المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام] - الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌أولا: المقدمة

- ‌المقدمة

- ‌ثانيا: قسم الدراسة

- ‌الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي:

- ‌الفصل الثاني: حياة الطوفي

- ‌ثالثا: التحقيق

- ‌الخطبة

- ‌ المقدمات ثلاث:

- ‌[المقدمة الأولى: سد باب الاستدلال بكتب أهل الكتاب]

- ‌[المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع]

- ‌[المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول]

- ‌[المتنبئون الكذبة والتحذير منهم]

- ‌[حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها]

- ‌[فوائد النبوات ومنفعتها]

- ‌[النبي وشروطه]

- ‌[موقف النصارى من النكاح]

- ‌[فوائد النكاح وفضيلته]

- ‌[الأنبياء والنكاح]

- ‌[ظهور المعجز على يد النبي]

- ‌[موافقة ما يأتي به النبي للفطرة]

- ‌[موقف عتاة النصارى من نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]

- ‌[امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم]

- ‌[المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم]

- ‌[الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أُخْتَ هارُونَ

- ‌[رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام]

- ‌[رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له]

- ‌[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج]

- ‌[تناقض كتب النصارى التي بأيديهم]

- ‌[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام]

- ‌[أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك]

- ‌[البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل]

- ‌[أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك]

- ‌[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء]

- ‌[تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك]

- ‌[بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام]

- ‌[الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين]

- ‌[تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك]

- ‌[الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه]

- ‌[القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك]

- ‌[كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك]

- ‌[عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه]

- ‌[الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره]

- ‌[الإسراء والمعراج]

- ‌[الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه]

- ‌[رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة]

- ‌[البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك]

- ‌[الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام]

- ‌[مكان دفن الأنبياء]

الفصل: ‌[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام]

[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام]

قال:" وفي سورة النساء بعد ذكر اليهود: وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ

(157)«1» وذكر كلاما لابن عطية في تفسير قوله: شُبِّهَ لَهُمْ وأن معناه أن شبه المسيح ألقي على/ صاحب له يقال له: سرجس «2» باختياره على أن يكون رفيق المسيح في الجنة «3» .

قال:" ويتمسك المسلمون بهذا في القطع على أن المسيح ما صلب. وذلك باطل بالتواتر عند الأمتين: اليهود والنصارى. ومؤرخي المجوس على صلب المسيح وبنص الكتب المقدسة".

وذكر كلام أشعياء ودانيال، وما في إنجيل متى مما يدل على ذلك وأن المسيح صلب ومات وقبر وقام حيا في اليوم الثالث وظهر لتلاميذه مرارا كثيرة.

(1) سورة النساء آية: 157.

(2)

لم أجد له ترجمة إلا ما ذكر أنه من الحواريين ومن أحدثهم سنا. أو أنه شاب حضر معهم وليس منهم. وقد ذكر الإمام الطبري في تاريخه أنه كان فيمن ذكر رجل صالح من أهل فلسطين اسمه جرجس، وأنه أدرك بقايا من حواري عيسى- عليه السلام، وله عنده ترجمة طويلة. [انظر تاريخ الأمم والملوك 2/ 24 - 36]، وقد ذكر ابن تيمية في الجواب الصحيح 1/ 319، 320: أن جرجس أحد من تعظمه النصارى. ولم يذكر سبب التعظيم.

(3)

انظر تفسير ابن عطية 4/ 302 - 303. وتفسير الطبري 6/ 15، وتفسير ابن كثير 1/ 576. وفد روى ابن أبي حاتم نحو هذا عن ابن عباس وصحح سنده ابن كثير. [انظر منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب ص 60 - 61].

ص: 343

ولما تكلم" السّهروردي"«1» في كتاب" التنقيحات" في التواتر وشروطه في أصول الفقه تعرضت «2» له قصة الصلب/ فقال:" ولو لم يصلب عيسى لم يبق على المحسوسات اعتماد".

قلت: هذا حاصل ما أورده على هذا السؤال.

والجواب:

أما الآية الكريمة المخبرة بنفي قتل المسيح وصلبه فنعتقد أنها حق وصدق ونتمسك بها على القطع بذلك لأنها عندنا صادرة عن الحكمة والعلم الإلهيين «3» بواسطة العصمة النبوية وهي منقولة إلينا بالتواتر.

وأما ما حكاه عن" ابن عطية" في تفسير قوله: شُبِّهَ لَهُمْ: فذاك مما لم يختص بنقله" ابن عطية" بل ذكره جميع مفسري القرآن الكريم «4» قديمهم وحديثهم على اختلاف بينهم في ذلك «5» . فقال ابن سمعان، ومحمد بن إسحاق:" إن

(1) الفيلسوف المتلقب بشهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك، يوصف بأنه أحد الأذكياء. برع في علم الكلام والجدل والمناظرة مستهزئا بالعلماء ظهر للعلماء منه زندقة وانحلال، فكتبوا بذلك إلى صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله فأمر بقلته سنة 587 هـ.

[انظر ترجمته في شذرات الذهب 4/ 290، والنجوم الزاهرة 6/ 144، والأعلام 8/ 140].

(2)

في (ش): فعرضت.

(3)

لو قال- رحمه الله:" لأنها عندنا كلام الله الموحى به إلينا بواسطة الرسول- عليه السلام وهي منقولة إلينا بالتواتر" لكان أولى وأصح من هذا التعبير الكلامي.- والله أعلم-.

(4)

" الكريم" ليست في (م) و (ش).

(5)

انظر في ذلك تفسير ابن عطية 4/ 302 - 303، وتفسير الطبري 6/ 15، وتفسير ابن كثير 1/ 576.

ص: 344

الذي ألقي عليه شبه عيسى هو رجل من أصحابه يقال له" سرجس «1» " وقال وهب بن منبه «2» :" هو يهوذا «3» الذي أسلمه، ودل عليه، وهو الذي اسمه في الإنجيل: يهوذا الاسخريوطي «4» ".

قلت: وهذا أشبه. لأن عادة الله- سبحانه- جرت في أنبيائه أن يرد كيد من عاداهم عليه/، كنوح إذ كاده قومه فنجا وغرقوا «5» . وإبراهيم إذ ألقي في

(1) في النسخ الثلاث: جرجيس. وما أثبته من رواية الطبري عن ابن اسحاق من طريقين، وهو الصواب وقد تقدم ذكره، ثم إن جرجيس ذكر أنه لم يدرك عيسى- عليه السلام وإنما جرجيس هذا أدرك بعض الحواريين فقط.

[انظر تفسير الطبري 6/ 15، وتفسير ابن كثير 1/ 576].

(2)

أبو عبد الله: وهب بن منه بن كامل بن سيج بن ذي كبار الأبناوي اليماني الذماري الصنعاني التابعي الفاضل العلامة الأخباري القصصي أخو همام، ومعقل وغيلان أبناء منبه، ولد في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين. روايته للمسند قليلة وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب. توفي سنة عشر ومائة، وقيل: غير ذلك. [انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 4/ 544 - 556، طبقات ابن سعد 5/ 543، البداية والنهاية 9/ 276، وغيرها].

(3)

في (م): يوذا.

(4)

هو الذي يدعي النصارى أنه من الحواريين، تلاميذ المسيح- عليه السلام الاثنى عشر، وأنه ارتد ودل على المسيح- عليه السلام حين خرج اليهود لطلبه ليقتلوه، وكانوا لا يعرفون المسيح فقال يهوذا: الذي أقبله فهو يسوع، فإذا فعلت فأنتم وذاك، فقبضوا على المسيح- عليه السلام على زعم النصارى وصلبوه. [انظر الفصل 2/ 89، وإنجيل متى الأصحاح: 26، وإنجيل مرقس الأصحاح: 14، وإنجيل لوقا الأصحاح: 22].

(5)

قال الله تعالى: وقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً. [سورة الفرقان: 37] وسورة نوح بأكملها توضح هذا الأمر.

ص: 345

النار فكانت عليه بردا وسلاما ثم هلك فرعونه «1» . وموسى إذ عاد مكر فرعونه عليه فأغرق «2» .

وقارون إذ قذف موسى بالزنا ليقتله، أو يغض منه فخسف به «3». وعيسى مكر به يهوذا فعاد مكره عليه. ومحمد- صلى الله عليه وسلم «4» إذ قال الله سبحانه له: وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30)«5» وقال الله سبحانه: ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ

(1) قال الله تعالى ولَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (51) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ إلى قوله تعالى: قالُوا حَرِّقُوهُ وانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (68) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ. [سورة الأنبياء: 51 - 70].

(2)

قال الله تعالى: وفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَأَخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وهُوَ مُلِيمٌ [سورة الذاريات: 38 - 40] والآيات في هذا كثيرة جدا.

(3)

قال الله تعالى: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ

إلى قوله تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الْأَرْضَ [سورة القصص: 76 - 81]. وروي عن ابن عباس في تفسير هذه الآيات قال:" لما أمر الله تعالى برجم الزاني عمد قارون إلى امرأة بغي وأعطاها مالا وحملها على أن ادعت على موسى أنه زنى بها وأنه أحبلها فعظم على موسى ذلك وأحلفها بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت. فتداركها الله فقالت: أشهد أنك بريء، وأن قارون أعطاني مالا، وحملني على أن قلت ما قلت، وأنت الصادق وقارون الكاذب، فجعل الله أمر قارون إلى موسى وأمر الأرض أن تطيعه. فجاءه وهو يقول للأرض: يا أرض خذيه

وهي تأخذه شيئا فشيئا وهو يستغيث يا موسى إلى أن ساخ في الأرض هو وداره وجلساؤه الذين كانوا على مذهبه".

[انظر تفسير القرطبي 13/ 310 - 311، والبداية والنهاية 1/ 310].

(4)

" وسلم": ليست في: (م)، (ش).

(5)

سورة الأنفال، الآية رقم:30.

ص: 346

إِلَّا بِأَهْلِهِ «1» وقال في قوم صالح حين أرادوا تبييته «2» : ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)«3» .

وأما قوله:" إن ذلك باطل بالتواتر عند الأمتين اليهود والنصارى ومؤرخي المجوس".

فجوابه: أن المدعى تواتره عند اليهود والنصارى: ما هو صلب إنسان مطلق؟ أو صلب إنسان مقيد بأنه «4» المسيح؟ الأول: مسلم ونحن أيضا نوافق عليه وهو جرجيس، أو يهوذا «5» كما سبق عن ابن إسحاق ووهب. والثاني: ممنوع وهو «6» محل النزاع. وسنبين مستند المنع في آخر هذا الجواب «7» .

وأما مؤرخو المجوس فالجواب عن تأريخهم بذلك من وجوه:

(1) سورة فاطر، الآية:43.

(2)

التبييت: قصد العدو ليلا. [انظر مفردات الأصبهاني ص: 59، وتفسير القرطبي 13/ 216].

(3)

سورة النمل، آية:50.

(4)

في (م): كأنه.

(5)

في (م)" أيوذا" وفي (ش) يودا وهي في (أ): مصححة من" يوذا" إلى يهوذا.

(6)

في (م): فهو.

(7)

وقد استوفى ذلك أيضا أبو عبيدة الخزرجي في مقامع هامات الصلبان" بين الإسلام والمسيحية" ص 192 - 196، والإمام القرافي في الأجوبة الفاخرة الباب الثاني: السؤال الثاني.

ص: 347

أحدها: أنهم لم يكونوا حاضري قضية المسيح ولا أحد منهم. فمدار اعتقادهم صلبه على خبركم وخبر اليهود، ولا حجة فيه؛ لأن أحد الأمر اشتبه على من حضر القصة بأن أظلمت الأرض ظلمة شديدة، صرح بها الإنجيل «1» وغيره ففي تلك الظلمة أطلقت الملائكة المسيح وربطت الذي ألقي عليه شبهه مكانه فاعتقدتم أنتم: أن المسيح صلب. وقوّى ذلك الاعتقاد/ في نفوسكم: حنقكم على اليهود، وحب تقرير الظلم «2» والعدوان عليهم، واعتقدت ذلك اليهود كما اعتقدتموه، وحملهم على ذلك الاعتقاد: حب الغلبة والظفر بمن اعتقدوه عدوا لهم ولو وفّقوا لتابعوه. فعليهم وعليكم من الله ما تستحقونه.

الوجه الثاني: أنا أجمعنا وإياكم «3» على ضلال المجوس، وسخافة عقولهم حيث عبدوا النار التي يوجدها الحطب، ويعدمها الماء والتراب، وانقطاع مادة الوقود فعقول هذا شأنها كيف تكون حجة على العقلاء، وإن كانوا عندكم عقلاء فاعبدوا النار معهم/ وإذا كنتم أنتم أصحاب الدعوى ندعي نحن أن الأمر اشتبه عليكم والتبس، فما الظن بقوم جهال أجانب من القضية سمعوكم واليهود «4» ترجفون بشيء فقلدوكم فيه، وتابعوكم عليه، كما قلدوا آباءهم في عبادة النار.

(1) انظر إنجيل متى الأصحاح السابع والعشرين، وإنجيل مرقس: الأصحاح الخامس عشر، وإنجيل لوقا: الأصحاح الثالث والعشرين.

(2)

في (أ): تقرير العلم.

(3)

هكذا في النسخ الثلاث والأصح:" أنا أجمعنا نحن وأنتم على ضلال المجوس".

(4)

كلمة:" اليهود" ليست في (م).

ص: 348

الوجه الثالث: أن المجوس أعداء للمسلمين «1» والنصارى واليهود مثلكم.

وشأن العدو أن يطلب لعدوه العثرات، ويتبع منه العورات، ولا شك أنهم تتبعوا عثراتكم وعثرات اليهود فوجدوها، أما عثراتكم فدعواكم التثليث وإلهية المسيح، وغير ذلك من سخافاتكم. وأما عثرات اليهود فأكثر من أن تحصى على ما دلت عليه كتب الأنبياء المتقدمين والمتأخرين كقتلهم الأنبياء بغير حق وتعديهم حدود الله، وإباقهم عن الانقياد/ له ولرسله «2» وكيدهم للمسيح «3» وتعصبهم عليه مع اظهاره العجائب والبينات. ولمعصيتهم الله- سبحانه- سلط على أوائلهم فرعون سامهم سواء العذاب «4» خمسمائة عام «5» حتى استنقذهم الله بموسى، ثم كان له معهم/ من التعب ما لا يخفى. وأما المسلمون فلم يجدوا لهم عثرة يقدحون بها فيهم، فوافقوكم «6» على صلب المسيح ليوهموا بذلك القدح في القرآن كيدا للمسلمين ولو لم يكن إلا مجرد احتمال هذا القصد منهم كان ذلك تهمة لهم تقتضي عدم الالتفات إلى مقالهم.

(1) في (م): المسلمين.

(2)

قال الله تعالى عن اليهود: وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ وباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ (سورة البقرة: 61] والآيات فيما ذكره الطوفي كثيرة.

(3)

في (ش): المسيح.

(4)

قال الله تعالى: وإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [سورة البقرة: 49].

(5)

لا دليل على حياة فرعون هذه المدة، فلعل المقصود جميع الفراعنة، فرعون موسى ومن قبله، أو أن الناس في ذلك الزمن كانوا يعمرون فالله أعلم بذلك.

(6)

في (أ): فقوكم وفي (ش): فوافقوهم.

ص: 349

وأما ما ذكره من نص الكتب المقدسة ككتاب" أشعياء" و" دانيال" وإنجيل متى فجوابه من وجوه:

أحدها: الجواب العام. من عدم الوثوق بهذه الكتب لتقادم عهدها ونقلها من لغة إلى لغة وتهمة اليهود والنصارى عليها خصوصا الإنجيل فإنا قد بينا في التعليق عليه «1» ما يقيم عذرنا في عدم الوثوق به من الاختلاف والتناقض.

[الوجه الثاني: أن ما ذكره من مصحف أشعياء هو قوله في صفة المسيح:

يقاد إلى القتل] «2» مثل الضائنة «3» ويصمت كالخروف «4» بين يدي الجازر ولم يفتح فاه «5» " ولا حجة فيه على وقوع القتل بل على القود إلى القتل، ونحن نقول به: فإنهم قادوه ليقتلوه فخلصه الله بما ذكرناه، وكم من قيد إلى القتل ثم نجا فلم يقع به القتل.

نعم قد ذكر أشعياء في الأصحاح الخامس والعشرين من مصحفه «6» في النبوة في المسيح وصلبه مع الأئمة، واحتماله للذنوب ما هو أنص من هذا في قتل المسيح وهو قوله:- وهو يعني المسيح المضروب في سبب ذوات «7» الله المتواضع

(1) أي في كتابه: تعاليق على الأناجيل، خ.

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).

(3)

الضائنة: الأنثى من الضأن. والمعنى: لين كأنه نعجة. [انظر لسان العرب 13/ 251، 252].

(4)

الخروف: ذكر الضأن، قيل: هو ما دون الجذع من الضأن. وقيل: ولد الفرس الذي ولد في فصل الخريف. والمراد به هنا الأول. والله أعلم. [انظر لسان العرب 9/ 66].

(5)

انظر الأصحاح الثاني والخمسين من مصحف أشعياء.

(6)

في الثاني والخمسين حسب التراجم الحديثة.

(7)

هكذا في النسخ الثلاث. والحق أن يقال:" في سبب ذات الله".

ص: 350

من أجلها:" يقتل من أجل إثمنا، ويتواضع من أجل إثمنا وعليه أدب سلامتنا «1» ، لأن بجراحه نبرأ كلّنا نهبا مثل الغنم وأقبل كل إنسان منا إلى جانبه، والرب لقّاه خطايانا أجمعين دنا متواضعا ولم يفتح فاه، وسيق مثل الحمل للذبح وكان صامتا كالنعجة قدام جازرها ولم يفتح فاه وسيق من الحبس إلى القضاء.

ومن يقدر أن يحدث بما لقي من خفيّة «2» / لأنه رفع من أرض الحياة ودنا منه قوم من أئمة شعبي «3» وأذن المنافق بدفنه".

قلت: فهذا فيه تصريح بالإخبار بقتله ودفنه. لكن عليه اشكالان:

أحدهما: أن في أول هذا الفصل بعينه، وهو النبوة في المسيح:" ان عبدي ليفهم ويرتفع ويتعظم ويتعالى جدا، حتى يتعجب منه/ كثير من الناس" وساق صفاته إلى أن اتصل «4» بذكر قتله ودفنه، فهذا تصريح/ بأن المسيح عبد الله، وأنتم تقولون: هو الله، أو ابن الله، كما صرح به الإنجيل. فإن قلتم بمجموع الأمرين: أعني عبوديته وقتله، فقد خالفتم دينكم في القول بالعبودية. وإن ألغيتم الأمرين ولم تعتدوا بهما فقد سقط عنا اشكال الإخبار بالقتل، وإن قلتم بأحدهما دون الآخر وهو القتل كان ذلك ترجيحا من غير مرجح، واحتجاجا بكلام تقدحون في جزءه ثم نقابلكم بمثله، فنقول بالعبودية دون القتل.

(1) في التراجم الحديثة:" تأديب سلامنا عليه".

(2)

في (م): حقيه، وفي (ش)، (أ): حقبه.

(3)

في (أ): شعيا.

(4)

هكذا في النسخ الثلاث. والمعنى: إلى أن وصل إلى ذكر قتله ....

ص: 351

فإن قيل: ذكر العبودية حق باعتبار ناسوت المسيح، وإلهيته حق باعتبار لاهوته فكلا الأمرين صحيح. فنقول بهما ويثبت ما ادعيناه من قتله.

قلنا: هذا هوس، وأنتم عند التحقيق عاجزون عن إثباته. وقد وجهت ذلك في التعليق على الإنجيل «1» .

الإشكال الثاني: أن أشعياء قبل المسيح بخمسمائة عام أو نحوها وهو يحكي ما جرى للمسيح بلفظ الماضي حيث قال:" دنا متواضعا، ولم يفتح فاه، وسيق مثل الحمل للذبح، وكان صامتا كالنعجة قدام جازرها" ونحو ذلك من صيغ الماضي وحقه أن يذكر بصيغة المستقبل. وهذا يدل على اضطراب هذا الإخبار، وكونه مدخولا «2» .

(1) انظر كتابه تعاليق على الأناجيل ص 8 - 14، خ. يقول ابن تيمية- رحمه الله في الحديث عن هذه المسألة في الجواب الصحيح 1/ 475، 476 بتحقيق د. علي حسن عسيري:" وقولهم إنه إله بلاهوته، ورسول بناسوته، كلام باطل من وجوه: منها أن الذي كان يكلم الناس إما أن يكون هو الله أو هو رسول الله، فإن كان هو الله، بطل كونه رسول الله، وإن كان رسول الله بطل كونه هو الله

الوجه الثاني: أن خطابه خطاب رسول ونبي، كما ثبت ذلك عنه في عامة المواضع. الثالث: أن مصير الشيئين شيئا واحدا مع بقائهما على حالهما بدون الاستحالة والاختلاط ممتنع في صريح العقل

الرابع: أنه مع الاتحاد يصير الشيئان شيئا واحدا فيكون الإله هو الرسول والرسول هو الإله، إذ هذا هو هذا" اهـ. مختصرا.

(2)

ويمكن أن نزيد على ذلك: أن نصوص الإنجيل والكتب النصرانية متضافرة دالة على عدم صلب عيسى- عليه السلام بخصوصه، كما ألمح الطوفي في أول الجواب، والنصوص من تلك الكتب كثيرة ذكر القرافي- رحمه الله منها ثلاثة نصوص كأمثلة لذلك. [انظر الأجوبة الفاخرة ص 254 - 256 بتحقيق الباحث. وانظر إنجيل لوقا الأصحاح التاسع والأصحاح الثالث والعشرين، وإنجيل متى الأصحاح السابع والعشرين، وإنجيل مرقس الأصحاح الخامس عشر، وإنجيل يوحنا الأصحاح التاسع عشر].

ص: 352

قلت: لكن عند الإنصاف، هذا الإشكال/ لا يتجه، لأن اخبارات الله- سبحانه- كثيرا ما جاءت عن المستقبل بصيغة الماضي، وقد وقع مثله في القرآن كثيرا. والمعول عليه في الجواب عما تضمنته الكتب القديمة من قبل المسيح هو الوجه الأول، وهو القدح في صحتها، ودعواهم تواترها ممنوعة وإثباته عليهم شديد «1» .

الوجه الثالث: أن هذا الخصم قدح في قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ

(100)«2» .

وفي قصة زواج موسى على أن يؤجر نفسه ثماني حجج بأن ذلك لم يذكر في التوراة فنحن أيضا نقدح في دعواه صلب المسيح وقلته بعين ذلك، وهو أنه لم يذكر في التوراة، حيث جمع" إسرائيل"«3» بنيه بمصر قبيل موته، وأخبرهم بما

(1) قلت: دعواهم التواتر باطل لأنه جهل بحقيقة التواتر الذي تميزت به أمة محمد صلى الله عليه وسلم. لأنه: ما أخبر به قوم يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب وأسندوه إلى شيء محسوس" وشروطه:

أن يكون المخبر عنه أمرا محسوسا باشره المخبرون به لا غيرهم. واستواء الطرفين والواسطة.

وهذا لم يتوفر عند النصارى واليهود والمجوس في هذه القضية. لأن أصلهم في الإخبار عنها- وهم الطرف الأول- لم يكونوا عددا يستحيل تواطؤهم على الكذب. لأن الحواريين فروا عنه حين قاده الوزعة من اليهود للقتل- على زعمهم- ثم إن المباشر للصلب هم الوزعة وأعوان الولاة. وفي العادة أنهم يكونون نفرا قليلا كالثلاثة ونحوها فيجوز عليهم الكذب، مع أنهم أعداء نبي لا يصدقون فيما يقولونه في أمره. وبذلك انخرمت الثقة بالأصل فلم نثق بما يتفرع عنه. وبهذا يبطل ادعاؤهم التواتر. من اليهود والنصارى والمجوس. [انظر في هذه المسألة بتوسع: الأجوبة الفاخرة للقرافي ص 245 - 253] بتحقيق الباحث.

(2)

سورة يوسف، آية:100.

(3)

يعقوب عليه السلام.

ص: 353

يكون لكل منهم في مستقبله.

فإنه تغيظ «1» على" روبيل"«2» وقال له:" نجست فراشي" يعني كونه وطئ سرية أبيه- وقال:" لا يفقد الملك والنبوة والكهنوت من سبط «3» يهوذا ومن بين فخذيه. حتى يأتي من هي له، وإياه تنتظر الشعوب. الرّابط في الشجرة جحشه «4». وفي القضيب «5» ابن أتانه «6» تحمر من الخمر عيناه، وأشد بياضا من اللبن أسنانه"«7» .

وهذه صفات المسيح بلا شك «8» ، ولم يذكر أنه يقتل ولا يصلب. فإن قيل: ثبت قتله بزيادة مقبولة من الأنبياء كما ذكر عن شعياء ودانيال والإنجيل.

(1) تغيظ: أي غضب. [انظر مختار الصحاح ص 487].

(2)

أحد أبناء يعقوب- عليه السلام الأحد عشر كما في كتب النصارى واليهود.

(3)

السبط: ولد الولد مهما نزل. كأنه امتداد للفروع [انظر المفردات للراغب ص 222].

(4)

الجحش: ولد الأتان، أو ولد الحمار الوحشي والأهلي. [انظر المصباح المنير 1/ 112، ولسان العرب 6/ 270].

(5)

في (أ):"

جحشه في القضيب ابن أتانه

". والقضيب: نوع من الشجر ينبت في مجامع الشجر، يتخذ منه القسي والأسهم. [انظر لسان العرب 1/ 679 - 680].

(6)

أتانه: أنثى الحمار. [انظر لسان العرب 13/ 6، والمصباح المنير 1/ 7].

(7)

انظر أول الأصحاح التاسع والأربعين من سفر التكوين.

(8)

هذا على اعتقاد النصارى واليهود الذين يلفقون بالأنبياء- عليهم السلام ما لا يليق بهم، وإلا فإن وصف المسيح- عليه السلام بهذا لا يليق.

ص: 354

قلنا: ورفع أبوي يوسف على العرش وايجار موسى نفسه ثماني سنين ثبتت «1» بزيادة مقبولة «2» / على لسان محمد في القرآن. وهي زيادة مقبولة «3» .

فإن قيل: لكن زيادة قتل المسيح ثبتت على لسان من اتفقنا على نبوته وصدقه، وزيادة رفع أبوي يوسف، وايجار موسى نفسه ثبتت على لسان من اختصصتم/ باعتقاد نبوته، وخالفناكم نحن فيها، ولم نوافقكم عليها.

قلنا: هو كذلك لكن عدم موافقتكم على صدقه لا يقدح في نبوته وصدقه/ لأنكم أنتم وافقتم اليهود على صدق موسى والتوراة، وخالفوكم في صدق المسيح والإنجيل. ولم يكن ذلك قادحا في صدقهما، باتفاق منا ومنكم.

فإن كان عدم وفاقكم لنا على صدق محمد قادحا فيه، لزمكم أن يكون عدم وفاق اليهود لكم على صدق المسيح قادحا فيه، والجواب مشترك «4» .

وأما ما ذكر عن" السّهروردي" من «5» قوله:" لو لم يصلب عيسى، لم يبق على المحسوسات اعتماد" وهو من أكابر فلاسفة الإسلام. فليس صحيحا عن

(1) في (م): ثبت.

(2)

هكذا في النسخ الثلاث، والأبلغ حذف" مقبولة" الأولى. أو حذف عبارة:" وهي زيادة مقبولة".

(3)

هكذا في النسخ الثلاث، والأبلغ حذف" مقبولة" الأولى. أو حذف عبارة:" وهي زيادة مقبولة".

(4)

قلت: قولهم في الاتفاق على صدق عيسى- عليه السلام واختصاصنا بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم يرد عليه بأننا نحن وإياهم اتفقنا على صدق عيسى- عليه السلام فيما جاء به من الله ومما جاء به من الله وجوب التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكون اتفاقنا نحن وإياهم إلا على هذا وإذا حصل الاتفاق على ذلك حصل الاتفاق على تصديق محمد صلى الله عليه وسلم وإن خالفونا في ذلك فقد كذبوا بعيسى- عليه السلام ولم يوافقونا على تصديقه- عليه السلام وعند ذلك لا حجة لهم علينا.

فهم مكذبون لهما معا.

(5)

في (أ): عن قوله.

ص: 355

السّهروردي. وإنما حكى ذلك حكاية عن بعض من نازع في بعض أحكام التواتر.

من نظر ذلك في كتابه وجده، ولم يتفق لي حكاية لفظه «1» .

وبتقدير صحته عنه. فالجواب عنه من وجوه:

أحدها: أن هذا الرجل المذكور رجل غلبت عليه الفلسفة، ثم انسلخ منها إلى الزندقة «2» ، حتى قتل في" حلب"«3» بسيف الشرع، فليس قوله حجة على الله ورسوله، والقرآن وإجماع المسلمين.

وقوله:" كان من أكابر فلاسفة الإسلام" غلط. فإن الفلسفة «4» التي كان يتعاناها «5» هذا وأصحابه ليست من الإسلام في شيء. وكيف يكون من الإسلام ما يقدح فيه، ويقوض مبانيه؟ وإنما الإسلام انقياد واستسلام لأحكام العزيز العلام

(1) قلت: وأنا كذلك لم يتفق لي الاطلاع على كتاب التنقيحات ولم أجده حتى أنقل النص منه.

(2)

في (أ):" إلى الزايدقة":

والزندقة: فارسية معربة معناها: القول ببقاء الدهر وعدم الإيمان باليوم الآخر ووحدانية الخالق.

[انظر لسان العرب 10/ 147].

(3)

حلب: المدينة المشهورة بالشام- سورية الآن- سميت حلب لأن إبراهيم عليه السلام كان نازلا بها يحلب غنمه في الجمعات، ويتصدق به فتقول الفقراء: حلب. وهو قول فيه نظر، والله أعلم لماذا سميت بذلك. عرفت حلب في التاريخ بالخيرات الواسعة وطيب الهواء. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 417].

(4)

الفلسفة: كلمة أعجمية معناها: الحكمة. فيقال للحكيم فيلسوف، ولكن أصبح المسمى بذلك أهل الحكمة، ومن يقدم العقل على الوحي، ويفسر الحوادث تفسيرا عقليا. وعلى علماء الكيمياء وأهل الطبيعة، وعلى من يتنكر للدين، وتطلق تهكما على من كان شاذ الرأي [انظر لسان العرب 10/ 147، المعجم الفلسفي 2/ 173 - 174].

(5)

من التعنية وهو طول الحبس، أي حبس نفسه حتى صار حبيسا لها.

[انظر هامش ص: 156].

ص: 356

وسنة محمد- عليه السلام واتباع لا ابتداع. وإنما هؤلاء قوم زنادقة، ينتمون إلى الإسلام لحفظ رياستهم ودمائهم والإسلام فسيح واسع/ يقبل «1» منهم الظاهر، والله أولى بالسرائر فهم في الظاهر منه، وفي الباطن منسلخون عنه.

الثاني: أن قول «2» " السهروردي" إن كان حجة علينا فليكن قول كل من أسلم من النصارى، ثم عاد بالقدح على دين النصرانية حجة عليكم، وإنما تقوم الحجة بقول المعتبرين منا، كالخلفاء الأربعة، والفقهاء السبعة «3» . والأئمة الأربعة أو من هو معتبر في الإجماع من أهل الحل والعقد كما لا تقوم حجتنا عليكم إلا بمن تعتبرون قوله منكم.

الثالث: أن" السهروردي" لم يكن عالما بأصول الشرائع والنبوات على الوجه المعتبر فيها، حتى يكون قوله حجة لها وعليها. إنما كان علمه فلسفة محضة وعقليات صرفة وليس له تصنيف إلا في ذلك كاللمحات والألواح «4» والإشراق «5» وغيرها. وهذه" التنقيحات" لا يعتمد/ عليها من المسلمين في أصول الفقه إلا من هو على طريقه في الانحراف إلى الفلسفة، والخلو من علم النبوة وقد

(1) في (ش): فقبل.

(2)

في (أ):" أن قوله".

(3)

الفقهاء السبعة هم التابعون: سعيد بن المسيب بن حزن عالم المدينة المتوفى سنة أربع وتسعين للهجرة، وعروة بن الزبير بن العوام المتوفى سنة أربع وتسعين أيضا، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المتوفى سنة أربع وتسعين أيضا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة المتوفى سنة ثمان وتسعين للهجرة، وخارجة بن زيد بن ثابت المتوفى سنة مائة للهجرة، وسليمان بن يسار المتوفى سنة سبع ومائة للهجرة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق المتوفى سنة سبع ومائة أيضا.

[انظر سير أعلام النبلاء 4/ 416، 421، 437، 475، وشذرات الذهب 1/ 134، 135، والنجوم الزاهرة 1/ 228].

(4)

الألواح العمادية.

(5)

اسمه: حكمة الإشراق.

ص: 357

رأيتها وهي كثيرة التشكيك، لا يكاد يبني شيئا إلا ويهدمه ولا ينصر قولا إلا ويخذله وأنت أيها الخصم قد قدمت عند ذكرك ضرورة الخلق إلى النبوة ومنفعتها:

إن العقل لا يستقل «1» بإدراك الأمور الإلهية بدون تأييد إلهي.

الرابع: قوله:" لو لم يصلب المسيح لم يبق على المحسوسات اعتماد" إن أراد لم يبق عليها اعتماد مع عدم المعارض لها فلا نسلم أن ذلك لازم لعدم صلب المسيح، وإن أراد مع وجود المعارض/ فهو صحيح، فإن مدارك العلم إما حس أو عقل أو مركب منهما. وكلها قد تخلف مع وجود المعارض. أما الحس فكما في التخييلات/ السحرية والشعبذية وكعدم «2» إدراك الصوت للصمم «3» والريح للخشم «4» والطعم للمرة، واللمس لفساد في آلته، أو لعلة في محله، وأما العقل فكما يعرض للإنسان عند غلبة السوداء «5» أو الحزن أو الفرح المفرطين أو السكر ونحوه من المغيّبات كالنوم والإغماء فإنه يرى الحقائق منقلبة، والأمور مضطربة، وأما المركب منهما فكخبر الواحد إذا كان في طريقه كذاب. وكالتواتر إذا فقد فيه شرط.

(1) في (ش): المستقل.

(2)

في (ش): لعدم.

(3)

الصّمم: الأصم الذي فقد حاسة السمع [انظر لسان العرب 12/ 342].

(4)

الخشم: يطلق على من كسر خيشومه، وعلى الداء الذي يأخذ في جوف الأنف فتتغير رائحته، وعلى سقوط الخياشيم وانسداد المتنفس، والذي يصيبه آفة من هذه الآفات لا يكاد يشم شيئا. [انظر لسان العرب 12/ 178 - 179].

(5)

السوداء: أحد الأخلاط الأربعة التي زعم الأقدمون أن الجسم مهيأ عليها، بها قوامه، ومنها صلاحه وفساده وهي: الصفراء، والدم، والبلغم والسوداء، وهي عند قدماء الأطباء خليط أسود، وهي عكر الدم الطبيعي وتطلق عند المحدثين على الاضطرابات المصحوبة بالحزن العميق المزمن، والتشاؤم العام الدائم، وهبوط النشاط الحركي، وفقدان الاهتمام بالعالم الخارجي، والأرق، ورفض الغذاء.

[المعجم الوسيط 1/ 461، والمعجم الفلسفي 1/ 676].

ص: 358

وأما البرهان على أن المسيح لم يصلب ولم يقتل فهو: أن قتله إن لم يكن [أشهر]«1» من ولادته من غير ذكر، فهو مثله في الشهرة، ولا بدّ. ثم إن ولادته من غير ذلك لما كان له وجود، تواتر تواترا لم يختلف فيه اثنان «2» منا ومنكم فلما اختلفنا في قتله، دل على أنه لم يبلغ تلك المرتبة من التواتر فلم يثبت بمجرد الدعاوى أو الحجج الضعيفة «3» وإنما كان الأمر في ذلك مشتبها «4» كما نص عليه القرآن فاشتبه عليكم.

يؤكد «5» ذلك: أن المسيح طبق ذكره الآفاق، لما ظهر على يده من الخوارق وقتل مثل هذا لا يقبل مثل هذا النزاع لما يجب له في مطرد العادات من الشهرة والغلبة، وإذا كان يحيى وزكريا دونه في الشهرة بكثير، ثم لم يختلف في قتلهما.

فما الظن بالمسيح الذي أجمعنا على أنه أفضل أنبياء بني إسرائيل «6» وأنتم تدعونه إلها؟ «7» .

(1) في (أ):" إن لم يكن اسمه من ولادته

"، وفي (م):" فهو أن يقال إن لم تكن ولادته من غير ذكر فهو مثله في الشهرة" ومكان العبارة في (ش) بياض وما أثبته هو الصحيح والله أعلم.

(2)

في (ش): إنسان.

(3)

عبارة:" أو الحجج الضعيفة" مكررة في (أ).

(4)

في (ش): مشبها.

(5)

في (م):" وكذلك أن المسيح

".

(6)

لا شك أن عيسى- عليه السلام من أولو العزم من الرسل وهم أفضل من سائر الرسل، وأنه من أفضل أنبياء بني إسرائيل، ولكن لم أجد دليلا على أنه أفضلهم، فموسى- عليه السلام أيضا من أفضل أنبياء بني إسرائيل وأيهما أفضل؟ الله أعلم. ونحن لا نفضل نبيا بعينه على آخر بعينه، ولم يرد نص يفضل أحدهما على الآخر.

(7)

قلت: الطوفي- رحمه الله يريد أن يرد على النصراني تكذيب القرآن والمسلمين بإلقاء الشبه على عيسى- عليه السلام والنصارى دائما يقولون إن ذلك يفضي إلى السفسطة والدخول في الجهالات. ويمكن أن يرد عليهم من وجوه أذكرها باختصار وهي:-

ص: 359