الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشراب في الدنيا لضرورة بقاء الأبدان على الاطلاق، لأن ذلك إنما تصح دعواه فيما يقيم الرمق «1» ويحفظ البنية، فما قولك فيما زاد على ذلك كأنواع المآكل والمشارب من اللحوم والحلاوات وأنواع الأشربة، ولهذا من ترهب «2» من النصارى والمسلمين يقتصر على البلغة «3» ، ويدع ما سواها مما يتناول للتنعم «4» .
وإذا كانت الدنيا مع أنها دار فناء ونفاد، فيها هذا النعيم، فالدار الآخرة الباقية الدائمة المأمونة الزوال أولى بذلك. ثم هب أن المأكول والمشروب لضرورة بقاء البدن، فما تقول في النكاح مع أن البدن يبقى بدونه؟ فهو من باب النعيم لا محالة.
[البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك]
وأما الثالثة: فهي مبنية على رأي" أبي علي"«5» في أن المعاد لا يكون إلا روحانيا، فلا تتصور «6» اللذات الحسية. إذ شرط ادراكها/ تعلق النفس بالبدن وحجته على ذلك «7» ، ما حكاه الإمام فخر الدين «8» في المباحث المشرقية:" أن
(1) الرمق: بقية الحياة، وفي الصحاح: بقية الروح، وقيل آخر النفس. والعيش الرمق: أي الضيق.
[انظر لسان العرب 10/ 125، ومنال الطالب ص 23].
(2)
في (أ): يذهب.
(3)
البلغة: الشيء اليسير، الّذي يتوصل به إلى الغرض. [منال الطالب ص 361].
(4)
في (ش)، (م): مما يتناول المتنعم.
(5)
ابن سينا. وتقدمت ترجمته.
(6)
في (أ): يتصور.
(7)
في (أ):" على ذلك علي ما حكاه".
(8)
تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص 174.
البدن لو أعيد لكان إما أن يعاد في زمن ابتدائه، أو في غيره. فإن أعيد في زمن ابتدائه، لزم اتحاد الزمنين، مع ما بينهما من الفواصل الكثيرة والأزمنة المتعددة، وهو «1» محال. وإن أعيد في غيره لم يكن المعاد هو عين المبتدأ" «2» .
قلت: وهذا وهم قبيح من مثل ذلك الفاضل العلامة. لأنه كأنه يوهم أن الزمان داخل في حقيقة البدن، أو أن اتحاد الزمن شرط في صحة الإعادة. وليس كذلك، ولا دليل عليه.
ومذهب المسلمين/ قاطبة: القول بالمعاد البدني،/ وإدراك اللذات الحسية والعقلية. ولذلك مناسبة حسنة، وهي: أن العالم على ثلاثة أضرب. عقل محض كالملائكة، وشهوة محضة كالبهائم، ومركب من الأمرين وهما الثقلان. فالطرفان لا مشقة عليهم. أما البهائم فلعدم التكليف وأما الملائكة فلعدم الشهوة المعارضة لعقولهم، والثقلان واسطة، عليها المشقة لتنازع العقل والشهوة في مراديهما.
فيتعب «3» الإنسان بينهما كالمخلص بين متخاصمين. فلا جرم أن الملائكة لما عبدوا الله بالعقل المجرد الخالي عن معارضة الشهوة كانت لهم اللذة العقلية، والبهجة
(1) في (م): وهي محال.
(2)
الذي وجدته في المباحث المشرقية للرازي بمعنى هذا وهو:" إنه لو صح إعادة المعدوم لصح إعادة الوقت الذي وقع فيه ابتداء، فيصح أن يعاد هو في ذلك الوقت بعينه فيكون وقت إعادته هو بعينه وقت ابتدائه فيكون مبتدأ من حيث أنه معاد. هذا خلف" اهـ.
[المباحث المشرقية 1/ 47 - 48]
(3)
في (أ): فيبعث.
الروحانية. والبهائم لما خلت عن عقل تعبد الله به تمتعت باللذات الحسية الشهوانية مدة بقائها في استعمال المكلفين لها ثم يوم القيامة، تصير ترابا بعد أن يقتص لبعضها من بعض «1» ، لأنه لا عبادة لها تستحق بها يوم القيامة لذة عقلية ولا حسية.
وعند مصيرها ترابا يقول الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40)«2» وبنو آدم لما تعبدوا فيما بين العقل والشهوة وجب بمقتضى هذه المناسبة أن يجمع لهم في الآخرة بين اللذتين العقلية بمقتضى العقل الذي عبدوا الله وعرفوه به، والحسية بمقتضى الشهوة التي صبروا على خلافها في طاعة الله- سبحانه- ولو في التوحيد وهذا معنى قوله تعالى: وجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وحَرِيراً (12)«3» أي بما صبروا على الطاعات وعن الشهوات «4» .
هذا آخر الجواب عما يستحق أن يجاب عنه من هذا السؤال من الآيات والأخبار الصحيحة، فأما ما ذكره من ضعيف الأخبار. وكلام" أبي حامد" «5» وغيره: فلا يلزمنا/ الجواب عنه، ولا هو ممن يستحق ذلك".
(1) أخرج الطبري في تفسيره (30/ 26) من طرق عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة- رضي الله عنهما من عدة طرق أحدهما مرفوع من طريق أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقضي الله بين خلقه الجن والانس والبهائم، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء، حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال الله:(كونوا ترابا) فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا". وفي سنده راو غير مصرح به. وذكر الشوكاني- رحمه الله أن ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث والنشور: أخرجوه عن أبي هريرة.
[انظر تفسير الشوكاني 5/ 371].
(2)
آخر سورة النبأ.
(3)
سورة الإنسان، آية:12.
(4)
انظر تفسير الطبري 29/ 213، وتفسير القرطبي 19/ 136، وتفسير ابن كثير 4/ 455.
(5)
هكذا في النسخ الثلاث" أبي حامد" ولعل لأبي حامد الغزالي كلام نقله هذا النصراني فأشار إليه الطوفي بهذه الإشارة. ولو كان المقصود أبي علي ابن سينا. لكان الجواب عن كلامه حاصل أولا.