الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منصوص في كتبهم وعن أئمتهم «1» .
[الأنبياء والنكاح]
وأما قوله:" ولذلك فضح الله بها كل مدع" فنقول في جوابه: لا نسلم أن الله فضح المدعين بحاسة النكاح، وإنما فضحهم بدعواهم الكاذبة ولو كانت حاسة النكاح تقتضي الفضيحة لافتضح بها الأنبياء كلهم، بل جميع الخلق كآدم ونوح وإبراهيم، وخصوصا إسرائيل، وداود، وسليمان فإنهم كانوا كثيري النساء والسراري «2» ، وكثرة تشاغل إبراهيم وبنيه بالجماع هو الذي أوجب كثرة نسلهم وانتشار الشعوب منهم، لأن الجماع سبب النسل، وكثرة المسبب يدل على كثرة السبب.
(1) ذكر الطوفي الخلاف في مسألة الوطء في الدبر في كتابه الإشارات (ص 49/ خ/ ح) عند تفسير نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (البقرة: 223) وقال بأن القائلين بالجواز هم الشيعة وطائفة من أهل الحجاز، وأنه يعزى إلى مالك- رحمه الله ثم ذكر أدلة المجوزين ومن قال بحرمته وهم الجمهور. قلت: وهذه المسألة مبسوطة في كتب الفقه والتفسير وليس هذا موضع بسطها، ولكن الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور وهو تحريم الوطء في الدبر للأدلة القوية في ذلك.
[انظر المغني لابن قدامة 7/ 22 - 23، وتفسير القرطبي 3/ 91 - 96، وتفسير ابن كثير 1/ 260 - 264] ولا وجه لمناظرته قول النصارى المتقدم بقول من شذ من المسلمين في مسألة الوطء في الدبر فإن التعبد ببقاء العذرة على أجسادهم أصبح كأنه الأصل عندهم وجحوده اخفاء لما يعلم أما الوطء في الدبر فليس كذلك بل الأصح عدم جوازه ومن أجازه لا يخفي كما فعلت النصارى.
(2)
يقال: إن داود عليه السلام مع زهده وأكله من عمل يده، كان عنده تسع وتسعون امرأة، فأحب امرأة وتزوج بها فأكمل المائة. وابنه سليمان- عليه السلام كان يطوف في الليلة على تسعين امرأة. وقال ابن عباس:" كان في ظهر سليمان ماء مائة رجل، وكان له ثلاثمائة امرأة وثلاثمائة سرية". [انظر منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب ص 123].
وبالجملة: فمن جعل حاسة النكاح عارا. فقد ألحق العار بسائر الأنبياء والصديقين والصالحين وعباد الله أجمعين. وإن عارا يتلبس «1» به هؤلاء كلهم ليس بعار:/
وعيروني بذلي في محبتها
…
وبالذي عيروني تم لي الشرف «2»
[وإذ لولا هذه الحاسة لما وجد الأنبياء وشرائعهم، وإنما هي عار على معتقدها عارا، إذ لولا هذا العار لما صار إلى النار]«3» .
وأما ما ذكر من قصة الرجلين الذين أحرقهما ملك «4» بابل، فلم أجده في الباب المذكور من كتاب ارمياء النبي، فإن كان المشار إليه برميا «5» النبي، وأنه غير ارمياء، وإلا فلا أعلم صحة هذا النقل، على أنه بتقدير الصحة إنما افتضح هذان الرجلان بدعواهما الكاذبة وزناهما،/ لا بتعاطي شهوة النكاح.
على أني أحسب أن النقل اشتبه عليه، وأن المراد بالرجلين هاروت وماروت «6» . ولهما قصة عجيبة وردت بها السنة وذكرها أهل السير.
(1) في (أ):" وان عارا يتلبس ابليس هؤلاء كلهم ليس بعار".
(2)
لم أعرف قائل هذا البيت بعد البحث الكثير.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(4)
في (أ): مالك بابل.
(5)
وفي (ش)، (م) ترميا، وفي الكامل برخيا كما سبق ص:266.
(6)
هاروت وماروت: قيل المراد بهما جبريل وميكائيل- عليهما السلام وقيل رجلان اسم أحدهما هاروت والآخر ماروت كانا يعلمان السحر. وقيل: إنهما ملكان أنزلهما الله إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختبارا لعباده وامتحانا
…
وقيل: هما قبيلان من الجن. وقيل: علجان من أهل بابل. وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وأنهما أنزلا إلى الأرض فكان من أمرهما ما كان. وهو الراجح. وستأتي قصتهما- إن شاء الله- بعد قليل.
[انظر تفسير الطبري 1/ 452 - 459، وتفسير ابن كثير 1/ 137، وتفسير الشوكاني 1/ 122 - 123].
منهم:" وثيمة بن موسى بن الفرات «1» في" قصص الأنبياء":
وكان افتضاحهما بتقدير الله، وسببه طعن الملائكة على بني آدم، واستقلالهم أعمالهم وتعبيرهم بخطاياهم وعصيانهم. فلما ابتلى الملائكة بما ابتلى به بنو آدم ساعة من نهار، استقالوا فأقيلوا، إلا هاروت وماروت ثبتا فجرى لهما ما جرى «2» ،
(1) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 180.
(2)
أخرج أحمد بن حنبل- رحمه الله في المسند (2/ 134) عن عبد الله بن عمر أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن آدم لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون. قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم. قال الله تعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبط بهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان، قالوا ربنا: هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض ومثلث لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها قالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله أبدا. فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها قالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي. فقالا والله لا نقتله أبدا. فذهبت ثم رجعت بقدح خمر، فسألاها نفسها قالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا، فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي، فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا أبيتماه عليّ إلا قد فعلتماه حين سكرتما. فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا" اهـ. قال ابن كثير- رحمه الله في التفسير (1/ 138):" وهكذا رواه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه
…
وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير
…
فهو مستور الحال، وتفرد به عن نافع
…
وروي له متابع من وجه آخر عن نافع
…
كما قال ابن مردويه حدثنا
…
فذكره بطوله" اهـ. وقصة هاروت وماروت وزناهما عند الحاكم وصححه عن ابن عمر أيضا في (3/ 607) كتاب الأهوال، وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وأصحاب كتب التفسير بطرق أغلبها غير مرفوعة.
وقد ذكرت بعض قصتهما في" الفوائد"«1» .
قلت: والذي أوجب لهذا النصراني تقديم هذا الكلام، وتقبيح حاسة النكاح هو كونه رأى المسيح لا داعي له إليها، ورأى محمدا- عليه السلام شديد الداعي إلى ذلك. كما نقل عنه حديث يقول:«حبب إليّ من الدنيا ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة/ عيني في الصلاة» «2» وأنه تزوج كثيرا وتسرى، فأراد العلج أن يجعل هذا مطعنا عليه.
ولقد تاه عن الصواب. فإن نكاح النساء هو عين الطهارة، لما فيه من تحصين الدين، والإعانة على تقوى رب العالمين. ولهذا كان محمد صلى الله عليه وسلم إذا رأى امرأة أعجبته دخل على بعض نسائه فقضى حاجته منها، ثم خرج. وفعل ذلك يوما ثم
-[انظر تفسير الطبري (1/ 452 - 458)، وتفسير القرطبي 2/ 51 - 52، وتفسير ابن كثير (1/ 134 - 141) ويرى ابن كثير أنها كلها من الإسرائيليات وعدم رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتبعه في ذلك الشيخ رشيد رضا (انظر الفتح الرباني 18/ 72 - 73) والقاسمي في تفسيره (1/ 211 - 213)، ونقل رأي الرازي في ذلك].
(1)
لم أجد كتاب المؤلف هذا رغم البحث عنه، ولعله من الكتب التي فقدت من المكتبات الإسلامية.
(2)
أخرجه النسائي في أول عشرة النساء عن أنس من طريق ثابت بلفظ: «حبب إليّ من الدنيا:
النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة»، وأخرجه في نفس الموضع من طريق آخر عنه بنحوه، وأخرجه أحمد في المسند (3/ 128) من طريقين عن أنس بلفظ النسائي السابق، وأخرجه في (3/ 285) عنه بلفظ النسائي الآخر، وفي (3/ 199) بنحوهما، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 160) وقال:" صحيح على شرط مسلم"، وتكلم العلماء في زيادة لفظ" ثلاث" فمنهم من يثبتها ومنهم من ينكرها. [انظر المقاصد الحسنة ص 180، وكشف الخفاء 1/ 405 - 406].
خرج على أصحابه، فقال:«إن المرأة إذا أقبلت أقبل معها/ شيطان يزينها فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن معها مثل الذي معها» «1» .
وقال: «إذا كانت لأحدكم إلى امرأته حاجة فليأتها، وإن كانت على التنور" «2» . كل ذلك محافظة على حفظ الدين، لئلا يغلب الإنسان عليه بداعي الشيطان والهوى.
(1) أخرج مسلم في (النكاح باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته. حديث (9) عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة. فأتى زينب، وهي تمعس منيئة لها- تدلك وتدبغ جلدا- فقضى حاجته. ثم خرج إلى أصحابه فقال:«إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه» وأخرج الترمذي في الرضاع باب ما جاء في الرجل يرى المرأة الأجنبية، عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فدخل على زينب فقضى حاجته وخرج. وقال:«إن المرأة إذا أقبلت أقبلت في صورة شيطان. فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن معها مثل الذي معها» قال الترمذي:" وفي الباب عن ابن مسعود، قال أبو عيسى:" حديث جابر صحيح حسن غريب" وأخرجه أبو داود في النكاح باب ما يؤمر به من عف البصر بنحو لفظ مسلم، والدارمي عن ابن مسعود في النكاح باب الرجل يرى المرأة فيخاف على نفسه، بلفظ:(رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته فأتى سودة، وهي تصنع طيبا وعندها نساء فأخلينه فقضى حاجته ثم قال: «أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها» وأخرجه أحمد في المسند (3/ 330) بلفظ مسلم.
(2)
أخرجه الترمذي في الرضاع، باب ما جاء في حق الزوج على المرأة، عن طلق بن علي- بن طلق بن عمرو السحيمي اليمامي الصحابي- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور» قال أبو عيسى:" هذا حديث حسن غريب" وهو حسن كما قال. وأخرجه أحمد في المسند (4/ 23) عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد أحدكم امرأته حاجة فليأتها ولو كانت على تنور» وسند أحمد ضعيف لأن فيه محمد بن جابر بن سيار قال عنه ابن حجر في التقريب:" صدوق ذهبت كتبه فساء حفظه وخلط كثيرا، وعمي فصار يلقن" اهـ.
كما حكي في التوراة «1» : أن" يهوذا بن يعقوب" تعرضت له كنّته «2» - زوجة ابنه- في الطريق في صورة زانية، فواقعها على أن يعطيها جديا ورهنها عليه عمامته وقضيبا كان بيده".
وأن" روبيل «3» " وطئ" «4» سرية أبيه يعقوب ونجس فراشه، ونحن لا نقول بصحة هذا ولكنه حجة على النصارى واليهود، وتحقيق ذلك «5» وتلخيصه:
أن شهوة النكاح في الإنسان طبيعية كشهوة الأكل والشرب، وحب الغلبة والرئاسة، بل هي أشد الشهوات. ولذلك كان أكثر افتتان العالم بها، فقضاؤها وأمن غائلتها بالطريق الحلال المصطلح عليه في النواميس الإلهية أولى في العقل من التعرض بتركها «6» لمعصية الرحمن وطاعة الشيطان.
وقول محمد- عليه السلام: «حبب إليّ من دنياكم النساء» ليس ذلك لغلبة شهوته عقله، كيف ذلك وسيرته: سيرته. لمن تأملها، وثباته: ثباته. بل إنما
(1) في سفر التكوين الأصحاح الثامن والثلاثين.
(2)
كنته: هي زوجه ابنه كما ذكر المؤلف أو زوجة أخيه. [انظر لسان العرب 13/ 362] واسمها في التراجم الحديثة لكتب العهدين:" ثامار".
(3)
في التراجم الحديثة:" رؤوبين" والنص في سفر التكوين" بدء الخليقة" الأصحاح الخامس والثلاثين والأصحاح التاسع والثلاثين.
(4)
في (م): وطء.
(5)
في (م): وتحقيق هذا.
(6)
في (أ): من التعرض وتركها.
المقصود بذلك: أن يتفرغ خاطره التفرغ الكلي لأداء الرسالة «1» ، والقيام بأعبائها- كما يتفرغ الجائع بالأكل- لأداء العبادات.
وقد ورد في السنة النبوية الصحيحة عن يوشع بن نون. أنه لما توجه إلى بعض مغازيه- أحسبها: غزاة أريحا «2» ، مدينة الجبارين- قال لقومه:
" لا يتبعني «3» رجل قد/ ملك بضع امرأة، يريد أن يبني بها ولما يبن. ولا آخر قد بنى بيوتا، ولم يرفع سقفها «4» . ولا آخر قد اشترى غنما، أو خلفات «5» ، وهو
(1) قال ابن كثير- رحمه الله في هذا المعنى:" وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص وإنما الفضل في كونها موجودة، ثم يمنعها إما بمجاهدة كعيسى أو بكفاية من الله- عز وجل كيحيى- عليه السلام ثم هي في حق من قدر عليها وقام بالواجب فيها ولم تشغله عن ربه:
درجة عليا، وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن وقيامه عليهن واكسابه لهن وهدايته إياهن، بل صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره فقال:" وحبب إليّ من دنياكم" اهـ. [تفسير ابن كثير 1/ 361 - 362].
(2)
أريحا: بفتح الهمزة وكسر الراء المهملة، وياء ساكنة والحاء مهملة بعدها ألف وقد رويت بالخاء المعجمة، لغة عبرانية: مدينة الجبارين في الغور بفلسطين بينها وبين بيت المقدس مسيرة يوم.
[انظر مراصد الاطلاع 1/ 63] وقد صرح بأن المدينة هي أريحا: الحاكم في مستدركه [1/ 319 - 320] في رواية كعب الأحبار، ولكن أحمد في إحدى روايتيه لغزو يوشع بن نون أخرج عن أبي هريرة أن الغزوة كانت إلى بيت المقدس [المسند 2/ 325]، ورواية أحمد قال عنها ابن حجر في الفتح (6/ 221):" مرفوعة صحيحة" اهـ.
(3)
في (أ): لا ينبغي.
(4)
في (أ): راسغها.
(5)
خلفات: بفتح المعجمة وكسر اللام بعدها فاء خفيفة جمع خلفة وهي الحامل من النوق. وقد يطلق على غير النوق. [فتح الباري 6/ 222، وشرح النووي على صحيح مسلم 12/ 51].
ينتظر أولادها"
…
الحديث رواه أحمد «1» ، وأخرجاه في الصحيحين «2» .
كل ذلك مراعاة لاجتماع «3» / الخواطر في طاعة الله، وحذرا من تفرق الهمم فيها «4» ، ونظائر هذا في شريعتنا مطلوب كالنهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين «5» وكذلك الشبق «6» ، وكل ما يلهي.
وبالجملة: فكل عبادة الله- سبحانه- ينبغي للإنسان أن لا يدخل فيها، حتى يحسم مواد اشتغال قلبه عنها ما أمكن، ومن هذا،/ أو قريبا منه قوله- عليه
(1) في المسند (2/ 318).
(2)
البخاري في كتاب الخمس باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلت لكم الغنائم
…
»، ومسلم في الجهاد حديث 32 باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة. [انظر ص: 258 من هذا البحث].
(3)
في (م): لاجماع.
(4)
كلمة:" فيها" ليست في (م).
(5)
الأخبثان: البول والغائط. أخرج مسلم في (المساجد باب كراهة الصلاة بحضرة طعام مع مدافعة الأخبثين) عن عائشة قالت:
…
أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بحضرة الطعام، ولا يدافعه الأخبثان» وأخرجه بنحوه أبو داود في الطهارة باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟، وأحمد في المسند في مواضع منها (6/ 43).
(6)
الشبق: شدة الغلمة وطلب النكاح، يقال: رجل شبق، وامرأة شبقة [انظر لسان العرب 10/ 171]، ولم أجد على ذلك دليلا ولعل الطوفي- رحمه الله ذكره قياسا على حضرة الطعام ومدافعة الأخبثين لأن العلماء ألحقوا بهما كل ما كان في معناهما مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع،- والله أعلم-.
السلام-: «لا يقضي القاضي وهو غضبان» «1» لأن القضاء عبادة، والغضب يشغل عنه. وكذلك كلما في معنى الغضب من مرض أو حر أو برد أو شبق ونحو ذلك. ولهذا كان- عليه السلام يحب الطيب لا ليلتذ به في نفسه «2» ، بل إكراما للملائكة الذين معه خصوصا جبريل صاحب الوحي. ولهذا كان يبغض الثوم والبصل، وكل ذي ريح كريهة، وقال لأصحابه:«إني أناجي من لا تناجون» «3» .
(1) أخرجه البخاري في (الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟) بلفظ: «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان» ومسلم في (الأقضية، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان بلفظ «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» وأبو داود في الأقضية، باب القاضي يقضي وهو غضبان بلفظ: «لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان» والترمذي في (الأحكام باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان» بلفظ: «لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان» والنسائي في آداب القضاة باب ذكر ما ينبغي للحاكم أن يجتنبه بلفظ مسلم، وأخرجه ابن ماجه في الأحكام باب لا يحكم الحاكم وهو غضبان، بلفظ: «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» وأحمد في المسند (5/ 38) بنحو لفظ أبي داود.
(2)
كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويمتنع عن أكل بعض الأطعمة التي فيها رائحة خوفا من إيذاء الملائكة ومنهم جبريل عليه السلام كما وردت السنة الصحيحة بذلك ولكنه بشر يحب أن يتلذذ بما أحله الله من الطيبات، ولا أعلم دليلا يؤيد رأي الطوفي أنه يحب الطيب لا ليلتذ به في نفسه، غير أنه كان زاهدا فيما لا حاجة له به- والله أعلم-.
(3)
أخرج البخاري في كتاب الأذان، باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث وفي (الاعتصام، باب الأحكام التي تعرف بالدلائل) ومسلم في المساجد، باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها) وأبو داود في (الأطعمة، باب في أكل الثوم) عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا- أو قال: فليعتزل مسجدنا- وليقعد في بيته» وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول فقال:
«قربوها- إلى بعض أصحابه كان معه- فلما رآه كره أكلها قال: كل فإني أناجي من لا تناجي» وهذا لفظ البخاري في الأذان.
«وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» «1» .
وأما المسيح فلعله في ترك النكاح كان عنينا «2» ، أو لكونه لا من ذكر، أو لكونه كان ملكا ظهر في صورة آدمي، فغلبت عليه صفة الملائكة «3» .
كما قال الله- سبحانه-: ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا
…
(9)«4» الآية.
(1) أخرجه مسلم في المساجد باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها حديث 74، 72، والنسائي في المساجد باب من يمنع من المسجد، وابن ماجه في الأطعمة باب أكل الثوم والبصل والكراث، وأحمد في المسند (3/ 374، 387). بألفاظ متقاربة.
(2)
في هامش نسخة (م):
" قوله في حق المسيح- عليه السلام: لعله كان عنينا ليس بجيد لأن العنة صفة نقص والأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- في غاية الكمال ولم يكن نبي قط عنينا، وإنما تركه للنكاح فلخاصية قامت لا يضرنا خفاها عنا، وفي الجملة فلا يجوز أن نقتدي به في ترك النكاح إلا إذا قال أمركم الله أن لا تناكحوا، وهذا غير موجود، والله أعلم، قاله النابلسي ولله الحمد" اهـ. قلت: وهذا ما رآه ابن كثير- رحمه الله. [انظر تفسير ابن كثير 1/ 361]. وهذا هو الحق.
(3)
لم يرد ما يبرر هذه الافتراضات في كتب النصارى أو المسلمين أو غيرهم ولا داعي لها ولا نسلمها للطوفي فالمسيح- عليه السلام لم يرد عنه أنه تزوج أو لم يتزوج، وكونه لم يتزوج لا يدل على فضله على سائر النبيين، ولا يرفعه إلى درجة الإلهية كما لا يلزم منه عدم فضله، أو عدم كونه من أولو العزم من الرسل الذين فضلهم الله على سائر البشر، وكل من لم يتزوج من البشر ليس عنينا، ولا أنه يلزم من عدم زواجه أنه من غير ذلك، فآدم من غير ذكر وتزوج، أو ملك، فالرسل لم تكن من الملائكة، وما كان ينبغي للطوفي عفا الله عنا وعنه أن يأتي بهذا، ولو قال: لعله ترك الزواج للتفرغ للعبادة- هذا إن صح أنه ترك الزواج- لكان أقرب إلى المعقول.
(4)
سورة الأنعام الآية التاسعة، ومعناها: أن الله- عز وجل لو بعث إلى البشر رسولا ملكيا لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر، فلا يستطيعوا أن يتحققوا من كونه ملكا
…
ولكن الله سبحانه جعل الرسل عليهم السلام جميعا-