المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج] - الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌أولا: المقدمة

- ‌المقدمة

- ‌ثانيا: قسم الدراسة

- ‌الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي:

- ‌الفصل الثاني: حياة الطوفي

- ‌ثالثا: التحقيق

- ‌الخطبة

- ‌ المقدمات ثلاث:

- ‌[المقدمة الأولى: سد باب الاستدلال بكتب أهل الكتاب]

- ‌[المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع]

- ‌[المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول]

- ‌[المتنبئون الكذبة والتحذير منهم]

- ‌[حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها]

- ‌[فوائد النبوات ومنفعتها]

- ‌[النبي وشروطه]

- ‌[موقف النصارى من النكاح]

- ‌[فوائد النكاح وفضيلته]

- ‌[الأنبياء والنكاح]

- ‌[ظهور المعجز على يد النبي]

- ‌[موافقة ما يأتي به النبي للفطرة]

- ‌[موقف عتاة النصارى من نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]

- ‌[امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم]

- ‌[المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم]

- ‌[الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أُخْتَ هارُونَ

- ‌[رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام]

- ‌[رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له]

- ‌[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج]

- ‌[تناقض كتب النصارى التي بأيديهم]

- ‌[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام]

- ‌[أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك]

- ‌[البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل]

- ‌[أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك]

- ‌[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء]

- ‌[تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك]

- ‌[بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام]

- ‌[الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين]

- ‌[تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك]

- ‌[الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه]

- ‌[القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك]

- ‌[كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك]

- ‌[عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه]

- ‌[الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره]

- ‌[الإسراء والمعراج]

- ‌[الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه]

- ‌[رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة]

- ‌[البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك]

- ‌[الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام]

- ‌[مكان دفن الأنبياء]

الفصل: ‌[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج]

[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج]

قال:" ومن ذلك في سورة القصص بعد ذكر موسى: ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ

إلى قوله:

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ

«1» قال: الكذب في هذه القصة في مواضع:

أحدها: قوله:" وجد على الماء قوما يسقون" ولم يكن كذلك يعني بل «2» القوم طرءوا «3» على بنات شعيب، وقد ملأن الحياض «4» ليسقين غنم أبيهن، فأخرجوهن فقام موسى فحماهن وسقى غنمهن كما سيأتي في لفظ التوراة.

الثانى" أن النساء كن سبعا لا اثنتين.

الثالث: أن عرض شعيب ابنته على موسى واستئجاره على نكاحها ثماني سنين لم يكن منه شيء، إنما كان هذا في زواج يعقوب براحيل بنت خاله" لابن" وإنما اختلطت لهذا الإنسان القصة، أو خلطت له بقصة زواج يعقوب النبي، ثم ذكر ما في التوراة من قصة موسى في ذلك. وهو أن قال فيها بعد ذكر قتل موسى للقبطي «5»:" فسمع فرعون هذا الخبر وكان يطلب قتل موسى فهرب من حضرته، وأقام بأرض مدين «6» ، وجلس جوار البئر.

(1) سورة القصص من 23 - 27.

(2)

في (ش) يعني أن القوم.

(3)

أي وردوا على بنات شعيب، وأتوهن فجأة. [لسان العرب 1/ 114].

(4)

في (م): الحوض.

(5)

القصة في سفر الخروج الأصحاح الثاني.

(6)

أرض مدين: مدينة قوم شعيب قرية من أرض معان من أطراف الشام مما يلي ناحية الحجاز، قريبا من بحيرة قوم لوط، بينها وبين تبوك ست مراحل، وهي أكبر من تبوك في ذلك الوقت وبها البئر التي استقى منها موسى لغنم شعيب. ومدين قبيلة من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل- عليه السلام وشعيب عليه السلام نبيهم. ذكرت قصة عتوهم في القرآن الكريم، وكانوا يخيفون المارة ويعبدون الأيكة- شجرة من الأيك- أهلكهم الله بأنواع من العذاب. [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1246، والبداية والنهاية 1/ 184 - 191].

ص: 325

وكان لإمام مدين سبع بنات. كن أقبلن لاستقاء الماء فملأن الحياض وأحببن سقي غنم" يثرا"«1» أبيهن، فأقبل الرعاة عليهن وأخرجوهن فقام موسى وحمى الجواري وسقى نعاجهن، فلما انصرفن إلى" يثرو" أبيهن، قال لهن: لم جئتن أسرع من المعتاد «2» ؟ فأجبن: رجل مسلم «3» مصري أنجانا من الرعاة، وبزيادة استقى الماء وسقى النعاج «4». فقال: أين هو؟ لم خلفتن الإنسان؟ ادعونه ليأكل خبزا، فحلف «5» موسى أن يسكن معه وأخذ سابور «6» بنته زوجة". اهـ.

قال:" هذا نص التوراة/ أن الجواري كن سبعا، لا اثنتين، وأن والدهن كان اسمه يثرو لا شعيب، ولا ذكر لاستئجاره ثماني حجج.

ثم ذكر قصة زواج يعقوب من التوراة إلى آخرها.

ثم قال:" فتأمل يا قارئ اختلاط إحدى القصتين بالأخرى".

قلت: والجواب عن هذا السؤال من وجوه:

(1) اختلف المفسرون في اسم أبي المرأتين المشار إليهما: فقال بعضهم: اسمه يثرون أو يثرى. وقال بعضهم: اسمه شعيب وهو النبي- عليه السلام وكلا القولين لا دليل عليهما، ولسنا متعبدين بمعرفته ولا بمعرفة اسمي المرأتين بل بالإيمان والتصديق بالقصة دون معرفة الأسماء والله أعلم.

(2)

في (ش): المضاد.

(3)

كلمة" مسلم" ليست في (م)، (ش).

(4)

عبارة (أ):" وبزيادة استقى الماء وسقى النعاج" وفي التراجم الحديثة:" فقلن رجل مصري أنقذنا من أيدى الرعاة، وأنه استقى لنا أيضا وسقى الغنم فقال لبناته فأين هو

".

(5)

فحلف: ليست في (ش) وفي التراجم الحديثة:" فارتضى" موسى أن يسكن مع الرجل" والمعنى: فأقسم على موسى أن يسكن معه

(6)

في التراجم الحديثة اليونانية:" صفّورة".

ص: 326

أحدها: الجواب العام بالقدح في التوراة وعدم الوثوق بها، كما تقرر في المقدمة وقد وجدنا فيها من التناقض والاختلاف/ ما بعضه يقدح في الاحتجاج بها.

ولذلك سببان ظاهران:

أحدهما: أن اليهود حرفوا منها اسم محمد- عليه السلام «1» ودلائل نبوته «2» لئلا يكون عليهم حجة له من كتابهم، وحرفوا مع ذلك أشياء مما جاء به محمد عن وضعه الذي في التوراة ليصير ذلك شبهة لهم في تكذيبه، ويقولون: ما نصنع به؟ لو وافق ما عندنا أو ذكر فيه، آمنا به «3» .

(1) قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ

الآية [سورة الأعراف آية 157] وقال تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ

[سورة البقرة 146، وسورة الأنعام 20].

(2)

أخرج البخاري في (البيوع، باب كراهية السخب في الأسواق وفي تفسير سورة الفتح 3) عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن [قال في التوراة]: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبنا غلفا" اهـ.

(3)

قال الله تعالى: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ الآية [سورة النساء 46]، وقال تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وهُمْ يَعْلَمُونَ (75)[سورة البقرة 75].

ص: 327

السبب الثاني:

أن التوراة تقادم عهدها وحرفت في زمن" بختنصر «1» " وتعاورتها «2» التغيرات والتنقلات من العبراني إلى السرياني إلى القبطي إلى العربي لفظا وخطا.

وبعيد من مثل هذه التغيرات أن لا تخل بالمعاني. ولذلك صارت التوراة التي بيد النصارى «3» تخالف التي بيد اليهود «4» ، والتي بيد اليهود يخالف بعضها بعضا كما أن أناجيل النصارى يخالف بعضها بعضا «5» ، كما قد بينته/ في التعليق عليها «6» لأن أهل الكتاب معتمدهم على الخط، لا على الحفظ، وعلى الرواية بالمعنى لا باللفظ.

الثاني: أن علماء المسلمين ذكروا قصة موسى، على وفق ما هي في القرآن وكان لهم اجتماع بأهل الكتاب واطلاع على علمهم، وأسلم جماعة من أهل

(1) بختنصر: أحد ملوك بني إسرائيل، ذكر ابن أبي حاتم أنه كان فقيرا مقعدا ضعيفا يستعطي الناس، ويستطعمهم ثم آل به الحال إلى ما آل، وأنه سار إلى بيت المقدس فقتل بها خلقا كثيرا من بني إسرائيل، وذكر ابن كثير أن ابن إسحاق وغيره ذكروا أن خراب بيت المقدس كان على يديه في عهد نبي الله" أرمياء"[انظر تفسير ابن كثير 3/ 25، البداية والنهاية 1/ 34 - 39].

(2)

كلمة:" وتعاورتها" غير واضحة في (أ).

(3)

وتسمى باليونانية.

(4)

وهي نسختان: العبرانية والسامرية.

(5)

إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا وغيرها.

(6)

في كتابه:" تعاليق على الأناجيل" خ.

ص: 328

الكتاب ووافقوهم على ذلك كعبد الله بن سلام/ من اليهود، والعاقب والسيد «1» رئيسي نجران من النصارى والنجاشي «2» صاحب الحبشة «3» في ناس كثير، فدل أن ما في القرآن موافق لما في الكتب القديمة، ولكن هذا الذي تدعونه تحريف حدث.

فإن قيل: إنما كان إسلام بعض أهل الكتاب «4» وعدم إنكارهم ما جاء به القرآن من الوهم مخافة من سيف الإسلام، فإنه كان مشهورا منصورا، لا يقوم له أحد.

(1) العاقب: اسمه عبد المسيح، وكان صاحب مشورة قومه نصارى نجران.

وأما السيد فكان اسمه: الأيهم وقيل شرحبيل، وكان صاحب رحالهم ومجتمعهم ورئيس في ذلك. وقصتهما مع وفد نجران الذي قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مشهورة. ذكرها البخاري في صحيحه- في كتاب المغازي، باب قصة أهل نجران- وابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 358) وذكر ابن سعد أنهما أسلما بعد ذلك وأنزلهما النبي صلى الله عليه وسلم دار أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه.

والله أعلم وقد ذكرها أيضا ابن تيمية في الجواب الصحيح (1/ 241 - 265) بتحقيق د. على حسن عسيري.

(2)

أصحمة بن بحر، أحد ملوك الحبشة. والنجاشي لقب لكل من ملكوهم. كان رضي الله عنه ذا عدل في ملكه. هاجر إليه جمع من الصحابة فسألهم عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه وتلوا عليه شيئا من القرآن فقال:" إن هذا والذي جاء به موسى يخرج من مشكاة واحدة" وأسلم خفية عن قومه وقال:" أشهد أنه رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه" توفي في رجب سنة تسع من الهجرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات، مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة. [انظر صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار، باب موت النجاشي، وسنن أبي داود، كتاب الجنائز باب الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك، ومسند أحمد (1/ 203)، وفتح الباري (3/ 187).

(3)

الحبشة: جيل معروف يرجع نسبهم إلى حبش بن كوش بن حام ابن نوح. والجمع أحبوش، وهم أمة كبيرة، ويذكرهم المؤرخون في عداد أمم السودان. ودولة الحبشة اليوم تقع في شرق إفريقيا.

[انظر فتح الباري 7/ 190 - 191، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 288].

(4)

عبارة «إسلام بعض أهل الكتاب» سقطت من (ش).

ص: 329

قلنا: هذا مما لا يفيدكم، فإن مصنف هذا الكتاب قد أبرز فيه كل ما عنده من الطعن في دين الإسلام مع المخافة وظهور الإسلام، ولم يمنعه ذلك، فلو أمكن الأوائل من أهل الكتاب قدح لفعلوا، ولو في خفية ثم لاشتهر في ذلك العصر ثم نقل إلينا. كيف والمسيح صلى الله عليه وسلم «1» يقول:" ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلن «2» ". وهو قول معصوم لا يجرم.

وأيضا فإن من الممتنع عادة أن أحدا لا «3» ينتقل من دين إلى دين إلا بعد انشراحه لما انتقل إليه وانقباضه عما كان عليه، وأن من ينشرح صدره لدين يحتمل الذل والصغار والقتل، ولا ينتقل عنه كاليهود والنصارى في بلاد المسلمين، والمسلمين في بلاد النصارى. فمن المحال عادة أن جماعات من أحبار «4» اليهود والنصارى ورؤسائهم ورعاعهم يتركون دينهم في/ عصر النبوة إليها إلا بعد علمهم بصحة ما جاءت به «5» ، وحينئذ يصير هؤلاء حجة على من يقدح في الإسلام من أهل الدينين.

(1)" وسلم" ليست في النسخ الثلاث.

(2)

إنجيل متى الأصحاح العاشر.

(3)

" لا" سقطت من (ش).

(4)

الأحبار جمع حبر وهو العالم. وفي حبر لغتان: بكسر الحاء وفتحها [المصباح المنير 1/ 142] والأول أصح لأن جمعه أحبار، والله تعالى يقول: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية 31 من سورة التوبة والمراد بالأحبار علماء اليهود الذين يحبرون الكلام ويحسنونه.

والفرق بينه وبين الراهب أن الراهب بمعنى المتعبد الخاشع الزاهد. وأصله عند النصارى التخلي عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها والزهد فيها، والعزلة عن أهلها.

[انظر لسان العرب 4/ 157 - 158 وتفسير القاسمي 8/ 184].

(5)

مثل عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، والنجاشي، وغيرهم.

ص: 330

وهذا" ابن جزلة"«1» صاحب" منهاج البيان" في الطب كان نصرانيا فأسلم وصنف كتابا سماه" إفحام النصارى" ولما مات وقف كتبه على تربة الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت «2» / ببغداد «3» وكثيرون مثله يسلمون ويحسن إسلامهم، وبعد ذلك يطعنون فيما كانوا عليه من اليهودية أو النصرانية «4» ولم نر مسلما خرج عن الإسلام، فحمد ما انتقل إليه «5» فإن قيل: لأن المسلمين لا يتركونه بل

(1) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 182.

(2)

النعمان بن ثابت بن زوطي التميمي الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة، يقال: إنه من أبناء الفرس. إمام أصحاب الرأي، وفقيه أهل العراق، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ولد بالكوفة، وطلب العلم في صباه، ثم انقطع للتدريس والإفتاء. رأى أنس بن مالك رضي الله عنه وسمع عطاء بن أبي رباح وغيره من التابعين، كان طويل الصمت كثير العقل، يسمى الوتد لكثرة صلابته، قال عنه الشافعي:" الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة" قدم بغداد فأقام بها حتى توفي سنة خمسين ومائة رحمه الله تعالى.

[انظر سير أعلام النبلاء 6/ 390 - 403، وتاريخ بغداد 13/ 323 - 423].

(3)

المدينة المعروفة الآن في العراق. وهي عاصمة الدولة العباسية وعاصمة دولة العراق الآن.

(4)

من أمثال السموأل بن يحي بن عباس المغربي المتوفي سنة 570 هـ فقد كان يهوديا ثم أسلم وألف في الرد على اليهود" إفحام اليهود". وأمثال عبد الله بن عبد الله الترجمان الميورقي المتوفي سنة 832 هـ في جزيرة ميورقة والذي كان يدعى قبل إسلامه" أنسليم تورميدا" فقد كان من أحبار النصارى ثم أسلم ورد عليهم بكتابه" تحفة الأديب في الرد على أهل الصليب" وغيرهما كثير.

(5)

قلت: وقد شهد بذلك هرقل ملك النصارى وعالمهم في عهد النبوة، حيث سأل أبا سفيان عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقال:" وسألتكم هل يرجع أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه؟

فقلتم: لا. وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد".

وستأتي القصة بتمامها في نص الكتاب.

ص: 331

يقتلونه فلا يتسع له زمن النظر والترجيح، بين ما انتقل عنه وإليه، ثم انحسمت «1» مادة الردة في الإسلام خوف القتل.

قلنا: لا شك أن مصلحة الدين ومنفعته عظيمة وهي النجاة الأبدية، وعظم مصلحته توجب قوة الداعي المحرك إليه وذلك يوجب انفتاح أبواب الوسائل الموصلة إلى المقصود منه.

وهذه بلاد النصرانية ملاصقة لبلاد الإسلام، والسبل إليها آمنة مسلوكة وفي المسلمين ناس كثير وقفوا على حقيقة دين المسلمين والنصارى وهم عقلاء ألباء، فلو صح لهم ما ذكرتم من القدح في دين الإسلام لتوصلوا إلى أرض النصرانية واعتصموا بها وجعلوها هجرة دينية «2» .- والله أعلم-.

ثم لو لم يكن في هذا الجواب إلا معارضة ما نقله المسلمون لما نقلتموه لأوقف دعواكم في صناعة النظر حتى تبدوا مرجحا لما قلتموه أو دليلا آخر.

(1) في (ش): أحسمت.

(2)

قلت: لقد كان كثير من أهل الكتاب لا يرغبون بالعيش والبقاء في بلاد المسلمين بديلا، وذلك لما ينعمون به من الأمن على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ومن العدل والحماية، وعدم تكليفهم ما لا يطيقون أو تعذيبهم إذا قاموا بما فرضه الإسلام عليهم من الجزية وعدم حرب المسلمين أو التعرض لأذاهم أو محاربة دينهم بأي نوع من أنواع الحرب الفكرية أو المادية. وهذا لا يجدونه في غير بلاد المسلمين ولا تحت حكم طغاتهم. وتحدث الأئمة من السلف الصالح عن أحكام الذميين" أهل الكتاب" وموقف الإسلام منهم وما لهم من حقوق في الإسلام إذا كانوا أهل ذمة:

مثل الخلال في:" أحكام أهل الملل" وابن القيم في:" أحكام أهل الذمة" وغيرهما.

ص: 332

الثالث: أن ما حكاه هذا المصنف من القصة في التوراة/ لا ينافي ما في القرآن بل في القرآن «1» زيادة بيان ومناسبة للقضية «2» ، فرد تلك الزيادة لكونها لم تذكر في التوراة جهالة، لأنه إبطال للوجود المحض بالعدم المحض، وذلك عناد أو قصر باع في العلم لما بيناه في الوجه الرابع من الجواب عن قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ «3» في السؤال قبل هذا، وبيان عدم المنافاة: أما قوله:" إن موسى لما ورد ماء مدين لم يجد القوم/ يسقون بل طرءوا بعد ذلك". فهذه مناقشة باردة ممن لا يعلم مواقع الكلام خصوصا لغة العرب واتساعها، بل ولا حقائق المعقولات فإن" لما" في لغة العرب أداة زمانية: أي تدل على الوقت والزمان، فإذا قلت: قام زيد لما قعد عمرو، معناه: قام زيد وقت أو زمان قيام عمرو. فقوله: ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً «4» / أي: وقت أو زمن ورود ماء مدين وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ولا شك أن الزمان والمكان يكونان حقيقة ومجازا، فحقيقة المكان: هو الموضع الذي يستقر فيه الجسم، ويحيط به فقط دون ما حوله، كدائرة الكرسي مثلا «5» لمن جلس عليه، ومجاز المكان:

ما قارب مستقر الجسم وما أحاط به من مكانه الحقيقي كالبيت أو الدار بالنسبة إلى الكرسي الذي جلس عليه «6» وحقيقة زمان الفعل: الجزء الذي يحدث فيه الفعل فقط لا يتناول شيئا مما قبله ولا بعده، كالجزء الذي كان فيه ورود موسى، ومجازه: هو ما قارب ذلك الجزء بساعة أو ساعتين أو أقل أو أكثر بحسب قرب المجاز وبعده وعظم الحقيقة وصغرها.

(1) عبارة (بل في القرآن) سقطت من (ش).

(2)

في (ش): القضية.

(3)

سورة يوسف، آية رقم:100.

(4)

سورة القصص، آية رقم:23.

(5)

في (ش): الكرسي الذي جلس

(6)

عبارة «مثلا لمن جلس عليه ومجاز المكان: ما قارب مستقر الجسم وما أحاط به من مكانه الحقيقي كالبيت أو الدار بالنسبة إلى الكرسي» سقطت من (ش).

ص: 333

وإذا ثبت هذا التقرير بان: أن لا منافاة بين قوله في القرآن: ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً وبين قوله في التوراة:" فأقبل الرعاة عليهن وأخرجوهن" لجواز أن يكون إقبال الرعاة، ووجدان موسى لهم جميعا في زمن وروده المجازي، الذي هو بعيد زمن وروده الحقيقي.

وكذلك قوله: ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما «1» مع قوله في التوراة:" فقام موسى، وحمى الجواري، وسقى نعاجهن" لا تنافي بين الأمرين لجواز أنهما لما أخرجهما الرعاة عن الماء وقفتا تذودان غنمها- أي تحفظانها «2» / من الشرود «3» - فجاء موسى" فقال ما خطبكما" فأخبرتاه، فحماهما وسقى لهما.

وأما قوله" كن سبعا لا اثنتين" فمن الجائز أن السبع حضرن لكن الذي تولى ذود الغنم منهن اثنتان، والأخر يملأن الحياض، أو ينظرن في مصلحة أخرى للغنم، فوقع الخطاب في القرآن على الذائدتين دون البواقي لأنهن حينئذ أخص بالغنم والبواقي كالأجنبيات منها، لا يعلم في الحال تعلقهن بأمرها «4» .

(1) سورة القصص، الآية: 23، 24.

(2)

في (ش) تحفظانهما.

(3)

قال الراغب الأصفهاني:" ذدته عن كذا أذوده، قال تعالى: ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ أي تطردان

" اهـ، قلت: وهي من ذاد الإبل أو الغنم

يذودها ذودا: أي منعها أو ساقها، أو دفعها، أو طردها. أو كفها. ومعنى الآية: أن المرأتين تمنعان غنمهما لئلا تختلط بغنم الناس. وهو أولى ما قيل في معناها.

[انظر لسان العرب 3/ 167، وتفسير القرطبي 13/ 268].

(4)

هذا من غير دليل والأولى الإجابة بما سبق أن أجاب به في عدم الوثوق بالتوراة المحرفة في هذا وفي غيره، أو أن ذلك مما حرف في التوراة فحرف من اثنتين إلى سبع، فأهل الكتاب اشتهر عنهم ذلك. وتناقض ما بأيديهم من الكتب دليل صحيح على ذلك.

ص: 334

وأما قوله:" لا ذكر لندب شعيب موسى إلى زواج ابنته، ولا لاستئجاره «1» ثماني حجج" فلا ينافي ما في القرآن من ذلك، لأن هذا مجمل وما في القرآن مفصل، ولا تنافي بين المجمل والمفصل. على أن في قوله في التوراة:" أن يثرو قال لبناته: ادعونه يأكل خبزا، فحلف على «2» موسى أن يسكن معه وأخذ سابور «3» بنته زوجة"«4» . تنبيها «5» على ما فصله القرآن إذ معناه: أن يثرو عزم على موسى وأقسم عليه أن يسكن معه. وهذا قريب في العرف من قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ .. «6» فإن الناس جرت عاداتهم أنه إذا ورد/ عليهم غريب فظهرت منه النّجابة والخير والخصال/ الحميدة والأفعال النافعة تمسكوا به وحسنوا له المقام عندهم، وعرضوا عليه المسكن والسكن ليرتبط بذلك عليهم فينتفعون به وينتفع بهم. وقد كان" يثرو" أحق الناس بمثل هذا لكبره، وكون بناته حرما «7» ، ضعفا عن القيام بأمر الغنم، وقد كان الرعاة يستضعفونهن.

وأما قوله:" كان اسم أبيهن يثرو لا شعيب"«8» ، فقد سبق جواب مثله عند قوله:" كان اسم أبي مريم أم المسيح يعقيم لا عمران"«9» وذلك أن الأسماء ألفاظ تختلف باختلاف اللغات، ومع «10» اتفاق المسميات/ لا يضر اختلاف الأسماء.

(1) في (ش): ولا استجاره.

(2)

على": ليست في (م).

(3)

في (ش): لسابور.

(4)

انظر سفر الخروج الأصحاح الثاني.

(5)

في (أ): تنبيه. وتنبيها: اسم إن مؤخر.

(6)

سورة القصص، آية رقم:27.

(7)

الحرم جمع حرمة، وهي المرأة، وما يلزم الإنسان حفظه وصونه. [منال الطالب ص 214].

(8)

راجع ص: 326 والتعليق رقم: 1 فيها.

(9)

راجع ص: 303.

(10)

في (أ): ومنع.

ص: 335

ويدل على هذا ما ذكره" وثيمة بن موسى بن الفرات" في كتاب" قصص الأنبياء" عن محمد بن إسحاق «1» قال: حدثني عبد الله بن زياد بن سمعان «2» عن بعض من قرأ الكتب أن أهل التوراة يزعمون أن شعيبا اسمه في التوراة ميكائيل بن جزي وبالسريانية يثرن بن جزي بن يشجر. وبالعربية: شعيب بن جزي بن يشجر ابن لاوى بن يعقوب.

قال:" وحدثني الشرقي ابن القطامي «3» - وكان عالما بالأنساب- قال: هو

(1) أبو بكر ويقال: أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، ويقال: كومان. المدني المطلبي.

من أقدم المؤرخين. يقال: إنه رأى أنسا وابن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن. كان من أحفظ الناس بما قاله البخاري وروى له مسلم في المتابعات رحل إلى الإسكندرية والكوفة والجزيرة والري وبغداد وتوفي بها سنة إحدى وخمسين ومائة للهجرة على خلاف في تاريخ وفاته. وقد هذب ابن هشام كتابه السيرة النبوية واختصره.

[انظر تهذيب التهذيب 9/ 38 - 46، سير أعلام النبلاء 7/ 33 - 55].

(2)

عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي المدني، مولى أم سلمة كان ضعيف الحديث، ويغير في الرواة، ويدعي السماع من بعض الناس ولم يسمع منهم. سمعه ابن اسحاق يقول:

" سمعت مجاهد" فقال:" والله أنا أكبر منه ما رأيت مجاهدا ولا سمعت منه" قلت: وهذه الرواية تدل على أنه لا يؤخذ بحديثه لأنه يقول:" عن بعض من قرأ الكتب". ولم تذكر سنة وفاته.

[انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 5/ 219 - 221].

(3)

الشرقي: لقب غلب عليه واسمه: الوليد بن حصين بن جمال بن حبيب الكلبي المشهور بالشرقي ابن القطامي، عالم بالأدب والأنساب وهو من أهل الكوفة، استقدمه أبو جعفر المنصور إلى بغداد ليعلم ولده المهدي الأدب، وله رواية في الحديث لكنه ضعيف. توفي في نحو سنة خمس وخمسين ومائة للهجرة.

[انظر تاريخ بغداد 9/ 278 - 279، والأعلام 8/ 120].

ص: 336

يثرون بالعبرانية، وشعيب بالعربية بن عيفاء بن لوثب «1» بن مدين بن إبراهيم".

فتبين بما ذكرناه أن هذا نزاع لفظي لا يقدح في حقائق المعاني «2» .

وأما ما ذكر من أن الاستئجار إنما كان في قصة زواج يعقوب لا موسى.

فجوابه: أن احتجاجك في هذا إنما هو بسكوت التوراة عن ذكره في قصة موسى على ما قد ثبت فيها من التحريف والتبديل والزيادة والنقص والتفاوت في النسخ بالنسبة إلى ما بأيديكم وأيدي اليهود وإلى ما في أيدي طوائف اليهود «3» ، وذلك استدلال بالسكوت الصرف والعدم المحض، والقرآن جاء بزيادة بيان فليس قدح التوراة في القرآن لمجيئه بالزيادة أولى من قدح القرآن في التوراة لمجيئها

(1) في البداية والنهاية (1/ 185):" بن عيفاء بن ثابت بن مدين

".

(2)

قلت: والاختلاف بين مفسري القرآن وأهل الكتاب في اسم صالح مدين لا يبني عليه تكذيب القرآن الكريم بأي حال، لأن القصة وردت في القرآن دون ذكر اسم أبي البنتين، ولا فائدة في ذكر الأسماء إذا تحقق الغرض من القصة والحمد لله.

(3)

أجمع اليهود والنصارى على القول بوقوع التحريف والتبديل في التوراة، وكل طائفة تجعل مسئولية التحريف والتبديل في عنق الأخرى وسبب ذلك أن نصوص التوراة التي بأيدي النصارى شاهدة بإرسال المسيح- عليه السلام في الزمن الذي أرسل فيه، ويزعمون أن اليهود بدلوا ما بأيديهم من نسخ التوراة عنادا وحذرا من الاعتراف بإرسال المسيح- عليه السلام واليهود يزعمون أن النصارى بدلوا ما بأيديهم من النسخ، وأن المسيح إنما يأتي في آخر الزمان، وهو المسيح المنتظر على زعمهم، ويزعمون أن ما بأيديهم من نسخ التوراة موافق لما ادعوه. قال الله تعالى: وقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [البقرة: 113] ثم إن التوراة التي بأيدي اليهود يعترفون بأنها غير منزلة إنما كتبها عزرا من محفوظاته ومحفوظات بعض الكهنة أيام بختنصر، وهم فرق كل فرقة تدعي أن ما بأيديهم هو الحق، فالسامرة مثلا لها توراة يدعون أنها هي الصحيحة دون ما بأيدي سائر-

ص: 337

بالنقص، فما المرجح لأحد القدحين على الآخر؟ على أن ما في القرآن أولى بالاعتبار لأنه أنسب بسياق القضية لمن تدبره، ولأنه أقرب عهدا بالظهور من التوراة «1» ، وأبعد عن التحريف والنقل من لغة إلى لغة، ومن ترجمة إلى ترجمة، والمسلمون أشد عناية بحفظه من أهل الكتابين بحفظهما.

- اليهود. وفي الأمر ما هو أغرب من ذلك، فاليهود يدعون أن الله تعالى أوحى إلى موسى- عليه السلام وهو بطور سيناء نوعين من الوحي: الأول: الشريعة المكتوبة" أسفار التوراة" والثاني: الشريعة المكررة، أو التعاليم الشفهية. وهذه سرية في زعمهم تتضمن التفسير الصحيح الذي يعنيه الرب سبحانه ويريده من النصوص الظاهرة المكتوبة في أسفار التوراة. كما يزعمون أن هذه التعاليم تنوقلت شفاها عن موسى- عليه السلام عبر أربعين جيلا حتى انتهت إلى يهوذا هاناسي، فدونها خشية الضياع وسميت:" المشناة" أي: المعرفة. ثم شرح الأحبار المشناة في أورشليم وبابل وسميت الشروح:" الجمارا" أي الشرح أو الإكمال. ومن المتن وشرحيه تكون ما يسمى التلمود الأورشليمي والتلمود البابلي، على أن من يحمل كل منها يرى أنه هو الصحيح وأن الآخر باطل. فهذا التعدد دليل على التحريف والتبديل والافتراء على الله: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ووَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (البقرة، آية: 79) وقد بين كثير من العلماء تناقض هذه الكتب والأناجيل التي بأيدي النصارى. [انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 91 - 196، ومعركة الوجود بين القرآن والتلمود ص 36 - 38، وإفحام اليهود ص 135 - 145، ومقامع هامات الصلبان" بين المسيحية والإسلام" ص 174 - 191].

(1)

من حكمة الله تعالى أن بعث في كل أمة رسولا، فإذا مات واندثرت شريعته بعث رسولا آخر فتكون الشريعة المتأخرة ناسخة للمتقدمة وهذا نلزم به النصارى حيث يدعون هم أن اليهود مخطئون في دعواهم أن شريعة موسى- عليه السلام لم تنسخ ولا تنسخ ويثبتون النسخ- وإن كانوا ينكرون نسخ شريعة عيسى- عليه السلام فكما أن الإنجيل عند النصارى نسخ بعض أحكام التوراة فكذلك القرآن كان ناسخا لهما جميعا لتأخره عنهما.

ص: 338

ثم نقول: ما المانع من أن تكون قصة يعقوب وموسى في زواجهما اتفقتا على صفة واحدة/ كما اتفق لإبراهيم وإسحاق، في أن كل واحد منهما لما دخل أرض" أبيمالخ"«1» / ملك فلسطين «2» ادعى أن زوجته أخته لجمالها، خشية أن يغلب عليها «3» . وقد صرحت بذلك التوراة. لكن اتفق أنها شرحت قصة يعقوب بأبسط مما شرحت قصة موسى.

(1) قيل: اسمه:" عمرو بن امرئ القيس بن سبأ" ملك مصر، وقيل: صادوق وكان على الأردن، وقيل: سنان بن علوان بن عنيد بن عريج بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، وقيل إنه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم.

[انظر فتح الباري 6/ 392، الأنس الجليل 1/ 34].

(2)

الأرض التي هاجر إليها إبراهيم ووقعت له ولسارة القصة فيها قيل: إنها مصر، قيل: إنها بعلبك. وقيل غير ذلك، والأشهر أنها مصر. قلت: والذي يظهر من كلام الطوفي أن الأرض التي هاجر إليها إبراهيم وإسحاق واحدة وأن الملك واحد- والله أعلم- (انظر فتح الباري 6/ 392، والأنس الجليل 1/ 34).

(3)

قصة ادعاء إبراهيم- عليه السلام بأن زوجته سارة أخته هي أنه" قدم أرض جبار ومعه سارة، وكانت أحسن الناس. فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك. فإن سألك فأخبريه أنك أختي. فإنك أختي في الإسلام. فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك.

فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار، فأتاه فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك. فأرسل إليها فأتي بها. فقام إبراهيم- عليه السلام إلى الصلاة. فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت يده قبضة شديدة

" الخ القصة. [انظر صحيح البخاري كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، وكتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، وكتاب الأنبياء باب قوله تعالى: واتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ

وغيرها من المواضع فيه. وصحيح مسلم كتاب الفضائل حديث 154، ومسند أحمد 2/ 404].

أما قصة إسحاق فلم أعلم بعد البحث أنه ورد في ذلك شيء. ولعل الطوفي يشير إلى ما في سفر التكوين الأصحاح السادس والعشرين من أن إسحاق ذهب إلى أبيمالخ ملك الفلسطينيين في جرار. وسأله أهل المكان عن امرأته رفقة- أو ربقة- فقال هي أختي لأنه خاف أن يقتل من أجل زوجته لأنها كانت حسنة المنظر

الخ القصة.- والله أعلم-.

ص: 339