المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء] - الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌أولا: المقدمة

- ‌المقدمة

- ‌ثانيا: قسم الدراسة

- ‌الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي:

- ‌الفصل الثاني: حياة الطوفي

- ‌ثالثا: التحقيق

- ‌الخطبة

- ‌ المقدمات ثلاث:

- ‌[المقدمة الأولى: سد باب الاستدلال بكتب أهل الكتاب]

- ‌[المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع]

- ‌[المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول]

- ‌[المتنبئون الكذبة والتحذير منهم]

- ‌[حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها]

- ‌[فوائد النبوات ومنفعتها]

- ‌[النبي وشروطه]

- ‌[موقف النصارى من النكاح]

- ‌[فوائد النكاح وفضيلته]

- ‌[الأنبياء والنكاح]

- ‌[ظهور المعجز على يد النبي]

- ‌[موافقة ما يأتي به النبي للفطرة]

- ‌[موقف عتاة النصارى من نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]

- ‌[امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم]

- ‌[المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم]

- ‌[الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أُخْتَ هارُونَ

- ‌[رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام]

- ‌[رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له]

- ‌[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج]

- ‌[تناقض كتب النصارى التي بأيديهم]

- ‌[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام]

- ‌[أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك]

- ‌[البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل]

- ‌[أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك]

- ‌[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء]

- ‌[تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك]

- ‌[بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام]

- ‌[الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين]

- ‌[تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك]

- ‌[الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه]

- ‌[القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك]

- ‌[كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك]

- ‌[عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه]

- ‌[الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره]

- ‌[الإسراء والمعراج]

- ‌[الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه]

- ‌[رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة]

- ‌[البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك]

- ‌[الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام]

- ‌[مكان دفن الأنبياء]

الفصل: ‌[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء]

[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء]

وقوله: خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ «1» وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ

(30)«2» قد سبق وجه المراد منهما. فحصل من ذلك: أنه لا تناقض في هذه الآيات ولا كذب.

وأما قوله:" هذا تناقض والكذب لازم في إحدى القضيتين" فهذا قول من لا يعلم ما التناقض؟ ولا ما الكذب؟ فإن التناقض هو تقابل القضيتين بالسلب والإيجاب مع اتفاقهما في الجزء والكل والقوة والفعل والشرط والزمان والمكان والإضافة، ومتى اختل شيء من ذلك أمكن الجمع ولم يلزم التناقض، وأين اتفاق هذه الآيات كلها في هذه الأمور. والله أعلم.

قال:" وفي سورة الحج «3» : وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52).

وذكر ما/ حكاه ابن عطية وغيره «4» في التفسير من أن النبي- عليه السلام

(1) سورة النور، آية:45.

(2)

سورة الأنبياء، آية:30.

(3)

الآية رقم: 52.

(4)

كالطبري فقد ذكر القصة بعدد من الأسانيد مرسلة إلا واحد في اتصاله كلام: [انظر تفسير الطبري 17/ 186 - 189، وتفسير القرطبي 12/ 80، وله عليها كلام سنذكره قريبا- إن شاء الله-، وتفسير ابن كثير 3/ 229].

ص: 393

كان يتمنى أن يتبعه قومه ويؤثر هدايتهم، فلكثرة تمنيه ذلك ألقى الشيطان على لسانه في تلاوة سورة النجم حين قال:" ومناة الثالثة الأخرى: تلك الغرانيق العلى إن شفاعتهم لترتجى" ففرح المشركون وقالوا: قد ذكر آلهتنا بخير فلانوا له وكفوا عن أذاه وأذى أصحابه، فاتصل بمهاجرة الحبشة/- الهجرة الأولى- إن قريشا أسلمت، فجاءوا فوجدوا ما ألقاه الشيطان قد نسخ وعادت قريش إلى غلظها وشقاقها، فعاد الذين جاءوا من الحبشة إليها. وذلك سبب الهجرة الثانية.

ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن ما كان قاله من مدح الأصنام من إلقاء الشيطان اغتم لذلك فأنزل الله- سبحانه- تسلية له: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ

(52)«1» الآية.

قال: فتضمنت هذه القصة باطلين:

أحدهما: الافتراء على الرسل في وصفهم بهذه المثلبة «2» من أن الشيطان تلبس عليهم في وحي الله- سبحانه- بما يقع به الغواية والإضلال للناس وحاشا الأنبياء من أن يكون للشيطان عليهم سلطان، خصوصا في تخليط الوحي عليهم.

والثاني: إخباره بأن للأصنام شفاعة، ومدحها بذلك ثم ذكر حديثا زعم أن البخاري ذكره في باب العيدين ولم أجده فيه- فلعله قلد في نقله غيره، لكن

(1) سورة الحج: آية: 52.

(2)

من ثلب: لام وعاب وصرح بالعيب وقال فيه وتنقصه، والمثالب: العيوب وهي المثلبة: المسبة.

والمثلبة. [انظر لسان العرب 1/ 241، والمصباح المنير 1/ 103].

ص: 394

الحديث صحيح في الشريعة. عن أبي هريرة «1» عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان عرض لي في الصلاة ليقطعها عليّ، فأمكنني/ الله منه، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه» . فذكرت قول سليمان: رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي

(35)«2» قال:" فمن له هذا السلطان على الشيطان، كيف يتسلط عليه الشيطان فيعبث به هذا العبث، ويخلط عليه الوحي؟ " قال:" وقد تضمن هذا الحديث أن الشيطان متجسم. لقوله:" هممت أن أربطه إلى سارية" وهذا باطل لأن الشياطين بسائط مجردة عن المادة كالملائكة والنفوس.

وهذا قول الأنبياء والفلاسفة".

هذا ما ذكره في هذا السؤال.

(1) الصحابي الفقيه الإمام المجتهد الحافظ الدوسي اليماني. اختلف في اسمه واسم أبيه وأرجحها أنه: عبد الرحمن بن صخر، أسلم في أول سنة سبع من الهجرة عام خيبر، كناه الرسول صلى الله عليه وسلم أبا هر، وكان الناس يكنونه أبا هريرة، فقد كانت له هريرة يلعب بها فكنوه بها. دعا لنفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم إني أسألك علما لا ينسى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «آمين» وحصل له ما أراد فكان سيد حفاظ السنة، كان أجرأ الصحابة على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم توفي- رضي الله عنه سنة سبع وقيل ثمان وخمسين للهجرة.

[انظر سير أعلام النبلاء 2/ 578 - 632، والإصابة 4/ 202 - 211].

(2)

سورة ص: 35. والحديث أخرجه البخاري في (العمل في الصلاة، باب ما يجوز من العمل في الصلاة) وأطرافه. وله ألفاظ أخرى في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، وفي الصلاة، باب الأسر أو الغريم يربط في المسجد)، وغيرها من المواضع. وأخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب جواز لعن الشيطان

حديث (39) بغير هذا اللفظ، وأحمد في المسند (2/ 298) بنحو لفظ مسلم، وأحد ألفاظ البخاري.

ص: 395

والجواب عنه: أما قصة إلقاء الشيطان على لسانه. ما ذكر في سورة النجم فقد استفاض نقلها بين الأمة، ورواها الثقات «1» ويدل على صحتها ما رواه

(1) أخرجها ابن سعد في الطبقات 1/ 205، وابن أبي حاتم والبزار" وقال لا نعلمه"[الشفاء 2/ 108] وابن المنذر وابن مردويه والنحاس وابن إسحاق في السيرة وأبو معشر في سيرته. [فتح الباري 8/ 439] وابن جرير في تفسيره (17/ 186 - 190) بطرق متعددة، بعضها موصولة وأكثرها مرسلة، وابن كثير في تفسيره (3/ 229) وقد صحح هذه القصة الطوفي- رحمه الله وغيره من العلماء ولكن اختلف الناس في صحتها على قولين.

قال ابن تيمية- رحمه الله في الجواب الصحيح (1/ 179) عن هذه القصة:" هذا فيه قولان للناس منهم من يمنع ذلك

وطعن في وقوع ذلك. ومن هؤلاء من قال: إنهم سمعوا ما لم يقله فكان الخطأ في سمعهم والشيطان ألقى في سمعهم. ومن جوز ذلك قال: إذا حصل البيان ونسخ ما ألقى الشيطان لم يكن في ذلك محذور

" اهـ وقال ابن حجر بعد أن أورد أقوال العلماء فيها وطرقها في الفتح (8/ 439 - 440):" وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمراسيل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض. وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع منها مما يستنكر وهو قوله:" ألقى الشيطان على لسانه" تلك الغرانيق

" فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه- صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته" اهـ. وقال ابن عطية:" وهذا الحديث الذي فيه الغرانيق العلى وقع في كتب التفسير ونحوها، ولم يدخله البخاري ولا مسلم، ولا ذكره في علمي مصنف مشهور بل يقتضي مذهب أهل الحديث أن الشيطان ألقى، ولا يعنون هذا السبب ولا غيره، ولا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة، بها وقعت الفتنة" اهـ[تفسير القرطبي 12/ 81].

وقال القاضي عياض في الشفاء (2/ 107):"

هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب-

ص: 396

البخاري «1» والترمذي وصححه «2» عن عكرمة عن ابن عباس قال:" سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة النجم فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس".

قلت: فسجود المشركين كان السبب المذكور «3» / لأنهم ظنوا أنه قد وافقهم بمدحه آلهتهم وصار الدين واحدا، أو أنهم سجدوا لآلهتهم إعظاما لما سمعوا من مدحها.

وأما الجن فلعلهم جاءوا يستمعون القرآن كما حكى عنهم فيه.

ولا محذور في هذه القضية بوجه من الوجوه لأن الأنبياء في الحقيقة بشر

- المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم" اهـ. وقد أورد عدة روايات وأقوال تدل على عدم صحة القصة. وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 229):" ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح والله أعلم" اهـ. وقال القرطبي في تفسيره (12/ 80):" وليس منها شيء صحيح" اهـ قلت: مما تقدم يتبين لنا عدم صحة هذه القصة. وعلى فرض صحتها فليس للطاعنين بها متمسك إذ يكون المعنى: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها.

ويؤيد هذا أن تمنى في الآية بمعنى تلى." حتى إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ويحكم ما يريد" وقد قال بعض العلماء بذلك- والله أعلم-.

(1)

في كتاب: سجود القرآن، باب سجود المسلمين مع المشركين، وفي كتاب التفسير" تفسير سورة 53 - النجم- باب:" فاسجدوا لله واعبدون"[الآية: 62] عن ابن عباس.

(2)

في كتاب الجمعة، باب ما جاء في السجدة في النجم، عن ابن عباس، قال الترمذي:" وفي الباب عن ابن مسعود، وأبي هريرة. قال: أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح".

(3)

نقل ابن حجر في الفتح (8/ 614) عن الكرماني قوله:" وما قيل من أن ذلك بسبب إلقاء الشيطان في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صحة له عقلا ونقلا" اهـ.

ص: 397

يجري عليهم الخطأ والنسيان ويتطرق عليهم الشيطان «1» .

وقد اختلف العلماء «2» في أنهم معصومون من المعاصي مطلقا أو من الكبائر فقط أو منها عمدا أو من الصغائر كذلك؟ وجوز بعض الناس عليهم الكفر بناء على أن مطلق المعصية جائز عليهم/ وهو كفر في خلاف كبير «3» ، لكن اتفقوا على أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله من الوحي بحيث لا يلحقهم فيه خطأ،

(1) هذا في غير ما يبلغونه للناس من الشرائع، ثم إنهم ينبهون عليه أيضا. كما في قوله تعالى:

عَبَسَ وتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى الآيات. قال ابن حزم- رحمه الله في الفصل (4/ 6):

" ونقول: إنه يقع من الأنبياء السهو عن غير قصد، ويقع منهم أيضا قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى، والتقرب به منه، فيوافق خلاف مراد الله تعالى إلا أنه تعالى لا يقر على شيء من هذين الوجهين أصلا، بل ينبه على ذلك ولا بد إثر وقوعه منهم، ويظهر عز وجل ذلك لعباده، ويبين لهم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في سلامه من اثنتين وقيامه من اثنتين، وربما عاتبهم على ذلك بالكلام كما فعل نبيه- عليه السلام في أمر زينب أم المؤمنين، وطلاق زيد لها- رضي الله عنهما، وفي قصة ابن أم مكتوم- رضي الله عنه وربما يبغض المكروه في الدنيا كالذي أصاب آدم، ويونس- عليهما الصلاة والسلام-، والأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- بخلافنا في هذا فإننا غير مؤاخذين بما سهونا فيه، ولا بما قصدنا به وجه الله- عز وجل فلم يصادف مراده تعالى، بل نحن مأجورين على هذا الوجه أجرا واحد".

(2)

ليس علماء السلف بل أهل الكلام أما السلف الصالح فإنهم متفقون على عصمتهم فيما يبلغون عن الله وعن الكبائر والفواحش.

(3)

انظر الفصل في الملل والنحل لابن حزم 4/ 5 - 59.

ص: 398

وإن لحقهم فيه خطأ بسهو منهم أو تلبيس من شيطان إنسي أو جني نبهوا عليه، ولم يقروا عليه، وهكذا جرى في هذه القصة وأخبر الله أنه يحكم آياته وينسخ ما يلقي الشيطان «1» .

وأما تشنيعه/ بقوله:" حاشى لله ومعاذ الله أن يتسلط الشيطان على الأنبياء بمثل هذا" فلعمري أن هذا ليس غيرة منه على الأنبياء ولا تعظيما لهم. فإن اضطرابه في هذا الكتاب بين الفلسفة والشرع يدل على أنه محلول الرابطة بالكلية أو مذبذب لا إلى هذا ولا إلى هذا. ولكن عنادا للإسلام كما قيل:

وما من حبه يحنو عليه ولكن بغض قوم آخرينا «2»

ولعمري إن منصب الأنبياء محفوظ، ولكن هذا أمر جائز عليهم عقلا وشرعا، ولسنا نعطيهم ما ليس لهم ولا هم يرضون بذلك.

(1) اتفق السلف والأئمة وجمهور المسلمين على أن الرسل يجري عليهم من الخطأ والنسيان ما يجري على غيرهم في غير ما يبلغونه عن الله تعالى من وحي الله وشريعته، لأن عدم العصمة في ذلك مناقض لمقصود الرسالة، والخطأ فيه وإن لم يتعمد يخرج المبلغ عن الرسالة فلا يكون رسولا. لكن اختلفوا هل يجوز أن يقع من الغلط ما يستدركونه ويبينونه فلا ينافي مقصود الرسالة؟ كما نقل من ذكر" تلك الغرانيق العلى

" وكما ذكره الطوفي هنا. والراجح والله أعلم أنه معصوم من الخطأ فيما يبلغه عن الله عز وجل.

[انظر الجواب الصحيح 1/ 178 - 180، وهامش ص: 398 من هذا الكتاب.

(2)

لم أعرف قائل هذا البيت مما اطلعت عليه من المراجع.

ص: 399

ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» «1» يعني حيث اتخذوه إلها، ولكل أحد رتبة لا يتجاوزها فرفعه عنها إفراط ووضعه عنها تفريط.

أما جواز ذلك عليهم عقلا فلأنه لا يلزم منه محال لذاته ولا لغيره.

وأما جوازه شرعا فثبت في شرعنا: أن إبليس سلط على آدم فأخرجه من الجنة «2» وما ذكر في التوراة من أن الحية أغوته لا ينافي ذلك. لأن إبليس دخل في فم الحية إلى الجنة فأغواه «3» .

وورد في الآثار: أن موسى لما ذهب لمناجاة ربه على الجبل كان إبليس يدور حوله، فقال/ له بعض ملائكة الرب: ويحك يا إبليس بم تطمع من موسى وهو في هذا المقام؟ قال بما طمعت به من أبيه حين أخرجته من الجنة «4» .

(1) أخرجه البخاري عن عمر- رضي الله عنه في كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: واذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها ولفظه: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) وأخرجه الدارمي في كتاب الرقاق، باب قول النبي: «لا تطروني

» عن عمر أيضا بلفظ: (لا تطروني كما تطرأ النصارى عيسى بن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله» وأخرجه أحمد في المسند (1/ 23، 24) أحدهما بلفظ البخاري عن عمر أيضا.

(2)

قال تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ

الآية [سورة البقرة، آية:

36].

(3)

القصة في سفر التكوين الأصحاح الثالث. وأوردها ابن جرير في تفسيره (1/ 235) عن وهب ابن منبه.

(4)

لم أجد هذا الأثر.

ص: 400

وسلط على أيوب حتى أتلف جسده وماله امتحانا من الله له بالصبر «1» وسلط بعض الشياطين على سليمان فأخذ خاتمه وألقاه في البحر بعد أن ألقى عليه شبه/ سليمان فجلس على كرسيه أياما «2» . وذلك تأويل قوله تعالى: ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34)«3» وكان سليمان مسلطا على أصناف العالم.

وبهذا يحصل الجواب عما ذكره في سياق حديث البخاري.

وقوله فيما سيأتي من كلامه:" هذا من الخرافات التي جاء بها القرآن" دعوى مجردة، غاية مستنده فيها سكوت التوراة وكتب الأوائل عنها، وذلك في الحقيقة استدلال على نفي العلم الوجودي بالجهل العدمي، وهو قلة معرفة بالمناظرة.

(1) هذه القصة من الإسرائيليات المروية عن وهب بن منبه أوردها المفسرون كالطبري في تفسيره (17/ 57) وانظر سفر أيوب الأصحاح الأول والثاني والثالث.

وقد ذكر الله في القرآن الكريم قصة صبر أيوب وما ابتلاه به قال تعالى: وأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وآتَيْناهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وذِكْرى لِلْعابِدِينَ [سورة الأنبياء: 83 - 84] وقال تعالى: واذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ (42) ووَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [سورة ص، آية: 41 - 44]، وذكر المفسرون عند تفسير هذه الآيات شيئا مما تعرض له من الابتلاء. والله المستعان.

(2)

هذه القصة من الإسرائيليات التي ذكرها المفسرون منهم ابن جرير في تفسيره (13/ 157، 158)، وابن كثير في تفسيره أيضا (4/ 34 - 37) وقال:" وهو غريب جدا". اهـ.

(3)

سورة ص، آية:34.

ص: 401

وقد صح عندكم في الإنجيل: أن المسيح لما اعتمد من يوحنا المعمداني سلط عليه الشيطان امتحانا له. فقال له:" إن كنت محفوظا فألق نفسك من أعلى هذا الهيكل. فقال له: مكتوب لا تمتحن ربك. وقال له: اسجد لي وأعطيك ممالك العالم كلها- وكانت قد رفعت له- فقال له يسوع: مكتوب اعبد ربك وحده"«1» . معنى القصة هذا.

وإذا جاز أن يتعرض الشيطان للأنبياء ويسلمون منه فما المانع من «2» أن يتعرض لهم، وينال «3» منهم. بل هذا ألزم عليكم. لأن المسيح عندكم هو الله أو ابن الله، وقد عارضه الشيطان حتى لقي منه شدة على ما أشار إليه الإنجيل، أو صرح به فالأنبياء لا يبعد أن ينال/ منهم ثم يتداركهم الله بعصمته. وقد سحر نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بعض شياطين اليهود «4» حتى أثر ذلك في أفعاله، ثم شفاه الله تعالى «5» من ذلك «6» ، وأنزل عليه

(1) إنجيل متى أول الأصحاح الرابع.

(2)

من: ساقطة من (م).

(3)

في (أ): وبيان منهم.

(4)

هو من بني زريق واسمه: لبيد بن الأعصم، قيل: كان من اليهود وقيل كان من حلفاء اليهود وقيل كان يهوديا وأسلم نفاقا. والصحيح أنه يهودي من بني زريق كما صرح بذلك مسلم في روايته للحديث.

(5)

كلمة:" تعالى" ليست في (أ) و (ش).

(6)

أخرجه البخاري في الطب باب السحر عن عائشة- رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله. حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند-

ص: 402

المعوذات «1» .

وبالجملة. الأنبياء بشر، والبشر عرضة لهذه الآفات وغيرها. ثم يتدارك الله بعصمته من شاء./ وإذا كان إلهكم المسيح سلط عليه شياطين اليهود، الذين كيدهم دون كيد الشيطان الحقيقي بكثير فصلبوه وأهانوه ودفن ثم بعث ثلاثة أيام- على زعمكم- فكيف لا يتطرق على الأنبياء- الذين هم دون رتبة الإلهية بكثير- شيطان الجن الذي هو أقوى كيدا من شياطين الإنس بكثير؟ «2» هذا مما لا يحيله عاقل ولا عادل.

- رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجفّ طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعه الحناء، وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجته؟

قال: قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا. فأمر بها فدفنت" وأخرجه أيضا في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس، وفي كتاب الأدب باب قول الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ

وفي الدعوات، باب تكرير الدعاء. بألفاظ غير هذا اللفظ. وأخرجه مسلم في كتاب السلام باب السحر حديث 43، وأخرجه ابن ماجه في الطب، باب السحر بلفظ مسلم، وأحمد في المسند (6/ 57) بلفظ مسلم أيضا.

(1)

هكذا في النسخ الثلاث بالجمع والصواب: المعوذتين. وعبارة:" وأنزل الله عليه

" في الأثر الذي أورده الإمام الثعلبي في تفسيره:" وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله تعالى السورتين- يعني الفلق والناس- فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة

" الخ روايته [انظر تفسير ابن كثير 4/ 574].

وذكره الواحدي في أسباب النزول ص 346 - 347، من غير إسناد.

(2)

روي أثر منقطع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ما سأله أبو ذر: «وهل للإنس من شياطين قال: نعم هم شر من شياطين الجن» ولكن الصحيح ما قاله المؤلف- والله أعلم- أن شياطين الجن أضر على الإنس لملازمتهم الناس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في كتاب صفات-

ص: 403

ثم نقول لهذا الخصم: ما نرى مثلك في تنزيهك للأنبياء عما ذكرت إلا ما حكي عن بعض النساء الخفرات «1» أنها «2» مرت على رجال فاستحيت منهم فكشفت ثوبها عن استها حتى غطت وجهها، وكرجل قال لرسوله: إذا وصلت إلى فلان فسلم لي عليه وصك لي قفاه.

فإنك تنزه الأنبياء عن أن يتعرض لهم الشيطان تعرضا مأمون العاقبة متداركا بالعصمة الإلهية. ثم إنك تصدق ما في التوراة من أن روبيل «3» بن يعقوب وطئ سرية أبيه، ونجس فراشه «4» .

وأن يهوذا وجد كنته- زوجة ابنه- على الطريق في صورة زانية فزنى بها بجدي ثم رهنها به «5» خاتمه وعمامته وقضيبا كان في يده، ثم إنه لما ظهر حملها أمر برجمها «6» فلما عرّفته أن الحمل منه وأرته العلامة أمر بتركها «7» .

- المنافقين حديث 69:" ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن" قالوا: وإياك يا رسول الله" قال: «وإياي إلا أن الله قد أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» أما شياطين الإنس فلا يلازمون الإنسان في كل وقت ملازمة شياطين الجن.

(1)

من الخفر وهو شدة الحياء. [لسان العرب 4/ 253، ومختار الصحاح 182].

(2)

أنها: ساقطة من (م) و (ش).

(3)

في التراجم الحديثة: رأوبين.

(4)

انظر سفر التكوين الأصحاح الخامس والثلاثين.

(5)

به: ليست في (م).

(6)

في التراجم الحديثة أنه أمر بحرقها.

(7)

انظر سفر التكوين الأصحاح الثامن والثلاثين.

ص: 404

وأن عظيم ساليم قرية سجيم «1» زنا ببنت يعقوب ثم خطبها، وأن ذلك أغضب إخوتها حتى خدعوهم باقتراح الختان/ عليهم، ثم دخلوا وهم مرضى من ألم الختان فقتلوهم، وأخذوا أموالهم «2» .

وأن لوطا لما نجا من عذاب قومه أسقته ابنتاه الخمر، ثم ضاجعتاه فوطئهما فأحبلهما «3» .

وهذا منصوص مصرح به في التوراة التي بأيديكم وأنتم مع ذلك تحتجون علينا بما فيها. وهذه حكايات- والله- يتنزه سوقة «4» الناس ورعاعهم وأراذلهم عنها. بل عما هو دونها. وأنتم تنسبونها إلى الأنبياء فلعن الله من قال ذلك، ومن يصدقه، فما أسرع ما نسيتم العدل والإنصاف الذي أمركم به المسيح في الإنجيل.

لقد أطعتموه في ذلك كما أطاعته اليهود حيث فعلوا به ما فعلوه من الإهانة والصلب «5» فعليكم جميعا من الله ما تستحقونه.

فإن صدّقت بما في التوراة من هذا الهذيان فيكفيك ذلك جهلا وحمقا وقلة

(1) في التراجم الحديثة: شكيم.

(2)

انظر سفر التكوين الأصحاح الرابع والثلاثين.

(3)

انظر سفر التكوين الأصحاح التاسع عشر.

(4)

في (م):" يتنزه عنها سوقة الناس" والسّوقة: الرعية من دون الملك سموا سوقة لأن الملوك يسوقونهم فينساقون لهم. يقال للجماعة والواحد والمذكر والمؤنث.

[انظر لسان العرب 10/ 170، ومختار الصحاح: 323، والمصباح المنير 1/ 350.

(5)

هذا على زعم النصارى واليهود.

ص: 405

عقل، وسخافة رأي وزندقة؛ حيث تنسبون الأنبياء المعصومين المعظمين إلى المكر والخداع والزنا بالأجانب وبالبنات وسراري الآباء، وإن لم تصدقوه فكيف تحتجون علينا بكتب فيها مثل هذا الفشار؟ «1» .

قوله:" تضمنت هذه القصة باطلين. أحدهما: نسبة الرسل إلى هذه المثلبة والافتراء عليهم بذلك".

قلنا قد بينا أن هذا لا غضاضة عليهم فيه، وليس هذا افتراء عليهم لأنه نبي معصوم مثلهم. وقد أخبر عنهم بما أوحي إليه.

وأما الباطل الثاني وهو إخباره بأن للأصنام شفاعة فليس ذلك من إخباره، وإنما الشيطان أخبر به على لسانه. وقد بينا أن لا محذور في ذلك ثم نسخه الله.

وإنما كان يتجه القدح أن لو لم ينسخ واستمر لكنه لم يستمر بحمد الله./

وفسر بعض العلماء إلقاء الشيطان في أمنيته وعلى لسانه بأنه/ نطق بما نطق به مقارنا لنطقه فاشتبه صوته بصوته «2» . وهو أولى ما يقال. وبهذا يلتغي «3» المحذور بالأصالة جدا، ثم ننبه هاهنا لدقيقة وهي أن قوله تعالى: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ

(52)«4» لا يقتضي

(1) الفشار: كغراب: عامية تستعمل بمعنى الهذيان. [انظر تاج العروس 3/ 470].

(2)

هذا على فرض صحة القصة وإلا فقد نقلت أقوال العلماء في بطلانها فيما سبق.

(3)

في (أ): يكتفى. وفي (ش): ينتغي.

(4)

سور الحج، آية:52.

ص: 406

أن «1» كل رسول ونبي تمنى وألقى الشيطان في أمنيته،/ بل يقتضي أن من وجد منه التمني كما وجد منك" ألقى الشيطان في أمنيته" كما ألقى في أمنيتك وذلك لأن الإلقاء وقع في جواب إذا الشرطية التي ينتفي مشروطها لانتفاء شرطه، فحينئذ نقول: قد يوجد التمني من بعض الأنبياء فيوجد الإلقاء من الشيطان وقد لا يوجد التمني فلا يوجد الإلقاء. هذا مقتضى الآية لفظا «2» .

أما عقلا فيقتضي أن كلهم تمنوا وكلهم ألقي في أمنيته لأن الله سبحانه بعثهم رحمة للخلق، فمن المحال عادة أن نبيا يبعث إلى أمة، ولا يتمنى رشادها «3» وهداها واتباع ما جاء به من الحق، وترك هواها.

وأما قوله في حديث البخاري:" من له هذا السلطان على الشيطان؟ كيف يعبث به الشيطان هذا العبث؟ " فقد سبق جوابه عند ذكر عبث الشيطان بسليمان،

(1) أن: ليست في (أ). (ش).

(2)

قلت: ثم تمنى قد جاء تفسيرها عن ابن عباس بمعنى حدّث وقرأ فيكون المعنى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه أو قراءته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته

، [انظر صحيح البخاري كتاب التفسير 22 سورة الحج، وتفسير السعدي 5/ 309].

(3)

التمني له معنيان يقال: تمنى: أي: قرأ، أو قال، أو تلا، أو حدّث ويقال: تمنى: اشتهى حصول الأمر المرغوب فيه، وهو حديث النفس بما يكون وما لا يكون، وتمنى الشيء أراده، والآية على المعنى الأول، وليس على الثاني كما سار عليه المؤلف هنا، فإنه غير المقصود في الآية. [انظر لسان العرب 15/ 294 - 295، وتفسير القرطبي 2/ 6، وتفسير ابن كثير 3/ 230].

ص: 407

ونزيد هاهنا بأن نقول: هو وإن كان له على الشيطان هذا السلطان لكن يجوز أن يسلط عليه الشيطان بإذن الله لحكمة. وقد بين الله سبحانه الحكمة في ذلك حيث يقول: لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ

(53)«1» يعني الكفار والمنافقين كانوا قد أيسوا من محمد أن يعبد آلهتهم،/ أو يسكت عن ذمها، وقد ضجر بعضهم وهمّ أن يدخل في الإسلام فألقى الشيطان على لسانه «2» مدح الأصنام ليظنوا أنهم منها على شيء فيتمسكوا بعبادتها، وأن لها قدرا عند محمد، فيطمعون في إجابته إلى عبادتها أو الكف «3» عنها، فأمسك من كان أراد الدخول في الإسلام عنه بهذا السبب حتى مات كافرا، وظنوا أن رجوع محمد عن مدحها بعد إلقائه على لسانه عناد لها ورجوع عن الحق في أمرها «4» . وهذه الآية من أكبر الأدلة على إثبات القدر. وسيأتي عند ذكر هذا الخصم له.

(1) سورة الحج، آية:53.

(2)

قال الإمام القرطبي في تفسيره (12/ 82):" والذي يظهر ويترجح في تأويلها على تسليمه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كما أمره ربه يرتل القرآن ترتيلا، ويفصل الآي تفصيلا في قراءته كما رواه الثقات عنه، فيمكن ترصد الشيطان لتلك السكتات ودسه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات، محاكيا نغمة النبي صلى الله عليه وسلم. بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار، فظنوها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وأشاعوها، ولم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله، وتحققهم من حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الأوثان وعيبها

" اهـ.

(3)

في (ش): والكف.

(4)

كل هذا الكلام الذي ذكره الطوفي بناء على ما رآه من صحة القصة، ولذلك بنى رده على النصراني في هذه المسألة على أنها صحيحة، وليست كذلك- والله أعلم-.

ص: 408