الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل]
قال:" وفي سورة الصف قال: وإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ .. -
إلى قوله- .. ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ .. «1» .
وفي سورة الأعراف قال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ «2» مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ
…
«3» .
قال: ولا أمارة لشيء من هذا لا «4» في التوراة ولا في الإنجيل فضلا عن التصريح فيهما قال: ولعل قائلا يقول: نزع اسمه منها.
فالجواب: أن هذا من الأعذار الباطلة المضحكة لأن ظهور محمد إما أن يكون بخير أو شر، وعلى كلي التقديرين لا فائدة في نزع اسمه من الكتب بل يجب ابقاؤه ليعرف فيتابع إن جاء بخير أو يجتنب إن جاء بشر كما في الدجال والشيطان.
هذا حاصل ما ذكره في هذا السؤال.
والجواب: أما ذكره صريحا في التوراة والإنجيل وتبشير المسيح به فقد ثبت
(1) قال الله تعالى: وإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ [سورة الصف، آية رقم 6].
(2)
من هنا بداية النقص والتلفيق في طباعة السقا.
(3)
سورة الأعراف، آية:157.
(4)
في (أ): إلا في التوراة.
عندنا بالقرآن المعصوم المتواتر، ونقل علماء المسلمين كوهب بن منبه وغيره: أن الحواريين «1» قالوا للمسيح وهو يودعهم ويوصيهم يا روح الله هل لله نبي بعدك يفوقك؟ قال: نعم النبي العربي قالوا: يا روح الله ومن أين هو؟ قال: يبعث من أرض تهامة «2» فقالوا: من هو؟ قال: من قريش يمسك بأصل الحكمة ويعطى فروعها. أمته حكماء علماء كأنهم الأنبياء أقرؤه مني السلام" «3» .
قلت: ويدل على صحة هذا القول أعني: قوله يمسك بأصل الحكمة ويعطى فروعها. أنك لا تكاد تجد في الإنجيل حكمة عن المسيح إلا وعن محمد صلى الله عليه وسلم معناها أو أحسن منها، بأوجز من عبارتها، وأخصر/ من لفظها وقد ذكرت من
(1) الحواريون جمع حواري وسموا بذلك لبياض ثيابهم [انظر صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الزبير]، وقيل: لأنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب، أي يغسلونها، وقيل: لأنهم خاصة الأنبياء كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي حواري، وحواريي الزبير» يعني خاصته. [انظر صحيح البخاري: الجهاد، باب فضل الطليعة رقم 40، وصحيح مسلم فضائل الصحابة باب فضائل طلحة والزبير حديث رقم 48. وتفسير الطبري 3/ 287، وتفسير القرطبي 4/ 97، 18/ 87].
(2)
تهامة: بكسر أوله. اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة سميت تهامة:
من التّهم وهو شدة الحر وركود الريح، وقيل سميت بذلك لتغير هوائها، يقال: تهم الدهر إذا تغير. [انظر تهذيب الأسماء واللغات 3/ 44].
(3)
لم أهتد إلى مكان ما قال وهب في المراجع التي استطعت الرجوع إليها.
ذلك أمثلة كثيرة في" الفوائد"«1» وأيضا ما تواتر من أن الأحبار «2» والرهبان «3» والكهان «4» أخبروا بمحمد- عليه السلام قبل مبعثه وعرفوه لما ظهر بصفته كبحيرا «5» الراهب «6» وغيره، فآمن به من سبقت له السعادة وكفر من سبقت عليه الشقاوة.
(1) لم أجد هذا الكتاب في خزائن المخطوطات التي زرتها، أو اطلعت على فهارسها.
(2)
انظر هامش ص: 330.
(3)
الرهبان: جمع راهب بمعنى: المتعبد الخاشع الزاهد، وأهل الترهب عند النصارى: التخلي عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها، والزهد فيها، والعزلة عن أهلها. وفي الحديث:" لا رهبانية في الإسلام" وقال تعالى: ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ [الحديد 27] وأصل الرهبانية من الرهب ثم صارت اسما لما زاد عن المقدار. [انظر لسان العرب 1/ 437 وتفسير القاسمي 8/ 184].
(4)
الكهان: جمع كاهن. وهو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار. وقد كهن يكهن كهانة إذا تكهن. وكان في العرب كهنة منهم شق وسطيح اللذان أخبرا بأمر محمد- عليه السلام وغيرهما، ومنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه بالعراف، وأصل الكهانة المعرفة والفطنة بدقائق الأمور وغوامضها. [انظر منال الطالب ص 158، 159].
(5)
من أحبار اليهود، وقيل: كان نصرانيا وإن اسمه جرجيس، وقيل: نسطورا، وقيل: كان على مذهب نسطورا واسمه جرجيس بن اسكندر، كان ينكر إلهية المسيح، اتخذ صومعة بعد طرده من ديره- بقرب الطريق الموصل إلى الشام- تمر عليه العرب فينذرهم بعبادة الله وينهاهم عن عبادة الأصنام. [انظر البداية والنهاية 2/ 286، وهامش ص: 125 من دلائل النبوة لأبي نعيم].
(6)
خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب- بحيرا- هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم
…
فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا سيد العالمين-
أما قوله:" لا أمارة لنبي من ذلك في الكتابين" فهو:/ إما عناد منه، أو لعدم اطلاعه على ما فيهما، وعدم تنبهه على إشاراتهما وفهمهما، فإن في التوراة من ذلك مواضع:
منها: أن إبراهيم لما فارقه لوط قال الله لإبراهيم: ارفع عينيك وانظر المكان الذي أنت فيه إلى الشمال والجنوب والمشرق والمغرب فإن جميع الأرض التي ترى كلها لك أعطها «1» ولنسلك إلى أبد الأبد" «2» فنظرنا فرأينا ملك بني إسرائيل ارتفع عن أرض كنعان وما حولها وصار إلى العرب. وهو يدل على صحة النبوة فيهم ولا نبي فيهم إلا محمد- عليه السلام.
ومنها:" لما هربت هاجر «3» من
- هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين
…
" الحديث أخرجه الترمذي في المناقب، باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وقال:" هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" والحاكم في المستدرك (2/ 615 - 617) وقال:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 24 - 25) وأبو نعيم في دلائل النبوة ص 124 - 131 بأسانيد. وأخرجها غير هؤلاء: كابن كثير في البداية والنهاية (2/ 283 - 286) ويرى بأنه من مرسلات الصحابة.
(1)
في (ش)، (أ): أعطيها.
(2)
القصة في سفر التكوين الأصحاح الثالث عشر، حسب التراجم الحديثة.
(3)
هاجر ويقال: آجر أم إسماعيل- عليه السلام من" أم العرب" قرية كانت أمام الفرما من مصر. كانت أمة لسارة زوج إبراهيم، فأعطتها لزوجها إبراهيم- عليه السلام ليتسرى بها لأنها لم تلد له أحدا، فولدت له هاجر إسماعيل- عليه السلام فغارت منها سارة، وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها، فذهب بها عنها وبولدها حتى وضعهما في مكة، وقصتهما مشهورة معروفة، قال السهيلي:" وهاجر أول امرأة ثقبت أذناها، وأول من خفض- ختن- من النساء". [انظر البداية والنهاية 1/ 153 - 154، الروض الأنف للسهيلي 1/ 16 - 17].
سارة «1» تلقاها ملك الرب فقال ارجعي إلى مولاتك فكوني تحت يدها يكثر الله نسلك، وستلدين غلاما اسمه إسماعيل لأن الله سمع تعبدك ويبارك فيه يده على الكل ويد الكل به، وعلى خد جميع إخوته «2» ينزل «3» ".
ومن المعلوم أن إسماعيل لم يستعل على بني إبراهيم هذا الاستعلاء ولا أحد من ولده إلا محمد صلى الله عليه وسلم لما ظهر. فدل على أنه هو المشار إليه من هذا الكلام.
ومنها: قول الله سبحانه «4» لإبراهيم: إن زوجتك سارة تلد لك غلاما ويدعى اسمه إسحاق وأقيم معه ميثاقا/ إلى الأبد ويخلفه «5» من بعده. وعلى
(1) سارة بنت هاران- وقيل: بنت توبيل- بن ناحور، وقيل: بنت هاران بن تارح وهاران هو الذي تنسب إليه" حران" وهو عم إبراهيم- عليه السلام هاجر إبراهيم بسارة من بابل إلى مصر في وقت مجدب وجوع وغلاء، وكانت ذات حسن، وبينما هما ذات يوم إذ أتيا أرض جبار من الجبابرة، فوصفت له فجرى لهما ما هو معروف، وأخدمها الله هاجر. وسارة إحدى الصديقات الثلاث:" سارة وأم موسى، ومريم" وذهب بعض العلماء إلى أنهن نبيات، والجمهور على أنهن صديقات ولسن نبيات.
[انظر البداية والنهاية 1/ 150 - 152، الروض الأنف 1/ 16].
(2)
عند الماوردي:" وتكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع"، وفي التراجم الحديثة:" ويد كل واحد عليه، وأمام جميع إخوته يسكن" اهـ.
(3)
القصة في سفر التكوين الأصحاح السادس عشر، كما في التراجم الحديثة. وانظر هداية الحيارى ص 54، وأعلام النبوة للماوردي ص 118.
(4)
ليس هذا قول الله على القطع ولا بالنص إن كان ذلك صحيحا وإنما هو معناه إن كان صدقا وقد يكون فيه من تحريف اليهود والنصارى ما يجعلنا غير جازمين بأن هذا من عند الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم في أول هذا الكتاب: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم
…
» الحديث.
(5)
في (ش): لخلفه.
إسماعيل فقد سمعتك وباركت عليه وكثرته كثيرا جدا ويولد له اثنا عشر شريفا «1» وأجعله لشعب عظيم" «2» .
قلت: فهذا الشعب العظيم هم «3» العرب، فوجب أن يكون فيهم رسول كسائر الشعوب لما سبق من أن عناية الله بخلقه تقتضي ذلك.
وبالجملة: الأمارات «4» الظاهرة في التوراة وغيرها من كتب الأوائل على نبوته كثيرة، ذكر الماوردي وغيره «5» منها جملة في/ دلائل «6» النبوة «7» والذي ذكرته أنا نقلته من نفس التوراة «8» .
وأما في الإنجيل. فحيث يقول في/ بشارة يوحنا:
" والفارقليط روح القدس، الذي يرسله أبي باسمي، وهو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كلما ما قلت لكم"«9» وحيث يقول:" إنه خير لكم أني انطلق لأني
(1)«شريفا» ليست في (ش).
(2)
انظر سفر التكوين الأصحاح الحادي والعشرين، وهداية الحيارى ص: 54 وأعلام النبوة للماوردي ص 118، والبداية والنهاية 1/ 153.
(3)
هم: ليست في (م).
(4)
في (ش)، (أ): الآثارات.
(5)
في (ش)، (أ): وغيرها.
(6)
في (أ): في أوائل النبوة.
(7)
طبع الكتاب بعنوان:" أعلام النبوة"، وما أشار إليه الطوفي فيه هو في ص: 118 - 128 منه.
(8)
إلى هنا السقط والتحريف في طباعة السقا.
(9)
انظر انجيل يوحنا الأصحاح الرابع عشر، وهداية الحيارى ص 55 وأعلام النبوة للماوردي ص 127.
إن لم أذهب لم يأتكم البرقليط «1» ، فإذا انطلقت أرسلته إليكم، وإذا جاء ذلك، فهو يوبخ العالم على الخطية وعلى الحكم. أما على الخطية فلأنهم لم يؤمنوا بي
…
وأما على الحكم فلأن [أركون]«2» هذا العالم يدان" «3» ثم قال:" إذا جاء روح الحق ذلك فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع، ويخبركم بما يأتي وهو يمجدني لأنه يأخذ مما هو فيّ ويخبركم «4» .
قلت: وإذا تأملنا هذه الإشارات «5» وجدناها مطابقة لصفات محمد- صلى الله عليه وسلم «6» " لأنه لم يأت بعد المسيح من ادعى النبوة ومجد عيسى وبالغ في تمجيده، وصدقه في نبوته، ووبخ العالم على خطية الكفر وقتل اليهود وغيرهم على تكذيب المسيح وعبادة الأوثان وأخبر بأن الناس يدانون يوم القيامة ويحاسبون، وعلم الناس محاسن «7» الآداب، ومكارم الأخلاق وظهر ناموسه «8»
(1) في (م): البارقليط. والصحيح: الفارقليط.
(2)
في النسخ الثلاث:" فلأن يكون" والصحيح ما أثبته من الجواب الصحيح (4/ 17)، ومن هداية الحيارى (ص 56)، وهو الذي يناسب السياق. والأركون: الرئيس أو العظيم أو السيد، أو الكبير. ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد العالم:" أنا سيد ولد آدم ولا فخر".
(3)
انظر إنجيل يوحنا: الأصحاح السادس عشر، وهداية الحيارى ص:55.
(4)
انظر إنجيل يوحنا: الأصحاح السادس عشر.
(5)
قلت: قد ذكر الإمام القرافي في الباب الرابع من الأجوبة الفاخرة
…
إحدى وخمسين بشارة من ألفاظ التوراة والأناجيل ونبوات الأنبياء، وقد ذكر ابن القيم كذلك كثيرا من البشارات في كتب أهل الكتاب في" هداية الحيارى".
(6)
في (م): عليه السلام.
(7)
كلمتا:" الناس محاسن" ليستا في (أ).
(8)
في (ش): بناموسه.
واشتهر في البدو والحضر كظهور نواميس الأنبياء قبله إلا محمد صلى الله عليه وسلم. وإن لم يكن محمد هو الذي أشار إليه «1» لزم القدح في صدق وعده بالبارقليط، لأن من المحال عادة أن عاد أحد يظهر بما ظهر به محمد ويتم له" «2» .
فإن قيل: قد ذكر" الفارقليط" في الإنجيل بصفات غير هذه مما لا يطابق صفات محمد فيحمل ما ذكرتموه عليه.
قلنا: مع المسامحة نقول لكم/ كل ما في الإنجيل حق عندكم فيجب اعتباره ما أمكن، وحيث ذكر" الفارقليط" تارة بما يوافق صفات محمد، وتارة بما يخالفها فاجعلوه من باب اللفظ المشترك. فالفارقليط الذي ذكرناه- محمد «3» عليه السلام والذي ذكرتموه اجعلوه من شئتم ويحصل لنا المقصود وقد بينت وجه دلالة هذا الفصل على المطلوب، وما عليه من سؤال وجواب في التعليق على الإنجيل، فاكتفيت به هناك عن تكراره هاهنا «4» . والله أعلم.
وأما قوله:" لعل قائلا يقول: نزع اسمه منهما".
فهكذا نقول.
وأما جوابه عن ذلك بأن ظهور محمد: إما أن يكون بخير أو شر، وعلى التقديرين يجب ابقاؤه ولا فائدة في نزعه".
(1) في تعاليق على الأناجيل: إليه المسيح.
(2)
ما بين علامتي التنصيص من كتابه:" تعاليق على الأناجيل ص 70 - 71 خ.
(3)
كلمة" محمد" ليست في (أ).
(4)
بيّن ذلك في الصفحات 70 - 72 خ.
فجوابه:/ أن هذا إنما يصح أن يحتج به من علم منه العدل والإنصاف وطلب الحق وكمال العقل. واليهود والنصارى ليسوا كذلك حتى يصح احتجاجهم بهذا.
أما اليهود فإنهم تعدوا على أنبيائهم وبغوا عليهم وقتلوهم وكفروا «1» بالمسيح مع ظهور صدقه والخوارق على يده لكل غافل منصف. فكفرهم بمحمد ككفرهم بالمسيح، وإنكارهم «2» لاسمه وصفته/ كانكارهم لصفة المسيح المذكورة في التوراة في كلام إسرائيل لما جمع بنيه، وأخبرهم بما يكون منهم على ما سبق بيانه آنفا في الجواب عن صلب المسيح، ولكن اليهود علموا من صفة محمد أنه يظهر بقوة وشوكة، لا يقدرون معها على قتله وصلبه- كما زعمتم وإياهم أنهم فعلوا بالمسيح- فغيروا اسمه وصفته في التوراة لئلا «3» يتحقق عنادهم بقيام/ الحجة عليهم من كتابهم، ورأوا أن العناد بشبهة أولى منه بلا شبهة.
وأما النصارى فلأن الإنجيل الذي صرح فيه بذكر محمد ليس هذا الذي بأيديهم بل هو كتاب نزل على المسيح من السماء كتوراة موسى وقرآن محمد ولكنه عدم فلم يظهر.
وأما الأناجيل التي بأيديهم فهي سيرة المسيح وحكاية ما جرى له وفيها شيء
(1) في (م): وكفرا.
(2)
في (ش): وانكاركم.
(3)
في (أ): لا بالا يتحقق.
من حكمه ومواعظه، فهو بمثابة ما نقل عن الأنبياء من كلام أنفسهم، كالأخبار المروية عن محمد- عليه السلام وغيره من الأنبياء «1» . وكذلك التوراة التي بأيدي اليهود اليوم، على أنا قد بينا أن في فصل البارقليط من بشارة يوحنا ما يكفي في الإشارة إلى ذكر محمد بصفته.
وأيضا فإن المسيح كان من آيات الله سبحانه، أظل «2» بها من شاء من خلقه، فعصمهم الله به مدة مقامه بين أظهرهم، فلما رفع عنهم ووقع في دينهم الدخل والتلبيس من شياطين الجن والإنس، كما بينته في" الفوائد، والتعليق على الإنجيل"«3» وذكره هنا يطول.
وأيضا: انضم إلى ذلك في حق الطائفتين أن محمدا جاءهم بترك المألوف من دينهم وذلك شديد على النفوس لا يثبت له إلا كاملو العدل والعقل وقد بينا عدم العدل في اليهود، وعدم العقل في النصارى حيث اعتقدوا أن الله خالق السموات والأرض خرج من بطن مريم ثم أسلم نفسه للقتل والصلب ليستنقذ الخطاة من بني آدم، وقد كان قادرا على استنقاذهم بدون هذا التعب، وعقول تخيل لأهلها اختراع مثل هذا جديرة بأن تخيل/ لهم الاستمرار عليه حتى يحرفوا لأجله أسماء الأنبياء وينازعوا في الحق ويعاندوه.
(1) بل ما روي من أخبار محمد صلى الله عليه وسلم أصح منها لأن الله تكفل بحفظ الذكر، ومنه الحديث، وأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يتكفل يحفظ الكتب السابقة، ثم إن الله أخبر بأنهم حرفوا تلك الكتب ثم إن كثيرا مما في كتبهم المحرفة لا تليق بمقام الأنبياء كنسبة بعضهم إلى الزنا وغير ذلك. وليس لهم سند يروون به ما صدر عن أنبيائهم وكان هذا من خصائص الأمة الإسلامية- والحمد لله-.
(2)
في النسخ الثلاث:" أضل" بالضاد، والصواب ما أثبته.
(3)
انظر تعاليق على الأناجيل ص 4 - 7 مخطوط.
وحاصل ما نقوله في جوابه: أن محمدا كان ظهوره بخير عظيم وبركة عميمة ولكنهم/ غيروه حسدا له، واستبقاء للرئاسة فيهم، وغيره عليها أن تخرج منهم وينالها غيرهم.
وإذا كان إخوة يوسف هموا بقتل أخيهم يوسف ثم لما رفقوا به باعوه على الكفار ورموه في رق العبودية حتى لقي من مرارة التهم والسجن ما لقي حسدا له على ما ظنوه من تأويل رؤيا يجوز أن تقع وأن لا تقع مع كونهم من صلب نبي معصوم، وهم معاشرون له صباح مساء، فما الظن باليهود والنصارى والبغاة الجهال، وقد مضى منهم الزّبد، وبقي منهم الغثاء والزّبد وسفلة العالم وسقطهم فيما علموه بالوحي الإلهي.
وأيضا إذا كانت" سارة" المرأة الصالحة المحفوظة بمعاشرة النبي المعصوم" إبراهيم"- صلوات الله عليه- قالت له: اخرج بابن «1» الأمة- تعني إسماعيل ابن هاجر- عني كي لا يرث مع ابني «2» إسحاق، كما نص عليه في التوراة؛ غيرة منها أن يشارك ابنها في رئاسة أبيه، فما الظن باليهود والنصارى/ على ما عرف منهم؟ «3» .
وأما قوله:" لم لم تنزع أسماء الأنبياء الذين كان يخبر بعضهم ببعض سابقهم بلا حقهم كيحيى بن زكريا، ولم ينزع اسم الشيطان والدجال"؟
(1) في (ش): ابن.
(2)
في (ش): مع ابني تعني إسحاق.
(3)
هذا على ما يدعونه هم وأما نحن فلا نقرهم على هذا لعدم يقيننا بأن هذه القصة مما لم يحرف، ولم يرد في ديننا إلا أنها عليها السلام غارة من هاجر فقط وذلك قبل ولادة اسحاق فإنه لم يولد إلا في كبر إبراهيم وسارة، فغيرتها لأنها أصبحت ضرة لها. والله أعلم.
[انظر الروض الأنف 1/ 135، فتح الباري 6/ 400].
فالجواب: أن الفرق بين أولئك الأنبياء ومحمد- عليهم السلام من وجهين:
أحدهما: أن موسى لم يأت بعده نبي إلا بتقرير أمر التوراة ومتابعتها فكانوا في المعنى نواب موسى وخلفاؤه/، كالتلاميذ الاثنى عشر لعيسى.
ومحمد- عليه السلام جاء بنسخ الشرائع كلها وأحكام التوراة والإنجيل وغيرهما، واستئناف شريعة مبتدأة من عند الله. ولهذا لما جاء المسيح بإبطال السبت وأشياء مما تخالف حكم التوراة تعصبوا عليه وقتلوه،- كما زعمتم وإياهم- «1» .
الوجه الثاني: أنهم كانوا يعلمون أن أولئك الأنبياء ضعفى لا شوكة لهم فلم تكن لهم حاجة إلى نزع أسمائهم، بل إن رأوا منهم ما يوافقهم وإلا قتلوهم كما فعلوا بيحيى وزكريا والمسيح «2» وغيرهم من الأنبياء.
ومحمد- عليه السلام علموا أنهم لا يقدرون عليه كما قدروا على غيره «3» فنزعوا اسمه ليصير شبهة لهم في خلافه- كما سبق-.
(1) ثم إن اليهود ينكرون نبوته ويقولون إن المسيح المذكور في التوراة إنما هو المسيح المنتظر الذي سيأتي في آخر الزمان. [انظر إفحام اليهود ص 102 - 107].
(2)
على زعم اليهود.
(3)
لقد حاول اليهود- لعنهم الله- قتل محمد صلى الله عليه وسلم رغم العهد الذي بينهما ولكن الله رد كيدهم في نحورهم. ومن ذلك ما حصل من بني النضير عند ما ذهب إليهم صلى الله عليه وسلم من أجل الاستعانة بهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فاستند صلى الله عليه وسلم إلى جدار حصن لهم، فخلا بعضهم ببعض واتفقوا على طرح حجر عليه من ظهر الحصن ليقتله، فأخبره جبريل- عليه السلام بذلك، فقام موهما لهم بأنه غير ذاهب ومعه نفر من أصحابه منهم أبو بكر وعمر وعلي- رضي الله عنهم أجمعين-، فسار حتى دخل المدينة ثم صبحهم بالجيش فجلاهم إلى الشام-