الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحديث المعراج، وما جرى فيه مما «1» يجب تسلمه عن «2» صاحب الشريعة إذ لا طريق إليه إلا من جهته، كما كان يخبر موسى بما يجري له مع ربه على الطور «3» ، وكما أخبر المسيح أنه يصعد إلى أبيه فيكون عن يمينه، وأنه في آخر الزمان يأتي في مجد أبيه والأملاك حوله «4» .
[الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه]
ومنها: الآيات والأحاديث المتضمنة لذكر ما في الجنة من مأكول ومشروب ومنكوح. وذكر من الأحاديث ما هو صحيح وباطل وأنكر ذلك واستعظمه بناء على شبه:
إحداهن: ما نقل عن الإنجيل: أن المسيح قال في القيامة:" لا يتزوجون ولا يأكلون ولا يشربون، ولكنهم مثل ملائكة الله في السموات"«5» وذكر عن جماعة من الأنبياء/ أنهم سألوا الابتهاج بوجه الله- يعني فلا يكون بغيره.
الثانية: أن الطعام والشراب في الدنيا لضرورة بقاء الأبدان، لأنها بدونهما تلهك، وهناك يصيرون كالملائكة لا يخشى عليهم الهلاك، لأنها دار السعادة الكاملة.
(1) في (م): من ما.
(2)
في (ش): من.
(3)
ذكر في سفر الخروج الأصحاح الثالث. والطور: هو الجبل الذي كان عنده موسى عليه السلام عند ما كلمه الله سبحانه، وأنزل عليه فيه التوراة، واختلف في معناه. فقيل: الطور: الجبل بالسريانية. وهو طور سيناء، وطور سينين على خلاف في معنى: سيناء، وسنين. [انظر تفسير القرطبي 1/ 436، 12/ 114 - 115، 20/ 112، وزاد المسير 1/ 93، 5/ 466 - 467، ومراصد الاطلاع 2/ 896].
(4)
ذكر ذلك في إنجيل متى الأصحاح الخامس والعشرين.
(5)
انظر إنجيل متى الأصحاح الثاني والعشرين.
الثالثة: ما ذكره أبو علي ابن سينا «1» في" التنبيهات" حيث تكلم في:
" البهجة والسعادة" وحاصله: أن اللذة ليست منحصرة في الحسيات «2» بل الإنسان قد/ يترك الحسيات «3» لتحصيل لذة الغلبة، ولو في أمر ما خسيس كالشطرنج، أو في تحصيل ذكر جميل بعده، يقتحم لأجله الأخطار، وليس ذلك من اللذات العقلية، فما ظنك بالعقلية؟ " «4» .
هذا حاصل ما ذكره في هذا «5» السؤال، وان كان قد أسهب «6» فيه وأطال.
والجواب: أما اللذات الحسية من مأكل ومشرب ومنكح، وكل ما يشتهيه الإنسان من اللذات الممكنة التي لا تغذي فيها، فهو مجمع على حصوله في الآخرة بين المسلمين.
وأما شبه هذا الخصم على بطلان ذلك:
(1) الحسين بن عبد الله بن سيناء أبو علي الفيلسوف الرئيس الطبيب المشهور بالفلسفة والمناظرات.
تقلد الوزارة في همذان وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته فتوارى ثم صار إلى أصفهان، ورجع إلى همذان في آخر حياته فمرض في الطريق ومات بها سنة 428 هـ يقول عن نفسه:" أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم" أي من القرامطة الباطنية، الذين لا يؤمنون بمبدإ ولا معاد، ولا بخالق، ولا رسول مبعوث جاء من عند الله، وكتبه تشهد بإلحاده.
[انظر الأعلام 2/ 241 - 242، وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 2/ 266].
(2)
في (أ): في الحيات.
(3)
في (أ): الحيات.
(4)
انظر كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا: القسمان الثالث والرابع ص 749 - 751.
(5)
«هذا» ليست في (ش).
(6)
في (أ):" قد انتهب".
أما الأولى: فلا شك أنهم نقلوا في الإنجيل عن المسيح: أن الزنادقة المنكرين للقيامة سألوه عن سبعة إخوة تزوجوا امرأة واحدا بعد واحد، ويموتون عنها، فلمن تكون في الآخرة؟ «1» فأجابهم بما ذكر هاهنا، وهو: أن الناس في الآخرة كالملائكة لا يأكلون ولا يتزوجون، لكن هذا ينافيه ما في الفصل التاسع والعشرين «2» من إنجيل مرقس: أن المسيح قال لرجل:" بع كلما لك واعطه للمساكين واكنزه في السماء" فصعب على الرجل، فقال له بطرس: ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فقال يسوع:" الحق أقول لكم: إنه ليس أحد ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو بنين أو حقلا لأجلي ولأجل بشارتي «3» إلا وهو يأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان: منازل وإخوة وأخوات وأب وأم وبنين في الشدائد وفي الدهر الآتي في الحياة المؤبدة، أولون كثيرون يكونون آخرين، وآخرون أولين".
قلت: فهذا نص في أن الناس في نعيمهم في «4» الآخرة، كهم في الدنيا،/ وصرح بذكر المرأة. وفائدتها: النكاح، وبالحقل. وفائدته:/ الأكل، وكذا «5» قال في آخر الفصل التاسع والعشرين «6» من إنجيل مرقس:" من ترك شيئا لي أخذ أضعافه في الحياة الدائمة".
(1) انظر إنجيل متى الأصحاح الثاني والعشرين.
(2)
في التراجم الحديثة: الأصحاح العاشر.
(3)
في (أ):" ولأجل بشا إلا وهو".
(4)
(في) ليست في (ش).
(5)
في (أ): وكذى.
(6)
في التراجم الحديثة: الأصحاح العاشر. وانظر إنجيل متى آخر الأصحاح التاسع عشر، وإنجيل لوقا الأصحاح الثامن عشر.
وهو عام في كل ما ترك من الدنيا، فيتناول المطعم/ والمشرب والمنكح «1» .
فهذا نص المسيح، على خلاف ما ذكرتم عنه في جواب الزنادقة، فأحد النصين كذب قطعا، وحينئذ يسقط الوثوق بالانجيل لوقوع الكذب فيه.
وأما جوابه للزنادقة بما ذكرتم، فإن صح فهو محمول على قيامة الموت لأن قيامة كل أحد موته، لأنه أول منازل القيامة فكأنه «2» يقول: إذا مات الشخص تجرّ «3» روحه من بدنه، فكان كالملائكة، حتى يبعث جسده يوم القيامة فيعطى أضعاف ما ترك لأجلي في الدنيا، جمعا بين نصيه، وإلا فالحكاية موضوعة مختلقة، ويدل على ذلك: أن سؤال الزنادقة له إنما هو على جهة الإيراد على دينه، والإلزام له على ما أشار إليه سياق الإنجيل ولا يتم لهم ذلك إلا بعد علمهم بأن من دين موسى والمسيح ثبوت النعيم الحسي في الآخرة، فجوابه لهم بما ذكرتم عنه يكون موافقة ومساعدة لهم.
وقد استوفيت الكلام على ذلك في:" التعليق على الإنجيل"«4» .
(1) قلت: بل في الأناجيل التي بأيديهم إثبات للأكل والشرب في الآخرة منها ما في إنجيل متى الأصحاح السادس والعشرين:" وأقول لكم إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة- أي الخمر- هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدا في ملكوت أبي"، وفي إنجيلهم أيضا أن المسيح قال لتلاميذه في وصية وصاهم بها:" لتطعمن ولتشربن في مائدتي في ملك الله" [انظر الإعلام بما في دين النصارى من الفساد
…
ص 435].
(2)
في (أ): مكانة وفي (ش): حكاية.
(3)
في (ش)، (أ): تجرد روحه.
(4)
أي في كتابه تعاليق على الأناجيل ص 29 - 30 مخطوط. وكلام الطوفي هنا تلخيص لما قاله فيه.