الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها. وتنفعه في عناده «1» . شرع في ذكر ما يعتقده كذبا، فملأ منه الكتاب.
[المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم]
ويأبى الله إلا ظهور الحق واستعلاءه «2» ، وخمول الباطل واذعانه.
ومنها: قوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ووهم منها في موضعين:
أحدهما: أنه ذكر الكلمات المضافة إلى الضمير، فاحتاج أن يفسره بالله تعالى، وقد كان يستغنى عن ذلك بإيراد الآية التي في أول السورة المذكورة وهي قوله: ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ولَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)«3» .
فإن الكلمات فيها مضافة إلى الله- سبحانه- لا إلى ضميره المحتاج إلى تفسير «4» ، وهذا لا يقدح في صحة ما احتج به، لكن/ احتجاجه «5» بما ذكرناه أظهر، فعدوله عنه مشعر بالضعف وقصور النظر.
الموضع الثاني:
أنه فسر كلمات الله بالتوراة والإنجيل ليثبت علينا بكتابنا أنها حجة لازمة
(1) هذه الآيات الخمس الكريمات يجب الاعتماد عليها فيما دلت عليه من معنى صحيح لا على المعنى الذي يريده أهل الكتاب فإنهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه، واخضاعهم إياها لما تهواه أنفسهم عناد وجهل، وذلك لا ينفعهم في عنادهم، وقول الطوفي:" وتنفعه في عناده" أي على زعمه أنها نافعة له، والأولى أن يقال:" ويظن أنها تنفعه في عناده".
(2)
في (أ)، (م): واستعلائه.
(3)
سورة الأنعام، آية:34.
(4)
في (أ): المحتاج إلى نفسين.
(5)
" احتجاجه" ليست في (أ).
لنا،" وهيهات من دون المراد موانع"«1» .
والذي يدل على أنه ليس المراد بالكلمات هنا «2» التوراة والإنجيل: هو أن هذه الآية في سورة الأنعام. وسورة الأنعام كلها جدال ومناظرة لعباد الأوثان الذين ينكرون البعث. ولا تعرض فيها لأهل الكتاب إلا بطريق الاستشهاد بهم. كقوله:
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ «3» وقوله: والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ «4» ، وليس المراد بأهل الكتاب: الموجودين الآن بل المعاصرين لزمن النبوة، أو بطريق عموم خطاب غيرهم لهم لا بالقصد، وإذا عرف هذا فالله سبحانه يقول قبل هذه الآية: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا «5» .
والخطاب لكفار العرب «6» ، والكتاب الذي أنزل إليهم هو القرآن وهو المراد بالكلمات. قاله قتادة «7»
(1) لم أجد هذا المثل فيما رجعت إليه من المراجع من كتب الأمثال والأشعار. وهو يضرب لمن أراد الوصول إلى أمر لا يستطيع إدراكه للموانع التي تحول دونه.
(2)
في (م): هاهنا.
(3)
سورة الأنعام، آية:20.
(4)
سورة الأنعام، آية:114.
(5)
هذا أول الآية المذكورة، آية:114.
(6)
انظر تفسير ابن كثير 2/ 167، وتفسير الطبرى 8/ 8، وغيرهما.
(7)
انظر زاد المسير 3/ 111، وقتادة هو: أبو طالب قتادة بن دعامة السدوسي الأكمه، كان يسكن البصرة. روى عن أنس بن مالك وأبي الطفيل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين،-
والطبري «1» . قال الله سبحانه: والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ وهذا استشهاد بأهل الكتاب الموجودين حينئذ من أسلم منهم كعبد الله بن سلام «2» وغيره، أو جميع أهل الكتاب، ولكن يكتم ذلك منهم من يكتمه عنادا «3» .
- كان قوي الحافظة واسع الاطلاع في الشعر العربي، بصيرا بأيام العرب، عالما بأنسابهم، متضلعا في العربية ومن هنا جاءت شهرته في التفسير، أكثر السؤال على سعيد بن المسيب رحمه الله أياما فقال سعيد: ما كنت أظن أن الله خلق مثلك. قال أبو عمرو بن العلاء: حسبك قتادة ولولا كلامه في القدر
…
ما عدلت به أحدا من أهل دهره، توفي قتادة رحمه الله سنة سبع عشرة ومائة من الهجرة وعمره إذ ذاك ست وخمسون سنة على المشهور.
[انظر التفسير والمفسرون لمحمد الذهبي 1/ 125 - 126].
(1)
انظر تفسير الطبري 8/ 8، وقاله ابن عطية أيضا في تفسيره 6/ 135، وقد تقدمت ترجمة الطبري في قسم الدراسة ص:173.
(2)
أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي الأنصاري حليف بني عوف من الخزرج.
أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وذكر البخاري في مناقب الأنصار، باب مسائل عبد الله بن سلام قصة إسلامه التي كان فيها شهادة من أنفسهم على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مرسل من ربه، دافع عن عثمان رضي الله عنه ضد المتألبين عليه، وخذّل الثائرين عليه حتى قالوا: اقتلوا اليهودي يعنون عبد الله. (انظر مع صحيح البخاري: التفسير والمفسرون 1/ 184 - 185).
(3)
اعترف عبد الله بن سلام رضي الله عنه وكان من أحبار اليهود قبل أن يسلم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأن ما ينزل عليه هو الحق من الله، كما روى عباس رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لعبد الله بن سلام رضي الله عنه: قد أنزل الله على نبيه: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ [البقرة: 146] فكيف يا عبد الله هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام: يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني إذا لقيته مع الصبيان، وأنا أشد معرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم مني بابني!! فقال عمر: كيف ذلك؟ قال: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حق من الله، وقد نعته الله في كتابنا: ولا أدري ما تصنع النساء".
[الدر المنثور للسيوطى 1/ 357]، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا لا يتسع المكان لذكرها.
ولو كان الكلمات هي التوراة والإنجيل لكان الكتاب المذكور هو التوراة والإنجيل، ولم يكن به حاجة إلى أن يستشهد بأهل «1» الكتاب على صحته، لأن التوراة والإنجيل المنزلين على موسى وعيسى، لم ينازع فيهما أحد حتى يستشهد لهما. وأيضا:/ لو كان كذلك لم تصح شهادة أهل الكتاب لكتابهم لموضع التهمة. ثم قال: وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ .. (115) وهي الكتاب الذي أنزل/ مفصلا، وهو القرآن إذ لا معنى لقول القائل:" وهو الذي أنزل إليكم القرآن مفصلا، وتمت التوراة والإنجيل، ولا مبدل للتوراة والإنجيل" لأن المخاطبين بهذا الخطاب هم كفار العرب، ومحمد- عليه السلام لم يكن يدعوهم إلى التوراة والإنجيل حتى يثني لهم عليهما، وإنما كان يدعوهم إلى القرآن فثبت بهذا أن المراد بقوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ هو القرآن.
وفيما «2» يرجع إليه نفي التبديل قولان:
أحدهما" معناه ومتعلقه من أخبار وحكم ووعد ووعيد، أي أن ما أخبر الله في القرآن من خبر، أو حكم به من حكم، أو وعد من ثواب، أو أوعد من عقاب لا يستطيع أحد تبديله ولا بيان فساده.
والثاني: أنه لفظه: أي لا يقدر أحد أن يزيد فيه ولا ينقص، لأن الله سبحانه ألهم المسلمين حفظه حرفا فحرفا، فلا تدخله الزيادة والنقص كما دخل التوراة والإنجيل على ما قد شاهدته أنا بنفسي في الكتابين من التناقض والاختلاف وأثبته في تعليقي على الكتابين «3» .
(1) في (ش)، (أ): أهل.
(2)
في (أ): وفي ما.
(3)
يقصد في كتابه:" تعاليق على الأناجيل".
ثم إن هذا المصنف جعل عمدته في كتابه: تفسير ابن عطية «1» . فما باله لم يذكر ما قاله ابن عطية في تفسير قوله «2» : وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ؟ لكنه رآه عليه «3» فحاد عنه. ولعمري أنه معذور في/ ذلك فإن كتب المسلمين ليست عنده حجة. وإنما يذكر منها ما يذكر احتجاجا عليهم وإلزاما لهم ورميا «4» لهم بسهامهم كما نحتج نحن عليهم بالتوراة والإنجيل على هذا الوجه، ولا نعتقد صحة ما فيها.
(1) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 165.
وتفسيره هو: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. يقول عنه ابن خلدون رحمه الله:" وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب، فلخص تلك التفاسير كلها وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها، ووضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس حسن المنحى"[مقدمة ابن خلدون ص 440] وقال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكر كتب التفسير:" وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري وأصح نقلا وبحثا وأبعد عن البدع، وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها".
[مجموع الفتاوى 13/ 388].
(2)
انظر تفسيره 6/ 135 - 136، وخلاصة قول ابن عطية:" وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" استمرت وصحت في الأزل صدقا وعدلا وليس بتمام من نقص، والكلمات ما نزل على عباده، وذهب الطبري إلى أنه القرآن، وهذا بعيد، بل المراد القرآن وغيره" هذا خلاصة قول ابن عطية والله أعلم-.
(3)
عليه: ليست في (أ).
(4)
ورميا لهم: ليست في (ش).