الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فوائد النكاح وفضيلته]
وأما ما ذكر من قذارة/ النكاح، فنقول:
لا نسلم أن فيه قذارة، بل فيه مصالح:
منها: سرور النفس به، وانشراحها للعبادة، ولعل بدونه لا تنشرح لذلك.
ومنها: تحصين الفرج عن الزنا المحرم «1» بإجماع أهل الملل والعقول.
ومنها: تحليل فضلات البدن المحتقنة فيه، وانعاش الحار الغريزي «2» به، فيخف بذلك البدن وينشط. ولهذا بعض الناس يمرض بتركه وتكثر في بدنه الجراحات «3» والدماميل ونحوها «4» .
(1) وقد دعا محمد صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج
…
» الحديث. أخرجه البخاري في عدة مواضع منها" كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة" ومسلم في النكاح الحديث الثالث، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي كل منهم في أول كتاب النكاح، وأحمد في المسند (1/ 378، 324، 425، 432، 447).
(2)
الحار: الساخن. والحرارة حرقة في الفم من طعم الشيء أو حرقة في القلب من التوجع.
والغريزي: هو المنسوب إلى الغريزة، وهي صورة من صور النشاط النفسي، فيقال: الحرارة الغريزية، أو الميول الغريزي.
ويقال إن الحرارة الغريزية تزيد من الصباح إلى بعد الظهر زيادة بطيئة تصل إلى الكمال وتبقى كذلك إلى الثلث الأول من الليل ثم تأخذ بعد ذلك في النقص ثانيا وهكذا- والله أعلم-[انظر المعجم الوسيط 1/ 165، المعجم الفلسفي 2/ 127 - 128، ودائرة معارف القرن العشرين 3/ 407].
(3)
في (ش): الحرارات.
(4)
ومما يسببه المني إذا دام احتقانه: الوسواس، والجنون والصرع.
ومنها: أنه يحسن الخلق، ويبسط بشرة الوجه «1» .
وقد نص" جالينوس"«2» على أن سبب سوء خلق الخصيان، وتعبيس وجوههم وانتهارهم لمن كلمهم: ترك «3» الجماع، لاحتباس الماء، وتعفنه في أبدانهم.
ولئن سلمنا أن فيه قذارة فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن قذارته شرعية أو طبيعة؟ إن قلت: شرعية. فهو ممنوع فإن الذي «4» يصلح أن يضاف إليه الاستقذار في الجماع/ هو: المنيّ «5» ،
(1) ومن مصالح النكاح ومقاصده الحسنة: حفظ النسل، ودوام النوع الإنساني، إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله تعالى بروزها إلى هذا العالم، وهذه مصلحة عظيمة دالة على فضيلة النكاح، والشرائع جاءت لتحصيل المصالح.
(2)
هو أشهر الأطباء اليونانيين القدماء بعد أبقراط، قيل كان من حكماء اليونانيين الذين كانوا في الدولة القيصرية بعد بنيان رومية، ومولده ومنشؤه بفرغامس مدينة صغيرة من مدن آسيا شرقي قسطنطينية. وكان عالما بالتشريح. [انظر طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ص 41، ودائرة معارف القرن العشرين 3/ 3 - 13، نزهة الأرواح وروضة الأفراح في تاريخ الحكماء والفلاسفة 1/ 340 - 359].
(3)
في (أ): بترك.
(4)
في (م): فالذي.
(5)
اختلف العلماء في طهارة مني الآدمي فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسا وهو رواية عن أحمد وقال مالك لا بد من غسله يابسا أو رطبا. ودليلهم حديث عائشة عن مسلم في الطهارة باب حكم المني:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه" وذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه إلى أنه طاهر، ودليلهم الرواية الثانية عن عائشة عند مسلم في الموضع السابق في المني قالت" وكنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه" وحملوا رواية الغسل على الاستحباب والتنزه والنظافة كما هو شأن النجاسة والبصاق ونحوهما. وهذا هو الراجح- والله أعلم-. [انظر شرح النووي لصحيح مسلم 3/ 197 - 198، مجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 587 وما بعدها].
والمذي «1» ، ورطوبة فرج المرأة «2» . وهذه الأشياء طاهرة عند كثير من أهل الشرع.
(1) مذي فيه لغات: بفتح الميم وإسكان الذال وبفتح الميم وكسر الذال مع تشديد الياء، وبفتح الميم وكسر الذال مع تخفيف الياء والأوليان مشهورتان كما قال الإمام النووي:" وأولهما أفصحهما وأشهرهما." وهو ماء رقيق لزج يخرج عند ملاعبة المرأة. [انظر المصباح المنير 2/ 689، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/ 213]، واختلف العلماء في نجاسته فقال جمهورهم: إنه نجس، واستدلوا بحديث علي عند مسلم (كتاب الحيض، باب المذي) وعند غيره:" كنت رجلا مذاء، وكنت استحي أن أسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال:(يغسل ذكره ويتوضأ) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالغسل دليل على نجاسته. وقال بعض الإمامية: المذي طاهر.
ويفهم من كلام الطوفي هنا أن معهم في هذا القول غيرهم. والراجح أنه نجس لورود الدليل بالأمر يغسله ولم يرد ما يدل على طهارته- والله أعلم-.
[انظر شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 213، وفتح الباري 1/ 381، ومعالم السنن بهامش سنن أبي داود 1/ 143، ونيل الأوطار 1/ 64].
(2)
اختلف في طهارة رطوبة فرج المرأة على نحو الخلاف في المني فقال بعض العلماء: إنه طاهر عملا برواية حك المني. وأن الاحتلام مستحيل في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من تلاعب الشيطان بالنائم، فلا يكون المني في ثوبه إلا من جماع ويلزم منه مرور المني على موضع أصاب رطوبة الفرج فلو كانت نجسة لتنجس بها المني ولما تركه في ثوبه ولما اكتفى بالفرك. وأجاب من قال بنجاسته عن هذا بأن الاحتلام منه صلى الله عليه وسلم جائز وليس من تلاعب الشيطان بل هو فيض زيادة المني، ويجوز أن يكون حصل بمقدمات جماع فسقط منه شيء على الثوب، أما المتلطخ بالرطوبة فلم يكن على الثوب. قلت: والأرجح طهارته لأنه يشق الاحتراز عنه كالمخاط والنخامة والبصاق وإلحاقا له بالمني، ولأنه لم يرد دليل صريح على نجاسته- والله أعلم-.
[انظر شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 198].
ومن قال بنجاستها منهم عفا «1» عن يسيرها دفعا للحرج والمشقة فأما مخرج البول والغائط فلا وطء «2» فيه «3» ، والحيض يحرم الوطء «4» في زمنه. فأين القذارة إذن في الجماع؟.
وإن قلت: طبعيّة لم يلزم من ذلك وجوب اجتنابها عقلا، ولا شرعا، لأن هذه الأشياء كالبصاق، وبلغم المعدة والرأس والمخاط وعرق الحمى. بل مطلق العرق. فإن هذه كلها فضلات تحللها الحرارة من البدن، وهي تورثه خفة ونشاطا وصحة، ومعتمد العلاج الطبي تنقية «5» البدن من المواد التي ليس من شأنها أن تكون فيه.
الثاني: سلمنا أن فيه قذارة بكل حال. لكن مفسدة تلك القذارة مغمورة بما فيه من المصالح العظيمة الدنيوية والأخروية «6» . والعقول/ الصحيحة لا ترجح إعدام مفسدة واحدة خفيفة خصوصا وقد باشرها الأنبياء والصديقون أجمعون،- إلا من شذ منهم- على وجود مصالح كثيرة جمة النفع.
(1) في النسخ الثلاث: عفى.
(2)
في (أ): فلا وطى.
(3)
أما مخرج البول فلعدم إمكان ذلك، وأما مخرج الغائط فلحرمته وقذارته.
(4)
في (أ): الوطي.
(5)
في (أ) بتنقية.
(6)
من ذلك ما تقدم، وغض البصر، وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام وتحصيل ذلك للمرأة، فهو نفع لهما في الدنيا والآخرة، وشيء هذه مصالحه ومشروع للأنبياء ويحبونه يحمل المقتدي بهم على تحصيله ليترتب عليه ما ذكر من المصالح.
ثم أين قذارة الجماع من قذارة الغائط؟ الذي يتعبد مخاييس «1» النصارى ببقائه على أبدانهم، حتى تغالي فيه النصارى، فجعلوا يتهادونه يتبركون ويستشفون به من الأمراض، بناء منهم «2» على فهمهم الفاسد لكلام المسيح في الفصل الثامن والعشرين/ من إنجيل متى «3» حيث يقول:" ليس النجس ما دخل الفم ثم خرج مستحيلا من المخرج. إنما النجس ما خرج من الفم من الكلام السيئ، لأنه يدل على نجاسة القلب" هذا معنى كلامه «4» .
ومن أنكر من النصارى أنهم يتعبدون ببقاء العذرة على أبدانهم فهو مستخف منكر لما يعلم- كما ينكر بعض فقهاء المسلمين تجويز الوطء «5» في الدبر- وهو
(1) مخاييس: هكذا جمعه المؤلف والخيس مصدر خاس الشيء يخيس خيسا. أي تغير وفسد وأنتن وخاست الجيفة: أي أروحت
…
قال الليث: يقال للشيء يبقى في موضع فيفسد ويتغير ..
[انظر لسان العرب 6/ 74، المشوف المعلم في ترتيب الاصلاح على حروف المعجم 1/ 261].
(2)
في (أ):" بنا أمنهم منهم على فهمهم الفاسد".
(3)
النص في الأصحاح الخامس عشر منه حسب ترجمة سنة 1979 م ولفظه" ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا، ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان".
(4)
كان المسيح- عليه السلام يتدين بالطهارة، ويغتسل من الجنابة، ويوجب الغسل على الحائض، وطوائف النصارى عندهم ذلك كله غير واجب، فالإنسان منهم يقوم من على بطن المرأة، ويبول ويتغوط ولا يمس ماء، ولا يستجمر، والبول والغائط ينحدر على ساقة وفخذه ويصلي كذلك وصلاته صحيحة تامة- على زعمهم- ولو تغوط أو بال وهو يصلي فضلا عن أن يفسو أو يضرط، ويقولون: إن الصلاة بالجنابة والبول والغائط أفضل منها بالطهارة
…
[انظر هداية الحيارى ص 141، والأجوبة الفاخرة ص 133].
(5)
في (أ): الوطي.