغفور له «5» ".
ويقول أيضا في كلامه عن قوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا
…
(40)«6»
الآية:" احتج بها أهل السنة على فضل أبي بكر رضوان الله عليه من وجوه:
(1) الإشارات الإلهية" مخطوط" ص 273.
(2)
سورة النور، آية:22.
(3)
مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف، من قريش، يكنى بأبي عباد. وهو من الشجعان الأشراف من الصحابة، كان اسمه عوفا ولقب بمسطح فغلب عليه، أمه بنت خالة أبي بكر كان يمونه أبو بكر لهذه القرابة منه، كان مسطح ممن جلدهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك، وحلف أبو بكر بألا ينفق عليه فلما نزلت الآية المذكورة، عاد إلى الإنفاق. (انظر الإصابة 3/ 408، ت (7935)، والأعلام 7/ 215).
(4)
سورة النور، آية:22.
(5)
الإشارات الإلهية ص: 279.
(6)
سورة التوبة: 40.
أحدها: النص على ثبوت صحبته، حتى قال بعض العلماء من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر، لتكذيبه النص المتواتر القاطع بإثباتها، بخلاف من أنكر صحبة غيره، لعدم ذلك. وفيه نظر، لأن غيره كعمر وعثمان «1» وعلي وباقي العشرة ثبتت صحبتهم بالتواتر، وهو قاطع أيضا، فإنكار مدلوله كفر.
الوجه الثاني: قوله لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فكان له في هذه المعية اختصاص لم يشاركه فيه صحابي. وقد يقال بأن هذا التشرف حصل لجميع الصحابة بقوله- عز وجل: وأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ واللَّهُ مَعَكُمْ «2» . غير أن لقائل أن يقول: معية أبي بكر- رضوان الله عليه- أخص من هذه، فيمتاز بها.
الوجه الثالث: ((ثاني اثنين)) قالوا: فيه إشارة إلى شيئين أحدهما أنه ثانيه من بعده في الإمرة، والثاني أن اسمه لم يفارق اسمه إذ كان يقال له خليفة رسول الله حتى توفي، فقيل لمن بعده وهو عمر- رضي الله عنه أمير المؤمنين، وانقطعت خصيصة ثاني اثنين.
الوجه الرابع: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ قال بعضهم: الضمير في عليه لأبي بكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تفارقه السكينة حتى يحتاج إلى نزولها عليه، وإنما أنزلت
(1) عثمان بن عفان بن أبي العاصي
…
الخليفة الثالث، أسلم قبل دخول الرسول- صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين، خلفه الرسول- صلى الله عليه وسلم يوم بدر على زوجته بنت الرسول رقية يمرضها، وضرب له بسهمه وأجره، وزوجه أم كلثوم بعدها فسمي ذو النورين، وبايع عنه الرسول في بيعة الرضوان وأخبر أن الملائكة تستحي من عثمان، وأخبر بأنه ستصيبه بلوى وتحقق ذلك، قتل- رضي الله عنه في ذي الحجة سنة 35 هـ بعد خلافة دامت 12 سنة تقريبا (انظر صفة الصفوة 1/ 294 - 307 والإصابة 2/ 462، ت 5448).
(2)
سورة محمد، آية:35.
على أبي بكر- رضي الله عنه وهو ضعيف. أما أولا فلقوله- عز وجل:
أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ فقد أنزلت عليه السكينة، مع ما ذكروه من عدم مفارقتها له، ولا اقتناع من أن يزاد سكينة على سكينة، ونورا على نور. وأما ثانيا فلأن ذلك يقتضي أن الضمير في وأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها لأبي بكر أيضا، وهو خلاف الظاهر بل القاطع، ولا أظن أحدا قال بذلك.
أما الشيعة فطعنوا على أبي بكر- رضي الله عنه من الآية بوجه واحد وهو قوله: (لا تَحْزَنْ) دل ذلك على أنه حزن لأجل طلب الكفار لهما، مع أنه مع رسول الله، بعين الله، تحت رعاية الله، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأنه سيظهر على أعدائه، ويظهر دينه على جميع الأديان، فحزن أبي بكر والحالة هذه إما شك في هذا الخبر، أو ضعف منه وخور. قالوا: وإنما الشجاع المؤمن، واللبيب الموقن:
علي بن أبي طالب- رضي الله عنه حيث كان نائما على فراش النبي صلى الله عليه وسلم معرضا نفسه من أيدي الكفار لشرب كئوس الحمام «1» ، فما شك وما خار، ولا تبلد ذهنه ولا جار!. وأجاب أهل السنة بأن حزن أبي بكر- رضي الله عنه لم يكن ضعفا ولا شكا، وإنما كان رقة غالبة، وشفقة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك عن شك أو ضعف لكان أولى ما صدر منه يوم بدر حين قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد» وأخذ أبو بكر بردائه يقول:" كفاك مناشدتك ربك، إن شاء الله سينجز لك ما وعدك «2» " وهذا غاية الشجاعة والإيمان،
(1) الحمام: قضاء الموت وقدره. يقال نزل به حمامه: أي قدره وموته. (انظر لسان العرب 12/ 151، ومختار الصحاح ص 157).
(2)
أخرجه الإمام مسلم في كتاب الجهاد، باب الامداد بالملائكة في غزوة بدر حديث 58، والترمذي في تفسير سورة الأنفال، وأحمد في المسند 1/ 30، 32، 117.
ثبوت الجنان عند قراع الأقران" «1» . اهـ.
أما ما يتعلق بخلافة أبي بكر- رضي الله عنه فسيأتي كلامه عنها في آخر الكتاب- إن شاء الله «2» - وله كلام غير هذا في الإشارات وشرح الأربعين يضيق المقام بذكره.
وقال عن عمر- رضي الله عنه في شرح الأربعين النووية ص: 79 عند شرحه لحديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله
…
» «3»
يقول:" واعلم أن من العجب أن هذا الحديث الثابت كان عند ابن عمر، وهو نص في قتال ما نعي الزكاة، ولم يبلغ أبا بكر وعمر حتى تشاجرا في قتالهم وجرى بينهما مناظرة في ذلك، واحتاج أبو بكر إلى القياس بأن قال:" والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة «4» " وإلى الاستنباط من قوله عليه السلام:
(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها) قال أبو بكر: والزكاة من حقها. قلت: فلعل ابن عمر كان غائبا أو مريضا أو ناسيا للحديث ذلك الوقت، ولقد وفق أبو بكر حيث وقع استنباطه وقياسه موافقا هذا النص، وخالفه عمر في هذا المقام، وكان الأولى
(1) الإشارات الإلهية ص 188 - 189.
(2)
انظر ص: 736 من هذا البحث.
(3)
أخرجه البخاري في الإيمان، باب فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (التوبة: 5) ومسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس
…
، حديث 32 - 36، وأبو داود في الجهاد باب على ما يقاتل المشركون؟ (104)، والترمذي في تفسير سورة الغاشية، والنسائي في الزكاة، باب مانع الزكاة، وابن ماجة في أول الفتن، والدارمي في السيرة، باب في القتال على قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس
…
» وأحمد في المسند 4/ 8.
(4)
سنن النسائي كتاب الزكاة، باب مانع الزكاة.
بموافقته لما عهد منه من موافقته النصوص حتى قال:" وافقت ربي في ثلاث «1» " ثم إن عمر رجع في هذه القضية إلى متابعة أبي بكر
…
" اهـ.
أما عن عثمان- رضي الله عنه فيتضح من كلامه «2» عند قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا
…
(155) الآية «3» :" فيها مسائل للشيعة: الأولى: أن هذا كان يوم أحد ففر عثمان وثبت علي فدل على أن عليا أفضل لأنه سلم من هذه الآية.
الثانية: أن الفرار من الزحف كبيرة خصوصا عن النبي- عليه السلام في تلك الضائقة، وقد أتاها عثمان.
الثالثة: دلت الآية على أن فرار عثمان إنما كان عقوبة على ذنب أتاه لقوله عز وجل: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا فكان عقوبة الذنب ذنبا مثله.
وأجابت السنة بتمام الآية وهو قوله- عز وجل: ولَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ.
والذنب المغفور كغير المعمول، ولو ساعد الدليل على أن يحمل تولي عثمان وأصحابه توليا مباحا إما تحرفا لقتال أو تحيزا إلى فئة لكان أولى، لكنه لا يساعد، إذ لو كان كذلك لما لحقتهم اللائمة، ولما احتاجوا إلى العفو، وبما أجبنا به أولا أجاب ابن عمر عن عثمان مع معرفة ابن عمر بحقيقة الواقعة «4» " اهـ.
(1) أخرجه البخاري في الصلاة، باب ما جاء في القبلة
…
(32) وفي تفسير سورة البقرة، باب (9)، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 34، وأحمد في المسند (1/ 23 - 24).
(2)
في الإشارات الإلهية ص 83 خ الأحمدية.
(3)
سورة آل عمران: 155.
(4)
انظر صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان بن عفان، وكتاب المغازي، باب قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا ولَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ
…
(آل عمران: 155) وانظر جامع الترمذي كتاب المناقب، باب مناقب عثمان، ومسند أحمد (1/ 68). وانظر تفسير ابن كثير 1/ 213 - 214، 218 - 419.
أما ما قاله عن عائشة وحفصة «1» رضي الله عنهما فيتبين من قوله في كلامه في الإشارات عن قوله تعالى:
…
فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً
…
(10)«2» الآية. قال:" زعمت الرافضة لعنهم الله أنه يعرض بعائشة وحفصة، وأنهما كامرأتي نوح ولوط في النار لتظاهرهما على رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأذاهما له، وزعموا لعنهم الله أن عائشة كان بينها وبين عثمان شيء فنزغ لها بهذه الآية معرضا بها فحقدت عليه ثم لم تزل تؤلب الناس عليه حتى قتلوه، ثم إنها ندمت مع كراهتها إمرة علي فخرجت تطلب بثأره. وأجاب الجمهور بأن هذا كله لم يكن منه شيء وهو كذب مختلق، وإجماع أهل الحق على أنهما زوجتاه في الجنة لا يعارضه شيء مما ذكروه" اه «3» .
ويقول في الإشارات أيضا عن عائشة- رضي الله عنها في كلامه عن قوله تعالى: .. وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
…
(33)«4» الآية:" يتعلق بها الشيعة أخزاهم الله
(1) حفصة بنت عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما وإحدى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولدت بمكة وتزوجها خنيس بن حذافة السهمي، فكانت عنده إلى أن ظهر الإسلام فأسلما، وهاجرت معه إلى المدينة فمات عنها فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيها، فزوجه إياها سنة اثنتين أو ثلاث من الهجرة، واستمرت في المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن توفيت سنة 45 هـ (الاعلام 2/ 264، وطبقات ابن سعد 8/ 81 - 86).
(2)
سورة التحريم، آية:10.
(3)
ورد في صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة- رضي الله عنها وكتاب الفتن، باب (18) من حديث عمار أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولعل العلماء قالوا ما ذكره الطوفي استنباطا من مفهوم قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (الزخرف: 70) وهو قول بعض المفسرين.
(4)
سورة الأحزاب، آية:33.
على عائشة ويقول أمرت أن تقر في بيتها فخالفت وخرجت إلى تفريق المؤمنين، وقتال علي بالبصرة حتى قتل بسببها من قتل، وهم نحو عشرين ألفا. والجمهور أجابوا بأنها خرجت مصلحة للفساد ومطفية للثائرة مجتهدة في ذلك فهي لا تنفك من أجر أصاب اجتهادها أو أخطأ" اهـ.
وقال عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه «1» - في الإشارات عند حديثه عن قوله تعالى: وأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15)«2» ." يحتج بها الشيعة أبعدهم الله من رحمته على معاوية ومن شايعه على قتال علي، لأن النبي- عليه السلام أمر بقتال المارقين وهم الخوارج «3» ، والناكثين وهم أهل الجمل،
(1) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي الأموي، أسلم عام الفتح وجعله الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب الوحي، وشهد حنينا ثم اليمامة، وكان سيدا وحليما مع كرم وشهامة ولاه عمر الشام ثم عثمان فأحسن الولاية وطالب بدم عثمان في زمن علي بن أبي طالب
…
وانحاز إليه أناس ووقع بسبب ذلك فتنة مشهورة في صفين والجمل، ولما قتل علي بويع لمعاوية بالخلافة واجتمعت عليه الكلمة حين صالحه الحسن بن علي- رضي الله عنهم عام أربعين من الهجرة. توفي سنة ستين من الهجرة. (انظر البداية والنهاية 8/ 117 - 144، والإصابة 3/ 433 - 434).
(2)
سورة الجن، آية: 15
(3)
هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه بعد التحكيم، وانحازوا إلى حروراء، وتبرءوا من علي ومعاوية والحكمين. وأيضا يطلق هذا الاسم" الخوارج" على كل من خرج على الإمام. والخوارج فرق شتى منها: المحكمة الأولى، والأزرقة، والنجدات، والبيهسية والعجاردة، والإباضية، والثعالبة، والصفرية الزيادية. (انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 114 - 138، ودراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين" الخوارج والشيعة" ص 35 وما بعدها).
والقاسطين وهم أهل الشام «1» ". وأجاب الجمهور بأنا لا نسلم صحة الحديث، ولا أن معاوية كان من القاسطين ولو سلمنا عموم الآية في كل قاسط، بل هي لقاسطين معهودين من الجن أو غيرهم».
أما عن مذهب الرافضة في الصحابة- رضي الله عنهم فيقول الطوفي- رحمه الله في كلامه في كتابه الإشارات عن قوله تعالى: أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ
…
(144)«2» الآية:" زعمت الشيعة أن هذا تعريض من الله- عز وجل بارتداد الصحابة وانقلابهم على أعقابكم بعد موت النبي- عليه السلام، قالوا: والنبي- عليه السلام علم ذاك فأكد في نهيهم عنه بقوله: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض: لا ترجعوا بعدي ضلالا» «3» الحديث. لم يكفه ذلك حتى أخبرهم بأنهم سيؤخذ بهم يوم القيامة عن الحوض ذات الشمال إلى النار، حتى لا يخلص منهم إلا مثل همل النعم. قالوا: وقد كان ذلك منهم بانحرافهم عن إمامهم المنصوص عليه وهو علي إلى غيره.
وأجاب الجمهور بأنا لا نسلم في أن الآية تعريضا بما ذكرتم، وإنما هو جملة شرطية دخل عليها حرف الاستفهام فأفادت تشجيعهم على القيام بالأمر معه ومن
(1) قلت: وليس هذا لفظ المروي عن الرسول- صلى الله عليه وسلم فله عدة ألفاظ أوردها ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 305 - 307).
(2)
سورة آل عمران، آية:144.
(3)
أخرجه مسلم في القسامة باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، حديث 29، وفي الايمان حديث 118، 120، والبخاري في العلم، باب الانصات للعلماء، وفي المغازي، باب حجة الوداع، وفي الديات، الباب الثاني منه، وأبو داود في السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، والترمذي في الفتن، باب ما جاء لا ترجعوا بعدي كفارا، (28)، والدارمي في المناسك، باب في حرمة المسلم، وأحمد في المسند (2/ 85، 87، 104).
بعده، وقد فعلوا، وأما قوله- عليه السلام «لا ترجعوا بعدي كفارا» فهو نهي لهم عن مثل ما خلفت به الأمم السالفة أنبياءها من الكفر، وقد امتثلوا فلم يكفروا، وما كان بينهم من الحروب والدماء فعن تأويل واجتهاد، هم فيه معذورون، بل ومأجورون. وأما المأخوذ بهم ذات الشمال إلى النار فمحمول على أهل الردة الذين ماتوا عليها" اهـ.
أما عن عصمة الأئمة فيتبين موقفه منها في شرحه على مختصره لروضة الناظر عند كلامه في شروط المتواتر ورده على الشريف المرتضى الرافضي المعتزلي «1» في اشتراطه عدم اعتقاد نقيض المخبر به لافادة التواتر العلم. قال الطوفي:" ولذلك اشترطت الشيعة وابن الراوندي «2» أن يكون فيهم الإمام المعصوم ليكون خبرهم معصوما من الخطأ، وهو باطل:
أما أولا: فلأنهم منازعون في وجود العصمة في غير الملائكة والرسل.
وأما ثانيا: فلأن عصمة خبرهم مستندة إلى كثرتهم لا إلى أوصافهم وإلا
(1) على بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم، من أحفاد الحسين بن علي، إمامي معتزلي أديب شاعر، ولد ببغداد وله تصانيف في التشيع منها: الشافي في الإمامة، ويرى بعض المترجمين له أنه هو الذي وضع نهج البلاغة لا أخوه الشريف الرضي، توفي المرتضى ببغداد سنة ست وثلاثين وأربعمائة من الهجرة. (انظر البداية والنهاية 12/ 53، والأعلام 4/ 278).
(2)
أحد الزنادقة الملحدين الذين كانوا يلازمون الرافضة واسمه أحمد بن يحيى بن الراوندى يقول عنه ابن الجوزى:" كنت أسمع عنه بالعظائم حتى رأيت في كتبه ما لم يخطر على قلب أنه يقوله عاقل"، كان أبوه يهوديا فأظهر الإسلام، ويقال إنه حرف التوراة كما عادى ابنه القرآن بالقرآن وألحد فيه وألف كتابا في الرد على القرآن سماه: الدامغ. اختلف في سنة وفاته، فقيل 245، وقيل 298، وقيل غير ذلك. (انظر البداية والنهاية 11/ 112 - 113، وشذرات الذهب 2/ 235 - 236).
لاشترطت العدالة والإسلام. ولأن العلم مخلوق لله سبحانه وتعالى مقارنا للإخبار، فكما جاز خلقه مع إخبار المعصوم جاز خلقه مع إخبار المعصوم، ثم يلزمهم ألا يوجد في بلاد الكفر تواتر، إذ لا معصوم فيهم اللهم إلا أن لا يشترطوا للعصمة الإسلام فإن عقولهم أسخف من هذا". [شرح الطوفي على مختصره ج 2 الورقة 145/ ب 61].
فهو هنا يطعن في أهم ركيزة عند الشيعة وبالأخص الإمامية.
وعن إمامة علي رضي الله عنه يقول في حديثه عن أهل التواتر في المصدر السابق: «قوله وكتمان أهل التواتر ما يحتاج إلى نقله ممتنع، خلافا للإمامية» أي:
إن أهل التواتر، وهو العدد الذي يحصل العلم التواتري بخبرهم، هل يجوز أن يكتموا ما تدعو الحاجة إلى نقله؟ فالجمهور قالوا: لا يجوز. وقالت الإمامية- وهم أشهر طوائف الشيعة-: يجوز ذلك لاعتقادهم كتمان النص على إمامة علي رضي الله عنه أي لأنهم يعتقدون أن الصحابة رضي الله عنهم مع كثرتهم كتموا النص على إمامة علي والوقوع يدل على الجواز قطعا. لنا: أن كتمانهم لما يحتاج إلى نقله كتواطئهم على الكذب، وتواطؤهم على الكذب بكتمانهم لما يحتاج إلى نقله محال، أما الأولى: فلأن كتمان الواقع- خصوصا مع الحاجة إلى نقله- بمثابة قولهم: ما وقع، وقولهم لما وقع: انه ما وقع كذب قطعا، لأن الكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، وهذا كذلك، فكذلك الكتمان الذي هو بمثابة قولهم: ما وقع.
أما أن تواطؤهم على الكذب محال فلما سيأتي عن قريب- إن شاء الله- «1» " اهـ.
هذه بعض مقالاته عن الرافضة، وإن كانت مختصرة، لأنها منقولة من كتبه
(1) شرح مختصر الروضة للطوفي 2/ 100 - 101.
التي لم يرد بها الرد عليهم ف" الصعقة الغضبية" ليس- كما قال- موضع الرد عليهم، و" الإشارات" قد التزم فيه منهج الاختصار في ذكر استدلال الشيعة وغيرهم بآيات القرآن الكريم على مذاهبهم، وكان يتوسع فيه في الرد عليهم أكثر من غيرهم.
ومما تقدم من المقالات يتبين أنه لو كان رافضيا مثلهم لما كشف عن عورتهم في رد رواية الصحابي لمرض في قلوبهم
…
وما لعنهم. فما عرف أن رافضيا يلعن جماعته، ويسبهم، ويذكر بأنهم استطالوا على الصحابة، وكيف يدافع عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة ومعاوية وغيرهم من الصحابة- رضي الله عنهم جميعا- وهم أعداء الشيعة وأعداء لعلي- رضي الله عنه في نظرهم مع أن الرافضة ما كانت تخفي هذا في زمن الطوفي- رحمه الله كابن المطهر الحلي، وغيره لمكانتهم عند الخلافة العباسية ووجود من يقدمهم عندها وهو الوزير الخبيث ابن العلقمي. ثم إن هناك من علماء الرافضة الكثير يصرحون بمذهبهم ويحضرون مجالس علماء أهل السنة ولم يدعوا أنهم على غير مذهب الرافضة.
لكن مع هذا نورد ما قاله عنه المؤرخون له، واتهموه به مما يتعلق بالرفض لتظهر لنا الصورة الواضحة عن هوية الطوفي- رحمه الله يقول الإمام الذهبي- رحمه الله تعالى- في كتابه:" العبر .. " عن ترجمة الطوفي:" هو سليمان بن عبد القوي
…
الشيعي" ولم يزد عن هذه الكلمة عنه.
أما ابن رجب- رحمه الله تعالى- فيقول بعد أن بين منزلته العلمية وفضله وتدينه وآثاره العلمية
…
:" وكان مع ذلك كله شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السنة حتى إنه قال عن نفسه:
حنبلي رافضي أشعري
…
هذه إحدى العبر"
حتى إنه صنف كتابا سماه:" العذاب الواصب على أرواح النواصب"«1» اهـ.
قلت: والعجيب أن ابن رجب- رحمه الله: يقول عنه قبل ذلك:" وكان فاضلا صالحا
…
وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وعلق عنهم
…
ولقي الشيخ تقي الدين ابن تيمية والمزي والشيخ مجد الدين الحراني، وجالسهم" «2» إلى أن قال:
" وله نظم رائق وقصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وقصيدة طويلة في مدح الإمام أحمد"«3» اهـ.
فقد مدحه أولا وبين فضله وصلاحه ثم بين أن شيوخه ومن جالسهم فضلاء الناس في عصره. وما أدري كيف يسكت عنه أولئك العلماء الفضلاء، ولا يعرفون انحرافه وتشيعه، ثم كيف يجمع بين الفضل وعلو المنزلة في العلم وبين الرفض؟ وكيف يتصنع في المسائل العلمية، مع جرأته التي تتضح من كتبه ومناظراته- رحمه الله يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية (2/ 179 - 180):" وأما من عرف الإسلام كيف كان وهو مقر بأن محمدا رسول الله باطنا وظاهرا، فإنه يمتنع أن يكون في الباطن رافضيا، ولا يتصور أن يكون في الباطن رافضيا إلا زنديق منافق، أو جاهل بالإسلام
…
فهل عرف أحد من فضلاء أصحاب الشافعي وأحمد وأصحاب مالك كان رافضيا؟ أم يعلم بالاضطرار أن كل فاضل منهم من أشد الناس إنكارا للرفض، وقد اتهم طائفة من أتباع الأئمة بالميل إلى نوع من الاعتزال، ولم يعلم أحد منهم اتهم بالرفض لبعد الرفض عن طريق أهل العلم
…
" اهـ.
(1) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 367، 368.
(2)
ذيل طبقات الحنابلة 2/ 367، 368.
(3)
ذيل طبقات الحنابلة 2/ 367، 368.
ثم كيف يكون رافضيا خبيثا ويمدح أعداء الرفض وينتحل مذهبهم الفقهي فهو كما قال ابن رجب- رحمه الله مدح الإمام أحمد بقصيدة طويلة وهو لم يدرك الإمام أحمد حتى يتملق له وينافق في مدح مذهبه، ثم لم يكن هناك سلطة قوية تنتحل مذهب الحنابلة، بل كانت معظم الناس على مذاهب فقهية متعددة، بل وعلى مذاهب عقدية ونحل متفرقة وربما كان الحنابلة ومن على مذهب الإمام أحمد في العقيدة قليلين ومضايقين في عصر الطوفي كما حدث للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو رأس الحنابلة في ذلك الوقت وغيره.
وابن تيمية- رحمه الله من أشد أعداء الرافضة بل لقد كان كلامه عليهم صواعق مدمرة كما يتضح ذلك من كتابه المتقدم، ومع ذلك يلتقي به الطوفي- رحمه الله ويجلس في حلقاته قرابة عام في دمشق ويدرس ابن تيمية على الطوفي العربية أياما، بل لقد كان الطوفي- رحمه الله معجبا أشد العجب بابن تيمية- رحمه الله فهو يقول فيه فيما نقله الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في مقدمته لفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:" كأن العلوم بين عينيه يأخذ ما يشاء ويذر ما يشاء وعرضت عليه أبيات فثنى رجليه وأجاب عنها بمائة وتسعة أبيات، ويجيب في القعدة الواحدة بعدة كراريس"«1» اهـ.
وقد نقل الشيخ عبد الله بن حميد- رحمه الله في مقدمة الفتاوى كلاما للطوفي في ابن تيمية نحو هذا يقول:" قال عنه الطوفي:" سمعته يقول: من سألني مستفيدا حققت له ومن سألني متعنتا نقضته فلا يلبث أن ينقطع فأكفى مئونته" «2» اهـ. وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة (2/ 445):" وقد صنف
(1) نقله من الدرر الكامنة 1/ 153.
(2)
وقد نقل ذلك عن الدرر الكامنة 1/ 153.
شيخنا تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية- رحمه الله عليه- كتابا بناه على بطلان نكاح المحلل، وأدرج فيه جميع قواعد الحيل، وبين بطلانه بأدلته على وجه لا نزيد عليه".
أما ما روي عن الطوفي أنه قال:
حنبلي رافضي أشعري
…
هذه إحدى العبر
فقد نقلها المؤرخون، ونسبوها إليه ورووها بروايات مختلفة منها:
حنبلي رافضي ظاهري
…
أشعري انها إحدى العبر
ومنها:
أشعري حنبلي وكذا
…
رافضي هذه احدى العبر
ولم يشر أحد إلى موضعها من كتبه ولم أجد لها ذكرا أو إشارة فيما حصلت عليه من كتب الطوفي- رحمه الله ولا يستبعد إلصاقها به، فقد ألصق بمن هو أفضل من الطوفي أكبر من ذلك، فقد نسب إلى الإمام مالك «1» رحمه الله بطريق الجزم أنه أباح إتيان المرأة في الدبر وتناقل هذا القول كثير من العلماء مع أنه برئ من ذلك- رحمه الله وقد أنكر هذه المقولة عند ما سئل عن ذلك. وليس الإمام مالك وحده أو الطوفي وحده الذي ألصقت بهما التهم والأقوال الباطلة.
(1) أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري إمام دار الهجرة، إمام الشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وابن المبارك وغيرهم، ولد عام وفاة أنس بن مالك ومن أشهر كتبه الموطأ، توفي- رحمه الله في سنة 179 هـ، وقيل غير ذلك.
ودفن بالبقيع في المدينة النبوية. من أقوال الشافعي فيه:" مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين
…
" قال المؤرخون له:" أخذ عن تسعمائة شيخ من التابعين وستمائة من تابعيهم".
(انظر سير أعلام النبلاء 8/ 48 - 138، والديباج 1/ 82 - 139).
وعلى فرض صحة نسبة هذه المقولة إليه فأي رواية منها قال؟ لأن في بعضها أنه رافضي وأشعري وحنبلي وبينها اختلاف، وفي بعضها أنه حنبلي أشعري ظاهري، وبين الثلاثة اختلاف أيضا ولا تجتمع هذه المذاهب لا في الفقه ولا في العقيدة إلا على وجه التعسف وقد تتفق في بعض المسائل فقط. ثم إن كتبه تشهد بأنه حنبلي في الفقه، وغير رافضي في الفقه ولا في العقيدة، وإن كان له رأيه ومنهجه المتميز عن غيره بالجرأة وقوة الأسلوب.
أما أنه كتب" العذاب الواصب على أرواح النواصب" فلم أعثر على الكتاب حتى أتحقق هل قال فيه ما يدل على أنه على مذهب الرافضة؟ أم أنه يرد على من ناصب عليا العداء وأبغضه من الخوارج وغيرهم فنحن معه في أننا نبغض من أبغض عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه وعاداه وأنكر فضله بعد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم جميعا- وكل من لم يعرف قدره من الشيعة والخوارج وغيرهم فسيلقى جزاءه يوم القيامة.
ولم يكتف ابن رجب- رحمه الله تعالى- بهذا القول عن الطوفي- رحمه الله بل قال عنه أيضا:" ومن دسائسه الخبيثة أنه قال في شرح الأربعين للنووي:
اعلم أن من أسباب الخلاف الواقع بين العلماء: تعارض الروايات والنصوص، وبعض الناس يزعم أن السبب في ذلك: عمر بن الخطاب، وذلك أن الصحابة استأذنوه في تدوين السنة من ذلك الزمان، فمنعهم من ذلك، وقال: لا أكتب مع القرآن غيره، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اكتبوا لأبي شاه خطبة الوداع» «1» وقال:
(1) الصحيح أنها خطبة فتح مكة لا خطبة الوداع. والحديث أخرجه البخاري في الديات، باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، وأبو داود في المناسك، باب تحريم حرم مكة (90) والترمذي في العلم، باب ما جاء في الرخصة فيه، وفي مسند أحمد (2/ 238).
«قيدوا العلم بالكتابة» «1» قالوا: فلو ترك الصحابة يدون كل واحد منهم ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لانضبطت السنة، ولم يبق بين آخر الأمة وبين النبي صلى الله عليه وسلم في كل حديث إلا الصحابي الذي دون روايته، لأن تلك الدواوين كانت تتواتر عنهم إلينا، كما تواتر البخاري ومسلم ونحوهما" قال ابن رجب:" فانظر إلى هذا الكلام الخبيث المتضمن: أن أمير المؤمنين عمر- رضي الله عنه هو الذي أضل الأمة، قصدا منه وتعمدا ولقد كذب في ذلك وفجر"«2» اهـ.
قلت: قد اطلعت على شرح الأربعين للنووي وهو مخطوط بدار الكتب بمصر واستعرضته من أوله إلى آخره فلم أجده، ووجدت له كلاما عكس هذا يمدح فيه أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما منه ما تقدم في قصة اختلاف رأي أبي بكر وعمر في قتال المرتدين، وأن عمر- رضي الله عنه خالف أبا بكر أول الأمر وكان الأولى موافقته لما عهد منه من موافقة النصوص حتى إن الوحي وافق رأيه.
والقول الآخر قول الطوفي- رحمه الله في شرحه لحديث (ص 156 - 157)«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» «3» قال:" اختلف
(1) أخرجه الدارمي في المقدمة، باب من رخص في كتابة العلم عن عمر أنه قال:(قيدوا العلم بالكتاب) ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال السخاوي في المقاصد ص 55:" وبالجملة ففي الاذن بالكتابة أحاديث منها: ما عند الطبراني وأبي نعيم في الحلية وغيرهما عن ابن عمرو مرفوعا بلفظ" قيدوا العلم بالكتاب" وعند العسكري من حديث عبد الحميد بن سليمان عن أنس مرفوعا:" ما قيد العلم بمثل الكتاب" وقال العسكري ما أحسبه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم
…
وأنه من قول أنس" اهـ.
(2)
ذيل طبقات الحنابلة 2/ 368.
(3)
أخرجه الترمذي في العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع وقال:" هذا حديث حسن صحيح"، وأبو داود في السنة، في لزوم السنة، وابن ماجه في المقدمة باب اتباع الخلفاء الراشدين، والدارمي في المقدمة، باب اتباع السنة، وأحمد في المسند (4/ 126، 127).
الناس في هذه اللام فقال أهل السنة هي للعهد والخلفاء الراشدون هم الأربعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» «1» ونحوه. وقال الشيعة اللام لاستغراق الوصف أي كل من اتصف بالرشد والهداية من الخلفاء بعدي فعليكم بسنته، وإنما قالوا ذلك لأن أبا بكر وعمر وعثمان- رضوان الله عليهم- عندهم ليسوا من الخلفاء الراشدين المهديين، لتقدمهم على علي بن أبي طالب بغير حق ووضعهم الخلافة في غير النصاب الذي وضع الله- عز وجل فيه النبوة وهم بنو هاشم بزعمهم. ونصوص السنة وإجماع أهلها ترد عليهم في ذلك. والراشد الذي أتى بالرشد واتصف به والمهدي الذي هداه الله- عز وجل لأقوم الطرق" اهـ.
وقد تأملت النص الذي أورده ابن رجب- رحمه الله فرأيت أنه لا يدل على أنه من قول الطوفي- رحمه الله ولا أنه يؤيده، بدليل أن أول النص يدل على أنه يحكي قولا لبعض الناس في ذلك:" وبعض الناس يزعم أن السبب في ذلك عمر بن الخطاب"، ثم يقول أيضا:" وقالوا: فلو ترك الصحابة يدون كل واحد
…
" فليس في النص ما يؤكد ذلك ولا أنه يؤيد قول هؤلاء الزاعمين والقائلين بذلك. والذي يؤخذ عليه في هذا عدم رده على هذه المعقولة.
قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-:" وقد كان الطوفي أقام بالمدينة النبوية
(1) أخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما، وقال:" هذا حديث حسن"، وابن ماجه في المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحمد في المسند (5/ 382، 385، 399).
مدة يصحب الرافضي: السكاكيني المعتزلي «1» ، ويجتمعان على ضلالتهما وقد هتكه الله، وعجل الانتقام منه بالديار المصرية" «2» اهـ.
قلت: مجالسته للسكاكيني لا تدينه بأنه على مذهبه وإلا لكان مجموعة من فضلاء الأئمة الذين جالسوا السكاكيني وسمعوا منه: رافضة أيضا من أمثال الإمام الذهبي- رحمه الله فقد سمع من السكاكيني الحديث وقال الذهبي عن السكاكيني:" كان حلو المجالسة ذكيا عالما فيه اعتزال، وينطوي على دين وإسلام وتعبد، سمعنا منه، وكان صديقا لأبي، وكان ينكر الجبر، ويناظر على القدر، ويقال أنه رجع في آخر عمره
…
" «3» ، ثم إن ما حصل له بالديار المصرية كان قبل مجالسته للسكاكيني. بل إن هناك أمورا تشهد بأنه لا يوافقه على مذهبه، فمذهب الطوفي في القدر على خلاف مذهب السكاكيني، وهو ينكر عليه ذلك.
يقول الطوفي في الإعجاب بابن تيمية:" وكان من أذكياء العالم، وله في ذلك أمور عظيمة منها أن محمد
…
السكاكيني عمل أبياتا على لسان ذمي في إنكار القدر
…
فوقف عليها ابن تيمية فثنى إحدى رجليه
…
وأجاب
…
بمائة وتسعة أبيات" «4» .
(1) محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني الشيعي، ولد بدمشق سنة 635 هـ وطلب الحديث وتأدب وسمع وهو شاب من إسماعيل ابن العراقي وغيره، وروى عنه الذهبي وغيره، واقعد في صناعة السكاكين عند شيخ رافضي فأفسد عقيدته، ولم يحفظ له سب في الصحابة بل نظم في فضائلهم إلا أنه كان يناظر على القدر ويقال إنه رجع في آخر حياته.
توفي سنة 721 هـ. (انظر الدرر الكامنة 3/ 410 - 411، والبداية والنهاية 14/ 100 - 101).
(2)
ذيل طبقات الحنابلة 2/ 369.
(3)
الدرر الكامنة 3/ 410.
(4)
الدرر الكامنة 1/ 156.
قال ابن رجب- رحمه الله:" قال تاج الدين أحمد بن مكتوم القيسي في حق الطوفي: قدم علينا- يعني الديار المصرية- في زي أهل الفقر، وأقام على ذلك مدة، ثم تقدم عند الحنابلة، وتولى الإعادة في بعض مدارسهم، وصار له ذكر بينهم، وكان يشارك في علوم، ويرجع إلى ذكاء وتحقيق، وسكون نفس، إلا أنه كان قليل النقل والحفظ، وخصوصا للنحو على مشاركة فيه، واشتهر عنه الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة- رضي الله عنهما وفي غيرهما من جملة الصحابة- رضي الله عنهم وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطه، نقلها عنه بعض من كان يصحبه ويظهر موافقة له، منها قوله في قصيدة:
كم بين من شك في خلافته
…
وبين من قيل: إنه الله
فرفع أمره ذلك إلى قاضي الحنابلة سعد الدين الحارثي
…
" اهـ.
قلت: أما تاج الدين أحمد بن مكتوم القيسي فلم أجد له ترجمة ولم أدر أين نقل هذا القول عن الطوفي. ويظهر من النص- والله أعلم- أنه ليس من الحنابلة.
أما قوله: إن الطوفي قليل النقل والحفظ، وخصوصا للنحو على مشاركة فيه، فإن كتب الطوفي في اللغة والنحو والأدب توضح مكانته فيه. وأسلوبه وألفاظه في هذا الكتاب" الانتصارات
…
" وحده يكفي في الرد على هذا القول.
وأما قوله إنه وقع في أبي بكر وابنته عائشة وفي بعض الصحابة فلم أجد لذلك مستندا، وقد دلس في نقل ذلك عنه، حيث قال:" وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطه، نقلها عنه بعض من كان يصحبه، ويظهر موافقة له" فلم يسم القائل.
ثم لو صح لكان هذا الرجل من أعداء الطوفي الذين وضعوا للتجسس عليه، خاصة وأن الحنابلة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله امتحنوا في مصر في تلك السنة محنة شديدة ثم إن كلام ابن مكتوم قد نقله ابن حجر بغير هذا اللفظ كما سيأتي قريبا- إن شاء الله- أما هذا البيت فلا يقول بمضمونه أحد يؤمن بالله ورسوله، وينتسب حقيقة إلى الإسلام الصحيح.
أما قصته مع سعد الدين الحارثي وضربه وسجنه بمصر فقد ذكرت بصيغ متعددة. منها ما ذكره ابن رجب: أنه وجد بخطه أشعار ظهر منها الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة، ورفع أمره إلى قاضي قضاة الحنابلة سعد الدين الحارثي، وقامت عليه بذلك البينة، فتقدم إلى بعض نوابه بضربه وتعزيره واشهاره، وطيف به ونودي عليه بذلك، وصرف عن جميع ما كان بيده من المدارس، وحبس أياما ثم أطلق فاتجه إلى قوص «1» .
ومنها ما قال الصفدي «2» :" كان وقع له بمصر واقعة مع سعد الدين الحارثي وذلك أنه كان يحضر دروسه فيكرمه فيبجله وقرره في أكثر مدارس الحنابلة فتبسط عليه إلى أن كلمه في الدرس بكلام غليظ فقام عليه ولده شمس الدين عبد الرحمن، وفوض أمره لبدر الدين بن الحبال، فشهدوا عليه بالرفض وأخرجوا
(1) انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 369.
(2)
خليل بن آيبك بن عبد الله، صلاح الدين الأديب المؤرخ، ولد في صفد في فلسطين وتعلم في دمشق، فعانى صناعة الرسم فمهر بها ثم ولع في الأدب وتراجم الأعيان، تولى ديوان الإنشاء في صفد ومصر وحلب، ثم وكالة بيت المال في دمشق، فتوفي بها سنة أربع وستين وسبعمائة من الهجرة.
(انظر الدرر الكامنة 2/ 87، وطبقات الشافعية 6/ 94).
بخطه هجوا في الشيخين فعزر وضرب، فتوجه إلى قوص فنزل عند بعض النصارى وصنف تصنيفا أنكروا عليه منه ألفاظا ثم استقام أمره وأقبل على قراءة الحديث والتصنيف
…
وكان في الشعر الذي نسبوه إليه مما صرح بالرفض قوله:
كم بين من شك في خلافته
…
وبين من قيل: إنه الله «1» اه
وقال ابن حجر- رحمه الله:" وقد قال ابن مكتوم في ترجمته من تاريخ النحاة: قدم علينا في زي الفقراء، ثم تقدم عند الحنابلة فرفع عليه الحارثي أنه وقع في حق عائشة فعزره وسجنه وصرف عن جهاته ثم أطلق فسافر إلى قوص"«2» اهـ.
وقال ابن حجر أيضا:" وقرأت بخط الكمال جعفر: كان القاضي الحارثي يكرمه ويبجله ونزله في دروس ثم وقع بينهما كلام في الدرس، فقام عليه ابن القاضي، وفوضوا أمره إلى بعض النواب فشهدوا عليه بالرفض فضرب ثم قدم قوص فصنف تصنيفا أنكرت عليه فيه ألفاظا فغيرها ثم لم نر منه بعد ولا سمعنا عنه شيئا يشين"«3» اهـ.
ومنها ما قاله صاحب جلاء العينين ص 36 - 37) «4» :" قيل: وكان مع ذلك كله شيعيا حتى أنه قال في نفسه: أشعري حنبلي رافضي هذه احدى العبر، حتى أنه صنف كتابا سماه" العذاب الواصب على أرواح النواصب" وقد حبس وطيف به لأجل ذلك" اهـ.
(1) الدرر الكامنة 2/ 154 - 155.
(2)
المصدر السابق 2/ 156.
(3)
المصدر نفسه 2/ 157. ولم أجد النص في ترجمة الطوفي في الطالع السعيد للكمال.
(4)
انظر كذلك الأعلام 3/ 128.
فالرواية الأولى فيها أنه وجد له بعض الأشعار ظهر منها الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة- رضي الله عنهما وفي الثانية أن سبب الضرب والحبس تكليمه للقاضي سعد الدين بكلام غليظ، وأنهم شهدوا عليه، وأخرجوا بخطه هجوا في الشيخين وفي الثالثة: أنه وقع في حق عائشة- رضي الله عنها وفي الرابعة أنه وقع بينه وبين سعد الدين كلام في الدرس، ففوض ابنه أمر الطوفي إلى بعض النواب فشهدوا عليه بالرفض، وفي الخامسة: أن سبب الحبس والضرب هو كتاب:" العذاب الواصب على أرواح النواصب"، وهذا في نظري يدل على وقوع الخلاف بين القاضي والطوفي ولكن لم يبين السبب الحقيقي ولا يؤمن أن من فوض إليه أمره لفقوا على الطوفي الرفض.، والله أعلم.
هذا هو الاتهام الذي وجه إلى الطوفي- رحمه الله، وما رأيته في ترجمته عند المؤرخين له، ولم يكن لديهم مما يؤيد هذا الاتهام غير ما تقدم، وابن رجب- رحمه الله تعالى- يرى أن الطوفي مات على عقيدة الرافضة وأنه لم يتحول عنها فهو يقول:" قلت: وقد ذكر بعض شيوخنا عمن حدثه عن آخر: أنه أظهر له التوبة وهو محبوس. وهذا من تقيته ونفاقه"«1» اهـ.
أما بعض المؤرخين له فيميلون إلي أنه رجع عن الرفض فيقول الإمام الذهبي- رحمه الله:" ويقال إنه- أي الطوفى- تاب عن الرفض"«2» .
ويقول الكمال جعفر:" فشهدوا عليه بالرفض فضرب فصنف تصنيفا أنكرت عليه فيه ألفاظا فغيرها ثم لم نر منه بعد ولا سمعنا عنه شيئا يشين"«3» .
(1) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 369 - 370.
(2)
الدرر الكامنة 2/ 157.
(3)
المصدر السابق.
أما علماء عصرنا هذا وكتابه فهم في اتهام الطوفي على رأيين:
بعضهم: يرى أن الطوفي- رحمه الله من الرافضة بل ويصر على ذلك كالشيخ محمد أبي زهرة في كتابه: ابن حنبل" وفي مقدمته لكتاب المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي للدكتور مصطفى أبو زيد.
وبعضهم لا يدينه بالرفض، ففي مساء يوم السبت السادس والعشرين من شهر ذي القعدة من عام ست وأربعمائة وألف للهجرة، سألت فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفى أحسن الله إليه، في مجلس سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في العزيزية بمكة المكرمة عن اتهام بعض العلماء للطوفي بالرفض فقال:
" ما علمت شيئا يؤكد ذلك" ويقول:" وكان الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع «1» رحمه الله مدير المعارف قبل أن تصير وزارة- ينكر على من يرمي الطوفي بأنه شيعي" اهـ.
(1) العلامة الحافظ الفقيه محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن مانع الوهبي التميمي النجدي ولد في عنيزة بالقصيم سنة ألف وثلاثمائة من الهجرة أدخله والده مدرسة تحفيظ القرآن فاستمر إلى أن حفظه ثم جلس على علماء بلده، ورحل إلى بريدة وأخذ عن علمائها، ولما بلغ الثامنة عشرة رحل إلى بغداد وأخذ عن العلامة محمود شكري الألوسي وغيره من مشاهير علماء بغداد ثم رحل إلى مصر فأقام في الأزهر للعلم مدة، ثم سافر إلى دمشق ولازم الشيخ جمال الدين القاسمي وجلس على علمائها بالجامع الأموي ثم عاد إلى بغداد فبقي بها مدة يأخذ عن علمائها ثم عاد إلى بلده، وأخذ عن العلماء فيها ثم سافر إلى الزبير من أعمال العراق وقرأ على العلماء فيها ثم دعي إلى البحرين لمكافحة التبشير فأقام بها أربع سنين وشرح بها العقيدة السفارينية، ثم دعي إلى قطر للقضاء والخطابة والتدريس، فرحل إليه كثير من طلبة العلم ثم قدم الاحساء ثم الرياض ثم عينه الملك عبد العزيز رحمه الله مدرسا في الحرم المكي وأخذ عنه جماعة من العلماء. ثم عينه الملك عبد العزيز رحمه الله مديرا للمعارف وبهيئة تأديب الموظفين إلى أن شكلت الوزارة. ثم سافر إلى البحرين
…
وتوفي ببيروت على أثر عملية جراحية في رجب سنة 1385 هـ. ونقل جثمانه إلى قطر ودفن بها.
(انظر ترجمته الوافية في مشاهير علماء نجد ص 411 - 417).
والدكتور مصطفى أبو زيد في كتابه المتقدم يرى أيضا أن اتهام الطوفي- رحمه الله بالرفض غير صحيح. ونقل نصوصا من كتب الطوفي- رحمه الله يستشهد بها على ما قال، وقد نقلت أكثرها أنا أيضا في أول هذا المبحث.
والحقيقة أنه لم يكن بين يدى ما يؤكد أن الطوفي من الرافضة ولا من الزيدية وأنا لا أنسب إليه ذلك حتى يثبت من كتبه ما يفسر هذا الجرح وقاعدة المحدثين تقول:" إذا ذكر الجرح والتعديل قبل التعديل بدون تفسير، ولا يقبل الجرح إلا مفسرا"، وليس هناك ما يدل قطعا بأن الطوفي من الرافضة، بل يوجد في كتبه ما يشهد له بضد ذلك كما ذكرت سابقا.
ثم إنني أرى أن هذا الاتهام لفق على الطوفي للأمور التالية:
1 -
أنه لم ينسب إليه الرفض قبل دخول القاهرة، ولا قبل سنة إحدى عشرة وسبعمائة، ومن ما ألفه قبل ذلك كتاب:" الانتصارات الاسلامية
…
"
موضوع البحث والدراسة، ولم يكن فيه ما يدل على ذلك وقد جلس في بغداد وناظر مع أئمة العلماء وفضلائهم، وألف المؤلفات، ثم جلس في حلقات ابن تيمية- رحمه الله في دمشق وجلس عليه ابن تيمية في العربية أياما، وجلس الطوفي على المزي من علماء الشام، ورد ابن تيمية على الرافضة وذكر أعيانهم وشيوخهم ولم يذكر أن الطوفي منهم، ولم يذكر أحد من هؤلاء جميعا فيما علمت أن الطوفي على مذهب الرافضة.
2 -
أن الطوفي خبير بمذهب الرافضة وأقوالهم لمعايشته لهم في بغداد وظهورهم ومجاهرتهم بمذهبهم، ولو كان على ما هم عليه لأظهر ذلك معهم، خاصة وأن أعيانهم أهل مكانة عند الخلافة العباسية التي كانت تميل إلى آل البيت ويفتخر الخلفاء بأنهم منهم، وقد تقدم الرافضة عندهم حتى أن ابن العلقمي الخبيث
وصل إلى الوزارة، وابن المطهر الحلي كان مقدما عند ملوك التتار، فكيف يهجر الطوفي بغداد بسبب ما فيها من فتن كان للرافضة ضلع كبير فيها ويخفي مذهبه مع سهولة إظهاره، وحرية فكره فيما لو أظهر ذلك.
3 -
وإذ لم يرد دليل قطعي يؤكد أن الطوفي على مذهب الرافضة فأظن أنه قد دبر له مكيدة، كما دبرت لشيخ الإسلام ابن تيمية في تلك الفترة في مصر، فقد" كتب عليه محضر بأنه قال: أنا أشعري، ثم وجد خطه بما نصه: الذي أعتقد أن القرآن معنى قائم بذات الله، وهو صفه من صفات ذاته القديمة، وهو غير مخلوق، وليس بحرف ولا صوت، وأن قوله الرحمن على العرش استوى ليس على ظاهره، ولا أعلم كنه المراد به، بل لا يعلمه إلا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء، وكتبه أحمد بن تيمية، ثم أشهدوا عليه أنه تاب مما ينافي ذلك مختارا في خامس عشر ربيع الأول سنة 707 هـ وشهد عليه بذلك جمع جم من العلماء وغيرهم «1» ".
فهل ابن تيمية- رحمه الله رجع عن مذهب أهل السنة إلى مذهب الأشاعرة حقيقة وهل هذا المحضر الذي وقع عليه جمع غفير من العلماء وغيرهم صحيح أم هي فرية على ابن تيمية- رحمه الله، فلماذا لم يكن حال الطوفي- رحمه الله في اتهامه بالرفض كحال ابن تيمية في اتهامه بما سبق؟.
ولقد أو ذي الحنابلة الذين يحبون ابن تيمية في القاهرة أيضا حتى كتبوا على بعضهم بأنهم يبغضونه وأنهم ليسوا على عقيدته بل وبعضهم تبرأ منه كما يقال «2» والطوفي من المغرمين بحب ابن تيمية- رحمه الله ولعله حصل له ما حصل لهم.
(1) الدرر الكامنة 1/ 148.
(2)
المصدر السابق 1/ 147 وما بعدها.
4 -
أن الرافضة: هم الذين رفضوا إمامة الشيخين، ورفضوا زيدا عند ما ترحم عليهما- كما سبق- بل الثابت أن الطوفي أقر بخلافتهما وترضيته عليهما ولم يثبت أن الطوفي رفض خلافتهما- رضي الله عنهما.
5 -
أن الطوفي على خلاف مذهب الرافضة في أصول الفقه فقد خالفهم في الإجماع ورد عليهم في قولهم بعدم كونه حجة كما في شرح الأربعين ص: 182.
وكذلك هم يرون حجية القياس وهو على خلاف معهم في ذلك. وهم على اختلاف مذاهبهم يرفضون بناء الأحكام على رعاية المصلحة لأنها رأي كالقياس، والدين لا يؤخذ بالرأي. والطوفي على خلاف ذلك كما سيأتي- إن شاء الله- كما أنه على خلاف مذهبهم الفقهي كما يتضح فيما يأتي في هذا الكتاب من بعض المسائل الفقهية كالمتعة وحكم المذى وإتيان المرأة في الدبر، وغيرها.
6 -
خالف الطوفي الرافضة والإمامية في مسائل العقيدة كالرؤية كما سترى في هذا الكتاب ص 561 فهم ينكرون الرؤية وهو يثبتها على مذهب أهل السنة والجماعة.
ثم إن الرافضة يرون أن أبا طالب «1» مسلم دخل الإسلام وكتم إيمانه والطوفي
(1) أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم القرشي. أبو علي بن أبي طالب- رضي الله عنه كفل النبي صلى الله عليه وسلم ورباه بعد جده عبد المطلب، وكان أبو طالب يحب النبي صلى الله عليه وسلم حبا شديدا لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه وخصه بالطعام، وكان إذا أكل أولاده والرسول معهم شبعوا، وإذا لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبو طالب له: إنك لمبارك، ولما حضرته الوفاة قال له الرسول صلى الله عليه وسلم:(يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) فقال له: أبو جهل، وابن أبي أمية: يا أبا طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه حتى توفي، ولم يجب، فاستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته فنهاه الله عن ذلك بقوله تعالى:
ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ (التوبة: 113) ويدعي الشيعة أنه أسلم وأنه ستر ذلك عن قريش لمصلحة الإسلام، ولقد كذبوا في ذلك. (انظر طبقات ابن سعد 1/ 119 - 125 والأعلام 4/ 166).
على خلاف هذا كما سنرى في كتاب الانتصارات.
وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
7 -
أن عصر الطوفي من أكثر العصور ابتلاء امتحانا للعلماء، وقد اشتدت بين الطوائف والمذاهب الشحناء والبغضاء، فلو قبل كل ما قيل عن العلماء لما سلم أحد في عقيدته ودينه، وأرى أن الاحتكام في ذلك يكون إلى كتب هؤلاء العلماء، وما قالوه وسجلوه بأنفسهم فمثلا ابن تيمية اتهم بأنه وقع في عمر- رضي الله عنه وفي علي- رضي الله عنه ونسب إلى الزندقة والتنقص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن عثمان كان يحب المال، وإلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى، إلى غير ذلك فهل نأخذ هذا الكلام على إطلاقه من المؤرخين له أم يكون الحكم في ذلك ما سجله بنفسه في هذه الأمور؟ والطوفي لا بد أن نعرف عقيدته ومذهبه من خلال كتبه التي تبين لنا رأيه في مسائل الشرع سواء في العقيدة أو الأحكام الشرعية الأصولية أو الفرعية ونعرف أنه أخطأ في عدة مسائل، لأنه بشر وهو يقول عن نفسه في آخر شرح الأربعين:
إن تلق عيبا فلا تعجل بسبك لي إني امرئ لست معصوما من الزلل
ولا شك أن له أخطاء عفا الله عنا وعنه- والله أعلم.
مذهب الطوفي في الأسماء والصفات:
يتضمن التوحيد باعتبار متعلقه ثلاثة أنواع هى: توحيد الربوبية وبيان أن الله وحده خالق كل شيء. وتوحيد الألوهية: وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له. وتوحيد الأسماء والصفات وهو الإيمان بأسمائه وصفاته التي وردت في كتاب الله العزيز أو على لسان رسله صلى الله عليهم وسلم من غير تكييف أو تمثيل أو تعطيل.
فالنوع الأول لم يذهب إلى نقضيه طائفة من بني آدم، إلا ما عرف من شذوذ المانوية والثنوية أو ضلال النصارى في وحدانية الله أو عناد وتكبر فرعون.
وأما النوع الثاني فهو المقصود بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ولا تصلح الحياة والآخرة إلا به.
والنوع الثالث: لم يعرف عن أحد إنكاره، أو شيء منه، إلا ما ذكر عن المشركين في إنكار اسم الرحمن، على سبيل العناد فقط. والإشراك في هذا النوع على ثلاثة أنواع:
1 -
إلحاد المشركين الذين عدلوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه وسموا بها أوثانهم فزادوا ونقصوا فاشتقوا اللات من الإله، والعزى من العزيز
…
إلخ.
2 -
إلحاد المشبهة الذين يكيفون صفات الله تعالى ويشبهونها بصفات خلقه، وهو مقابل إلحاد المشركين.
3 -
إلحاد النفاة المعطلة وهم قسمان:
أ- قسم أثبتوا ألفاظ أسماء الله ونفوا ما تضمنته من صفات الكمال.
ب- وقسم صرحوا بنفي أسمائه وصفاته بالكلية ووصفوه بالعدم المحض.
والطوائف في توحيد الأسماء والصفات ثلاثة أقسام:
1 -
قسم عطلوا الله تعالى من أسمائه وصفاته، وهم الجهمية والمتفلسفة.
2 -
وقسم أثبتوا ألفاظ أسمائه ونفوا صفاته سبحانه، وهم المعتزلة.
3 -
وقسم أثبتوا أسماءه سبحانه على ما يليق به سبحانه وأثبتوا سبعا من الصفات، وهي الكلام والعلم والسمع والبصر والقدرة والإرادة والحياة مع تأويلات لهم أيضا في هذه الصفات السبع. وهؤلاء هم الأشاعرة.
وأما الذين أثبتوا أسماء الله وصفاته التي سمى بها نفسه في كتابه العظيم أو على لسان رسوله الكريم، من غير تأويل ولا تمثيل ولا تشبيه، فهم أهل السنة والجماعة، من السلف الصالح ومن تبعهم إلى يوم الدين.
وقد يشارك أحد أي طائفة من هذه الطوائف بعض مذهبهم دون بعض، فهذا حكمه حكم تلك الطائفة فيما وافقها فيه.
والإمام الطوفي- رحمه الله أحد العلماء الذين تكلموا في توحيد الأسماء والصفات وقد ألف في العقيدة الإسلامية كتبا عديدة ذكرت فيما سبق أكثرها فما مذهبه في توحيد الأسماء والصفات من خلال كتبه تلك؟.
لقد تتبعت بعض ما صنفه الطوفي من المصنفات التي ذكرت مسائل عديدة من مسائل التوحيد، وخاصة توحيد الأسماء والصفات، وسأورد نماذج مما قاله في تلك المسائل سواء من كتابه هذا:" الانتصارات الإسلامية" أو من كتبه الأخرى المخطوطة.
تحدث الطوفي في كتابه: حلال العقد في أحكام المعتقد عن الأسماء والصفات فقال في اللوحة الثانية منه:" والنظر في أسمائه وذاته وصفاته وأفعاله.
أما أسماؤه فكثيرة، قال الله عز وجل: ولِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها
…
(180)«1»
وفي الحديث: «أسألك بكل اسم هو لك علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك» «2» اه كلامه.
ثم بين معنى الاسم في اصطلاح النحويين، وفي اصطلاح اللغة، ثم قال:
" وأما ذاته عز وجل فهي حقيقة قديمة «3» أزلية، لا تدركها الأفهام، ولا تخيّلها
(1) سورة الأعراف، آية:180.
(2)
جزء من الحديث الذي أخرج الإمام أحمد في المسند (1/ 391، 452) والحاكم في المستدرك (1/ 509)، وقال عنه الحاكم:" هذا حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه فإنه مختلف في سماعه عن أبيه"، وتبعه الذهبي في التلخيص وزاد:" وأبو سلمة لا يدرك من هو؟ ولا رواية له في الكتب الستة" اه.
(3)
قلت: اختلف السلف في إطلاق لفظ" قديم" على ذاته المقدسة فبعضهم كره وصفه جل وعلا بالقدم، لأنه قد يطلق مع سبق العدم، نحو كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس: 39)، قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (يوسف: 95) وقالوا لم يرد وصفه بذلك في نصوص الكتاب وما ورد من السنة لا يثبت وإنما الوارد في الكتاب والسنة أنه سبحانه الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء.
وبعض السلف أجاز إطلاق لفظ القديم على الله، ووصفه بذلك، لما أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 17) بسند ضعيف عن أبي هريرة في إحصاء أسماء الله تعالى وعدها فذكر منها" القديم" ولحديث دخول المسجد:«أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم» وأقل ما يقال عنه إنه حسن، (سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد).
ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدم- أي بمعنى الأول الذي ليس قبله شيء- فإن ما تقدم على الحوادث كلها أحق بالتقدم من غيره. (انظر شرح الطحاوية ص 115). ولفظ" أزلي" معناه: قديم، ولم يرد في النصوص الشرعية تسمية الله تعالى ولا وصفه بهذا اللفظ فيما أعلم، وإنما هو من ألفاظ أهل الكلام فهم يقولون: إن الأزل عبارة عما لا افتتاح له سواء كان وجوديا كذات الله أو عدميا كأعدام ما سوى الله، لأن العدم السابق على العالم قبل وجوده لا أول له فهو أزلي" (انظر منهج ودراسات لآيات الصفات للشنقيطى ص 8).
الأوهام، كما قال- عز وجل: .. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)«1» اهـ.
وقال الطوفي عن الصفات:" وأما صفاته- عز وجل فضربان: ذاتية، وهي المعاني القائمة بذاته مقارنة لها في الوجود، وفعلية: وهي الأفعال الصادرة عنه المفارقة له، كالخلق والرزق ونحوه «2» ".
قلت: قسم السلف الصفات إلى ذاتية لا تنفك عنه سبحانه كالسمع والبصر، وفعلية: وهي التي تتعلق بمشيئته وقدرته، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء والمجيء والنزول، ونحوها، وهي أيضا ذاتية إلا أن أثرها يحدث في وقت دون وقت.
وربما تكون الصفة ذاتية فعلية، باعتبارين كالكلام، فإنها صفة ذاتية لا تنفك عنه سبحانه، وفعلية لتعلقها بمشيئته وقدرته يتكلم متى شاء كيف شاء بما شاء.
وقول الطوفي عفا الله عنه عن الذاتية:" مقارنة لها في الوجود" وعن الفعلية:" الصادرة عنه، المفارقة له" يشعر بأن الصفة غير الموصوف، وأنها قائمة بنفسها، لأنها مقارنة للذات، أو مفارقة لها. وهذا غير صحيح والأولى التعبير بما عند السلف. وإن كان الطوفي لم يقصد مفارقة الصفات لله تعالى بدليل ما يأتي من كلامه عن الصفات. والله أعلم.
(1) سورة الشورى، آية:11.
(2)
حلال العقد، اللوحة 5، 6 قلت: الصفة لا تفارقه سبحانه إنما الذي يحدث بها مباين له ..
وقال الطوفي عن آيات الصفات، وأخبارها في حلال العقد الورقة الثالثة عشرة:"
…
وذلك أن الناس اختلفوا في آيات الصفات، وأخبارها، نحو:
بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «1» ، ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ «2» ، يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ «3» ، وحديث القدم والإصبع «4» والضحك «5»
…
ونحوها، وهي كثيرة.
فمنهم من حملها على ظواهرها المتعارفة، فجسم، ومثل. ومنهم من تأولها على معاني مجملة في الجملة، فرارا من التجسيم، فأبطل وعطل، ومنهم من جعلها ألفاظا مشتركة بين صفات المخلوقين وصفات الله- عز وجل حقائق بالنسبة إلى ذاته المقدسة، كالعين المشتركة بين عين الماء وعين الذهب «6» ، فتقول: لي يد حقيقة، ولله- عز وجل يد حقيقة، ولا اشتراك بين اليدين إلا في لفظ اليد، أما مدلولها: فيد الله حقيقة لائقة به عز وجل، كما أن لي ذاتا، ولله عز وجل ذاتا، ولا اشتراك إلا في الاسم. وهذا رأي الحنابلة، وجمهور أهل السنة، وهو مذهب جيد صحيح عند من فهمه لا غبار عليه" اهـ.
ثم أتى بعد ذلك برأي يراه جمعا بين الأقوال فيقول:" ويحتمل هذا المقام تفصيلا لا بأس به، وفيه جمع بين المذاهب، وهو أن ألفاظ هذه النصوص لا يخلو
(1) سورة المائدة، آية:64.
(2)
سورة الرحمن، آية:27.
(3)
سورة القلم، آية:42.
(4)
سيأتي تخريج حديثي القدم والإصبع إن شاء الله.
(5)
حديث: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة» أخرجه البخاري في الجهاد باب 28، ومسلم في الإمارة حديث 128، 129 وغيرهما.
(6)
القول الصحيح أن لفظ العين يطلق على عين الماء، ويطلق على عين الذهب ولا اشتراك في المعنى لأن عين كل شيء مختصة به.
كل لفظ من أن يكون مقطوعا بإرادة الحقيقة منه، أو بإرادة المجاز فيتبع الدليل القاطع. أو ظاهرا في أحدهما فيتبع الظاهر ما لم يعارضه أظهر منه أو محتملا لهما على السواء، أو قريبا منه فهو مجمل، أو في حكمه، فيتوقف على البيان، أو يحمل على الأليق بجلال الله- عند المعتقد. وهذه الطريق أمثل الطرق- إن شاء الله عز وجل وعليها تتخرج جميع الآيات والأحاديث وهي كثيرة" اهـ.
ولعل ما قاله في كتاب الانتصارات الإسلامية، عند كلامه عن حديث التقرب والهرولة يفسر هذا الرأي المتقدم.
يقول- رحمه الله:" وهذا الحديث مؤول عندنا على التقرب بالرحمة واللطف، والإكرام، كما يقال: فلان قريب من السلطان، والأمر قريب من فلان، يعنى تقارب القلوب والمنزلة، وأنا وإن كنت أثريا في آيات الصفات وأخبارها، إلا أن المجاز عندي في هذا الحديث ظاهر غالب، فلا يتوقف في تأويله إلا جامد «1» ".
ثم قال بعد أن بين أن أحاديث الصفات منها ما يكون صحيحا أو غير صحيح، أو مختلف فيه، وأنه لا يعول إلا على الصحيح منها:" ثم الحديث المجمع على صحته من حيث دلالة المتن ثلاث طبقات: ما ترجح فيه إرادة الحقيقة، وما ترجح فيه إرادة المجاز، وما استوى فيه الأمران، فالأول كحديث الساق «2»
(1) وترجيحه المجاز هنا وتفسيره القرب خلاف الصواب كما سيأتي. انظر ص: 703 من هذا البحث.
(2)
أخرج البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (القيامة: 22، 23) من حديث طويل عن أبي سعيد منه: «فيأتيهم الجبار
…
فيقول أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟
فيقولون الساق. فيكشف عن ساقه، فسيجد له كل مؤمن
…
» وأخرجه مسلم في الإيمان حديث 302، والدارمي في الرقائق، باب سجود المؤمنين يوم القيامة، وأحمد في المسند (3/ 17) بألفاظ غير لفظ البخاري.
والقدم «1» والأصابع «2» ونحوها فهذه إرادة المجاز فيها مرجوحة فحكمها أن تحمل على حقائق لائقة بالباري- جل جلاله ولا يلزمنا تعين كيفيتها كذاته سبحانه، أثبتنا وجودها-، ونحن عن تفاصيل أحكامها بمعزل. الثاني كهذا الحديث" اهـ. أى حديث:«من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» «3» .
وذكر حديث: «قلوب الخلق بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء» «4» وحديث: «الحجر الأسود يمين الله في
(1) أخرج البخاري في عدة مواضع منها تفسير سورة (ق):" لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول: قط قط" وأخرجه مسلم في كتاب الجنة، حديث 37، والترمذي في كتاب الجنة، باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار، وفي تفسير سورة (ق)، وأحمد في المسند (2/ 369، 507)، (3/ 13)، بألفاظ متقاربة.
(2)
سيأتي تخريجه قريبا- إن شاء الله-.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ (آل عمران:
28) وفي باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، ومسلم في كتاب الذكر، باب فضل الذكر، والدعاء، والتقرب إلى الله تعالى، حديث 20، 21، 22، وفي أول كتاب التوبة، والترمذي في كتاب الدعوات باب في حسن الظن بالله، وابن ماجه في كتاب الأدب، باب فضل العمل وأحمد في المسند (2/ 413، 480، 482، 509، 524، 534)، وفي مواضع أخرى عنده.
(4)
أخرجه مسلم في القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، حديث 17 بلفظ" أن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء"، والترمذي في القدر، باب ما جاء في أن القلوب بين إصبعي الرحمن، وفي الدعوات، باب 90، وابن ماجه في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، والحاكم في المستدرك (2/ 288 - 289).
الأرض» «1» وحديث: «ساعد الله أشد، وموسى الله أحد» «2» .
ثم قال:" فإن المجاز فيه راجح، وحكمه التأويل على ما ترجح فيه" اهـ.
ثم ذكر الطبقة الثالثة فقال:" والثالث كقوله: ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ «3» فإنه بين الصفة الوجهية اللائقة بمنصب الإلهية، وبين الرتبة الجاهلية إلى العظمة الذاتية.
فحكم مثل هذا راجع الى ترجيح المجتهد في أحكام العقائد، فإن غالب مسائلها من هذا وأشباهه: اجتهادية، لكنها أعلى رتبة من مسائل الفروع «4» " اهـ.
قلت: أما قوله- رحمه الله في حديث «من تقرب مني
…
تقربت منه» فلا لزوم لتأويله القرب بقرب الرحمة. بل قرب الله من المتقرب إليه بالعمل الصالح: قرب بذاته ورحمته على ما يليق بجلاله، ولا ندرك كيفية ذلك ومعلوم أن معنى قرب الله بذاته وهرولته إليه ومشيه ليس بقطع المسافة، ومشابهة المخلوقين
(1) رواه الطبراني في معجمه، وابن عدي، وابن خلاد، وغيرهم، وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 575 - 576)، وقال:" حديث لا يصح"، والعجلوني في كشف الخفاء (1/ 417)، وذكر أنه موقوف على ابن عباس، وذكره الألباني في الضعيفة (1/ 257)، وبين وجه ضعفه، وأقوال أهل الحديث في سنده، وله شواهد ذكرها المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 31 - 32)، وسيأتي كلام ابن تيمية عنه إن شاء الله، وذكر بعض ألفاظه.
(2)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 473)، (4/ 137) بأسانيد متعددة حكم على بعضها أحمد البنا في الفتح الرباني (14/ 178)، (16/ 30)، وهي بمجموعها تفيد أن الحديث صحيح. ومن ألفاظه عنده:"
…
فقال: إذا آتاك الله مالا فلير عليك، ثم قال: هل تنتج ابل قومك صحاحا آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها
…
قال فإنما آتاك الله عز وجل لك، وساعد الله أشد، وموسى الله أحد وربما قال: ساعد الله أشد من ساعدك، وموسى الله أحد من موساك
…
" الحديث.
(3)
سورة الرحمن، آية:27.
(4)
انظر ص: 704 - 705 من هذا الكتاب. قلت: الحكم لا يكون إلا بالشرع لا باجتهاد المجتهد.
في اقتراب بعضهم من بعض، فهو سبحانه مع قربه لا ينفك عن كمال علوه على كل شيء، ولا يعلو شيء من المخلوقات عليه.
وأما حديث القلوب: «قلوب الخلق بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء» . فليس في ظاهره أن القلب متصل بالأصابع ولا مماس لها، كما أن قول القائل:" هذا بين يدىّ" لا يقتضي مباشرته ليديه. كما أن السحاب بين السماء والأرض وما يقتضي أن يكون مماسا للسماء والأرض. ونظائر هذا كثير «1» .
وقد نقل أن الإمام أحمد تأوله عن ظاهره، وأنكر ابن تيمية ذلك، وقال:" فهذه الحكاية كذب على أحمد
…
«2» ".
أما حديث «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» فإنه موقوف على ابن عباس كما تقدم وأنه لا يصح، والطوفي- رحمه الله قد ذكر أنه لا يعول على الأحاديث التي لا تصح.
وعلى فرض صحته فإن في ألفاظه قرائن تصرف معناه من المعنى الظاهر إلى معنى آخر يليق بجلال الله سبحانه، منها قوله:«في الأرض» فهذا قيد، ولو كان مطلقا لقال:" يمين الله" فقط، وفي بعض رواياته" فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه" والمشبه غير المشبه به وهذا يدل على أنه ليس يمينه حقيقة، فأول الحديث وآخره يبين أنه ليس من صفات الله «3» . فقول الطوفي مقبول على فرض صحة هذا الحديث. والله أعلم.
(1) انظر التدمرية: 73.
(2)
الفتاوى 5/ 398.
(3)
انظر فتاوى ابن تيمية 6/ 397 - 398. والتدمرية ص 71 - 72.
أما الحديث الثالث: «ساعد الله أشد
…
» فإن فيه إثبات الساعد لله على ما يليق بجلاله سبحانه، كما أنا أثبتنا له يدان على ما يليق بجلاله سبحانه.
أما ما يتعلق بقوله تعالى: ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والْإِكْرامِ (27) فإن معناها ذو العظمة والكبرياء. ففيها إثبات عظمة الله وكبريائه.
وأحسب أن الطوفي- رحمه الله لم يقصد تأول الأحاديث السابقة ولا صفة الوجه فى الآية بدليل أنه قال في كتاب الإشارات الإلهية، عن قوله تعالى في سورة الزمر: والْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
…
(67)«1»
فقال عن هذه الصفة وغيرها من صفات الله:" اختلف الناس في آيات الصفات مثل هذه: في القبضة واليمين، ونحو وجه ربك، بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «2» ، يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ «3» ، (يضع الجبار قدمه)«4» «يحمل السموات على إصبع» «5» ، الحديث، ونحو ذلك على أقوال: أحدها: امرارها كما جاءت من
(1) سورة الزمر، آية:67.
(2)
سورة المائدة، آية:64.
(3)
سورة القلم، آية:42.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
أخرج البخاري في عدة مواضع من صحيحه منها كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ (ص: 75) أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع، والشجر على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول أنا الملك؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (الزمر: 67) قال يحيى بن سعيد: وزاد فيه فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله:" فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له" قلت: وأخرجه مسلم في صفات المنافقين، حديث 21، 22، والترمذي في تفسير سورة الزمر، وأحمد في المسند (1/ 429) بألفاظ نحو لفظ البخاري السابق.
غير تكييف، ولا تمثيل. وهو مذهب أهل الحديث. الثاني: حملها على ظاهرها في التشبيه، وصرحوا به، وهو قول المجسمة. ورد ب لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «1» وباستحالة التجسيم على الله. الثالث: حملها على [أنها «2»] صفات الله- عز وجل حقيقة، معولة على صفات المخلوقين بالاشتراك اللفظي، كأنهم قالوا: لله يد هي صفة لائقة به لا تشبه يدنا، ولنا يد، هي هذه الجارحة، مستحيلة في حقه- عز وجل وهو محكي عن الظاهرية «3» ، وإليه يرجع المذهب الأول. الرابع:
تأويل ما أوهم منها التشبيه، على ما يزيل تلك الشناعات مما يحتمله اللفظ في كلام العرب، وهو مذهب الأشعرية ومن وافقهم. الخامس: أن اللفظ إن ظهر منه إرادة الحقيقة، حمل عليها، على المذهب الأول، أو إرادة المجاز حمل عليه كلفظ الجنب «4» ، وقلب المؤمن بين إصبعين، والحجر [الأسود «5»] يمين الله في الأرض، ونحوه وإن لم يظهر منه أحدهما اجتهد فيه المجتهد في الأصول وقلد فيه المقلد.
(1) سورة الشورى، آية:11.
(2)
ما بين المعكوفتين زيادة من المحقق لايضاح الكلام.
(3)
طائفة تقول بظاهر الكتاب والسنة، وتعرض عن التأويل والرأي والقياس وهم أتباع داود بن علي ابن خلف الأصبهاني الظاهري المتوفى سنة سبعين ومائتين للهجرة، لأنه أول من جهر بذلك في أصبهان.
[انظر طبقات الشافعية 2/ 42 - 48، وسير أعلام النبلاء 13/ 97 - 108].
(4)
لعله يريد لفظ" الجنب" المذكور في قوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [سورة الزمر، آية: 56].
فهذا معناه: أي في جانب حقه، وقيل ما فرطت في طاعة الله. وقيل: ما فرطت في طلب قرب الله وجواره. [انظر فتح القدير للشوكاني 4/ 471، وتفسير السعدي 6/ 486].
(5)
زدت لفظ الأسود ليستقيم المعنى.
والأشبه الأخذ بالمذهب الثالث" اهـ.
ويوضح هذا أيضا ما ذكره في كتاب الانتصارات الإسلامية
…
عند رده على النصراني في قوله: إن مما روي عن محمد صلى الله عليه وسلم من أوصاف الله، ما يدل على تجسيم الله وهو باطل، وذكر أحاديث منها: حديث النزول، والقدم، والساق، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله تعالى في المنام، قال الطوفي:" وأما الأحاديث التي ذكرت فصحيحة ثابتة
…
" ثم قال بعد ذلك:" وأما أحاديث النزول والقدم والساق وغيرها من أحاديث الصفات فلطوائف المسلمين فيها ثلاثة أقوال".
وذكر مذهب المجسمة ثم مذهب المعطلة، ثم قال:" والثالث: اعتقاد ما يليق بجلال الله سبحانه منها، مع القطع بتنزيه الله سبحانه عن مشابهة مخلوقاته، أو بعضها، بوجه من الوجوه، اعتمادا على قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) فأول الآية تنزيه، والثاني: اثبات فهو أولى من الإثبات المفضي إلى التمثيل، والتنزيه المفضي إلى التعطيل وهذا هو الذي أقول به" اهـ.
ولنضرب بعض الأمثال على قاعدته المتقدمة في باب الصفات، وهل طبق تلك القاعدة عند حديثه عن كل صفة؟.
يقول عن صفة كلام الله تعالى في حلال العقد اللوحة (19):" اختلف الناس في الكلام فقيل حقيقة في اللفظ، وقيل: في المعنى القائم بالنفس، وقيل:
فيهما بالاشتراك. والأقوال الثلاثة منقولة عن الأشعري، والمشهور عنه أن كلام الله- عز وجل معنى نفساني لا لفظي، وأهل الحديث ومن تابعهم يقولون: هو عبارات مسموعة وحجتهم قوله- عز وجل: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ «1»
(1) سورة التوبة، آية:6.
وهم يسمعون كلام الله «1» ، ولأن الكلام حقيقة لغوية، وهو عند العرب:
عبارة، ولهذا جعلوا مادته اسما وفعلا وحرفا. حجة الآخرين: أنه لو كان عبارة لاستلزم الأدوات والمخارج، ويلزم التجسيم، وأيضا أن المسألة مشكلة، ونحن نقتصر في اعتقادنا فيها على ما أطلق في الشرع، وهو أن الكتاب كلام الله منزل، والجمهور على أنه غير مخلوق" اهـ.
وقال في موضع آخر:"
…
يبنى هذا على ما مر من أن كلام الله- عز وجل قديم أو حادث، ومذهب السنة أنه قديم".
قلت: مذهب أهل السنة أن كلام الله معان وحروف وأصوات مسموعة، وأنه قديم النوع وإن لم يكن الصوت المعين قديما.
وعن العرش والاستواء، يقول الطوفي في كتاب الإشارات، عند حديثه عن قوله تعالى: وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ «2» :" هذا يحتج به من رأى العرش سريرا، وجرما مستعليا بالجملة، ونفى تفسيره بالملك، أو نحوه مما تأوله نفاة الاستواء، إذ لا يصح أن يقال: وكان ملكه على الماء، وقد جاء في الحديث:
يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض قال كان في عماء ما تحته هواء، وما فوقه هواء «3» " والعماء ممدود هو الغيم الرقيق" اهـ.
(1) قال الله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة: 75).
(2)
سورة هود، آية:7.
(3)
الحديث أخرجه الترمذي في تفسير سورة هود، وقال:" وهذا حديث حسن" وابن ماجه في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، وأحمد في المسند (4/ 11، 12).
قلت: هو بهذا يوافق أهل السنة والجماعة. وقد نقل الإمام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين المالكي «1» رحمه الله:" ومن قول أهل السنة أن الله- عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5)«2»
…
فسبحان من بعد وقرب بعلمه، فسمع النجوى" «3» وذكر الحديث السابق.
وقد ذكر مذاهب الناس في الاستواء في الإشارات الإلهية عند تفسيره لقوله تعالى في سورة الأعراف (54): ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، لا يسمح المقام بنقله لطوله، وواضح من كلامه هناك أن الاستواء من صفات الله الفعلية على ما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى.
وقال عن صفة العلو، عند كلامه عن قوله تعالى في سورة البقرة (144):
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ
…
:" يحتج بها من يرى أن الله- عز وجل في جهة السماء من وجهين: أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوقع تحويل القبلة، ويترقب ذلك من جهة السماء، والأحكام إنما تأتي من عند الله- عز وجل فدل على أنه- عليه السلام كان يعتقد أنه- عز وجل في جهة السماء، ينتظر الوحي من عند الله ثم لم ينكر عليه، ولم يقل له: لست في السماء فماذا تطلب في جهتها بل أقره
(1) محمد بن عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين المري البيري الغرناطي، كان من كبار المحدثين، والعلماء الراسخين، ومتفننا في العلم والآداب، فهو أصولي مفسر أديب شاعر، من تصانيفه مختصر المدونة، وأصول السنة، وغيرهما. توفي بالبيرة في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة للهجرة. [انظر الديباج المذهب 2/ 232 - 233، وشذرات الذهب 3/ 156].
(2)
سورة طه، آية:5.
(3)
فتاوى ابن تيمية 5/ 54 - 55.
على ذلك فصار في المسألة اعتقاد النبي صلى الله عليه وسلم، وإقرار الله- عز وجل له على ذلك، وناهيك به حجة" اهـ.
وقال عن القرب والمعية في تفسير سورة ق، عند تفسير قوله تعالى: ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)«1» :" وهذا القرب عند المفسرين: بالعلم نحو:
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ «2» وما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ «3» ، وعند الحلولية: هو قرب بالذات، لأن الرب جل جلاله حال في خلقه عندهم، تعالى الله عما يقول الظالمون" اهـ.
قلت: قد أنكر ابن كثير «4» رحمه الله تأول هذا القرب بالعلم، وقال:
إنما هو قرب الملائكة.
وقال ابن تيمية:" فقوله: ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16): هو قرب ذوات الملائكة، وقرب علم الله منه «5» .
وقال الطوفي عن المعية أيضا في كتاب الإشارات الإلهية عن قوله تعالى:
(1) سورة ق، آية:16.
(2)
سورة الحديد، آية:4.
(3)
سورة المجادلة، آية:7.
(4)
إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوّ بن درع القرشي البصروي، ثم الدمشقي، أبو الفداء، عماد الدين. المفسر المؤرخ، الحافظ، الفقيه، رحل في طلب العلم، وتناقل الناس تصانيفه في حياته، توفي سنة 774 هـ في دمشق. [انظر الدرر الكامنة 1/ 373 - 374، والأعلام للزركلي 1/ 320].
(5)
فتاوى ابن تيمية 5/ 236.
وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ
…
«1» :" أي بالنصرة والإعانة" اهـ.
وقال عن رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة:" لا خلاف في أن الله- عز وجل لا يرى في الدنيا، مع جواز رؤيته فيها عندنا. وزعم بعض المتصوفة أنهم يرونه- عز وجل في الدنيا، ورد عليهم بقوله- عز وجل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ «2» وبقوله عليه السلام: «واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» «3» أما في الآخرة فالجمهور أنه يراه المؤمنون أهل السعادة، وقالت المعتزلة: لا يرونه ولا تجوز رؤيته". حجة الأولين قوله- عز وجل في الكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)«4» ، دل على أن المؤمنين لا يحجبون عنه، فهم يرونه. وقوله- عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ «5» وردت السنة بأن الزيادة الرؤية «6» ، وأحاديث الرؤية صحيحة صريحة كقوله- عليه السلام: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته
…
» «7» ، وهذا المعنى يكاد أن يكون
(1) سورة المائدة، آية:12.
(2)
سورة الأنعام، آية:103.
(3)
جزء من حديث أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى
…
(33)، وأحمد في المسند (5/ 324)، وقال البنا في تخريجه:" أخرجه أبو داود، قال المنذري: وأخرجه النسائي، وفي إسناده: بقية بن الوليد وفيه مقال" اهـ. [الفتح الرباني 24/ 80]. قلت: وسند ابن ماجه فيه ضعيف وهو إسماعيل بن رافع وأرسله أبو زرعة عن أبي أمامة.
(4)
سورة المطففين: 15.
(5)
سورة يونس: 26.
(6)
أخرجه مسلم في الإيمان، باب رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، حديث 297، 298، والترمذي في كتاب الجنة، باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى، وفي تفسير سورة يونس، وأحمد في المسند (4/ 332، 333)، (6/ 16).
(7)
أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: المواقيت، باب فضل صلاة العصر، وأبو داود في السنة، باب في الرؤية وغيرها.
متواترا. حجة المعتزلة قوله- عز وجل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وذلك يقتضي نفي الرؤية على الاطلاق. وأجيب بأنه محمول على الدنيا. سلمناه لكنه إنما نفي الادراك، وهو الإحاطة لا الرؤية، واحتجوا بأنه لو رؤي لكان مقابلا في جهة.
وأجيب: أما المقابلة فلا يلزم، لأنه يرى خلقه ولا نقابله عندكم، فجاز أن يراه خلقه ولا يقابلهم، وأما الجهة فأهل السنة يلتزمونها أو بعضهم" اهـ.
قلت: الطوفي- رحمه الله متردد في القول بالجهة على المعنى الصحيح، والله سبحانه وتعالى يراه المؤمنون فوقهم يوم القيامة، ولا يلزم من ذلك أن يكون سبحانه وتعالى حالا في شيء من مخلوقاته كما يتوهم الأشاعرة وغيرهم.
وأما القدر فقد ألف فيه بعض المصنفات وتعرض له في هذا الكتاب" الانتصارات الإسلامية
…
" فقال:" أما الآيات والأحاديث فصحيحة، ونحن نقول بها على وجه نقرره" اهـ.
وبعد تقريره ذلك، وذكره أقسام الناس في القدر قال:" وفرقة توسطت الطرفين المنحرفين، وقالت بمقتضى القسمين، فنسبوا الأفعال إلى الله إرادة وخلقا، وإلى العباد اجتراحا وكسبا، وفسروا الكسب بأنه أثر القدرة القديمة في محل القدرة الحادثة، وساعدهم على ذلك ظواهر نصوص الكتاب والسنة من الطرفين" اهـ.
قلت: وهذا مذهب بعض أتباع الأئمة الأربعة، ومذهب الأشعرية في الكسب كما ذكر ذلك ابن تيمية- رحمه الله في منهاج السنة (1/ 358 - 360).
وأخيرا فإنه يتبين لنا من أقوال الطوفي- رحمه الله السابقة، أن كثيرا من العلماء- رحمهم الله أكثروا من الخوض والتعمق في البحث في آيات الصفات وأحاديثها، وكثرة الأسئلة في ذلك الموضوع. وهذا من البدع المكروهة، ولكنهم
فعلوا ذلك للرد على أهل المقالات الفاسدة.
ثم إن الطوفي- رحمه الله يوافق أهل السنة والجماعة في أغلب مسائل العقيدة، وآيات الصفات وإن كان يميل إلى مذهب الأشاعرة في بعض المسائل كما عرفنا من كلامه السابق، وكما يعرف ذلك المتتبع لكتب الطوفي- رحمه الله في العقيدة أو في غيرها من العلوم الشرعية.
عفا الله عنه وعن العلماء السابقين واللاحقين، وعصمنا الله وإخواننا من الخطأ والزلل، إنه أرحم الراحمين، وخير التوابين.
والله الموفق".
مذهب الطوفي في المصلحة المرسلة:
المصلحة في اللغة: بمعنى المنفعة، وهي ضد المفسدة، مأخوذة من الصلاح ضد الفساد، وجمعها مصالح. يقال: رأى الإمام المصلحة في كذا، أي مما يحمل على الصلاح «1» .
وهي عند الأصوليين: المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق «2» " أو هي:" جلب المنفعة ودفع المضرة «3» " ويعرفها الطوفي بقوله:" اتباع المصلحة المرسلة كأن الشرع أو المجتهد يطلب صلاح المكلفين باتباع المصلحة المذكورة ومراعاتها «4» ".
والمصلحة المرسلة، أو الاستصلاح ثلاثة أقسام:
1 -
قسم اعتبره الشرع، وهو اقتباس الحكم من معقول النص، أو الاجماع. فهذا هو القياس الذي هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما.
ومثاله: تحريم النبيذ المسكر من تحريم الخمر المنصوص عليه بالكتاب والسنة.
2 -
وقسم شهد الشرع ببطلانه كايجاب الصوم بالجماع في نهار رمضان.
3 -
وقسم لم يشهد له الشرع ببطلان ولا باعتبار معين. وهو ثلاثة أضرب:
(1) انظر القاموس المحيط 1/ 277، ولسان العرب 2/ 517.
(2)
المصلحة المرسلة ونجم الدين الطوفي ص 20.
(3)
روضة الناظر بتحقيق د. عبد العزيز السعيد ص: 169. وشرح الروضة للطوفي 2/ 439 خ.
(4)
شرح روضة الناظر للطوفي ج 2 ص 439 مخطوط.
أ- الأول مثل: أن يتسلط الولي على تزويج وليته الصغيرة لئلا يفوت الكفء، واستقبالا للصلاح المنتظر، ويسمى حاجيا.
ب- الثاني مثل: اعتبار الولي في النكاح صيانة للمرأة عن مباشرة العقد لكونه مشعرا بتوقان نفسها إلى الرجال، فلا يليق بالمروءة ففوض إلى الولي حملا للناس على أحسن المناهج. ويسمى: تحسينيا. ولا يصح التمسك بمجرد هذا الضرب والذي قبله من غير أصل.
ج- الثالث مثل: أن يحفظ على الناس دينهم بقتل المرتد الداعى إلى الردة، وعقوبة المبتدع الداعي إلى البدع، صيانة لدين الناس. والقصاص لحفظ النفوس، وحد شارب الخمر لحفظ العقول، وحد الزاني لحفظ النسل والأنساب، وحد السارق لحفظ الأموال، ويسمى ضروريا «1» .
هذه هي أقسام المصلحة في مذهب الطوفي وغيره من علماء الإسلام فما موقفه منها؟
ج: 1 - لم يخالف الطوفي بقية العلماء في حكم القسم الأول. وما نقلته عن هذا القسم هو مضمون قوله في شرح الروضة «2» .
2 -
يقول عن القسم الثالث:" لا يجوز للمجتهد أنه كلما لاح له مصلحة تحسينية أو حاجية اعتبرها ورتب عليها الأحكام حتى يجد لاعتبارها شاهدا من
(1) انظر شرح الروضة للطوفي" مخطوط" 2/ 440، وروضة الناظر ص 69 - 170 والمختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 162 - 163، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص:293.
(2)
انظر شرح الروضة 2/ 440" مخطوط".
جنسها، ولو لم يعتبر للتمسك بهذه المصلحة وجود أصل يشهد لها للزم منه محذورات: أحدها: أن ذلك يكون وضعا للشرع بالرأي لأن حكم الشرع هو استفيد من دليل شرعي: إجماع أو نص أو معقول نص، وهذه المصلحة لا تستند إلى شيء من ذلك فيكون رأيا مجردا. الثاني: لو جاز ذلك لاستوى العالم والعامي لأن كل واحد يعرف مصلحة نفسه الواقعة موقع التحسين أو الحاجة، وإنما الفرق بين العالم والعامي معرفة أدلة الشرع واستخراج الأحكام منها. الثالث: لو جاز ذلك لاستغني عن الرسل وصار الناس براهمة لنحو ذلك. فإنهم قالوا: لا حاجة لنا إلى الرسل لأن العقل كاف لنا في التأديب ومعرفة الأحكام إذ ما حسنه العقل أتيناه وما قبحه اجتنبناه. وما لم يقض فيه بحسن ولا قبح فعلنا منه الضروري وتركنا الباقي، احتياطا. فالتمسك بهذين الضربين من المصالح من غير شاهد لهما بالاعتبار يؤدي إلى مثل ذلك، ونحوه فيكون باطلا" اهـ.
يتضح مما سبق أن المصلحة منها ما هو قياس لا خلاف فيه ومنها ما هو باطل لا يجوز جعله من أدلة التشريع ومنها ما هو متروك لاجتهاد المجتهد لأن الشرع لم يشهد باعتباره أو بطلانه. وهو ما كان تحسينيا أو حاجيا أو ضروريا وتبين لنا أن التحسيني والحاجي لا يصح التمسك بمجردهما من غير شاهد لهما من الشرع. أما ما كان ضروريا فقد اختلف فيه العلماء وقد نقل لنا هذا الاختلاف الإمام الطوفي في شرح الروضة (2/ 442) فهو يقول:" فهذه المصلحة الضرورية قال مالك، وبعض الشافعية هي حجة، لأنا علمنا أنها من مقاصد الشرع بأدلة كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة، وقرائن الأحوال،
والأمارات، وسموها مصلحة مرسلة، ولم يسموها قياسيا لأن القياس يرجع إلى معين دون هذه المصلحة فإنها لا ترجع إلى أصل معين، بل رأينا الشارع اعتبرها في مواضع من الشريعة فاعتبرناها حيث وجدت لعلمنا أن جنسها مقصود له" اهـ.
ثم أشار إلى قول الحنابلة في هذه المصلحة" الضرورية" فقال:" وقال بعض أصحابنا: ليست حجة. هذا إشارة إلى الشيخ أبي محمد «1»، قال في الروضة:" والصحيح أن ذلك ليس بحجة" وإنما قلت: قال بعض أصحابنا، ولم أقل قال أصحابنا، لأني رأيت من وقفت على كلامه منهم- حتى الشيخ أبا محمد- في كتبه إذا استعرضوا في توجيه الأحكام يتمسكون بمناسبات مصلحية يكاد الشخص يجزم أنها ليست مرادة للشارع
…
فلم أقدم على الجزم على جميعهم بعدم القول بهذه المصلحة، خشية أن يكون بعضهم قد قال بها، فيكون ذلك تقولا عليهم «2» " اهـ.
ثم بين بعد ذلك من قال: إنها ليست حجة، ورد على من قال: إن مالكا أجاز قتل ثلث الخلق لاستصلاح الثلثين فقال:" قلت: لم أجد هذا منقولا فيما وقفت عليه من كتب المالكية، وسألت عنه جماعة من فضلائهم فقالوا: لا نعرفه.
(1) موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام ينتهي نسبة إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه، فهو العدوي القرشي نسبا، والجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الصالحي موطنا. من أشهر مؤلفاته المغني شرح مسائل الخرقي، وروضة الناظر. توفي- رحمه الله سنة عشرين وستمائة للهجرة. (انظر ترجمته الوافية في كتاب ابن قدامة وآثاره الأصولية ص 79 - 143).
(2)
شرح الروضة للطوفي 2/ 443" مخطوط".
قلت: مع أنه إذا دعت الضرورة إليه ضرورة: متجه جدا، وقد حكاه عن مالك جماعة «1» " اهـ.
ولكن بعد هذا رجح المصلحة فقال:" قلت: الراجح المختار اعتبار المصلحة المرسلة"«2» اهـ.
ثم أيد ترجيحه هذا بقول الغزالي «3» ، ورد المتفق على إلغائها ثم قال:" والمصلحة المرسلة إنما هو اجتهادي، فلو اعتبرنا المصلحة المنصوص على عدم اعتبارها، لكان رفعا للنص بالاجتهاد، وهو فاسد الاعتبار «4» " اهـ.
3 -
أما القسم الثاني وهو ما شهد الشرع ببطلانه، فهو موطن الخلاف بينه وبين بقية العلماء.
يقول في شرح الروضة (2/ 440):" القسم الثاني: ما شهد الشرع ببطلانه من المصالح: أي لم يعتبره، كقول من يقول: أن الموسر- كالملك ونحوه- يتعين
(1) شرح الروضة للطوفي 2/ 443" مخطوط".
(2)
المصدر السابق.
(3)
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي- بالتخفيف نسبة إلى غزالة من قرى طوس، وبالتشديد إلى صناعة الغزل، وكلاهما صحيح- فيلسوف متصوف، مولود سنة خمسين وأربعمائة، أشتهر بالوعظ والزهد والورع، له نحو مائتي مصنف منها: إحياء علوم الدين، وتهافت الفلاسفة، والاقتصاد في الاعتقاد، والرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل. توفي سنة خمس وخمسمائة من الهجرة.
(انظر ترجمته في طبقات الشافعية 4/ 101، وتبيين كذب المفتري ص 291، وشذرات الذهب 4/ 10).
(4)
شرح الروضة للطوفي 2/ 444" مخطوط".
عليه الصوم في كفارة الوطء في رمضان، ولا يخير بينه وبين العتق والإطعام.
لكثرة ماله، فيسهل عليه أن يعتق رقابا في قضاء شهوته، وقد لا يسهل عليه صوم ساعة، فيكون الصوم أزجر له، فيتعين. فهذا وأمثاله ملغى غير معتبر، لأنه يعتبر للشرع بالرأي وهو غير جائز، ولو أراد الشرع ذلك لبينه أو نبه عليه في حديث الأعرابي «1» وغيره، اذ تأخير البيان وقت الحاجة، وإيهام التسوية بين الأشخاص في الأحكام مع افتراقهم فيها لا يجوز" اهـ.
وليت الطوفي بقي علي هذا في المصلحة المرسلة ليكون موافقا لما ذهب إليه الأصوليون فيها، لكنه رجع فأفسد التقسيم السابق للمصلحة فقال:" قلت: اعلم أن هؤلاء الذين قسموا المصلحة إلى معتبرة وملغاة ومرسلة، وضرورية وغير ضرورية، تعسفوا وتكلفوا، إذ الطريق إلى معرفة حكم المصالح أعم من هذا وأقرب، وذلك بأن نقول: قد ثبت مراعاة الشارع للمصلحة والمفسدة إجماعا، وحينئذ فنقول: الفعل إن تضمن مصلحة مجردة حصلناها وإن تضمن مفسدة مجردة نفيناها، وإن تضمن مصلحة من وجه ومفسدة من وجه: فإن استوى في نظرنا تحصيل المصلحة ودفع المفسدة توقفنا على المرجح، أو خيرنا بينهما كما قيل فيمن لم يجد من السترة إلا ما يكفى أحد فرجيه فقط، هل يستر الدبر لأنه مكشوفا أفحش، أو القبل، لاستقباله به القبلة أو يتخير لتعارض المصلحتين
(1) انظر البخاري عدة مواضع منها: كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان، .. (30)، وصحيح مسلم، كتاب الصوم حديث (28)، وسنن أبي داود كتاب، باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان، وسنن ابن ماجه، كتاب الصوم، باب ما جاء في كفارة من أفطر يوما من رمضان، ومسند أحمد (2/ 341)، (6/ 276).
والمفسدتين وإن لم يستو ذلك، بل ترجح إما تحصيل المصلحة، وإما دفع المفسدة فعلناه، لأن العمل بالراجح متعين شرعا وعلى هذه القاعدة يتخرج كل ما ذكروه في تفصيلهم المصلحة «1» " اهـ.
ثم فصل هذا الرأي وذكر أن المعتبرة كالقياس
…
وأن الملغاة عند سائر الأصوليين لا تلغى على الإطلاق إنما قد يجتهد في تحصيلها، وليس ذلك من باب وضع الشرع بالرأي، بل هو من باب الاجتهاد بحسب المصلحة، أو من تخصيص العام المستفاد من ترك الاستفصال في الدليل، كما في حديث الأعرابي في كفارة الوطء في نهار رمضان، فالطوفي يرى أنه عام فيخص بالاجتهاد المصلحي المناسب بحيث أن الملك الموسر الذي يملك رقابا كثيرة قد تجعله يجامع في كل يوم ويعتق رقبة، فإذا اجتهد مجتهد في عدم تخيير هذا الملك وإلزامه بالصيام، فإن هذا اجتهاد مصلحي كما تقدم.
ويرى أن المصلحة الواقعة موقع التحسين أو الحاجة كما في الأمثلة المتقدمة:
مصلحة محضة لا يعارضها مفسدة فكان تحصيلها متعينا.
أما الضرورية كحفظ الدين والعقل والمال والنسب والعرض والنفس فهي وإن عارضتها مفسدة وهي الإتلاف بالقتل أو القطع أو الإيلام بالضرب، ونفي هذه المفسدة مرجوح بالنسبة إلى تحصيل تلك المصلحة فكان تحصيلها متعينا.
وعلى هذا يرى أنه لا حاجة إلى التقسيم والتنويع للمصلحة.
(1) مخطوط شرح الطوفي على مختصره للروضة ج 2 ص 445 - 446.
ومن كلامه السابق يتضح لنا أنه خالف الأصوليين في تقسيم المصلحة إلى معتبرة وملغاة وغير شاهد لها الشرع ببطلان أو اعتبار، بل ويتضح أيضا تقديمه للمصلحة على النص على وجه التخصيص بالاجتهاد المصلحي كما ذكر في حديث الأعرابي في كفارة الوطء في نهار رمضان، غير أن مذهبه هذا يظهر جليا في كتابه شرح الأربعين عند ما شرح حديث:«لا ضرر ولا ضرار» فهو يقول بعد أن ذكر أدلة الشرع:" وهذه الأدلة التسعة عشر «1»، أقواها النص والإجماع، ثم هما إما أن يوافقا رعاية المصلحة، أو يخالفاها، فإن وافقاها فبها ونعمت، ولا نزاع، إذ قد اتفقت الأدلة الثلاثة على الحكم، وهي النص والإجماع ورعاية المصلحة المستفادة من قوله- عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار) وإن خالفاها وجب تقديم رعاية المصلحة عليها بطريق التخصيص والبيان لهما، لا بطريق الافتيات عليهما والتعطيل لهما كما تقدم السنة على القرآن بطريق البيان" اهـ.
ثم قرر ما ذهب إليه بقوله بعد ذلك:" وتقرير ذلك: أن النص والإجماع إما أن لا يقتضيا ضررا ولا مفسدة بالكلية، أو يقتضيا ذلك، فإن لم يقتضيا شيئا من ذلك فهما موافقان لرعاية المصلحة، وإن اقتضيا ضررا فإما أن يكون الضرر مجموع مدلوليهما أو بعضه، فإن كان مجموع مدلوليهما، فلا بد أن يكون من
(1) وهي كما قال: الكتاب والسنة والإجماع، وإجماع أهل المدينة، والقياس، وقول الصحابي والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، والبراءة الأصلية، والعوائد والاستقراء وسد الذرائع، والاستدلال، والاستحسان، والأخذ بالأخف، والعصمة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع العترة، وإجماع الخلفاء الأربعة. قال بعد ذكرها" بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه" اه (شرح الحديث ضمن كتاب المصلحة المرسلة ونجم الدين
…
ص 17).
قبيل ما استثني من قوله عليه السلام «لا ضرر ولا ضرار» وذلك كالحدود، والعقوبات على الجنايات وإن كان الضرر بعض مدلوليهما فإن اقتضاه دليل خاص اتبع الدليل. وإن لم يقتضه دليل خاص وجب تخصيصهما بقوله- عليه السلام «لا ضرر ولا ضرار» جمعا بين الأدلة «1» " اهـ.
ولقد أطال الطوفي عفا الله عنه في الانتصار لمذهبه هذا، ولا يسمح المقام بنقل ذلك هنا غير أنه ظهر من كلامه الأمور التالية:
1 -
أنه يرجح رعاية المصالح في العادات والمعاملات ونحوها دون العبادات والمقدرات فإنها حق الشرع، ولا يعرف كيفية إيقاعها إلا من جهته نصا وإجماعا «2» .
2 -
أن تقديمه رعاية المصالح في العادات والمعاملات علي النص الظني المحتمل الدلالة لا صريح الدلالة على الحكم بوجه «3» .
3 -
أن تقديم الطوفي لرعاية المصالح على باقي الأدلة من مسائل الاجتهاد المصلحي على أقل أحواله، وإلا فهو يرى أنها راجحة تعينا «4» .
ومذهبه هذا في المصلحة المرسلة مرجوح غير منضبط ولا نسلمه له رغم أن الأصوليين قبل هذا لم يذكروا فيما أعلم مذهب الطوفي بالنقد والمناقشة وإنما كان
(1) ملحق المصلحة المرسلة ونجم الدين الطوفي ص 17 - 18.
(2)
المصدر السابق ص 20 - 21 - ، 43 وما بعدها.
(3)
انظر ملحق المصلحة المرسلة ونجم الدين الطوفي ص 30 - 31.
(4)
المصدر السابق ص 40.
ذلك من علماء عصرنا الحاضر وكان أولهم جمال الدين القاسمي «1» رحمه الله.
والله الموفق.
خبر الآحاد:
يقسم بعض العلماء الحديث المسند إلى ثلاثة أقسام: متواتر ومستفيض أو مشهور، وخبر واحد «2» .
وبعضهم يقسمه إلى قسمين: متواتر وآحاد، والآحاد يشتمل على المستفيض والمشهور وخبر الواحد «3» .
فالمتواتر: ما يرويه قوم لا يحصى عددهم ولا يتوهم تواطؤهم على الكذب لكثرتهم وعدالتهم، وتباين أماكنهم «4» .
وينقسم إلى متواتر لفظا ومعنى ومتواتر معنى دون اللفظ «5» .
وهو يفيد العمل والعلم معا عند المحدثين والأصوليين.
أما الآحاد: فهو في اللغة: جمع أحد بمعنى الواحد. وهو" ما عدا
(1) المصدر نفسه ص 2 - 3.
(2)
انظر المغني في أصول الفقه ص 191 - 194.
(3)
انظر الحديث النبوي ص 182، ونزهة النظر ص 19، وروضة الناظر ص 21.
(4)
المغني في أصول الفقه ص 191 - 192.
(5)
انظر تيسير مصطلح الحديث ص 19، 20.
المتواتر «1» " أو هو:" ما لم يجمع شروط المتواتر «2» ".
ومنه:
1 -
المشهور: أو المستفيض:
وهو عند الأصوليين:" ما كان من الآحاد في الأصل ثم انتشر فصار ينقله قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب
…
«3» ".
ويجعله بعضهم قسما من المتواتر «4» ".
ومنهم من يجعل المستفيض قسما مستقلا أعلى من المشهور ودون المتواتر «5» .
2 -
خبر الواحد:
وهو عند المحدثين: ما لم يجمع شروط المتواتر «6» . ويدخل فيه على هذا التعريف: المشهور والمستفيض، وهو عند الأصوليين:" الذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر «7» ".
(1) روضة الناظر ص 99.
(2)
نزهة النظر ص 26، وتيسير مصطلح الحديث ص 21.
(3)
المغني في أصول الفقه ص: 192.
(4)
انظر المغني في أصول الفقه ص 192.
(5)
انظر نزهة النظر ص 23، 24، والحديث النبوي ص 188.
(6)
الحديث النبوي ص 129، وتيسير مصطلح الحديث ص 21.
(7)
المغني في أصول الفقه ص 194.
واختلف في حكم خبر الآحاد" المشهور والمستفيض وخبر الواحد" فقال بعض الأصوليين: إنه يفيد الظن، أو العلم الظني، فيجب العمل به دون العلم.
وقال آخرون: إنه يفيد العلم اليقيني ويوجب العمل «1» .
وقد نشأ هذا الاختلاف بعد ابتداع التقسيمات المتقدمة للحديث النبوي والحقيقة أن هذه التقسيمات لا تنضبط، لأن المحدثين والأصوليين مختلفون في عدد التواتر من أربعة إلى ثلاثمائة وستة عشر، وفي عدد المستفيض والمشهور أيضا تبعا للاختلاف في عدد التواتر، ولذا فلو اكتفى المحدثون والأصوليون بالبحث عن صحة الحديث إسنادا ومتنا، فما كان صحيحا، قبل، وكان أصلا من أصول شرعنا، لأنه لا مجال في التشكيك فيه بعد ذلك، فالخبر الذي تلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه يفيد العلم عند جماهير السلف والخلف، لأن العلم الضروري يحصل: بكثرة المخبرين أو بضبط الرواة، ودينهم، أو بالقرائن التي تحف بالخبر، أو بمجموعها «2» .
وعلى فرض صحة هذا التقسيم وعلمنا بأن لاشتهار الحديث وكثرة رواته والناقلين له مع صحته ميزة كبيرة قد لا تحصل لحديث صحيح آخر لم تكن طرقه أو عدد رواته والناقلين له كسابقه: فإنني أتحدث هنا عن حجية خبر الآحاد عند
(1) انظر المغني في أصول الفقه ص 194، وما بعدها، وهامش (ب) من ص 194. وفتاوى ابن تيمية 18/ 48 - 54. وروضة الناظر ص 99 وما بعدها.
(2)
انظر فتاوى ابن تيمية 18/ 48 - 51.
الطوفي- رحمه الله، وهو الغرض من هذا المبحث:
يقول الطوفي في كتاب الانتصارات" هذا" ص 242 - 243:" ولا تثبت أصول الشريعة إلا بقاطع كالبديهيات والفطريات، والمتواترات ونحوها
…
وفائدة هذه المقدمة: أن يستند إليها في أن كل ما أورده علينا من الأخبار التي حقها أن لا تثبت بمثلها الأصول، لا ترد علينا ولا تلزمنا، لأن تلك أخبار توجب العمل دون العلم لكونها مظنونة الثبوت، وإن كانت في البخاري ومسلم لاحتمال وقوع علة قادحة في طريقها، فلا تقوى على إثبات أصل، ولا على أن يقدح بها في أصل، خصوصا وقد دخلها تصرف الرواة في الرواية بالمعنى
…
".
وليس هذا وحده هو كلام الطوفي- عفا الله عنه- فهو يقول في موضع آخر ص (369):" وخبر الآحاد إنما يفيد ظنا ضعيفا" وقال ص: 240 عن الآحاد:" هذا ممكن أخبر به الصادق، وكل ممكن أخبر به الصادق فهو حق واقع" اهـ.
وقد بين- رحمه الله ص (448) أن أحاديث الصفات الصحيحة يجب الإيمان بها على ما يليق بجلال الله تعالى.
وقال عن حديث سجود الشمس تحت العرش، وهو مما يسمى آحادا ص:(366):" ووصف الشمس بالسجود، وخطا بها من الحقائق الإلهية التي لا يستقل العقل بدركها فيجب تلقيها عن أصحاب الشرائع بالقبول
…
" اهـ.
وليس هذا هو مذهب الطوفي وحده بل شاركه فيه كثير من الأصولين- كما
سبق- فهذا الإمام جلال الدين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخبازي المتوفى سنة 691 هـ «1» يقول في المغني في أصول الفقه ص 197 عن المشهور:" لكنه لما كان من الآحاد في الأصل ثبت به شبهة سقط بها علم اليقين" اهـ، وقال في خبر الواحد ص 195:" ولأن خبر الواحد يفيد غلبة الظن، وأنها توجب العمل لعدم توقفه على اليقين بيقين" اهـ.
وقال علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي الحنفي الفقيه الأصولي المتوفى سنة 553 هـ «2» : في ميزان الأصول:" وأما حكم المشهور مسألة اختلف مشايخنا فيه ولا رواية عن أصحابنا. قال بعضهم إنه يوجب علم طمأنينة لا علم يقين، وهو اختيار الشيخ الإمام أبي زيد- رحمه الله «3» -، وقال عامة مشايخنا: إنه يوجب علما قطعيا «4» ".
قال ابن بدران الدمشقي «5» في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 204:
(1) انظر ترجمته في البداية والنهاية 13/ 331، وشذرات الذهب 5/ 419، والأعلام 5/ 63.
(2)
ترجمته في الأعلام 5/ 317، وفيه وفاته سنة 540 هـ، ومعجم المؤلفين 8/ 267.
(3)
عبد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي، نسبه إلى دبوسية بين بخارى وسمرقند، الفقيه الحنفي القاضي العلامة، كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف. توفي في بخارى سنة ثلاث وأربعمائة عن ثلاث وستين سنة. (انظر شذرات الذهب 3/ 245 - 646، والبداية والنهاية 12/ 46).
(4)
هامش ص 194 من المغني في أصول الفقه.
(5)
هو عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم محمد بدران، وأسلافه يعرفون بآل بدران وهو أيضا يعرف بابن بدران. ولد في دوما إحدى القرى القريبة من دمشق، توفي سنة 346 هـ (انظر مقدمة المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 25، بتحقيق د. عبد الله التركي)
" وعن الإمام أحمد في حصول العلم بخبر الواحد قولان: أحدهما: لا يحصل العلم به، وهو قول الأكثرين، والمتأخرين من أصحابه، قال الطوفي: وهو الأظهر من القولين، والثاني يحصل به العلم، وهو قول جماعة من المحدثين «1» ".
ونرد على الطوفي- عفا الله عنه- وعلى من وافقه في خبر الآحاد بما يلي:
1 -
أن خبر الآحاد حجة شرعية في أصول الشريعة الإسلامية إذا رواه مسلم عاقل عدل تام الضبط، وتلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه كما سبق، فهو يفيد العلم وإلا كيف نعمل بموجب قول لا نعتقد القطع بصحته ونعتد به «2» .
2 -
أن خبر الواحد يفيد العلم لأن الأمة إنما تقبل خبر العدل، والعدل قد حرم عليه أن يقول ما لا يعلم كما قال تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ والْإِثْمَ والْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33)«3» فوجب ألا يقول العدل إلا ما يعلم، وذلك يفيد العلم «4» .
3 -
أن الله سبحانه وتعالى يقول: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
(1) وقد تبع الطوفي في ذلك ابن قدامة المقدسي في روضة الناظر ص 99 وما بعدها.
(2)
انظر فتاوى ابن تيمية 18/ 48 - 51.
(3)
سورة الأعراف، آية:33.
(4)
ناقش هذا الطوفي عند حديثه في الإشارات عن الآية المذكورة في سورة الأعراف. ورده، ورده مرجوح.
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)«1» . والطائفة: اسم للواحد فصاعدا. والأمر يشمل الدين كله أصوله وفروعه، والواحد المتفقه العدل برهان عند الله، ولذا كانت الوفود تقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم الواحد والاثنان والجماعة لتتعلم الإسلام بأصوله وفروعه، ثم يأمرهم بتبليغ ما حفظوه إلى قومهم. وليس في ما تعلموه ما يوجب العمل دون العلم «2» .
4 -
أن الطوفي- رحمه الله ذكر أن الآحاد:" من الحقائق الإلهية" وأنها حق واقع والحقائق الإلهية إنما تفيد اليقين، وإلا فكيف تسمى حقائق إلهية. وكيف تكون حقا واقعا وهي لا تفيد إلا الظن؟.
وأخيرا فإن مسألة إفادة الآحاد للعلم أو عدم إفادته له موضوع نزاع بين العلماء الأصوليين، وبين العلماء المحدثين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم.
والله المستعان.
(1) سورة التوبة، آية:122.
(2)
انظر رد شبهات الإلحاد عن أحاديث الآحاد ص 41 - 44.
وفاته:
سبق أن ذكرت بأن المؤرخين للطوفي قد اختلفوا في تحديد عام ولادته، فكذلك الحال في سنة وفاته.
ففريق منهم كابن حجر، وابن رجب، وابن العماد، واليافعي «1» ، وغيرهم:
يذكرون أنه توفي في رجب سنة ست عشرة وسبعمائة للهجرة «2» .
وبعضهم كالسيوطي وغيره يرى أنه توفي في رجب سنة عشر وسبعمائة «3» .
ويرى البعض كابن مكتوم- كما نقله عنه السيوطي- أنه توفي سنة إحدى عشرة وسبعمائة «4» .
والأصح من هذه الأقوال أنه توفي في رجب سنة ست عشرة وسبعمائة ببلد الخليل- عليه السلام أو هو لم يسبق ذلك التاريخ على الأقل، لعدة أمور ألخصها فيما يلي:
(1) عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي، المؤرخ، الباحث، المتصوف من شافعية اليمن، نسبة إلى يافع من حمير. ولد ونشأ بعدن، توفي بمكة سنة ثمان وستين وسبعمائة للهجرة. [انظر الدرر الكامنة 2/ 247، والأعلام 4/ 72].
(2)
انظر الدرر الكامنة 2/ 155، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 369، وشذرات الذهب 6/ 40، ومرآة الجنان لليافعي 4/ 255، وإيضاح المكنون 1/ 443، 2/ 67، وفهرس الخزانة التيمورية 3/ 184].
(3)
انظر بغية الوعاة للسيوطي ص 262، وكشف الظنون 1/ 59، 71، 143، 174، 219، 248، 251، 363، 756، وإيضاح المكنون 1/ 83، 2/ 96.
(4)
انظر بغية الوعاة للسيوطي ص 262.
1 -
اتفاق الحفاظ المترجمين له على ذلك كابن حجر وابن رجب وابن العماد.
2 -
أن أكثر من ترجموا له ذكروا أنه حج في سنة أربع عشرة وسبعمائة، وجاور في سنة خمس عشرة وسبعمائة، ثم خرج إلى الشام فبقي في بلد الخليل حتى مات- رحمه الله.
3 -
أنه ذكر في آخر كتاب شرح الأربعين النووية: أنه فرغ منه يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة في مدينة قوص من أرض الصعيد «1» .
4 -
أنه ذكر في نهاية كتابه:" الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية" أنه ابتدأ فيه يوم السبت في الثالث عشر من شهر ربيع الأول، وفرغ منه يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر كلاهما في سنة ست عشرة وسبعمائة ببيت المقدس «2» .
أقوال الناس فيه:
أجمع الذين أرخوا للطوفي على علو منزلته العلمية وتفننه النادر حتى الذين اتهموه بما ذكرت سابقا.
فابن رجب وهو ممن تحامل عليه قال في أول ترجمته:"
…
الفقيه
(1) انظر آخر مخطوطة شرح الأربعين بدار الكتب القومية بمصر.
(2)
انظر آخر مخطوطة الإشارات الإلهية المصورة على الفيلم رقم 923 بمكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
الأصولي المتفنن نجم الدين أبو الربيع
…
«1» ".
وقال في موضع آخر:" جالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وعلق عنهم «2» ".
وقال:" وكان فاضلا صالحا «3» ".
وقال ابن حجر- رحمه الله:" واشتغل في الفنون وشارك في الفنون وتعانى «4» التصانيف في الفنون «5» ، وكان قوي الحافظة شديد الذكاء
…
وقرأ العلوم وناظر وبحث ببغداد «6» ".
وقال:" وقرأت بخط القطب الحلبي «7»: كان فاضلا له معرفة، وكان مقتصدا في لباسه وأحواله متقللا من الدنيا «8» ".
(1) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 366.
(2)
المصدر السابق.
(3)
المصدر السابق.
(4)
تعانى: العاني: الأسير من عنا يعنو، وهو طول الحبس فقد حبس نفسه حتى صار أسيرا لها [انظر منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير ص 229، 665 ولسان العرب 15/ 101 فما بعدها].
(5)
هكذا التكرار في الألفاظ في الدرر.
(6)
الدرر الكامنة 2/ 154.
(7)
عبد الكريم بن عبد النور بن منير، حافظ الحديث، حلبي الأصل مصري الإقامة والوفاة من تصانيفه: تاريخ مصر، ومشيخة، وغيرهما توفي سنة 735 هـ (انظر البداية والنهاية 14/ 171، والأعلام 4/ 53).
(8)
الدرر الكامنة 2/ 154.
ونقل ابن حجر أيضا قول الكمال جعفر في الطوفي:" ولم يزل ملازما لاشتغال وقراءة الحديث والمطالعة والتصنيف وحضور الدرس معنا إلى حين سفره إلى الحجاز، وكان كثير المطالعة، وأظنه طالع أكثر كتب الخزائن بقوص، وكانت قوته في الحفظ أكثر من الفهم «1» ".
كما نقل عن الذهبي قوله:" وكان- أي الطوفي- دينا ساكنا قانعا، ويقال أنه تاب عن الرفض «2» ".
وقد وصفه ابن العماد بقوله:" الأصولي المتفنن «3» ".
وقال صاحب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ص 36:" البحر العباب، والغيث الذي يقصر عنه السحاب أبو الربيع سليمان نجم الدين
…
".
قال الصفدي:" كان فقيها شاعرا أديبا فاضلا قيما بالنحو واللغة والتاريخ، مشاركا في الأصول «4» ".
وقال اليافعي: «كان على بدعته كثير العلم عاقلا متدينا» «5» .
(1) المصدر السابق 2/ 157.
(2)
المصدر السابق 2/ 155.
(3)
شذرات الذهب 6/ 39.
(4)
بغية الوعاة للسيوطي ص: 262.
(5)
مرآة الجنان 4/ 255.
2 -
التعريف بالكتاب
* سبب تأليفه
* زمن ومكان تأليفه
* منهج المؤلف فيه
* مقارنة بينه وبين بعض ما ألف في موضوعه
* المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في تأليف الكتاب
* أهمية الكتاب العلمية
* وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق
اسم الكتاب ونسبته إلى الطوفي:
وردت تسمية الكتاب في مخطوطاته بالألفاظ التالية:
1 -
على صفحة عنوان المخطوطة التي نقلت من خط المؤلف سنة 711 هـ أي في حياة الطوفي:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية".
2 -
على صفحة العنوان من المخطوطة المنقولة من نسخة المؤلف أيضا سنة 749 هـ:" الانفصالات الإسلامية وكشف شبه النصرانية".
3 -
على صفحة العنوان من مخطوطة للكتاب ضمن مجموع بمكتبة شهيد علي بتركيا برقم 2315:" الانتصارات الإسلامية وكشف شبه النصرانية".
ووردت في الكتب التي ترجمت للطوفي، مثل ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، والأنس الجليل (2/ 258) وكشف الظنون (1/ 174) هكذا:
" الانتصارات الإسلامية في دفع شبه النصرانية".
وقد اخترت أن يكون عنوان الكتاب:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" وذلك لأن هذا هو عنوان الكتاب في المخطوطة التي نقلت من نسخته في حياته، وليس عليه ما يلاحظ من حيث اللغة أو مطابقته للموضوع.
أما نسبة الكتاب إلى الإمام الطوفي- رحمه الله فلم أجد خلافا فيها، وتتحقق صحة النسبة بأمور منها:
1 -
وجود اسمه على جميع مخطوطات الكتاب.
2 -
إحالته في الانتصارات الإسلامية .. إلى مجموعة من كتبه التي ثبتت نسبتها
إليه، مثل: الاكسير في قواعد التفسير، ودرء القول القبيح في التحسين والتقبيح، وتعاليق على الأناجيل، والقواعد الدمشقية، والقواعد الصغرى، وغيرها.
3 -
أن أصحاب التراجم والطبقات يذكرون كتاب:" الانتصارات الإسلامية .. ضمن كتب الطوفي كلما ترجموا له، ومن الكتب التى ذكرته: ذيل طبقات الحنابلة والأنس الجليل، وكشف الظنون، في المواضع السابق ذكرها.
4 -
أن الناظر في كتب الطوفي- مثل الاكسير في قواعد التفسير وشرح الروضة وغيرهما من كتبه المتعددة- وفي هذا الكتاب لا يجد تفاوتا بينها من حيث الأسلوب، والعرض والترتيب والتبويب.
ومن كل هذه القرائن يعلم أن نسبته إليه صحيحة لا ريب فيها.
والله الموفق.
سبب تأليف الكتاب:
يهيئ الله تعالى للحق دائما من يبينه ويعلي رايته على الباطل، ويسخر سبحانه لذلك رجالا أكفاء يذبون عن هذا الدين، ويدحضون شبه الطاعنين بما آتاهم الله من العلم والفطنة والنور، كما قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ
…
(18)«1» .
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذب عن الشريعة في حياته. ثم صحابته الكرام العالمون بأحكام الشريعة، المعايشون لنزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تبعهم في ذلك التابعون والسلف الصالح وسيظل هذا الدفاع عن الحق إلى قيام الساعة:«لا يزال في أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» «2» .
ولقد تعرضت الشريعة الإسلامية في القرن السابع الهجري إلى هجوم شرس من النصارى الذين سخروا أقلامهم المسموعة في الحرب الفكرية العقدية المساندة لحروبهم الصليبية التي وجهت إلى العالم الإسلامي، فكانت تكتب الرسائل
(1) سورة الأنبياء، آية:18.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب (28)، وله ألفاظ متعددة عنده في مواضع من صحيحه، وأخرجه مسلم في الإيمان، باب نزول عيسى بن مريم حديث 247، وفي الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي
…
» حديث: 170 - 177، بألفاظ متعددة، وأبو داود في الباب الأول من الفتن والرابع من الجهاد، والترمذي في الفتن، باب ما جاء في الأئمة المضلين، وابن ماجه في الباب الأول من المقدمة وأحمد في عدة مواضع من المسند منها (4/ 93).
والكتب المملوّة بالطعون والشبهات، وترسل إلى أوساط المسلمين لمحاولة تشكيكهم في عقيدتهم وشريعتهم، وتعقد المناظرات- مع بعض المسلمين طمعا في التغلب على فكرهم وتشويش أذهان العامة، والسخرية بدينهم، وانتشار بدعهم. ولكن الله ألهم علماء الإسلام فتصدوا لهذه الحرب الشعواء، وقارعوا الحجة بالحجة، فظهر الحق وبطل الباطل، وأمسى النصارى بكيدهم في نحورهم.
وكان الإمام الطوفي- رحمه الله وعفا عنه- ممن تصدى للدفاع عن الإسلام ودفع منكر النصارى والملحدين والمرتدين عن الإسلام. فقد اطلع على كتاب ألفه بعض النصارى يطعن به في دين الإسلام، ويقدح به في نبوة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم.
قال- رحمه الله في كتابه: تعاليق على الأناجيل، عند ما بدأ تعليقه على ما في الإنجيل:" احذروا من الأنبياء الكذبة
…
«1» :" صدر بعض علماء النصارى بهذا الكلام كتابا صنفه في القدح في دين الإسلام والطعن على نبوة محمد- عليه السلام وأرجو من الله سبحانه التخلي لمناقضته والرد عليه «2» " اهـ.
وقد تحقق له ما طلبه من الله تعالى فألف هذا الكتاب:" الانتصارات
…
".
ولم يذكر- رحمه الله اسم النصراني، ولا عنوان كتابه، كما فعل أيضا عند ما ذكر سبب تأليف كتابه الآخر:" تعاليق على الإنجيل".
وقد وجدت على صفحة عنوان نسخة:" الانتصارات
…
" بمكتبة شهيد علي بالسليمانية بتركيا أن كتاب النصراني الذي رد عليه الطوفي هو:" السيف المرهق في الرد على المصحف".
(1) انجيل متى الإصحاح السابع.
(2)
تعاليق على الأناجيل ص 16 خ.
والذي يظهر لي- والله أعلم- أن النصراني من بلاد الغرب الأقصى، أو من بلاد الأندلس، لأنه نقل كثيرا عن تفسير ابن عطية الأندلسي «1» رحمه الله كما نقل عن كتب موسى بن عبيد الله «2» الفيلسوف المرتد عن الإسلام، وهو ممن عاش في الأندلس، ثم انتقل في آخر حياته إلى مصر.
وهذا أيضا يدلنا على أن هذا النصراني قد ألف كتابه الذي رد عليه الطوفي في القرن السابع، أو أول القرن الثامن، وهو وقت طغيان الفكر الصليبي النصراني
على العالم الإسلامي كما رأينا عند الحديث عن الحالة السياسية في عصر الطوفي.
وقد تكون لبعض الناس محبة في الجدل والمناظرة، ولو على حساب الدين، والحق، فيطلب ذلك في مجالسه، كما هو حال بعض أهل الكلام المذموم.
(1) أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية المغربي الغرناطي المالكي، الحافظ القاضي بمدينة المرية بالأندلس، ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة من الهجرة، ونشأ في بيت علم وفضل فأبوه إمام وحافظ، وعالم جليل، وأبو محمد عارف بالأحكام. قال أبو حيان:" أجل من صنف في التفسير، وأفضل من تعرض فيه للتنقيح والتحرير" اهـ. كما أنه عالم في الحديث والنحو والأدب نثرا ونظما. مات- رحمه الله بالرقة بالأندلس سنة ست وأربعين وخمسمائة من الهجرة. [انظر الديباج المذهب 2/ 57، ومقدمة تحقيق تفسيره].
(2)
موسى بن عبيد الله، وقيل ابن عبد الله، والأشهر ابن ميمون بن يوسف بن إسحاق أبو عمران القرطبي الفيلسوف اليهودي الملحد، ولد سنة 529 هـ، وتعلم في قرطبة، وتنقل مع أبيه في مدن الأندلس، وتظاهر بالإسلام، وقيل: أكره عليه، وحفظ القرآن وتفقه على المالكية، ودخل مصر فعاد إلى يهوديته، وكان فيها رئيسا روحيا لليهود، وله تصانيف كثيرة في الطب والفلسفة بالعربية والعبرية منها دلالة الحائرين كما سيأتي. وغيره كثير توفي سنة 601 هـ ودفن بطبرية من أرض فلسطين (انظر الأعلام 7/ 329 - 330، ومعجم المؤلفين 13/ 41).
ولكن قد يضطر أناس إلى الجدل والمناظرة الشفوية أو التحريرية للدفاع عن الدين بعد نيل الأعداء منه، كما حصل لكثير من علماء الإسلام، مع النصارى وغيرهم- كما سبق- خاصة إذا أصبح خطر العدو يهدد كيان الأمة وأصبح في المجتمع بعض الجهال الذين قد يخدعون بما يأتي من شبهات عبر ما يكتب أو ينشر في أوساط المجتمع، ولذا خاض غمار هذا الجدل العلماء- رحمهم الله ضد النصارى وغيرهم ومن هؤلاء العلماء نجم الدين الطوفي في هذا الكتاب وغيره، فقد أوضح في مقدمته أن الدافع له في الرد على كتاب النصراني الذي وصله: هو ما يخشاه من أن يستخف ما فيه من الشبه بعض ضعفاء المسلمين فيورثه شكا في الدين يقول- رحمه الله" فرأيت مناقضته
…
ورجوت بها مغفرة من الله ورضوانا، حذرا من أن يستخف ذلك بعض ضعفاء المسلمين فيورثه شكا في الدين، ولقد رأيت بعض ذلك عيانا وآنست عليه دليلا وبرهانا" اهـ.
فهو- رحمه الله لم يقدم على ذلك حبا في الخوض مع النصارى في هذه الشبه الباطلة، ولكن دفاعا عن دين الله، وعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم، ودفعا لهذه الشبه التي قد يغتر بها بعض ضعفاء الإيمان والمغفلين كما يحصل في كل زمان، وأحسبه في عصرنا هذا أكثر، لزيادة جهل المسلمين بإسلامهم، وبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد- صلى الله عليه وسلم، بل لحب كثير من المسلمين اليوم التبعية والتقليد للغربيين النصارى، والتعلق بالثقافة التي يقدمها هؤلاء النصارى لهم حتى في مجال شرائع الإسلام. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
زمن تأليف الكتاب ومكانه:
أشار المؤلف- كما هي عادة كثير من المصنفين الأوائل- إلى تاريخ ابتداء تأليف الكتاب وتاريخ انتهائه. فقد ابتدأ تأليفه في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر شوال سنة سبع وسبعمائة من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وكان الفراغ منه صبيحة يوم الاثنين السابع من شهر ذي القعدة المحرم من السنة نفسها.
وقد أشار أيضا في أثناء الكتاب إلى تأريخ تأليف هذا الكتاب فقال:" فهذا اليوم سبعمائة سنة وسبع سنين «1» ".
ولكن المؤلف- رحمه الله أعاد النظر في الكتاب وصححه وألحق به ما خطر له من الفوائد اللائق إلحاقها، وانتهى من ذلك عشية يوم الأحد عاشر شوال سنة ثمان وسبعمائة هجرية.
أما مكان تأليفه الكتاب فهو مدينة القاهرة، وذكر أنه صنفه في المدرسة الصالحية منها، وأعاد النظر فيه وألحق ما ألحق به وصححه في المدرسة المنصورية في القاهرة أيضا.
منهج الطوفي في كتابه: الانتصارات الإسلامية:
يقول- رحمه الله عن منهجه في الكتاب:" فأوردت مناقضته حرفا من كلامه فحرفا، وأبنت مقاصد السؤال والجواب على وجه لا يخفى، مع تلخيص العبارة خشية الضجر والاملال، وتلخيص المعاني ونصوصيتها خيفة الإخلال
(1) ص 520 من كتاب الانتصارات.
والاختلال، وقدمت على ذلك مقدمات كلية تتضمن مباحث جلية، عليها يبني معظم الجواب، وبها يتيسر ظهور الصواب وعلى الله توكلي وإليه المآب".
بدأ الطوفي رده على النصراني بذكر ثلاث مقدمات كلية ليبنى عليها معظم رده على أسئلة النصراني وشبهاته ومطاعنه تتلخص فيما يلي:
1 -
سد باب الاستدلال على المسلمين بكتب الأوائل مطلقا، لعدم الوثوق بها وجرأتهم على تحريفها.
2 -
أن محمدا- صلى الله عليه وسلم لم يأت بما ينافي العقل، ولا يجوز فيه أو يدركه، وإن قصر عن إدراك مضمونه مما هو من التعبدات الشرعية التي أخبر بها النبي الصادق صلى الله عليه وسلم.
3 -
أن الشريعة لها أصول وفروع، ولا تثبت أصولها إلا بقاطع كالبديهيات والضروريات والمتواترات ونحوها، وأخرج خبر الواحد فادعى أنه لا تثبت به أصول الشريعة- وقد سبق الاعتراض عليه وبيان الحق والحمد لله-.
ثم انتقل إلى الكلام عما ورد في كتاب النصراني على النحو التالي:
1 -
ابتدأ مناقضته في أول ما افتتح به كتابه: وهو قول المسيح- على زعم النصراني-" احذروا من الأنبياء الكذابين الذين يأتونكم في لباس الضأن
…
".
2 -
كان يورد جزءا من نص كتاب النصراني ثم يبدأ الإجابة عن هذا الجزء وهكذا إلى أن انتهى من الكتاب كله. لكنه أحيانا يترك ما يستطرد فيه النصراني مما لا حاجة إلى نقله والإجابة عنه.
وإذا أطال النصراني في بعض المواضع: اختصره الطوفي ثم أجاب عنه.
يقول- رحمه الله:" وما كان في عبارته من تطويل لخصته مع الإتيان بكمال المعنى وأعرضت عن مكافأته على سوء أدبه على النبي صلى الله عليه وسلم بمثله لا إكراما له بل هوانا بقدره ومحله" اهـ.
3 -
ختم الكتاب بعشر حجج هي خلاصة الكتاب. وزبدة الرد على النصراني، فالمناظرة إذا كانت مبنية على مقدمات مشتركة بين المتناظرين كالحكم بينهما فالخاتمة تكون لمن وافقت دعوته تلك المقدمات وقد ختم الطوفي كتابه بالحجج المذكورة ليثبت بها صحة دين الإسلام وصدق محمد- صلى الله عليه وسلم، وهو أسلوب مفيد جدا، وهو أسلوب الأدباء والعلماء البارعين.
4 -
وقد كانت إجاباته متميزة بالموضوعية، فلا يخرج عن الهدف الذي يقصده النصراني، ولا يستطرد عند الإجابة فيما لا صلة له بالموضوع.
5 -
التزم أدب الجدل والمناظرة إلى حد كبير جدا، آخذا بما أمر الله به في مجادلة أهل الكتاب في قوله تعالى: ولا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وإِلهُنا وإِلهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)«1» . وقوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)«2»
6 -
كان يسوق الأدلة من القرآن والسنة التي استدل بها النصراني وطعن فيها، ثم
(1) سورة العنكبوت: 46.
(2)
سورة آل عمران: 64.
يورد وجه استدلاله بها ثم يرد عليه.
وأحيانا لا يذكر النصراني وجه الاستدلال بالنص الشرعي، أو وجه اعتراضه على النص فيورده الطوفي بناء على ما علمه من عادة النصارى وغيرهم من المرتدين عن الإسلام، وولعوا بإيراده من الاعتراضات على تلك النصوص.
7 -
يبدأ الإجابة بتوجيه النصوص وتفسيرها وذكر أسباب النزول أو ورود الحديث إن وجد ذلك، ثم مناقشة الخصم ودحض ما قاله من شبهات.
وله معرفة قوية بأقوال المفسرين، واختيار القول الذي عليه جمهور المفسرين، وله باع في الحديث والحكم عليه أحيانا، وليس كما رماه بعض من غاضه بأنه قليل البضاعة فيه كما تقدم عند الحديث عن علمه وآثاره العلمية.
كما أنه كان يسوق بعض نصوص السيرة المشهورة عند أهل المغازي والسير، للاستشهاد بها عند الحاجة إليها.
وكان يذكر بعض الإسرائيليات أيضا للاستشهاد بها كما يفعل بعض المفسرين.
وهو في ذلك كله يعزو النصوص إلى مصادرها، ويسند الأقوال إلى قائليها. والآراء إلى أصحابها- إلا ما ندر- في حافظة عجيبة وأمانة علمية.
8 -
كان يسوق الحجج العقلية في الرد على النصراني، وقد تميزت بقوتها خاصة وأن الطوفي من علماء أصول الفقه الذي يعطي العالم مراسا على وضع القواعد المنطقية لإثبات قضية من القضايا الشرعية بما يوافق نصوص الكتاب والسنة ولا يعارضها، ثم إنه متمرس في المناظرات والجدل العلمي في بغداد وغيرها كما سبق.
9 -
كان يسلم للنصراني ما في كلامه من حق يوافق الكتاب والسنة أولا يعارض شرع الإسلام، وليس للنصراني- أو غيره- متمسك في ذلك. والأمثلة على ذلك كثيرة ظاهرة من الكتاب.
10 -
كان يذكر أحيانا الرد على وجه الإجمال ثم يكر فيفصل الإجابة ويسوق الوجوه القوية في الرد على دعوى النصراني وافتراءاته.
11 -
كان الطوفي يورد على الخصم ما يدعي أنه يؤمن به، ويزعم أنه الحق، من نصوص الكتب المتقدمة، كالتوراة والإنجيل، وهي توافق ما جاء به القرآن والسنة أو تخالف ما ادعاه النصراني، وهذا من أقوى الطرق في إفحام الخصم وفضح مقصده ورد كيده.
وأرى أن هذا منهج عظيم في الرد على المخالفين أن يستدل عليهم بما عندهم. والنصوص التي عندهم يقرر الطوفي أنه وقع التحريف والتبديل على جملتها لا في كل قضية من القضايا متمسكا بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وإِلهُنا وإِلهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «1» » «2» .
وهذا يعني أن هناك ألفاظا لم تحرف فهي حجة عليهم، وقد يكون الغلط في تفسيرها وحملها على غير المعنى المراد منها، خاصة وأنها قد ترجمت من لغة إلى أخرى، فتعاورتها الأيدي والألسنة التي ربما تكون جاهلة بالمعاني وتفسير النصوص.
(1) سورة العنكبوت: 46.
(2)
سيأتي تخريج الحديث قريبا إن شاء الله.
12 -
لم يكتف- رحمه الله بالدفاع بل تعدى ذلك إلى مرحلة الهجوم على الخصم، وقد أتاه من مأمنه، فبين في عدة مواضع فساد دينهم المحرف وما هم عليه، وعدم الوثوق بما لديهم من الكتب المحرفة، وبين وجه تحريفهم لها وتناقضها بما لا يستطيعون الإجابة عنه.
13 -
كشف في هذا الكتاب أن النصارى يتعبدون بغير ما في كتبهم التي يدعون صحتها وأنها المنزلة من عند الله، وأن دينهم الذي هم عليه لا تقره هذه الكتب، بل لقد كشف أن هذا النصراني لا نصرانيا متمسكا بدين النصارى ولا فيلسوفا محضا، وألمح بأنه لا يدين بدين من الأديان الصحيحة أو المحرفة.
المصادر التي اعتمد عليها الطوفي في تأليف كتابه هذا:
لا ريب أن الإمام الطوفي كغيره من المصنفين الذين يعتمدون في مؤلفاتهم على كثير من المصادر التي تتحدث عن الموضوع الذي يصنف فيه.
والمطلع على كتب الطوفي- رحمه الله يدرك غزارة علمه وسعة اطلاعه على كثير من العلوم والفنون. ويلحظ قوة حافظته واعتداده بنفسه، وقوة حجته في مناقشاته.
والقارئ لكتابه هذا:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" يرى كثرة مراجعه ومصادره التي اعتمد عليها، وإن كان لم يذكر جميع الكتب والمصادر التي رجع إليها، فهو إما أن يذكر المؤلف واسم كتابه، أو يكتفي بذكر المؤلف دون
كتابه وهذا قليل. وقد لا يذكر المصادر أو أصحابها إذا كانت المسألة مشهورة في فن من الفنون، إلا أنه مستقل بفهم ما تحدث عنه. وله وجهة نظره ورأيه الذي استقل به، فهو لا يتابع أحدا دون فهم.
لقد نقل الطوفي في هذا الكتاب من كتب مختلفة ومتعددة وأكثر من كتب التفسير والحديث والسير، وكتب النصارى، وكتب أصول الدين وأصول الفقه والأدب واللغة وغيرها.
وقد رأيت أن أذكر مصادره التي صرح بها على سبيل الاختصار، مرتبة على الفنون:
أولا: مصادره في التفسير وعلومه:
1 -
جامع البيان عن تأويل القرآن «1» : للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري «2» .
2 -
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز «3» : للقاضي أبي محمد عبد الحق ابن
(1) طبع عدة طبعات.
(2)
محمد بن جرير بن يزيد، من أهل طبرستان، ولد سنة أربع وعشرين ومائتين من الهجرة، وحفظ القرآن وعمره سبع سنين، وصلى بالناس وعمره ثمان، وكتب الحديث ولم يتجاوز بعد العاشرة. يقول عن نفسه أنه سمع نحوا من ألف حديث من شيخه أبي كريب. وهو من أكابر المفسرين، وتفسيره شاهد على ذلك. وتهذيب الآثار شاهد على براعته في الحديث. توفي- رحمه الله سنة 310 هـ ببغداد. [انظر كتاب الإمام الطبري مفسرا للدكتور عبد الله المصلح، والتفسير والمفسرون 1/ 205].
(3)
تطبعه وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب وقد وصلني منه تسعة أجزاء" إلى آخر تفسير سورة يوسف".
غالب بن عطية الأندلسي.
3 -
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: لأبي القاسم الزمخشري «1» .
4 -
تفسير القرآن «2» : للحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني «3» .
5 -
تفسير الديار بكري «4» .
6 -
الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله القرطبي.
7 -
الاكسير في قواعد التفسير: للمؤلف.
(1) محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي النحوي واللغوي، وصاحب البلاغة، والتصانيف الكثيرة، ولكنه من أكابر المعتزلة الذين حكموا العقل وقد موه على النصوص الشرعية، وقد شنع على مخالفيه في تفسيره هذا وغيره من كتبه، توفي ليلة عرفة سنة 538 هـ بجرجانية خوارزم على شاطئ جيحون.
[انظر وفيات الأعيان 5/ 168 - 174، والأعلام 7/ 178].
(2)
حققه الدكتور مصطفى مسلم الأستاذ المشارك بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. وهو في المراحل الأخيرة من الطباعة أثناء كتابة هذه الأسطر.
(3)
عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم الصنعاني، نسبة إلى مدينة صنعا، وزيدت النون في النسبة إليها، وهي زيادة شاذة. ولد- رحمه الله سنة 126 هـ، ورحل إلى الحجاز والشام والعراق. قيل: إنه متشيع، توفي باليمن سنة 211 هـ.
[انظر سير أعلام النبلاء 9/ 563 - 580، ووفيات الأعيان 3/ 216 - 217، والبداية والنهاية 10/ 265].
(4)
أشار إليه الطوفي بقوله عن خطر الكاهن" ذكره الديار بكري في تفسير قوله: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ (الحجر: 18) وذكر له حكاية عجيبة" اهـ. ص، ولم أجد له ترجمة.
هذه الكتب التي صرح بالنقل منها في هذا الكتاب وإلا فقد راجع واستفاد من بقية كتب هذا الفن وكتب علوم القرآن وعلم القراءات مما يتصل بتفسير القرآن الكريم وعلومه. وقد أشرت إلى بعضها في الهوامش.
ثانيا: مصادره من كتب السنة وعلومها:
استفاد الطوفي- رحمه الله من الكتب الستة وغيرها، وكان أغلب نقله منها، ومما صرح بالنقل فيه من كتب السنة وشروحها وعلومها:
1 -
الجامع الصحيح المسند المختصر في أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وآدابه «1» :
للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هـ.
2 -
الجامع الصحيح: أو المسند الصحيح «2» : للإمام مسلم «3» .
3 -
السنن: للإمام أبي داود السجستاني «4» .
(1) اشتهر بصحيح البخاري.
(2)
اشتهر بصحيح مسلم.
(3)
أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، من بني قشير، إحدى القبائل العربية المعروفة، النيسابوري، تلميذ البخاري، وأحمد بن حنبل، وصحيحه يلي صحيح البخاري في الصحة والقبول عند أكثر العلماء، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله، ذكر له قصة في سبب موته وهي: أنه سئل يوما عن حديث فلم يعرفه، فانصرف إلى منزله، وأخذ السراج، وقد أهديت له سلة تمر، فأخذ يبحث عن الحديث ويأكل ويبحث عن حديث ويأكل تمرة حتى أصبح فثقل التمر في بطنه، ومرض من ذلك، وتوفي سنة 261 هـ.
[انظر وفيات الأعيان 5/ 194 - 195، وتاريخ بغداد 13/ 100 - 109].
(4)
سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو البغدادي الحنبلي، أمام أهل الحديث في زمانه،-
4 -
الجامع الصحيح، المعروف بسنن الترمذي: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة 279 هـ.
5 -
السنن: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة 303 هـ.
6 -
السنن: للإمام أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني الربعي المشهور بابن ماجه المتوفى سنة 273 هـ.
7 -
المسند: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة 241 هـ.
8 -
معالم السنن «1» شرح سنن أبي داود: للإمام الخطابي «2» .
9 -
مختلف الحديث «3» ، أو تأويل مختلف الحديث: للإمام أبي محمد بن
- رحل إلى البلدان، وأخذ عن مشاهير العلماء منهم أحمد بن محمد بن حنبل، وابن معين، قيل:" ألين له الحديث كما ألين لداود عليه السلام الحديد"، توفي يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة 285 هـ، له ثلاث وسبعون سنة.
(انظر المنهج الأحمد 1/ 257 - 258، وتاريخ بغداد 9/ 55 - 59)
(1)
مطبوع على هامش سنن أبي داود.
(2)
أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي البستي. يقال: إنه من سلالة زيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب، ولم يثبت ذلك. فقيه ومحدث لغوي أخذ الفقه عن القفال الشاشي، وأبي علي بن أبي هريرة، وسمع الحديث من ابن الأعرابي بمكة وغيره سماه بعض المترجمين له أحمد، وهو غلط، وله من الكتب شرح الأسماء الحسنى، وشرح لصحيح البخاري، مات في بست سنة 388 هـ. [انظر طبقات الشافعية 2/ 218، ومعجم المؤلفين 4/ 74].
(3)
سماه الطوفي كذلك. [انظر ص 689 من هذا الكتاب].
قتيبة «1» .
10 -
مشكل الآثار: للإمام أبي جعفر الطحاوي «2» .
11 -
رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم: للإمام النووي «3» .
ثالثا: مصادره في السيرة النبوية:
لقد ذكر الطوفي- رحمه الله في كتابه هذا نصوصا كثيرة من كتب السيرة
(1) أبو جعفر أو أبو محمد أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، قاضي بغداد، ولد سنة 213 هـ بمرو، ونشأ وتعلم ببغداد، وهو من المنتسبين إلى مذهب أحمد وإسحاق، والمنتصرين لمذهب أهل السنة، وخطيبهم في عصره، له زهاء ثلاثمائة مصنف، يقول أهل المغرب: كل بيت ليس فيه شيء من تصانيفه لا خير فيه. توفي- رحمه الله سنة 276 هـ بعد أكله هريسة في شهر رجب من تلك السنة. [انظر سير أعلام النبلاء 13/ 296 - 302، ووفيات الأعيان 3/ 42 - 44، والنجوم الزاهرة 3/ 75 - 76].
(2)
الإمام المحدث أحمد بن محمد بن سلامة بن مسلمة بن عبد الملك الأزدي ثم المصري الشافعي ثم الحنفي والطحاوي نسبة إلى" طحا" قرية بمصر. ولد سنة 236 هـ. وتوفي ليلة الخميس مستهل ذي القعدة سنة 321 هـ[انظر نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض 3/ 10، وسير أعلام النبلاء: 15/ 27 - 33، والبداية والنهاية 11/ 174].
(3)
محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين الشافعي الدمشقي، ولد بقرية نوى من قرى دمشق، سنة 631 هـ ونشأ بها ثم قدم دمشق وعمره تسع عشرة سنة، وقد حفظ القرآن. فلزم المشايخ فكان يقرأ في كل يوم اثنا عشر درسا عليهم. وكان لا يضيع شيئا من أوقاته. برع في الفقه والحديث. توفي سنة ست وسبعين وستمائة من الهجرة.
[انظر الدليل الشافي على المنهل الصافي 2/ 775 - 776، والبداية والنهاية 13/ 278 - 279، وشذرات الذهب 5/ 354].
مما يتعلق بموضوعه ليوضح القضايا التي عرض لها بالشواهد الصحيحة والأدلة النقلية الثابتة ومما استفاد منه من كتب السيرة، وقد ذكرها في هذا الكتاب:
1 -
السيرة النبوية: لابن هشام «1» .
2 -
الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: للفقيه أبي القاسم السهيلي «2» .
3 -
الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم: للقاضي عياض «3» .
4 -
سيرة البكري، أو غزوة الأحزاب: لأبي الحسن البكري «4» .
(1) أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، كان عالما بالأنساب واللغة وأخبار العرب. ولد بالبصرة ونشأ فيها، ثم نزل مصر، وتوفي بها سنة 213 هـ على الأرجح.
[انظر الروض الأنف 1/ 7، والبداية والنهاية 10/ 267، والأعلام 4/ 166].
(2)
الحافظ العالم باللغة والسير عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي، نسبة إلى سهيل من قرى مقالة الضرير، ولد في مقالة، وعمي وعمره سبع عشرة سنة ونبغ فاتصل خبره بصاحب مراكش فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنف كتبه إلى أن توفي بها سنة 581 هـ.
[انظر وفيات الأعيان 3/ 143 - 144، والأعلام 3/ 313].
(3)
عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي الأندلسي الغرناطي المالكي، ولد في منتصف شعبان سنة 476 هـ، لم يأخذ العلم في الصغر لكنه جد في طلبه حتى بلغ شيوخه المائة، له شعر رائق، ومصنفاته عديدة توفي سنة 544 هـ.
[انظر سير أعلام النبلاء 20/ 212 - 218، ونسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض 1/ 3، والديباج المذهب 2/ 46 - 51].
(4)
أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد، قصصي، قال فيه الذهبي:" واضع القصص التي-
5 -
البشر بخير البشر: للأديب المفسر ابن ظفر «1» .
6 -
أعلام النبوة، أو دلائل النبوة: لأبي الحسن الماوردي «2» .
7 -
الوفاء في فضائل المصطفى صلى الله عليه وسلم: لأبي الفرج ابن الجوزي «3» .
- لم تكن قط" اهـ، ونعته بالكذاب الدجال. من قصصه: غزوة الأحزاب، وقصة إسلام الطفيل بن عامر الدوسي، لم تذكر سنة وفاته. وقيل في أواسط القرن الثالث من الهجرة.
[انظر الأعلام 1/ 155 - 156].
(1)
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي محمد بن ظفر الصقلي المكي. حجة الدين، الأديب الرحالة ولد بصقلية، ونشأ بمكة المكرمة، وسكن آخر الوقت حماة. وتوفي بها سنة خمس وستين وخمسمائة من الهجرة.
[انظر وفيات الأعيان 4/ 395 - 397، والأعلام 6/ 230 - 231].
(2)
علي بن محمد بن حبيب البصري، شيخ الشافعية في عهده، وصاحب المصنفات الكثيرة التي منها: الحاوي. اتهم بالاعتزال، ودافع عنه السبكي في طبقات الشافعية، ولي القضاء في بلاد كثيرة، وكان أديبا، مات يوم الثلاثاء سلخ ربيع الأول سنة 450 هـ عن عمر بلغ 86 سنة.
[انظر طبقات الشافعية 3/ 303 - 314، والبداية والنهاية 12/ 80].
(3)
عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي الحنبلي. ينتهي نسبه إلى أبي بكر- رضي الله عنه ولد في مشرعة الجوز من محال بغداد سنة 511 هـ، ولما بلغ ثلاث سنين توفي والده، فرعته أمه .. وحفظ القرآن، ثم برع في علوم كثيرة منها الحديث والفقه والخلاف والجدل والأصول التي أخذها على مجموعة من العلماء الكبار. كان أديبا واعظا مجيدا يرد على أصحاب البدع في مجالسه. كان المستضيء يحضر مجالسه، وقد سمع ابن الجوزي ينشد تحت داره يوما:
8 -
الأمالي لابن مكة «1» : هكذا ذكره الطوفي- رحمه الله.
9 -
دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: للإمام البيهقي «2» .
10 -
قصص الأنبياء: للمؤرخ وثيمة بن موسى الوشاء «3» .
-
ستنقلك المنايا عن ديارك
…
ويبدلك الردى دارا بدارك وتترك ما عنيت به زمانا
…
وتنقل من غناك إلى افتقارك فدود القبر في عينيك يرعى
…
وترعى عين غيرك في ديارك
فجعل المستضيء يمشي في قصره ويقول: أي والله: وترعى عين غيرك في ديارك. ويكررها ويبكي حتى الليل. توفي ابن الجوزي سنة 597 هـ.
[انظر طبقات الحنابلة 1/ 399 - 433، والبداية والنهاية 13/ 28، والأعلام 3/ 317].
(1)
لم أجد له ترجمة.
(2)
أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي: نسبة إلى خسروجرد ببيهق من نواحي نيسابور، الشافعي الحافظ، صاحب التصانيف الكثيرة، أوحد زمانه في الحديث وغيره. بلغت تصانيفه ألف جزء. توفي- رحمه الله سنة 458 هـ بنيسابور.
[انظر طبقات الشافعية 3/ 3 - 5، وشذرات الذهب 3/ 304 - 305].
(3)
وثيمة بن موسى بن الفرات أبو زيد الفارسي المؤرخ المعروف بالوشاء، لأنه كان يتاجر في الوشى- ثياب تصنع من الإبريسم- نشأ في فارس، وخرج إلى البصرة ثم إلى مصر فالأندلس، ثم عاد إلى مصر، وتوفي فيها سنة 233 هـ.
[انظر وفيات الأعيان 6/ 12 - 21، وشذرات الذهب 2/ 89، والأعلام 8/ 110].
رابعا: من مصادره في الأدب:
1 -
ديوان امرئ القيس «1» الكندي.
2 -
ديوان عنترة العبسي «2» .
خامسا: من مصادره في أصول الدين وأصول الفقه والتاريخ وغيرها:
ذكر الطوفي بعض مصادره في هذه الفنون، ونحن نورد ما صرح به فقط:
1 -
الرد على الزنادقة والجهمية: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل.
2 -
القواعد الدمشقية في أصول الفقه: للمؤلف.
3 -
الفوائد: للمؤلف.
4 -
تقرير الثالوث: لابن الأشل النصراني «3» .
5 -
قانون التثليث: لابن الأشل النصراني.
6 -
كتاب العظمة: لأبي جعفر بن حيان «4» .
(1) ستأتي ترجمته ص: 589.
(2)
عنترة بن عمرو بن شداد بن قراد، أشهر فرسان العرب في الجاهلية، كانت أمه أمة حبشية. أغرم بابنة عمه" عبلة" فقل أن تخلو له قصيدة من ذكرها، اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء، له ديوان شعر، يقال: إن أكثر ما فيه مصنوع، ويقال: إن قصة عنترة خيالية يعدها المستشرقون من بدائع أدب العرب. قتل في نحو السنة الثانية والعشرين قبل الهجرة. [انظر جمهرة أشعار العرب 2/ 481، والأعلام 5/ 91].
(3)
لم أجد له ترجمة.
(4)
أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، أبو محمد الأنصاري الأصبهاني،
7 -
المباحث المشرقية «1» : للفخر الرازي «2» .
8 -
درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح: للمؤلف.
9 -
القواعد الصغرى: للمؤلف.
10 -
تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر: للمؤلف.
11 -
إفحام النصارى: للمهتدي ابن جزلة «3» .
12 -
منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان" طب" للمهتدي الطبيب ابن جزلة.
وقد رجع إلى غير هذه الكتب في هذه الفنون وغيرها، مما أعطى كتابه هذا قيمة علمية كبيرة.
- المحدث الحافظ، المفسر، المؤرخ، ولد سنة 274 هـ وطلب الحديث من الصغر، ورحل في طلبه إلى الموصل وحران والحجاز والعراق وله تصانيف كثيرة. توفي- رحمه الله في سلخ المحرم سنة 369 هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 16/ 276 - 280، والنجوم الزاهرة 4/ 136، ومعجم المؤلفين 6/ 114].
(1)
سماه ابن خلكان في وفيات الأعيان (4/ 249): المباحث العمادية في المباحث العمادية.
(2)
أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين القرشي التيمي البكري المفسر، أحد فقهاء الشافعية المشاهير اشتهر بالتصانيف الكبار والصغار، له نحو مائتي مصنف، وأصله من طبرستان، من مواليد الري وينسب إليها ويقال له: ابن خطيب الري. رحل إلى خوارزم، وما وراء النهر وخراسان. وتوفي في هراة سنة ست وستمائة من الهجرة.
[انظر البداية والنهاية 13/ 55، وطبقات الشافعية 5/ 33، والأعلام 6/ 313].
(3)
أبو علي: يحيى بن عيسى بن جزلة البغدادي إمام الطب في عصره .. كان نصرانيا فأسلم في كهولته سنة 466 هـ، كان ذكيا صاحب فنون ومناظرة واحتجاج، يداوي الفقراء من ماله، اتصل بالمقتدي بالله العباسي وصنف له عدة كتب منها هذا الكتاب الآتي:" منهاج البيان" رتبه على الحروف وجمع فيه أسماء الحشائش، والعقاقير والأدوية
…
وترجم إلى اللاتينية سنة 532 م.
وأما هذا الكتاب فألفه لما أسلم فرد به على النصارى وله كتب أخرى غير هذين. مات في شعبان سنة 493 هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 19/ 180، والأعلام 8/ 161].
مقارنة بين كتاب الانتصارات الإسلامية وبعض ما ألف في الرد على النصارى:
كان الصراع كما سبق مستمرا بين المسلمين والنصارى، سواء بالسلاح المادي، أو بالجدل والمناظرة، أو بالرسائل والكتب، وليس كتاب الطوفي هذا هو الوحيد في الرد على النصارى، سواء منه هو، أو من بقية العلماء في القرون المتقدمة عليه أو المتأخرة عنه، وليس هو وحده الذي رد عليهم في الفترة التي عاش فيها.
فله كتابان آخران هما: تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر، وتعاليق في الرد على جماعة من النصارى، فالأول قد أشار إليه وأحال عليه في مواضع من كتابه هذا" الانتصارات الإسلامية
…
" والآخر لم يشر إليه فيه، وإن كان ألمح إليه في مواضع من كتاب الإشارات الإلهية، عند ما تحدث عن بعض شبهاتهم وعقائدهم في الحديث عن الآيات التي تتحدث عن ذلك، فيقول مثلا:
«وقد تكلمنا عن ذلك في الرد عليهم» ، كما أن المترجمين للطوفي ذكروه أيضا، والذي يظهر لي أنه ألفه بعد كتاب الانتصارات الإسلامية لأنه لم يشر في هذا الكتاب كما فعل ذلك بالنسبة إلى كتاب تعاليق على الأناجيل.
وقد شارك عدد كبير من العلماء في الرد على النصارى من القرون الأولى إلي يومنا هذا، إما بإفراد مؤلفات خاصة بذلك أو ضمن كتب تتحدث عن الملل والنحل أو غيرها.
ومما أفرد في الرد على النصارى في كتب مستقلة:
1 -
المختار في الرد على النصارى: للجاحظ «1» .
2 -
الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل: للإمام أبي حامد الغزالي.
3 -
مقامع هامات الصلبان ورواتع روضات الإيمان: لأبي عبيدة الخزرجي «2» ، وقد طبعه الدكتور محمد أبو شامة. وحرف اسمه إلى:" بين الإسلام والمسحية" وفي تقديمه للكتاب أخطاء ليس المقام مناسب لذكرها.
4 -
الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام
…
للقرطبي.
5 -
النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية: لنصر بن يحيى المتطبب «3» .
6 -
الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة: للقرافي.
7 -
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لابن تيمية.
(1) أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، الليثي الجاحظ، إليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة أديب ماجن مشهور، ولد بالبصرة سنة 163 هـ وفلج في آخر حياته، وله مصنفات كثيرة منها: الحيوان، والبيان والتبيين وهذا الكتاب في الرد على النصارى. وليس هذا الكتاب على شهرته عند الناس. توفي سنة 255 هـ ببلدة البصرة.
[انظر سير أعلام النبلاء 11/ 526 - 530، والبداية والنهاية 11/ 19، وتاريخ بغداد 12/ 212 - 220].
(2)
أبو جعفر أحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة محمد بن أحمد ينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرطبة وسكن غرناطة ثم بجاية، ثم استوطن" فاس" إلى أن مات بها، وله مشاركات كثيرة في الفقه، وعلوم القرآن، والسيرة النبوية والرد على المشركين والنصارى واسماع الحديث، الذي درّسه بجامع القرويين امتحن بالأسر ثم خلصه الله. توفي سنة 582 هـ.
[انظر الديباج المذهب 1/ 215 - 216، ومعجم المؤلفين 1/ 274].
(3)
نصر بن يحيى بن عيسى بن سعيد المتطبب، ولد من أبوين نصرانيين ثم نشأ على النصرانية إلى أن هداه الله إلى الإسلام. فألف هذا الكتاب في فضح عقيدة النصارى.
[انظر مخطوطة كتابه المذكور بجامعة الملك سعود الرياض].
8 -
تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب: لعبد الله الترجمان «1» .
9 -
منظومة الأبوصيري.
10 -
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: لابن قيم الجوزية «2» .
11 -
منحة القريب المجيب في الرد علي عباد الصليب: لعبد العزيز بن معمر «3» .
12 -
إظهار الحق: لرحمة الله الهندي «4» .
وغيرها كثير، قديما وحديثا.
(1) عبد الله بن عبد الله الترجمان الميروقي. ولد سنة 756 هـ في ميورقة إحدى جزر البليار أو الجزر الشرقية كان نصرانيا اسمه:" أنسليم تورميدا" وكان من أحبار النصارى، ثم تسمى عبد الله بن عبد الله بعد إسلامه واشتهر بالترجمان لأنه استقر مع أمراء الحفصيين بتونس يترجم الرسائل الواردة إلى ديوان السلطان. توفي سنة 832 هـ.
[انظر ترجمته الوافية في رسالة الماجستير: تحفة الأريب
…
تحقيق ودراسة الشيخ محمد البريدي ص 36 فما بعدها، وانظر معجم المؤلفين 6/ 78].
(2)
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي الحنبلي، وابن قيم الجوزية: لأن أباه كان قيما على مدرسة" الجوزية" بدمشق. ولد في بيت علم وفضل سنة 691 هـ أخذ الفرائض عن أبيه والفقه عن المجد الحراني والأصول على الصفي
…
أما شيخه الأكبر فهو ابن تيمية فقد لازمه أربعين سنة. ولابن القيم مكانته العلمية ومصنفاته كثيرة جدا توفي رحمه الله سنة 751 هـ. [انظر البداية والنهاية 14/ 234، وشذرات الذهب 6/ 168 - 170].
(3)
عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن معمر. ولد في الدرعية سنة 1203 هـ، ونشأ في حجر العلماء، ومنهم أبناء المجدد محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله وكان عبد العزيز أديبا فقيها تقيا ورعا. له عدة مصنفات ورسائل، وأشعار منها: اختصار نظم ابن عبد القوي للمقنع. توفي- رحمه الله سنة 1244 هـ ورثاه كثير من الأدباء والعلماء.
[انظر ترجمته بقلم الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ في مقدمة كتاب منحة القريب
…
].
(4)
رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي الحنفي نزيل الحرمين، كان كتابه هذا نتيجة للمناظرة التي جرت بينه وبين القس فندر. وطبعت المناظرة في كتاب مستقل. له صحبة بالشيخ دحلان أيام مجاورة رحمة الله بمكة المكرمة. وله كتب غير هذا الكتاب. توفي بمكة سنة 1306 هـ.
[انظر الأعلام 3/ 18، ومقدمة: إظهار الحق بتحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا].
ومن الكتب التي تضمنت الرد على النصارى ولم تفرد لذلك:
1 -
الفصل في الملل والنحل: لابن حزم الأندلسي «1» .
2 -
المغني في أبواب التوحيد والعدل: للقاضي عبد الجبار «2» .
3 -
الملل والنحل: للشهرستاني «3» .
ومن ذلك أيضا كتب دلائل النبوة وغيرها.
(1) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد بقرطبة سنة 384 هـ وكان أبوه وزيرا للحاجب المنصور، كان على أول أمره شافعي المذهب، ثم أداه اجتهاده إلى نفي القياس كله والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والسنة والقول بالبراءة الأصلية
…
، كان يسيء الأدب مع الأئمة الكبار، فأعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة. توفي أبو محمد سنة 456 هـ.
[انظر سير أعلام النبلاء 18/ 184 - 212، والبداية والنهاية 12/ 91 - 92 ووفيات الأعيان 3/ 325 - 330].
(2)
أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل الهمذاني الأسدآباذي المعتزلي الشافعي، ولي قضاء القضاة بالري، وتوفي بها سنة 415 هـ. وهو في التسعين من عمره تقريبا، تصانيفه كثيرة.
[انظر سير أعلام النبلاء 17/ 244 - 245، وطبقات الشافعية 5/ 97 - 98].
(3)
أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد المتكلم الفقيه الشافعي، الأشعري، ولد سنة 467 هـ بشهرستان وقيل سنة 679 هـ، اتهم بالتشيع وكان كثير الحفظ حسن المحاورة، دخل بغداد سنة 510 هـ وأقام بها ثلاث سنين، وظهر له قبول كثير عند العوام، له تصانيف كثيرة منها:
نهاية الاقدام في علم الكلام، وغيره. توفي في شهرستانة سنة 549 هـ وقيل غير ذلك.
[انظر وفيات الأعيان 4/ 573 - 775، وسير أعلام النبلاء 20/ 286 - 288].
وسأخص بحديثي في هذه المقارنة ما كان منها مفرد للرد على النصارى دون غيرها، كما أنني سأجعل المقارنة وضرب الأمثلة بالكتب المهمة التي تغني عن باقيها على وجه العموم.
إن المطلع على الكتب المذكورة آنفا يجد أنها قد اشتركت في عدد من القضايا الهامة في الرد على النصارى، فقد اشتركت في مناقشتهم في الأمور التالية:
1 -
إبطال قول النصارى بألوهية عيسى وربوبيته، أو أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، أو إنه إله من جهة أبيه، وإنسان من جهة أمه. على اختلاف مذاهب النصارى في ذلك.
2 -
رد قول النصارى بالتثليث، والأقانيم الثلاثة، الأب والابن وروح القدس إله واحد، على تفسيراتهم التي لا يقبلها عقل عاقل.
3 -
رد قولهم بالاتحاد والحلول، على اختلاف بين فرقهم في كيفية ذلك.
4 -
وقوع التحريف والتبديل في الكتب التي بأيدي النصارى، ووقوع ذلك في دين النصارى، ومخالفة ما يتعبدون به، لما يدعونه صحيحا من الكتب التي بأيديهم، وعدم الوثوق بهذه الكتب.
5 -
إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتأييده بالمعجزات والبشارة به في كتب الأنبياء السابقين والكتب التي بأيدي النصارى.
6 -
إبطال قول النصارى في الصلب والفداء.
وهذه القضايا هي أصول عقيدة النصرانية، وإبطالها هدم لعقيدتهم من القواعد، وكشف للعقلاء بأن النصارى ليسوا على شيء في دينهم. وأنه لا يقبل لهم قول في إبطال دين الإسلام.
غير أن أغلب هذه الكتب لم يقتصر على القضايا المذكورة، بل تعرضت للرد على شبه كثيرة تولع النصارى بإيرادها للطعن في الإسلام: في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفي القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وفي الأحكام التي تضمنها الإسلام في العبادات والمعاملات، وغير ذلك. ثم إن ما وصل كل عالم من هؤلاء العلماء من شبهات النصارى غير ما وصل الآخر، إلا نادرا، وقد تتفق كثير من الشبه في مضمونها ولكن تختلف في أسلوبها وعرضها على المسلمين.
ولكل كتاب من الكتب المتقدم ذكرها أسلوب ومنهج يختلف عن الآخر في مناقشة القضايا السابقة والشبه المثارة، من حيث الإسهاب والاختصار وإيراد الحجج العقلية المنطقية، وكيفية تناول هذه القضايا والطريقة التي اختطها كل مؤلف من هؤلاء المصنفين، في شبه النصارى ودحض زيفهم.
فبعضهم يرى أنه لا يليق بالعاقل أن يطيل الحديث مع النصارى في هذه القضايا وغيرها من الشبه التي يوردونها، فسلك مسلك الاختصار، ورد عليهم بردود عقلية موجزة، لأنه في نظره لا يليق بالعاقل أن يؤهلهم للحديث معهم وقد عجزوا عن تصوير دينهم الذي يدعونه، فضلا عن إقامة الدليل عليه، كما فعل القرافي في الأجوبة الفاخرة. ومن نهج منهجه في الاختصار.
وبعضهم يرى أن الرد بتوسع وإسهاب قد لا ينتفع به القارئ أو السامع، فيستحسن أن يكون الرد واضحا لا يخفى مع تلخيص العبارة وتخليص المعاني ونصوصيتها، خشية الضجر والإملال من السامع أو القارئ، والإخلال بالموضوع في الخروج عن المقصود، واختلال الفكرة وصعوبة الفهم مع التطويل والاستطراد.
وهذا هو رأي الطوفي- رحمه الله وهو ما سلكه في كتاب الانتصارات الإسلامية.
وبعضهم قد أفاض في الحديث مع النصارى ومناقشاتهم في هذه القضايا وغيرها فسلك مسلك الطول والإسهاب، وتوسع واستطرد في بعض القضايا التي قد يكون لها صلة، أو مناسبة، وذلك لأن الرد على شبه الخصم التي يثيرونها ضد الإسلام تحتاج الإجابة عليها في نظره إلى إحاطة وإحكام، لئلا تجد قلوبا ضعيفة، وعقولا خالية، فيلتبس الحق بالباطل
…
وهذا منهج ابن تيمية- رحمه الله في الجواب الصحيح.
ثم إن هناك أمرا آخر وهو السبب أو الدافع لتأليف الكتاب: فأكثر من رد على النصارى إنما فعل ذلك ردا على رسالة وصلت إليه أو كتاب اطلع عليه يطعن في دين الإسلام، وقد تكون الرسالة أو الكتاب متضمنا لقضايا غير التي ذكرت سابقا فلا يتحدث إلا فيما يهدف إليه الكاتب النصراني، ويكون حديثه عن هذه القضايا أو غيرهما من الشبه على قدر ما تستحق، ويرى ذلك كافيا في الرد على النصارى. كما يتضح من مقامع هامات الصلبان مثلا.
وقد يكون لسعة العلم والاطلاع وعلو منزلة المؤلف ومقدرته العلمية أثر في التوسع والاقتصاد في الحديث مع النصارى في كل ما يتعلق بعقيدتهم أو الشبهات التي يثيرونها.
ثم إن كل كتاب من هذه الكتب ألف في وقت يختلف عن الوقت الذي ألف فيه الآخر كتابه، من حيث الظروف السياسية والثقافية والفكرية والعقدية مما جعل كل واحد منهم ينهج في رده على النصارى ما يناسب فكره وعقيدته.
فهذا الجاحظ من السابقين في التصدي لشبهات النصارى إلا إنه لم يوفق في مناقشتهم على المذهب الحق الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، لأنه بنى مناقشته لهم على مذهبه الفاسد في تقديم العقل على النقل،
وتأويل النصوص وصرفها عن حقائق ألفاظها الظاهرة إلى احتمالات مرجوحة وتأويلات فاسدة. ومما يشهد بذلك قوله في الرد على النصارى:" وأنت تعلم أن اليهود لو أخذوا القرآن فترجموه بالعبرانية لأخرجوه من معانيه، ولحولوه عن وجوهه. وما ظنك بهم إذا ترجموا فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ
…
(55)«1» و
…
ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39)«2»
…
، وقد تعلم أن مفسري كتابنا وأصحاب التأويل منا أحسن معرفة، وأعلم بوجوه الكلام من اليهود ومتأولي الكتب، ونحن قد نجد في تفسيرهم ما لا يجوز على الله في صفته: لا عند المتكلمين في مقاييسهم، ولا عند النحويين في عربيتهم
…
«3» " اهـ.
هذا مع أن رده قوي لا أنكر ذلك.
وهذا الأبوصيري قد تأثر رده في منظومته بما ينتحله من مذهب الصوفية حتى أنه قال فيها:
وإذا تعسرت الأمور فإنني راج لها بمحمد تسهيلا «4»
وهذا الغزالي يدعو في رده الجميل على النصارى إلى التأويل المذموم فهو يقول في أول رده:"
…
فلا بد من تقديم أصلين متفق عليهما بين أهل العلم:
أحدهما: أن النصوص إذا وردت فإن وافقت المعقول تركت ظواهرها وإن خالفت صريح المعقول وجب تأويلها واعتقاد أن حقائقها ليست مرادة فيجب إذ ذاك ردها إلى المجاز «5» " اهـ.
(1) سورة الزخرف، آية:55.
(2)
سورة طه، آية:39.
(3)
المختار في الرد على النصارى ص 108 - 109.
(4)
منظومة الأبوصيري ص 20، البيت" 283".
(5)
الرد الجميل ص: 166.
قلت: وهذا غير الصواب والحق، فإن النصوص الشرعية الصحيحة لا تعارض المعقول أبدا، ولكن قد يكون فهم الإنسان قاصرا سقيما فيظن أنها تخالف العقل، وإلا فإن الله لا يخاطب العقول بما تحار فيه وتعجز عن فهمه.
واللفظ لا يصرف من معناه الراجح الظاهر إلى المعنى المرجوح إلا اذا صحب الكلام قرينة توجب ذلك، ويكون حينئذ معناه هو المراد.
كما أن بعض هؤلاء المصنفين على مذهب الأشاعرة وخاصة في صفات الله تعالى ولا يتيسر الآن ذكر ما لاحظته في ذلك لأنه يطول.
وأضيف إلى هذا أيضا: إن بعض مؤلفي كتب الرد على النصارى كانوا على دين النصرانية المحرفة فلما هداهم الله تعالى إلى الإسلام ردوا على النصارى وبينوا ما هم عليه من زيف وضلال، فكانوا أخبر من غيرهم في كشف أشياء من عقيدة النصارى، وأعمالهم قد تخفى على غيرهم، ولا يبيح بها النصارى، كما يتضح لنا من كتاب: النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية للمهتدي نصر بن يحيى المتطبب، ومن كتاب: تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب، للمهتدي عبد الله الترجمان «1» ، ولكن لم يكونوا على درجة علمية تضاهي درجة العلماء البارزين
(1) في قصة إسلام عبد الله الترجمان أكبر شاهد على ما تقدم، فقد ذكر- رحمه الله أن النصارى يوما اختلفوا في تفسير ما ورد في الإنجيل:" إنه يأتي من بعدي نبي اسمه الفارقليط"، فذهب إلى القس الذي كان يخدمه وصار أخص الناس إليه، فطلب منه الإجابة بإلحاح فبكى القس وأخبر عبد الله بأنه يخاف عليه إن أطلعه على تفسير" الفارقليط" أن يقتله النصارى، فأوعده عبد الله بألا يفشي هذا السر، فأخبره القس بأنه اسم من أسماء نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وأن دينه هو الحق، وأن النصارى لم تكن على دين عيسى- عليه السلام وأن دين الأنبياء واحد، وأوصاه بالدخول في دين الإسلام
…
" فهذه أسرار مكتومة عند قساوسة النصارى الكبار لا يعلمها بقيتهم، ولم يطلع المسلمون عليها إلا بواسطة هؤلاء المهتدين إلى دين الإسلام ممن كانوا نصارى. وغير هذا الشاهد كثير.
كأمثال ابن تيمية والقرافي والطوفي، وغيرهم لصعوبة اللغة على بعض أولئك أو قلة تمكنه من العلوم الشرعية وفنونها كأصول الفقه والمنطق وغير ذلك.
وقد اتفق هؤلاء جميعا في الاحتجاج بما عند النصارى من الكتب على بطلان ما يتعبدون به، وما يدعون أنه الدين الحق. مع دخول التحريف والتبديل على تلك الكتب، وذلك من باب إلزام الخصم بما عنده، ويدعي أنه يؤمن به.
لكن قد يكون بين هؤلاء العلماء فرق كيفية الاستدلال بتلك النصوص واستنباط ما فيها مما يشهد على هؤلاء النصارى.
والطوفي- رحمه الله له التجربة الدقيقة والخبرة الكافية في سبر كتب القوم والتعرف على مواطن الضعف وتوضيح وجوه الطعن فيها، كما يتضح ذلك من كتابه: تعاليق على الأناجيل، ومن كتاب الانتصارات الإسلامية أيضا.
كما أن من هؤلاء العلماء من كان على دين النصارى ثم هداه الله إلى الحق فكان أخبر بهذه النصوص والمقصود منها، خاصة وأن بعضهم كان قد وصل إلى مرتبة الإقراء، والشرح لها، كالشيخ عبد الله الترجمان- رحمه الله، ونصر بن يحيى المتطبب، ولهم تجربتهم مع هذه الكتب وفهم مدلولاتها عند النصارى وقساوستهم.
غير أن بعض العلماء الذين احتجوا بنصوص الكتب التي بأيدي النصارى قد أسهبوا كثيرا في ذلك كالشيخ رحمة الله الهندي- رحمه الله، وإن كان له عذره في ذلك- وهو أن كتابه: إظهار الحق ثمرة للمناظرة الكبرى التي دارت بينه وبين القس فندر «1» ، أحد طلائع الاستعمار الصليبي في الهند، الذي لا يؤمن بشيء من
(1) أحد القساوسة الذين كانوا في الهند أيام الاستعمار البريطاني لها.
تلك الكتب، فقد أراد الشيخ رحمة الله أن يبين زيف ما عليه النصراني وقومه من ضلال بشهادة كتبهم التي بأيديهم، ثم إنه جعل ذلك هجوما على هؤلاء النصارى بما يدعون أنه صحيح وليس كذلك.
وقد كان بين هذه الكتب التي ردت على النصارى اختلاف في طريقة العرض. فبعضهم كان يسرد رسالة النصراني، أو شبهات النصارى كاملة ثم يبدأ بالرد عليها بعد ذلك بأن يتناول كل شبهة بالرد حتى ينتهي من مناقشة تلك الشكوك والشبهات. كما فعل الخزرجي في مقامع هامات الصلبان.
ولعل في ذلك خطرا على من يقرأ الشبهة بعيدة عن الإجابة، والأحوط عرض الشبهة واتباعها بالإجابة حسب ترتيب الرسالة، كما فعل الطوفي وابن تيمية والقرافي وابن معمر- رحمهم الله تعالى-، فإن في ذلك محافظة على نص الرسالة أو الكتاب، وسلامة من خطر علوق الشبهة في ذهن القارئ قبل الوصول إلى الإجابة عنها في موضع بعيد من الكتاب.
ومنهم من كان يأخذ جزءا من كلام النصراني ثم يعقبه بالرد والمناقشة فيقول: قال النصراني أو النصارى كذا. والجواب عنه كذا وكذا، وهذا ما فعله الطوفي وابن تيمية وابن معمر والقرافي- رحمهم الله تعالى- كما سبق-.
كما أن من العلماء من كان يسرد الإجابة على شبه النصارى سردا بأسلوب لاذع تعتريه العاطفة أحيانا ويشوبه السجع المتكلف أحيانا، فهذا القرطبي في الإعلام والخزرجي في المقامع وعبد الله الترجمان في تحفة الأريب يلجئون أحيانا كثيرة إلى عبارات التشنيع والهجاء التي يستحقها النصارى وأكثر، لكن بعض المصنفين يلتزم الموضوعية في المناقشة، والهدوء التام في الجدل والمناظرة، والاهتمام بالفكرة المطروحة التي قد يكسب المناظر في نهايتها الجولة على خصمه
وابن تيمية كان مثالا في ذلك، والطوفي وابن معمر والقرافي ورحمة الله الهندي ونصر بن يحيى المتطبب إلى حد كبير جدا.
كما أن هناك أمرا آخر له أهميته في الاستفادة من تلك الكتب وهو حسن الترتيب والتبويب. فقد سلك بعض هؤلاء العلماء طريقة الأسئلة والأجوبة في عرض قضايا الكتاب ومناقشة النصارى فيعرض الشبهة في سؤال، ثم يتبعه بالإجابة عنه، ولأجل التوضيح للمباحث وتيسير المادة العلمية، يتبع طريقة التقسيم والتجزئة إلى وجوه وأقسام، للإجابة الواحدة حتى يزيل الإشكال ويظهر المقصود.
وهذا ما فعله القرافي- رحمة الله عليه-، مع أنه جعل كتابه في أبواب أيضا.
وقد شاركه في طريقة التقسيم والتجزئة إلى وجوه وأقسام: الطوفي وابن تيمية- رحمهما الله تعالى- وابن معمر- رحمه الله إلى حد كبير.
غير أن آخرين سلكوا مسلك التبويب والتقسيم إلى فصول تحت الأبواب فجعلوا تحت كل باب ما يناسبه ثم تحت كل فصل ما يناسبه أيضا من موضوع الباب. وقد يختم بعضهم بخاتمة للكتاب تشتمل على ما يراه مناسبا للذكر آخر الكتاب كما فعل القرطبي في الإعلام، ورحمة الله الهندي في إظهار الحق مثلا.
مع أن بعضهم جعل التقسيم إلى فصول، وأدخل تحت كل فصل ما يناسبه كما فعل الترجمان- رحمه الله في تحفة الأريب، وإن كان قد خالف قاعدة المصنفين في التبويب والتقسيم فأدخل تحت الفصل الأخير من كتابه تسعة أبواب، مع أن الباب أشمل من الفصل، ولكن عذره في ذلك صعوبة اللغة العربية وقت تأليفه الكتاب، وقرب تعلمه إياها.
بقي أن أشير في هذا الموضوع إلى أن بعض العلماء جعل الحديث في كتابه
مقسما إلى مقامات، جعل تحت كل مقام ما يناسبه، كما فعل ابن معمر- رحمه الله غير أنه استعمل كلمة" فصل" للفصل بين الموضوعات أو الفقرات تحت المقام. وقد استعمل ابن تيمية طريقة الفصول أيضا في الفصل بين الفقرات والموضوعات.
وإذا كان لكل مؤلف أسلوبه الخاص به، ومنهجه الذي يرتضيه فإن ذلك لا يقلل من شأن كتاب من هذه الكتب، ولا يجعلنا نستغني بأحدها دون البقية، وعلينا أن نستفيد منها جميعا، فإن بعضها مكمل للآخر، ولو اطلع المسلمون اليوم على جميع هذه الأسفار الجليلة في الرد على النصارى لما عجزوا عن دفع الشبه التي يطرحها عباد الصليب والهوى، وأذنابهم في كل حين، بين صفوف المسلمين، ولكانت لدينا القدرة التامة على رد كيدهم في نحورهم، وبيان زيف ما هم عليه من الضلال، ولاستطعنا أن ندعو كثيرا من النصارى اليوم، وكثيرا ممن لم يعرف حقيقة الإسلام للدخول في الدين الحق بعد تعريفهم فساد ما هم عليه، وأن الإسلام وحده هو الحق الصالح لكل زمان ومكان.
وخلاصة القول: إن كتاب الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية، ذو مكانة كبيرة بين الكتب المصنفة في الرد على النصارى، يتضح ذلك جليا مما سبق في منهج صاحبه فيه، ومما تميز به من الدقة والموضوعية وحسن الترتيب، وقوة الحجة، ووضوح المعاني، وسعة العلم والاطلاع، مع عدم التطويل والاستطراد الممل.
ولأضرب مثلا مما اشترك فيه الطوفي مع بعض من رد على النصارى، وذلك بمسألة تعدد الزوجات التي أنكرها النصارى فالخزرجي- رحمه الله يقول
في الرد على النصارى:" وأما استدلالك على باطلنا بما في كتابنا، من نكاح مثنى، وثلاث، ورباع، فحسبي هذا الاستدلال شهيدا على تخلفك، فإن الذي أمرنا الله به من النكاح، وسن لنا من الطلاق، ليس للعاقل انتقاده لأن قبولنا لذلك وما أشبهه، إنما هو بعد ثبوت الأصل.
وإنما الأصل أن نتحقق نبوة الشارع، ونتبين صدق رسالته، بشواهد آياته الباهرة، ومعجزاته الطاهرة.
فإذا أردت النظر في هذه الفروع بانتقاد فهلم أريك عجبا:
ألستم قد اتفقتم معنا على أن نكاح الرجل عمته من سوء الأفعال؟
وهذه" يوكابد" أم موسى، كانت عمة والدة عمران «1» ، وعمران من فضلاء المؤمنين.
وكذلك الجمع بين الأختين بنكاح من مقبحات الشرائع أيضا!
وقد علمت أن اسرائيل جمع بينهما «2» ، فما بال عيناك أبصرتا في كتابنا شيئا، وعميتا عن الأكبر منه في كتابك!.
أما إنك لتراه، ولكن رضاك عن فاعليه، وبصيرتك في أنهما محقان، منعك من انتقاد ما فعلاه.
وكذلك الأمر فيما شرع لي كتابي، وإنما يتقدم النظر في الأصول التي هي آيات صدق الرسول.
(1) انظر خروج 6: 20.
(2)
انظر تكوين 29: 15 - 20.
وأما هذا الذي اعترضت به منكرا، فجهل قد استولى عليك، والله يهديك ويرشدك.
ولو كان الله أمر- كما زعمت- بالاقتداء بآدم في تزوجه بامرأة واحدة فهل علم بذلك إبراهيم؟ وما أراه إلا تزوج وتسرى في وقت واحد «1» .
ولوط- عليه السلام زعمت أنه فتك بابنتيه، فحبلتا منه بموآب، وعمون نستغفر الله من قولكم.
ثم إن إسرائيل قد كان عنده، عدة أزواج، جمع فيها بين الأختين.
وهذا كله منصوص في توراتكم، وكذلك من بعدهم من الأنبياء- عليهم السلام إلى داود وسليمان، فقد علمتم مناكحهم «2» .
وهل اقتصر آدم على واحدة إلا من ضرورة العدم عند بدء خلق البشر! ولهذه الضرورة زوج ابنه ابنته، فيجب بناء على مذهبك الاقتداء به، فينكح الرجل اخته، فأنت القائل لذلك الهذيان، تعيب به من خالف توراة اليهود.
ثم إنك- مع ادعائك الإيمان بها حرفا حرفا- مخالف لها أشنع الخلاف، ماح بعقائدها، مبدل لأحكامها، فمن حلالها نكاح بنت الأخ والأخت وأراكم تأنفون من ذلك مثل ما نحن قد أنفنا منه.
ومن محرماتها الخنزير والدم والجمّل، والشحم وغير ذلك، مما هو مشهور،
(1) انظر سفر التكوين الاصحاح السادس عشر.
(2)
انظر صموئيل الأصحاح 25، الملوك الأول الأصحاح الحادي عشر.
وأنت قد أرسلت عليها ضرسك، ونشرت لها بطنك، إلى غير ذلك من مخالفتك إياها «1» ".
ويقول ابن معمر- رحمه الله: في منحة القريب المجيب:" الجواب، وبالله التوفيق: أن نقول: ما شرعه الله تعالى للمسلمين في عدد الزوجات مطابق للحكمة، فإنه جاء وسطا بين الإكثار منهن المفضي إلى تفويت الحقوق الواجبة لهن، وتحمل الرجل ما لا طاقة لديه به من أعباء حقوق الزوجية، وبين الإقلال الذي قد تفوت معه مصلحة كمال الاستمتاع، وكثرة الأولاد، والتمتع بنعمة الله، التي امتنّ بها على عباده، فأباح تعالى للرجل أن ينكح أربعا إن قدر على القيام بحقوقهن، والعدل فيهن، وأمره بالاقتصار على واحدة إن خاف أن لا يعدل فقال تعالى:
…
فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3)«2» .
والمقصود أن في إباحة العدد من الزوجات حكما عظيمة، ومصالح جمة، فمنها: أن الرجل قد لا تكفيه الواحدة لفضل ما أعطي من القوة على النكاح أو لما يترتب له على التعدد من المصالح المطلوبة، فأبيح له العدد المذكور من الزوجات، وما شاء من السراري، إتماما لنعمة الله عليه، وتحصينا لفرجه، ومنها أنه قد يعرض للمرأة ما يمنع استمتاعه بها من حيض أو نفاس، أو مرض أو غيبتها عنه لعذر، أو سفره عنها، فأبيح له التعدد لتحصيل المصلحة، وإتمام الإحصان، ومنها أن المرأة قد تكون عاقرا لا تحبل، أو يعرض لها ما يقطع الحبل من كبر أو مرض،
(1) مقامع هامات الصلبان" بين الإسلام والمسيحية" ص 320 - 322.
(2)
سورة النساء: 3.
وهو يؤثر امساكها، وأن لا يفارقها، فلو اقتصر عليها فاته الولد، وهو من النعم العظيمة، وفيه تكثير الأمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تزوجوا الودود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم» «1» ومنها: إن في إباحة العدد مصلحة تعود على جنس النساء، فإنهن غالبا أكثر من الرجال، ففي إباحة التعدد من مصلحة إحصانهن، والقيام عليهن، ما يفوت كثير منه لوضع التعدد، وأما ما يحصل للمرأة من مشقة الغيرة بتزويج غيرها، فذلك لا يوازي تلك المصالح، ولا يقارب.
وأيضا فإن للرجال مزيد فضل على النساء بتفضيل الله لهم، وبما أوجب عليهم في أموالهم من الانفاق على النساء، والقيام بهن، فناسب ذلك، وإن قصرت عليه أن يوسع له في قضاء وطره بغيرها إذا أحب ذلك، ولم يقصر عليها.
وأما كون كثرة النساء يزداد فيه الشره في النكاح، فقد قدمنا الكلام على فضيلة النكاح بما أغنى عن إعادته، وما ترتب عليه الزيادة في الفضيلة، فهو فضيلة، ولهذا استكثر النبي صلى الله عليه وسلم منهن، وأبيح له من العدد ما لم يبح للأمة، وقال ابن عباس- رضي الله عنهما خير هذه الأمة أكثرها نساء.
وبالجملة إذا اعتبرت ما شرعه الله تعالى لهذه الأمة في هذا الباب وجدته على أحسن وجوه الحكمة، وأكمل طرائق المصلحة، كما هو كذلك في كل باب فلله الحمد" «2» .
(1) أخرجه أبو داود في النكاح باب (4)، وابن ماجه في أول النكاح، والنسائي في النكاح، باب كراهية تزويج العقيم. وأحمد في المسند (3/ 158، 245) وصححه ابن حبان. [كشف الخفاء 1/ 362].
(2)
منحة القريب المجيب ص: 312 - 314.
أما ما قاله الطوفي في هذه القضية فاقرأه في ص 627 إلى ص 646 من هذا الكتاب لتقارنه بما ذكرت هنا.
أما القضايا والمسائل التي تعرض لها غالب الذين ردوا على النصارى فلا يتسع المقام لذكر نماذج منها، لأن ذلك يطول.
فمثلا قضية الصلب والفداء، ردها الطوفي- رحمه الله فيما يقارب ثلاث عشرة صفحة بموضوعية جيدة، مع أن غيره قد رد على النصارى في هذه القضية بثمان عشرة صفحة، والآخر في خمس صفحات والآخر في ثمان. وغيرهم في أكثر من ذلك. وهكذا.
فرده ليس من التطويل الممل أو الاختصار المخل، إضافة إلى الموضوعية وقوة الأسلوب في الاحتجاج على الخصم، التي تختلف من عالم إلى آخر.
وحسبي فيما أشرت إليه أن تبرز أهمية كتاب الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية، بين الكتب المؤلفة في الرد على النصارى، وسيتحقق ذلك- إن شاء الله- في المباحث التالية. ومن قراءة القارئ للكتاب.
والله من وراء القصد ..
أهمية الكتاب العلمية:
عرفنا مما تقدم في الفصول الماضية منزلة الإمام الطوفي العلمية وآثاره التي كانت دالة لنا على براعته في فنون مختلفة: في أصول الفقه والفقه والحديث واللغة والأدب والجدل وغيرها. بل هذا الكتاب وحده يدل على براعته وقوته العلمية واستقلاله برأيه واعتزازه به دون تكبر أو حب مخالفة وإن كانت له بعض الآراء المخالفة لغيره.
أما كتابه هذا فإن أهميته العلمية تتجلى فيما يأتي:
1 -
غزارة المادة العلمية فيه وكثرة المعلومات التاريخية والعقدية والتفسير والحديث والملل والنحل وغيرها.
2 -
أن هذا الكتاب بلغ الغاية في الرد على الطعون الموجهة إلى أصل الإسلام وهو النبوة فإن النصراني الذي كتب الشبه والطعون إنما وجهها إلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإنكارها والطعن في الوحي الذي أتى به: القرآن والسنة المطهرة. وقل من أجاد في الرد عن هذا فيما اطلعت عليه من الكتب التي تعرضت لهذه القضايا الثلاث. مثال الطوفي- رحمه الله وقد أشرت إلى ذلك فيما مضى.
3 -
أن هذا الكتاب كان ردا على النصارى والفلاسفة ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم وعلى المرتدين عن الإسلام فالنصراني الذي رد عليه الطوفي- رحمه الله بهذا الكتاب يمثل كل هذه الأفكار: يدعي أنه نصراني ويستشهد بالتوراة والإنجيل وكتب النصارى التي بأيديهم ولكنه يكشف النقاب عن فكره في كثير من المواضع بأنه فيلسوف لا يؤمن بدين. ويأتي مرة ثالثة بما يدل على أنه كان
مسلما ثم ارتد عن الإسلام. أو نقل كثيرا مما قاله عن أحد دخل الإسلام ثم ارتد عنه. وهذا يتبين من قراءة كتابه.
4 -
أن النصارى في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم على ثلاث أقسام:
أ- قسم يقرون نبوته صلى الله عليه وسلم في العرب خاصة وهؤلاء قد رد عليهم الإمام ابن تيمية بالجواب الصحيح والإمام القرافي بالأجوبة الفاخرة، وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين.
ب- وقسم ثان يقولون عنه: أنه مصلح إنساني وليس بنبي وهذا القسم وإن كان ينكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنه أخف من القسم الآتي في عناده وتهجمه على الإسلام.
ج- وقسم ثالث أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالكلية ظاهرا وباطنا وعاند في ذلك وقال بأنه مدع للنبوة وليس نبيا. ويحاول الطعن فيما أتى به وانكاره ومن هؤلاء: هذا النصراني الذي رد عليه الطوفي بهذا الكتاب.
لذا أرى أن كتاب الانتصارات الإسلامية من أهم الكتب التي ترد على النصارى لا لأنه للطوفي ولا لأنه بلغ فيه درجة الكمال ولكن لخطورة موضوعه وقوة حجته في الرد على النصارى.
5 -
أن هذا الكتاب يسد ثغرة كبيرة في التصدي للنصارى الضالين في كل عصر من العصور، ونحن في هذا العصر الذي انفتح فيه باب الثقافة الغربية والنصرانية على أبناء المسلمين الجاهلين بإسلامهم والمتلقفين لكل فكرة وشبهة
دون تمحيصها والنظر فيها- أحوج إليه من أي عصر مضى.
كيف والنصارى قد أنشئوا مدارس ومراكز ومعاهد للتنصير والغزو الفكري، وإحياء هذه الشبهات التي كان يرددها أسلافهم من القرون الماضية أيام الحروب الصليبية وقبلها وبعدها.
6 -
أنه كشف عن فساد دين النصارى الذي هم عليه وأنه غير دين المسيح- عليه الصلاة والسلام وأن ما بأيديهم من كتب ليست هي المنزلة على الأنبياء بل هي محرفة مبدلة متناقضة.
ثم إنهم لا يتبعون ما فيها على تحريفها وتبديلها فهم مكذبون بها وضالون عن الحق الذي نزل على الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-.
ولهذه الاعتبارات تزيد الحاجة إلى دراسة هذا الكتاب وتحقيق نصوصه والتعليق عليه بما يسهله الله وتدعو الحاجة إليه.
والله الموفق ..
وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق:
تم تحقيق هذا الكتاب ومقابلة نصه على ثلاث نسخ خطية جعلت لكل واحدة منها رمزا وفيما يلي وصف لها مرتب حسب جودتها وتاريخ نسخها:
1 -
النسخة الأولى:
النسخة المصورة عن المخطوطة الموجودة بمكتبة أحمد الثالث بطوبقبوسراي باستانبول برقم 4863 - 1822، وقد صورتها مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام
محمد بن سعود الإسلامية بالرياض على الفيلم رقم 926.
وهي تامة سليمة من الخرم، وإن كان فيها: بعض الأماكن اليسيرة المطموسة من أثر بلل أصابها، وهي قليلة الأخطاء، والحمد لله.
كتبت بخط النسخ، وخطها جميل واضح للقراءة إلى حد كبير، وميزت فيها أوائل الفقرات بالخط الواضح: مثل" والجواب من وجوه" أو كلمة:" قال أو قلت"، أو" أحدهما"، ونحوها.
يقع كامل النسخة في" 122" لوحة" 244" صفحة في كل صفحة" 21" سطرا، في السطر الواحد متوسط" إحدى عشرة كلمة" كتبها الناسخ علي بن محمد بن علي بن علوان المزي عابر المنامات المعروف بالزعيم «1» . من خط مصنفها، وانتهى من نسخها في السادس من شهر محرم المبارك من سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة، أي في حياة المؤلف، في القاهرة، قبل رحيل الطوفي منها إلى قوص.
وعليها عدة أختام، وعدة تملكات، وبعض التوقيعات، كما يتضح في صورة صفحة العنوان الآتية- إن شاء الله-.
وقد رمزت لهذه النسخة بحرف (أ) من أحمد الثالث، وجعلتها الأصل إلا فيما أراه أصح منها في الأخرى فإني أثبته وأشرت إليه في الهامش.
(1) انظر آخر المخطوط المذكور، وترجمته في الدرر الكامنة 3/ 112. وفيه وفاته سنة 707 هـ، والظاهر أن الرقم فيه تصحيف- والله أعلم-.
2 -
النسخة الثانية:
المصورة من النسخة الخطية، الموجودة في مكتبة كوبريلى زادة محمد باشا، في المكتبة السليمانية في استانبول برقم 795. صورتها مكتبة مخطوطات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض على الفيلم رقم 6685. وهي تامة، قليلة الأخطاء.
كتبت بخط النسخ، وخطها واضح. ميزت أوائل الفقرات بالخط الكبير مثل:، الوجه الأول"، وكلمة:" قال"، أو قلت".
يقطع كامل النسخة في (85) لوحة، أي" 170" صفحة، في الصفحة الواحدة (32) سطرا، وفي السطر الواحد من ثمان إلى تسع كلمات.
كتبها وصححها وعلق في مواضع قليلة منها العالم الفاضل الفقيه الحنبلي حسن بن محمد بن صالح بن محمد بن محمد بن عبد المحسن بن علي، النابلسي «1» ، وانتهى من تعليقها كتابة يوم الثلاثاء باكر النهار، الرابع من ربيع الأول سنة تسع وأربعين وسبعمائة للهجرة، بالمدرسة المنصورية في القاهرة.
وقابلها النابلسي بأصل المصنف الذي بخطه. فهي ذات أهمية كبيرة لما ذكر.
فلا تقل عن الأولى من حيث الصحة، وإن كانت الأولى تتميز بتقدم تاريخ النسخ
(1) ولد في أول القرن الثامن، واشتغل بالعلوم وكتب الخط الحسن، وألف الوميض في ثواب عيادة المريض، وآخر في تحريم الغيبة سنة 729 هـ، وقد شارك في كثير من العلوم، وأخذ عن ابن حيان وغيره، وعلق عنه الذهبي- رحمه الله. توفي النابلسي سنة 772 هـ. (انظر الدرر الكامنة 2/ 36 - 37، وشذرات الذهب 6/ 223، ومعجم المؤلفين 3/ 283 - 284).
في حياة المصنف.
وعلى صفحة العنوان بعض الاختام والتملكات كما يتضح في صورة صفحة العنوان الآتية، وقد رمزت لهذه النسخة بالحرف (م) من اسم محمد باشا.
3 -
النسخة الثالثة:
النسخة المصورة عن المخطوطة الموجودة بمكتبة شهيد علي بالسليمانية في استانبول ضمن مجموع للمؤلف أوله: الجدل في علم الجدل برقم 2315. وهي تامة سليمة من الخرم وهي قليلة الأخطاء والفروق بينها وبين النسختين الأخريين.
كتبت بخط الرقعة وخطها جميل واضح للقراءة، ميزت فيها أوائل الفقرات مثل:«قلت» و «قلنا» و «منها» و «الوجه الأول»
…
إلخ بخط مميز عن بقية الكلام.
يقع كامل النسخة في 131 صفحة في كل صفحة 21 سطرا في السطر الواحد من 13 - 16 كلمة تقريبا.
كتبها الناسخ: محمد بن عبد الواحد البغدادي من نسخة المؤلف. وفرغ منها ومن نسخ المجموع بكرة يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر صفر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة للهجرة.
فهي أيضا ذات أهمية كبيرة لقلة أخطائها وكونها منقولة من النسخة التي بخط المؤلف.
على صفحة العنوان بعض الاختام والتملكات كما يتضح من صورتها. وقد
رمزت لهذه النسخة بالحرف (ش) من «شهيد علي» .
وبعد هذا التعريف الموجز لأصول الكتاب أرى أنها- والحمد لله- مأمونة الخطأ. فالأولى نسخت في حياة المؤلف من نسخته وفي القاهرة التي يسكنها الطوفي آنذاك، وربما قرأها أو وثق من ناسخها، والثانية: نسخها عالم فاضل من نسخة مؤلفها، وصححها وعلق عليها، والثالثة: منسوخة من خط المؤلف ومراجعة على الأصل.
والله الموفق ..
النسخة المطبوعة وأخطاء الدكتور أحمد السقا فيها:
تقدمت بطلب التسجيل في هذا الموضوع:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" للطوفي: دراسة وتحقيق، إلى قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بالرياض فتمت الموافقة والحمد لله على أن الكتاب لم يطبع ولم يحقق بعد، ثم تبين لى بعد ذلك أن الدكتور/ أحمد حجازي السقا قد طبع الكتاب في مصر، فهممت أن أترك الموضوع لهذا السبب ولبعض الأسباب الأخرى
…
غير أني بعد الحصول على الكتاب والاطلاع عليه، عقدت العزم على الاستمرار في هذا البحث وعدم التراجع عنه ومحاولة التغلب على الصعاب الكثيرة التي قابلتني في ذلك. وكان من أسباب هذا العزم والتصميم الأمور التالية:
1 -
أن الدكتور السقا قد أخرج الكتاب على نسخة واحدة وادعى أنها الوحيدة «1»
(1) انظر الهامش ص 33 من كتاب الانتصارات
…
طباعة السقا.
مصورة من مكتبة أحمد الثالث في استانبول، وهي إحدى النسختين اللتين اعتمدتهما أنا في التحقيق. صورها من معهد المخطوطات بالقاهرة، وقد سقط منها أثناء التصوير لوحة من منتصف الكتاب سببت في خرمه والإخلال بالمعنى المراد لما سبقها وعقبها من كلام.
2 -
أن السقا حرف بعض نصوص الكتب التي بأيدي النصارى في كتاب: الانتصارات الإسلامية
…
، ولم ينقلها كما نقلها الطوفي- رحمه الله بألفاظ تراجم عصره، بل أتى الدكتور بألفاظ التراجم العصرية، ولم يشر إلى تصرفه هذا في الهوامش، ولو أنه التزم الأمانة العلمية في نقلها ثم نقل ألفاظ تراجم العصر الحاضر في الهوامش إذا أحوج الأمر لكان أولى.
3 -
استعرضت الربع الأول من الكتاب، وحصرت ما فيه مما يخالف الأصل المخطوط، فوصلت الأخطاء أكثر من سبعة وسبعين خطأ، لم يشر الدكتور في جدول التصويبات إلا إلى اثنين فقط ليسا ذا أهمية بالنسبة للأخطاء الأخرى، ومن الأخطاء ما كان تحريفا لبعض العبارات فهو في أحد المواضع قد غير ثلاثة عشر سطرا من كلام الطوفي- رحمه الله واستبدله بأحد عشر سطرا من عنده، من غير مبرر ولا أشار إلى ذلك «1» .
وفي مواضع أخرى حرفت بعض العبارات تحريفا أخل بالمعنى «2» .
(1) انظر ص 105 من طباعة السقا مقارنة باللوحة رقم 26/ ب من المخطوطة (أ).
(2)
انظر مثلا ص 38 وقارنها باللوحة رقم 2/ ب، وص 52 مقارنة باللوحة رقم 8/ أوص 94 وقارنها باللوحة رقم 21/ ب من المخطوطة المذكورة (أ).
وهذا غير الجمل الساقطة والكلمات المحرفة التي قد يكون السبب فيها سوء الطباعة، أو سهو الناسخ، وإن كان ذلك كثيرا.
4 -
غير كثيرا من الأسماء الواردة في تراجم كتب النصارى في عصر الطوفي، واستبدلها بما في التراجم الحديثة مثل:" لابن" جعله" لابان" و" ليا" جعلها:" ليئة" و" سرجس"، جعله:" جرجس" أو" جرجيس" و" يوذا" جعله:" يهوذا". مع أنها قد ترد بألفاظ متعددة حسب ترجمة نصوص أهل الكتاب.
5 -
تصرف في عنوان الكتاب، مع وضوحه على صفحة عنوان المخطوط. وقد جعله:" الانتصارات الإسلامية في علم مقارنة الأديان" والصحيح هو ما سبق إثباته:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية"
ثم إنه لا مقارنة بين الدين الصحيح المنزل من السماء، والأديان المفتراة المحرفة بأيدي البشر.
6 -
لم يخرج الأحاديث النبوية الواردة في الكتاب ويبين درجتها من الصحة والضعف.
7 -
لم يعرف الأعلام والأماكن والطوائف أو يشرح الألفاظ الغريبة الواردة في الكتاب لعدم اعتداده بها كما سيأتي.
كل هذه الأمور تعارض الأمانة العلمية، وتنقص العمل في الدراسة والتحقيق.
ولم تكن هذه الأمور التي تؤخذ على طباعة السقا للكتاب فحسب ولكن هناك أمورا أخرى يلزم أن أشير إليها بإيجاز وهي:
1 -
إنكاره لكثير من أحاديث السنة، فهو يصرح برد الحديث النبوي سواء كان آحادا أو متواترا إذا لم يكن مفسرا للقرآن، بل يتضح من كلامه في مقدمته أنه يرى الاكتفاء بالقرآن وحده، وإبطال العمل بالسنة المطهرة. ولذلك فهو ينال من المحدثين ويتهمهم بأنهم فيما جمعوا من السنة كاذبون «1» .
2 -
دافع السقا عن المعتزلة وآراءهم وأفكارهم المنحرفة في المقدمة وعند ما تعرض الطوفي لهم وناقشهم في بعض المسائل «2» . كان السقا ينال من السلف الصالح- رحمهم الله تعقيبا على كلام الطوفي «3» .
3 -
أنكر كثيرا من الأمور التي ثبتت بالقرآن والسنة: كرؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة «4» ، والاستواء «5» ، والسحر «6» ، وعذاب القبر ونعيمه «7» ، ومجيء الدجال، وظهور المهدي، وأخبار مجيئها، وأشراط الساعة «8» ، ونسخ القرآن
(1) انظر مثلا ص 6، 7، 8، 22، وهامش ص 146، وهوامش الصفحات: 75، 114، 151، 208، 296، 310، 312، 339، من طباعة السقا للانتصارات الإسلامية.
(2)
انظر المصدر السابق ص 32، وهامش ص، 182.
(3)
انظر هامش ص 182 من السابق.
(4)
انظر السابق هامش ص 202، وهامش ص 279.
(5)
انظر السابق هامش ص 164، 165.
(6)
انظر السابق هامش ص 138، 146، 197.
(7)
انظر السابق هوامش الصفحات: 189، 192، 201.
(8)
انظر السابق هوامش الصفحات: 196، 211، 214.
بالقرآن، أو السنة بالسنة «1» ، والمعجزات غير القرآن «2» ، والشفاعة «3» ورفع المسيح بجسده، مستدلا بما في أيدى أهل الكتاب على ذلك «4» .
وأنكر رجم المحصن بحجة أنه قسوة «5» .
كما أنكر مفاخر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وما كان مختصا به وزائدا على الأنبياء «6» ، وأخضع بعض نصوص القرآن لما ورد في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب.
وعلى العموم فهو يوافق المعتزلة والشيعة في كثير من الأمور كالقول بخلق القرآن «7» ، وأن العبد يخلق فعله «8» ، وغير ذلك.
هذه أهم الأمور التي جعلتني أقتنع بمواصلة إخراج هذا الكتاب وتصحيحه وتخريج نصوصه، والتعليق عليه، وإكمال ما يحتاج إلى إكمال والاستدراك في محله، بالإضافة إلى ما سبق في هذه الدراسة وهذا في نظري أمر ليس باليسير،
(1) انظر السابق هامش ص 299.
(2)
انظر السابق هامش ص: 226.
(3)
انظر السابق هامش ص: 308.
(4)
انظر السابق هامش ص: 103.
(5)
انظر السابق هامش ص 301.
(6)
انظر السابق هامش ص 308.
(7)
انظر السابق هامش ص 238 - 240.
(8)
انظر السابق هوامش الصفحات: 170، 172، 177، 181.
لأن إخراج الكتب الإسلامية بهذه الصورة أمانة كبيرة يجب الاهتمام بها من كل باحث أراد إخراج شيء من كتب السلف والعلماء السابقين فعسى الله أن يوفقني وإخواني طلبة العلم لنقوم بهذه المهمة العظيمة دون تقصير أو خطأ.
على أنني لا أدعي لنفسي في هذا البحث العصمة من الزلل فكلنا خطاء وخير الخطائين التوابون.
وأستغفر الله وأتوب إليه .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
( CS)
صفحة العنوان من نسخة أحمد الثالث
( CS) أول نسخة أحمد الثالث
( CS) آخر نسخة أحمد الثالث
( CS) صفحة العنوان من نسخة محمد سليمان باشا
( CS) أول نسخة محمد سليمان باشا
( CS) آخر نسخة محمد سليمان باشا
( CS) تكملة آخر نسخة محمد سليمان باشا
( CS) أول نسخة شهيد علي
( CS) آخر نسخة شهيد علي