الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطابقته للسؤال. وقد ثبت أن سؤاله كان عن الآية، فيكون الجواب بها. وزيادة العقوبة/ إن ثبت وسلمناه لا ينافي ذلك، لأن الجواب يجوز أن يتضمن زيادة عما في السؤال، كما في قوله تعالى: وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ ..
هذا طبق السؤال، وقوله: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18)«1» هذا زيادة عليه.
وقوله- عليه السلام حين سئل:" أنتوضأ بماء البحر؟ " فقال: (هو الطهور ماؤه)«2» هذا طبق السؤال. وقوله:" الحل ميتته" زيادة عليه ويكون وجه الجمع بين الآية والعلامة: إما بما ذكرناه من قبل وهو أن ثلاثة الأيام سويا من غير خرس علامة، وباقيها أخرس عقوبة، أو بأن مطلق السكوت علامة، وامتداده إلى حين الوضع عقوبة. والله أعلم.
[رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له]
قال:" ومن ذلك قوله في سورة يوسف: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ
…
(100) إلى قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً
…
(100)«3» وتقرير السؤال من وجهين:
(1) سورة طه، آية: 17 - 18.
(2)
الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(هو الطهور ماؤه الحل ميتته) وأخرجه الترمذي في (الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في (المياه باب الوضوء بماء البحر)، وابن ماجه في (الطهارة باب الوضوء بماء البحر)، والحاكم في المستدرك (1/ 141) وصححه.
(3)
سورة يوسف، آية:100.
أحدهما: أنه أخبر أن أبوي يوسف حضرا عنده ذلك الوقت، وقد ثبت في التوراة: أن راحيل أم يوسف ماتت في نفاسها ببنيامين ودفنت ببيت لحم «1» . قبل أن يطرأ ليوسف ما طرأ «2» .
والثاني: أنه ذكر أنهم سجدوا ليوسف، ولم يذكر في التوراة. غير أن يعقوب لما رأى يوسف فتح ذراعيه، وعانقه باكيا «3» ".
قلت: والجواب عن الأول من وجوه:
أحدها: الجواب العام، وهو: عدم الوثوق بالتوراة، وقد بينت في التعليق عليها «4» من التناقض والتهافت ما تبين لكل عاقل أنها مما لا يعتمد عليه.
(1) بيت لحم، أو بيت لخم، بالمهملة أو المعجمة. وقيل فيه لغتان. وهي بليد قرب بيت المقدس اشتهر أن عيسى- عليه السلام ولد فيها. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 238].
(2)
ذكرت القصة في سفر التكوين الأصحاح الخامس والثلاثين. والأصحاح الثامن والأربعين.
(3)
والنص في ترجمة 1979 م، في سفر التكوين في الأصحاح السادس والأربعين" ولما ظهر له وقع على عنقه وبكى على عنقه زمانا" اهـ.
(4)
علق على التوراة في النصف الثاني من كتابه" تعاليق على الأناجيل" ومن تناقضها وما يدل على وقوع التحريف فيها وتغيير وتبديل اليهود والنصارى لها قولهم فيما يسمونه: سفر الخليفة أو التكوين" وقال الله نخلق بشرا على شبهنا وقد رسمنا فضله ليكون كصورتنا ومثالنا وأسلطه على سمك البحار وطير السماء" إلى أن قال:" وخلق الله آدم بصورته صورة الله. خلقه ذكرا وأنثى خلقهما الله وبارك عليهما".
قلت: فالله خلق آدم على صورة الله أو على صورة الرحمن. وهذا من إضافة المخلوق إلى خالقه فالصورة خلق الله تعالى
…
وليست المشكلة في هذا ولكن قولهم:" ومثالنا" و" وشبهنا" يدل على أن آدم إله مساو لله تعالى. وهذا تنقص بالله تعالى، لأنه يلزم من ذلك أن يكون له شريك في الإلهية والربوبية والأسماء والصفات والأفعال يزاحمه وهذا محال كما قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [سورة المؤمنون: 91].
الثاني: أني تأملت هذا الحكم في التوراة على جهة التفصيل فوجدته مختلفا مشتبها جدا وذلك أنه ذكر فيها أن راحيل أم يوسف ماتت على طريق بيت لحم عند قدوم يعقوب من عند خاله" لابن" وذلك قبل أن يرى يوسف الرؤيا بمدة «1» ، وذكر فيها: أن يعقوب بعد اجتماعه/ بيوسف بمصر «2» قال له:" وإني حين/ أقبلت من فدان «3» آرام- يعني قدومه من عند خاله" لابن" من حوران «4» - ماتت راحيل أمك في أرض كنعان «5» فقبرتها في بيت لحم «6» " فهذان نصان يقتضيان: أن أم يوسف ماتت قبل أن يرى الرؤيا، وذكر فيها: أن يوسف لما جاءه
(1) انظر الأصحاح الثامن والأربعين من سفر التكوين.
(2)
مصر: البلد المعروف سميت باسم من أحدثها وهو مصر بن مصرايم بن حام بن نوح، فتحها عمرو بن العاص رضي الله عنه [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1277].
(3)
في النسخ الثلاث: فدن، بدون ألف بعد الدال المهملة. والصحيح فدان. كما في مراصد الاطلاع 3/ 1020، وفي التراجم الحديثة للكتاب المقدس (سفر التكوين الأصحاح الثامن والأربعين). وهي قرية من أعمال حران بالجزيرة.
(4)
حوران: بفتح أوله: كورة واسعة من أعمال دمشق في القبلة، ذات قرى كثيرة ومزارع يقول فيها امرؤ القيس:
ولما بدت حوران والآل دونها نظرت فلم تنظر بعينك منظرا [انظر مراصد الاطلاع وهامشه 1/ 435]
(5)
أرض كنعان: موضع من أرض الشام وهو منازل الكنعانيين نسبة إلى كنعان بن حام بن نوح، كان منزل يعقوب عليه السلام في قرية لها" سيلون" من بلاد كنعان، ويقال إن اسم المكان الذي كان فيه" بدا" وإياه عني جميل بقوله:
وأنت الذي حببت شعبا إلى بدا إلى وأوطاني بلاد سواهما. وببلاد كنعان الجب الذي ألقي فيه يوسف عليه السلام. [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1182، وتفسير الشوكاني 3/ 56].
(6)
انظر سفر التكوين الأصحاح الثامن والأربعين.
إخوته يطلبون الميرة «1» ، فعرفهم وهم له منكرون، اتهمهم بالجاسوسية وجعل ذلك ذريعة إلى سؤالهم عن عدتهم، حتى انتهى إلى ذكر" بنيامين" فقال: ائتوني به لأعلم صدقكم، فرجعوا إلى أبيهم فقالوا: أرسل معنا بنيامين، فقال لهم يعقوب:
" إن أخاه قد مات ولم يبق لأمه غيره ولعله تصيبه في الطريق"«2» .
وظاهر هذا: أن أمه الآن حيه، وأنه خاف على وجع قلبها وقلبه لفقده وكذلك ذكر فيها: أن إخوة يوسف قالوا له حين سألهم عن عدتم «3» :" إن لنا أبا شيخا، وله ابن صغير، وهو ابن كبره، ومات أخوه، وهو واحد لا غير لأمه وأبيه، وأبوه يحبه «4» ".
وهذا قاطع في أن أم" بنيامين" حية إلى الآن «5» - وهي أم يوسف- وهذا تهافت في التوراة «6» كما تراه. فمن احتج بالنص الأول على موتها قبل هذا الحال
(1) الميرة: الطعام يمتاره الإنسان: أي يجلبه للبيع أو للاقتيات. والمور: الحركة ذهابا ومجيئا. فهم يذهبون لطلب الميرة" الطعام" ويجيئون قال تعالى: ولَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا ونَمِيرُ أَهْلَنا ونَحْفَظُ أَخانا ونَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ [يوسف: 65] وانظر في معنى الميرة: [لسان العرب 5/ 188، ومنال الطالب ص 139، 409، 454].
(2)
النص في سفر التكوين آخر الأصحاح الثاني والأربعين، ولم تذكر الأم في التراجم الحديثة، مع أنها ذكرت في النص التالي بعده.
(3)
في (أ)، (ش): عددهم.
(4)
انظر سفر التكوين الأصحاح الرابع والأربعين.
(5)
أي إلى وقت القصة.
(6)
التي بأيديهم لا المنزلة.
احتججنا عليه بهذا القاطع «1» أنها باقية إلى هذا الحال. ونؤكده بقول يعقوب ليوسف حين قال: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4)«2» فزجره يعقوب وقال له:" ما هذه الرؤيا التي رأيت؟ أجئ أنا وأمك وإخوتك فنسجد لك على الأرض"/ «3» .
فنقول: إن كانت أم يوسف التي ولدته حية الآن فهو يناقض ما في التوراة من أنها ماتت قبل ذلك ودفنت ببيت لحم. وإذا وقع التناقض فيها سقط الاحتجاج بها «4» ، وليس للخصم مستند في ذلك غيرها، وإن كانت قد ماتت فقد سمى يعقوب ليوسف بعد أمه أما، فتلك هي التي سجدت له مع يعقوب عند تأويل الرؤيا، سواء كانت هي والدته، أحياها الله حينئذ تصديقا/ لرؤياه «5» ، كما قال
(1) عند اليهود والنصارى.
(2)
سورة يوسف، آية:4. وقول التوراة غير هذا.
(3)
نص التراجم الحديثة:"
…
فقال إني قد حلمت حلما أيضا وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدة لي. وقصه على أبيه وعلى إخوته. فانتهره أبوه وقال له ما هذا الحلم الذي حلمت هل نأتي أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك إلى الأرض
…
" الخ.
[سفر التكوين الأصحاح السابع والثلاثين].
(4)
بها: ليست في (أ).
(5)
ذكر هذا القول الشوكاني في تفسيره (3/ 52) ولم يعزه للحسن البصري، وفي زاد المسير (4/ 288) أن الحسن قال إنها أمه. قلت: ولم يرد عن موتها شيء.
الحسن البصري «1» ، أو كانت خالته وسميت أما مجازا، كما قال بعض المفسرين «2» .
وكما قد ثبت في الإنجيل: أنهم كانوا يسمون مريم ويوسف: أبوي المسيح، في غير موضع، وقالت له مريم لما تخلف عنها في أوراشليم «3»:" يا بني لم تخلفت عنا وتركتني وأباك نطوف عليك «4» "؟ فكما سمى يوسف أبا المسيح لكونه زوج أمه مجازا «5» ، فكذا سميت زوجة يعقوب أما ليوسف مجازا،
(1) التابعي الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وأمه مولاة لأم سلمة أم المؤمنين. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، نشأ بوادي القرى، وحضر الجمعة مع عثمان- رضي الله عنه وسمعه يخطب، وشهد يوم الدار، وله يومئذ أربع عشرة سنة، خرجت به أم سلمة، وهو رضيع إلى الصحابة، ومنهم عمر فدعا له، وقال:" اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس" توفي- رحمه الله عشية يوم خميس من أول رجب سنة عشر ومائة.
[انظر سير أعلام النبلاء 4/ 563 - 588].
(2)
كابن عباس وقتادة والسدي. [انظر تفسير الطبري 12/ 152، 13/ 67، وتفسير القرطبي 9/ 121، وزاد المسير 4/ 180]. قلت: ولا لزوم إلى هذا التكلف من المفسرين في هل هي أمه أو خالته، فالآية واضحة لا تحتاج إلى مراعاة ما عند أهل الكتاب من أنها خالته. فهم محرفون للكلم عن مواضعه، ثم قد ورد في كتبهم مرة أنها أمه وأنها حية وأخرى أنها خالته وأن أمه ماتت. أما قول بعض المفسرين إن الله أحيا له أمه حين قدومهم إلى مصر، فهو قول من غير دليل، ولا برهان عليه. وإن كانت قدرة الله أكبر من هذا.
(3)
وتروى:" شلّم" ويقال: أوريشلم، وهو اسم بيت المقدس بالعبرانية.
[انظر مراصد الاطلاع 1/ 131، 2/ 809].
(4)
انجيل لوقا الأصحاح الثاني. والنص في التراجم الحديثة:" وقالت له أمه يا بني لماذا فعلت بنا هكذا هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين".
(5)
قصة ولادة المسيح وتزوج مريم عند النصارى في أول إنجيل متى. وليس في هذا مجاز فإن النصارى بهذا يوافقون اليهود في أن المسيح ابن يوسف النجار زنا. لعنهم الله أنى يؤفكون.
خصوصا وكانت زوجة أبيه أخت أمه نسبا وهي" ليا/ بنت لابن" فقرب المجاز وزال الإشكال. والله أعلم بالصواب.
الثالث: أن المراد بأبويه: أبوه وخالته، والعرب تسمي الخالة أما، والعم أبا كما روى أبو إسحاق «1» عن البراء «2» عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الخالة بمنزلة الأم» رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح «3» . وعن ابن عمر «4» : أن رجلا قال:
(1) هو الهمداني كما صرح به الترمذي: عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد. وقيل: عمرو بن عبد الله ابن علي شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها ينسب السّبيعي. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان- رضي الله عنه ورأى عليا يخطب وروى عن معاوية وعدي بن حاتم وابن عباس والبراء، وغيرهم. وكان أعلم التابعين بحديث علي وابن مسعود- رضي الله عنهما توفي- رحمه الله سنة سبع وعشرين ومائة. يوم دخل الضحاك بن قيس غالبا على الكوفة. [انظر سير أعلام النبلاء 5/ 392 - 401].
(2)
أبو عمارة البراء بن عازب بن حارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة الخزرجي الأنصاري قيل إنه ممن استصغر يوم بدر وقيل يوم أحد، وقيل أول غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم الخندق- والله أعلم بالصواب- وشهد- رضي الله عنه مع علي الجمل وصفين، والنهروان، ثم نزل الكوفة ومات بها أيام مصعب بن الزبير- رحمه الله تعالى-.
[انظر الاستيعاب 1/ 155 - 157].
(3)
" الخالة بمنزلة الأم" أخرجه البخاري عن البراء في قصة الحديبية في كتاب المغازي، باب عمرة القضاء، وفي كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان
…
الخ.
والترمذي في كتاب البر والصلة باب ما جاء في بر الخالة وقال:" وفي الحديث قصة طويلة، وهذا حديث صحيح" اهـ. وأبو داود عن علي- رضي الله عنه في كتاب الطلاق باب من أحق بالولد، والدارمي في" كتاب الفرائض، باب ميراث ذي الأرحام" عن عبد الله.
(4)
عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي ولد سنة ثلاث من البعثة النبوية، وأسلم مع أبيه وهاجر وهو ابن عشر سنين وعرض يوم بدر وعمره ثلاث عشرة سنة فاستصغره رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده وعرض يوم أحد وعمره أربع عشرة فرده النبي صلى الله عليه وسلم وعرض يوم الخندق وعمره خمس-
يا رسول الله إني أصبت ذنبا عظيما، فهل لي من توبة؟ قال: (هل لك من أم؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم. قال: «فبرها» . أخرجه الترمذي أيضا «1» .
وقال الله تعالى حكاية عن بني يعقوب أنهم قالوا له: نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً «2» فسموا إسماعيل أباه، وإنما هو عمه، وتكملة هذا الوجه قد سبق في الذي قبله.
الرابع: ما ذكره الحسن وهو أن الله- سبحانه- أحيا راحيل أم يوسف حتى سجدت له تحقيقا لرؤياه.
وقول القائل:" إن هذا ونحوه لم يذكر في التوراة": جهالة، وضيق عطن «3» في العلم، فإن التوراة التي عندكم- إن صح أنها التي جاء بها موسى-
- عشرة سنة فقبله النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أكثر الصحابة رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام من الليل إلا قليلا. قال عنه جابر- رضي الله عنه:" ما منا من أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها غير عبد الله بن عمر" اشتهر بعلمه وجهاده في سبيل الله. وهو آخر من توفي من الصحابة بمكة سنة ثلاث وسبعين للهجرة في أصح الأقوال. (انظر سير أعلام النبلاء 3/ 203 - 329، والإصابة 2/ 347 - 350، وطبقات ابن سعد 4/ 142 - 188).
(1)
في كتاب: البر والصلة، باب ما جاء في بر الخالة، وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك (كتاب البر والصلة 4/ 155) وقال:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
وأخرجه أحمد في المسند (2/ 14).
(2)
سورة البقرة، الآية رقم:133.
(3)
ضيق عطن: يقال واسع العطن: أي واسع الصبر والحيلة عند الشدائد، سخي كثير المال. وضده ضيق العطن. [المعجم الوسيط 2/ 609]. أو يقال: رجل رحب العطن أي رحب الذراع كثير المال واسع الرحل، والعطن. [لسان العرب 13/ 287]، فيكون ضيق العطن ضد ذلك. ويأتي العطن بمعان أخرى.
فهو جزء «1» يسير من علم الله، وتضمنت يسيرا مما جرى للقوم، وقد جرى لهم جزئيات وتفاصيل لم تذكر، فلعل هذا منها. والله- سبحانه- يفضل من شاء على من شاء في العلم والجسم والمال والعقل وغير ذلك «2» . فما المانع أن يكون/ الله- سبحانه- اختص محمدا من العلم بما لم يخصكم «3» كما خصه باذلالكم وإرغام أنوفكم، وأخذ الجزية منكم، نحو ثمانمائة سنة «4» .
والجواب عن الثاني- وهو سجودهم له- من وجوه:
أحدها: هذا بعينه، وهو أن في القرآن زيادة علم لم تبلغكم، تخصيصا من الله لغيركم عليكم.
الثاني: أن السجود المذكور في القرآن ليس المراد به وضع الجباه على الأرض بل هو الإيماء بالرءوس، والانحناء على جهة التعظيم، وكانت تلك تحية الملوك عندهم، فلعله لخفاء صورته وعدم ظهور تأثيره في هيئة الإنسان الانتصابية «5» لم يذكر في التوراة اعتبارا/ بصورته، وذكر في القرآن اعتبارا بمعناه، وهو التعظيم «6» .
(1) في (أ): فهو حرف.
(2)
قال الله تعالى: وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ والْجِسْمِ واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [سورة البقرة: 247].
(3)
في (م): يختصكم.
(4)
هكذا في النسخ الثلاث والصحيح: أكثر من سبعمائة سنة.
(5)
كلمة" الانتصابية" غير واضحة في (أ).
(6)
انظر تفسير الطبري 13/ 68 - 69، وتفسير القرطبي 9/ 265.
على أنه قد صرح في التوراة «1» بأن إخوة يوسف لما عرفهم وهم له منكرون" خروا له سجدا".
ثم لما «2» عادوا المرة الثانية" خروا له سجدا"«3» ، وأن يوسف لما جاء بابنيه" ميشا"«4» و" أفرايم" إلى يعقوب ليبرّك عليهما، سجدا له «5» .
وأن" إبراهيم" لما اشترى مغارة" عفرون"«6» ليجعلها مقبرة لسارة، فقالوا له:
(1) انظر سفر التكوين الأصحاح الثاني والأربعين، والنص في التراجم الحديثة:" فأتى إخوة يوسف وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض" اهـ.
(2)
" لما" سقطت من (م).
(3)
انظر سفر التكوين الأصحاح الثالث والأربعين.
(4)
" ميشا" هكذا في النسخ الثلاث وفي ترجمة سنة 1979 م: منسّ.
(5)
انظر سفر التكوين الأصحاح الثامن والأربعين. قلت: والصواب أن السجود كان جائزا في شريعتهم ثم نسخ في شريعتنا، لأنه ليس في النص قرينة تصرفه عن المعنى الحقيقي- والله أعلم ومما ورد في شريعتنا من النهي عن السجود لغير الله، ما أخرجه أبو داود عن قيس بن سعد قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له، قال:
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، قال:«أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له» ؟ قال: قلت: لا، قال:«فلا تفعلوا لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق» وأخرج الترمذي في الرضاع باب حق الزوج على المرأة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» وفي مسند أحمد وسنن النسائي نصوص أخرى غير هذه.
(6)
هي قرية من قرى فلسطين قرب بيت المقدس يقال إن فيها قبر إبراهيم- عليه السلام واسمها حبرون. واسمها الآن الخليل. واسم مالكها قبل ذلك عفرون.
[انظر مراصد الاطلاع 1/ 376].
قد وهبناها لك، خر لهم ساجدا «1» على جهة الشكر حيث ياسروه ولم/ يعاسروه. وسألهم أن يأخذوا منه ثمنها. فقد كان السجود عندهم سهلا متعارفا في هذه المواطن اليسيرة الخطب، وهو من ملة أبيهم إبراهيم «2» .
وفي التوراة:" أن يعقوب لما التقى بأخيه العيص سجد له «3» بالأرض سبع مرات"«4» ، فما ظنك بحال الدخول على يوسف من قوم متشوقين إليه، وخجلين منه بعد سنين متطاولة، فإن العقول تجزم بأن هذا المقام أولى بالسجود من كل مقام، خصوصا لشخص قد أحياهم الله به، وقد غمرهم بإحسانه بعد أن بالغوا في الإساءة إليه.
ففي السجود له فوائد «5» .
منها: إقامة رسم الملك بفعل تحيته «6» .
والثانية: التوصل إلى إزالة ما في نفسه.
(1) انظر سفر التكوين الأصحاح الثالث والعشرين.
(2)
قلت: هذا ادعاء وزعم منهم أنه حصل منه هذا، وأنهم على ملته لا أن ذلك صدقا. فالله أعلم بالصواب.
(3)
في (أ): أسجد له بالأرض.
(4)
سفر التكوين الأصحاح الثالث والثلاثين.
(5)
هذا إذا كان على سبيل الخلق كما في شريعتهم المنسوخة لا العبادة وعلى سبيل التنزل منا بصحة ذلك في شرائعهم.
(6)
روى ابن جرير الطبري في تفسيره (13/ 68) عن قتادة:" وكانت- أي السجود- تحية من قبلكم كان بها يحي بعضهم بعضا، فأعطى الله هذه الأمة: السلام تحية أهل الجنة، كرامة من الله تبارك وتعالى عجلها لهم، ونعمة منه" اهـ.
والثالثة: إظهار المحبة ليوسف والطاعة له ليرضى/ عنهم يعقوب، ويطيب قلبه بتصافيهم.
الرابعة: مكافأته على بعض إحسانه.
الخامسة: تصحيح رؤياه، فإن" رؤيا الأنبياء وحي «1» ".
الثالث: أنه ذكر في التوراة «2» أن يوسف لما قص رؤياه على يعقوب زجره لما قصها، وقال له:" ما هذه الرؤيا التي رأيت؟ أجيء أنا وأمك وإخوتك فنسجد لك على الأرض؟ " وكان يعقوب قد وعى معنى الرؤيا.
قلت: وإنما أراد أن يصد عنه كيد إخوته له باستبعاده ذلك وإنكاره «3» .
قلت: فهذا يعقوب قد فهم أن تأويل رؤيا يوسف: سجود إخوته وأبويه له.
وقد ثبت أن الرؤيا صحت، فكذا تأويلها، خصوصا والرؤيا رؤيا نبي، والتأويل تأويل نبي ورؤيا الأنبياء وحي، وتأويلهم إلهام.
وأيضا: فإن في التوراة «4» أن يوسف رأى رؤيا أخرى وهي أنه رأى أنه وإخوته جمعوا حزما في المزرعة، وقد قامت حزمته، وجاءت حزم إخوته، فسجدت لها. وهذا يدل على سجودهم له، لما التقوا لأن الرؤيتين دلتا على حكم واحد، وهو السجود.
(1) طرف من حديث أخرجه البخاري في الوضوء، باب التخفيف في الوضوء وفي الأذان باب وضوء الصبيان وهو من قول عبيد بن عمير رضي الله عنه قال هذا:" إن رؤيا الأنبياء وحي" ثم قرأ: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ الآية (102) من سورة الصافات.
(2)
في سفر التكوين الأصحاح السابع والثلاثين.
(3)
في (ش) كيد اخوته وأبوه له وقد ثبت أن الرؤيا صحت.
(4)
في سفر التكوين الأصحاح السابع والثلاثين.
الرابع: أنه يجوز حمل ما في القرآن على أن قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ «1» جملة. وقوله: وخَرُّوا جملة مختص ضميرها بإخوة يوسف لم يتناول أبويه، فيكون ذلك موافقا لرؤيا الحزم، فإنها إنما تضمنت ما يدل على سجود الإخوة فقط دون أبويه، ويصير هذا قريبا جدا «2» لأن إخوته سجدوا له قبل ذلك مرتين بنص التوراة، وهذه تكون ثالثة ووقتها أولى بالسجود من غيره على ما سبق وإنما ترك ذكره في التوراة اكتفاء عنه بالمرتين الأوليين، وتنبيها عليه بطريق أولى.
قلت: وفي ورود/ القرآن برؤيا النجوم دون رؤيا الحزم أقوى دليل على صدق محمد- عليه السلام وأن القرآن وحي من الله، وأنه إنما أخبر بما أوحى إليه، وإلا فلو كان ينقل ذلك من كتب/ الأولين لتتبعها/ ولظفر برؤيا الحزم، ولذكرها خشية أن يطعن عليه بالنقص والزيادة فاعلم ذلك.
(1) سورة يوسف، الآية رقم:100.
(2)
وذكر الرازي في كتابه" عصمة الأنبياء" ص 84، تفسيرا آخر وهو:" المعنى: خروا لأجله سجدا لله". وقال القرطبي في تفسيره (9/ 264):" الهاء في قوله (خروا له) قيل: إنها تعود على الله تعالى، المعنى وخروا شكرا لله سجدا، ويوسف كالقبلة لتحقيق رؤياه، وروي عن الحسن" اهـ.
ولكن رد بعض المفسرين على هذا القول بأن الهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أول السورة: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ وأن هذا كان تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف.
قلت: تعبيرهم" بالوضيع للشريف" هضم لحق نبي الله يعقوب- عليه السلام فليس وضيعا، وإنما نقول كانت تلك تحيتهم كما تقدم.