الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعني بالذكر المحفوظ؟ التوراة أو «1» القرآن؟ الأول ممنوع، والثاني: مسلم لكنه لا يفيد، لأن الحد الأوسط في الشكل مختلف فمحمول الأولى غير موضوع الثانية.
قوله:" فتبين بذلك أن كلمات الله غير مبدلة".
قلنا: هذا صحيح لكن قد بينا أن المراد بكلمات الله ليست التوراة والإنجيل التي بأيديكم بل هي القرآن. ولئن سلمنا أنها التوراة والإنجيل، بل وكل كلام الله غير مبدل، إلا أن ما بأيديكم ليس هو التوراة والإنجيل المرادين هنا «2» ، المنزلين على موسى وعيسى، بل كلمات الله التي هي كلماته لا يدخلها التبديل في خبر ولا حكم ولا وعد ولا وعيد، وما بأيديكم من ذلك تواريخ وسير مبدل محرف متناقض، علمنا تناقضه بالعيان والمباشرة.
[رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أُخْتَ هارُونَ
"]
قال: القسم الثاني من قوله- يعني مما زعم أنه كذب من أخبار محمد- عليه السلام فمن ذلك قوله: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً
…
إلى قوله: وإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ «3» وقوله في التحريم «4» : ومَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها «5» وقوله في سورة مريم: يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ «6» .
(1) في (ش): والقرآن.
(2)
في (أ): المرادين هاهنا.
(3)
سورة آل عمران: 35.
(4)
في النسخ الثلاث:" في المتحرم" وهو تحريف واضح.
(5)
الآية الأخيرة من سورة التحريم.
(6)
سورة مريم، آية:28.
قال:" فثبت بهذا كله: أن مريم أم المسيح هي بنت عمران أخت موسى وهارون".
قال:" واسم أبي مريم أم المسيح: يعقيم. وأمها: حنة. وبين مريم هذه وعمران أبي موسى ألف وخمسمائة سنة"«1» .
قال: وعذرا له في هذه الغلطة، فإن الناقل، إما جاهل وإما قاصد إيقاعه في الغلط". «2»
قلت: يشير هذا الخصم إلى أن محمدا- عليه السلام كان يلقن أساطير الأولين ثم ينظمها بعبارته، والملقن له إما جاهل بالنقل أو قاصد «3» تغليطه «4» .
قلت: وللعدو أن يقول ما شاء، وإنما يثبت ما قامت عليه الحجة.
(1) ليس هذا التحديد الزمني صحيحا مضبوطا، بل النصارى أنفسهم مختلفون فيه فقد روى عنهم الإمام القرافي في الأجوبة الفاخرة
…
الباب الثاني السؤال الخامس أن اليهود والنصارى يقولون إن بين هارون ومريم ستمائة سنة
…
وقد روي غير ذلك.
[انظر هامش مقامع هامات الصلبان" بين المسحية والإسلام" ص 319].
(2)
في (ش) الغلط قاصد.
(3)
في ش: قصد.
(4)
هذا طبع الكفار دائما يوجهون هذه التهمة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد حصل لمحمد صلى الله عليه وسلم هذا، فالنضر بن الحارث لعنه الله كان يوجه هذه التهمة إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فرد الله عليه وعلى أمثاله بقوله تعالى: وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وزُوراً (4) وقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ
…
[الفرقان: 4 - 6][الفرقان: 4 - 6].
وهذا سؤال قد كفانا/ جوابه صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم فروى المغيرة بن شعبة «1» قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران. فقالوا ألستم تقرءون: يا أُخْتَ هارُونَ وقد كان بين عيسى وموسى ما كان؟ فلم أدر ما أجيبهم/ فرجعت «2» إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» فأخبرته. فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم» رواه مسلم والترمذي «4» وقال حديث حسن صحيح".
(1) أبو عبد لله أو عيسى: المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي، أسلم عام الخندق وقدم مهاجرا، كان رجلا طوالا ذا هيبة أعور أصيبت عينه يوم اليرموك
…
روي عن الشعبي أنه قال:" دهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وزياد أي: ابن أبيه فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير" شهد المغيرة القادسية ونهاوند. توفي رضي الله عنه سنة خمسين من الهجرة بالكوفة، وقيل سنة إحدى وخمسين، وهو أمير عليها من قبل معاوية رضي الله عنه.
[انظر الاستيعاب 4/ 1445 - 1448، والإصابة في تمييز الصحابة 3/ 452 - 453، ترجمة 8179].
(2)
في (أ): ورجعت.
(3)
صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ).
(4)
أخرجه مسلم في (كتاب الآداب، الحديث التاسع) عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت نجران سألوني فقالوا إنكم تقرءون:" يا أخت هارون" وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك، فقال:«إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين من قبلهم» وأخرجه الترمذي في (كتاب التفسير، باب ومن سورة مريم) بهذا اللفظ وقال:" هذا حديث صحيح غريب لا تعرفه إلا من حديث ابن إدريس" قلت: وأخرجه أحمد في المسند (4/ 252).
وابن جرير في تفسيره (16/ 78). والترمذي ترجمته في الدراسة ص: 76.
قلت: ومعنى هذا الحديث ما ذكره عبد الرزاق في تفسيره «1» . قال:
أخبرنا «2» معمر عن قتادة في قوله يا أُخْتَ هارُونَ قال: كان رجلا صالحا في بني إسرائيل يسمى هارون فشبهوها به. فقالوا: يا شبيهة هارون في الصلاح «3» .
فتحقيق معنى الحديث:/ أن هارون هذا سمي باسم هارون أخي موسى تبركا.
وحينئذ يفسد استدلال هذا الخصم ويكون الحد الأوسط في نظمه وهو هارون مختلفا، كما تقدم في استدلاله على أن الذكر المحفوظ هو التوراة.
(1) وقد أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (16/ 77) عن قتادة أيضا، بنحوه. والقرطبي في تفسيره (11/ 100) بمعناه عنه.
(2)
في (م): أنا.
(3)
وقد ذكر ما يتضمنه الحديث المتقدم وقول قتادة هنا: الإمام القرافي رحمه الله في الأجوبة الفاخرة. في السؤال الخامس من الباب الثاني: لما ولدت مريم- رضي الله عنها بعيسى عليه الصلاة والسلام من غير زواج اتهمها بنو إسرائيل لعنهم الله بالزنا فقالوا لها متعجبين كيف يصدر القبيح من غير محله يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [مريم:
28]، لأنها كانت في غاية العبادة. وأصل الأخوة التساوي في الصفة ومنه قوله تعالى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [سورة الأعراف: 38] أي مساويتها في الكفر. وقوله تعالى: وما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها [الزخرف: 48] أي مساويتها في الدلالة،
…
والمساواة حصلت بين مريم- رضي الله عنها وبين ذلك الرجل المسمى هارون فسميت أخته. أى مساويته في العبادة. وقيل: كان في ذلك الزمان فاسقا يسمى هارون فلما اعتقد بنو إسرائيل في مريم التهمة جعلوها أخته أي مساويته في ذلك الفعل. [انظر الأجوبة الفاخرة للقرافي الباب الثاني السؤال الخامس].
وأما قوله: إن اسم أبي مريم:" يعقيم" فجوابه من وجهين:
أحدهما: أن هذا لم أعلمه ولا رأيت أحدا ذكره ممن أثق به من علماء المسلمين. وعلماء اليهود والنصارى غير مأمونين عندنا، ولا وثوق لنا بما عندهم على ما سبق في مقدمات الكتاب. ومعنا شيء نحن معتقدون فيه واثقون به، وهو القرآن المتضمن أن اسم أبيها عمران. ويكون ذلك من أسماء الأعلام المشتركة مثل هارون، وهارون، وفرعون، وفرعون، وزيد وزيد، وعمرو، وعمرو، فلا نعدل عنه إلى غيره ولا سبيل لهم إلى إقامة الحجة القاطعة التي نضطر إلى تسليمها علينا، وإن أمكنهم ذلك وفعلوه قبلناه منهم، فإنه لا غرض لنا في العناد بل الحق حيث كان متبع.
الوجه الثاني: أن هذا اختلاف في الأسماء، لا في المسميات فجاز أن يكون عمران تعريب يعقيم، فإن العربية تصرفت في الألفاظ الأعجمية فعربتها كما سمت العرب/ المسيح: عيسى، واسمه في الإنجيل: يسوع. فعكسوه من آخره، وقلبوا الواو ياء. وكان أصل موسى: موشا، بالشين المعجمة، يعني الماء والشجر، لأن آل فرعون التقطوه من بين ماء وشجر حين ألقته أمه في اليم، ومو: هو الماء.
وشا: الشجر «1» .
(1) انظر لسان العرب 6/ 224، والمصباح المنير 2/ 715.