المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه] - الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌أولا: المقدمة

- ‌المقدمة

- ‌ثانيا: قسم الدراسة

- ‌الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي:

- ‌الفصل الثاني: حياة الطوفي

- ‌ثالثا: التحقيق

- ‌الخطبة

- ‌ المقدمات ثلاث:

- ‌[المقدمة الأولى: سد باب الاستدلال بكتب أهل الكتاب]

- ‌[المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع]

- ‌[المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول]

- ‌[المتنبئون الكذبة والتحذير منهم]

- ‌[حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها]

- ‌[فوائد النبوات ومنفعتها]

- ‌[النبي وشروطه]

- ‌[موقف النصارى من النكاح]

- ‌[فوائد النكاح وفضيلته]

- ‌[الأنبياء والنكاح]

- ‌[ظهور المعجز على يد النبي]

- ‌[موافقة ما يأتي به النبي للفطرة]

- ‌[موقف عتاة النصارى من نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]

- ‌[امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم]

- ‌[المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم]

- ‌[الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أُخْتَ هارُونَ

- ‌[رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام]

- ‌[رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له]

- ‌[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج]

- ‌[تناقض كتب النصارى التي بأيديهم]

- ‌[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام]

- ‌[أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك]

- ‌[البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل]

- ‌[أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك]

- ‌[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء]

- ‌[تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك]

- ‌[بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام]

- ‌[الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين]

- ‌[تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك]

- ‌[الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه]

- ‌[القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك]

- ‌[كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك]

- ‌[عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه]

- ‌[الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره]

- ‌[الإسراء والمعراج]

- ‌[الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه]

- ‌[رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة]

- ‌[البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك]

- ‌[الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام]

- ‌[مكان دفن الأنبياء]

الفصل: ‌[الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه]

قلت: جواب هذا كله سبق عند أول مكان ادعى تجرد الملائكة والشياطين عن المادة «1» . وبينا أن ذلك لا مذهب للأنبياء ولا الفلاسفة.

ثم يقال له: التجرد عن المادة إن كان صفة نقص وجب تنزيه الملائكة عنها لأنهم أولى بالكمال فيلزم أن يكونوا ذوي مادة، وإن كان صفة كمال. فالله سبحانه إن لم يكن/ متجردا عن المادة فقد جعلتم الملائكة أكمل منه، وإن كان متجردا عن المادة فقد جوزتم عليه التلبس بالمادة حيث اعتقدتم اتحاد لاهوته بناسوت المسيح، أو جعلتم الثلاثة واحدا. وقد سبق جميع هذا وإنما أعدناه بيانا.

[الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه]

قال:" ومما روى عنه من أوصاف الله سبحانه".

وذكر حديث: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا» «2» وحديث جهنم:

(1) انظر ص: 409 من هذا الكتاب.

(2)

أخرجه بنحو هذا اللفظ البخاري في التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، وفي كتاب الدعوات، باب الدعاء نصف الليل، وفي التوحيد، باب قول الله

يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح: 15] عن أبي هريرة: وأخرجه مسلم في الصلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في أخر الليل .. حديث 168، 169، 170، 171، بألفاظ مختلفة، وأخرجه أبو داود في السنة، باب في الرد علي الجهمية بهذا اللفظ. والترمذي بنحوه في الصلاة، باب ما جاء في نزول الرب

، وفي الدعوات، باب 79، وابن ماجه في إقامة الصلاة

، باب مما جاء في أي ساعات الليل أفضل، والدارمي في الصلاة، باب ينزل الله إلى السماء الدنيا، وأحمد في المسند (2/ 264، 267، 282) وغيرها من المواضع. وكلهم أخرجوه عن أبي هريرة.

ص: 439

(1) جزء من الحديث الذي أخرجه البخاري في تفسير سورة (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه:" يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط" وأخرجه في مواضع أخرى بألفاظ غير هذا اللفظ وهي بمعناه. وأخرجه مسلم في الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، بألفاظ بمعناه متقاربة. وأخرجه الترمذي بنحو هذا في تفسير سورة (ق)، وأحمد في المسند (2/ 369، 507، 3/ 13).

(2)

طرف الحديث الذي أخرجه البخاري في تفسير سورة ن والقلم.

(3)

أخرجه الطبري في تفسير سورة النجم (27/ 45) بسنده موقوفا على أنس بن مالك.

(4)

كلمة:" ثديي" غير واضحة في النسخ الثلاث. وأثبتها من مراجع الحديث وفي بعض الأفاظ:" صدرى" وفي بعضها" نحرى" وقد أخرج الحديث الترمذي في تفسير سورة ص، من طرق بألفاظ متعددة منها عن معاذ رضي الله عنه وقال عن حديثه:" هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح" اهـ. وأخرجه الدارمي في الرؤيا، باب في رؤية الرب تعالى في النوم، عن عبد الرحمن بن عائش، وأخرجه أحمد في المسند (5/ 243)، قال ابن الجوزي في العلل (1/ 35) وقد رواه أحمد في مسنده، بإسناد حسن" اهـ. وقد ذكر بعض العلماء أن في بعض ألفاظه غير المذكورة هنا زيادات شاذة وأن له طرقا بعضها منكرة. [انظر العلل المتناهية 1/ 30 - 33، وكشف الخفاء 1/ 526 - 527].

واستدل بالحديث من يقول أن محمدا- صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج ولكن ذلك مناما كما يتضح من سياق الحديث عند من أخرجه.

(5)

أم الطفيل: إحدى الصحابيات الجليلات، كنيت بابنها: الطفيل بن أبي بن كعب، وهي إحدى الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم [انظر الاستيعاب 4/ 1944].

ص: 440

أنها سمعت النبي يذكر أنه رأى ربه في صورة شاب موقر في خضر «1» على رأسه فراش من ذهب، وفي رجليه نعلان من ذهب» «2» .

قال:" فتقرر بهذا كله: أن الله جسم، وهذا مخالف للعقل ولمصاحف الأنبياء. ويمتنع أن يكون الله سبحانه جسما لوجهين:

أحدهما: لو كان جسما لكانت «3» جملته معلولا لأجزائه ومفتقرة إليها، وما علل بغيره جاز عدمه عند عدم علته، وواجب الوجود هو ما لا يعدم لعدم/ غيره، بل لعدم ذاته.

الثانية: أن الجسم مركب من الصورة «4» والهيولى «5» فينعدم بانعدام كل

(1) هكذا في النسخ الثلاث، وفي بعض ألفاظ الحديث:" عليه حلة خضراء"، وفي بعضها:" في روضة خضراء" وفي بعضها:" عليه حلة حمراء".

(2)

هذا الحديث له طرق وألفاظ كلها غير صحيحة، ذكره ابن الجوزى في الأحاديث الواهية في كتابه العلل المتناهية (1/ 29) والهيثمى في الزوائد (7/ 179) والسيوطي في اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (1/ 28 - 30) وقال عنه: إنه منكر.

(3)

كلمتا:" جسما لكانت" سقطتا من: (أ).

(4)

الصورة في اللغة: الشكل والهيئة والصفة. وفي اصطلاح المتكلمين: أحد جزئي الجسم، وهو حال في الجزء الآخر منه. وهي بمنزلة شكل السرير بالنسبة إلى السرير. [انظر المبين للآمدي ص 109، 118، والمعجم الفلسفي 1/ 741 - 745].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" لفظ الصورة مشترك: يراد بالصورة الشكل والهيئة كصورة الخاتم والشمعة، والمادة الحاملة لهذه الصورة هي الجسم بعينه. ويراد بالصورة نفس الجسم المتصور، وهذا الجسم المتصور ليس له مادة تحمله، فإن الجسم القائم بنفسه لا يكون شائعا في جسم قائم بنفسه، لكن خلق من مادة كما خلق الإنسان من المني

" اهـ.

(5)

الهيولى لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة. وفي اصطلاح أهل الكلام: أحد جزئي الجسم، وهو محل الجزء الآخر منه. أو أجسام قائمة بنفسها أو جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال محل للصورتين الجسمية والنوعية" [انظر درء تعارض العقل والنقل 3/ 84، والمبين للآمدي ص: 109، والمعجم الفلسفي 2/ 536].

ص: 441

منهما. والواجب لا ينعدم لانعدام غيره. كما سبق.

وأما بيان ذلك في كتب الأنبياء فإن في الإنجيل:" الله روح".

قلت: هذا حاصل ما ذكر في هذا السؤال، وقرره به. ولعمري أن هذا مما «1» لا/ يقضي منه العجب من هذا الشخص. فإن التوراة والإنجيل مملوءان من التجسيم.

فإن في أول التوراة:" وكانت روح الله ترف على الماء"«2» والروح فيما نشاهده جسم. والحجج على جسميتها كثيرة «3» ، لكن نكتفي منها بحجة طبيعية/ ذكرها الأطباء، وهو اضطراب الصدر وحركته لها عند النزع.

فإن قال: إن روح الله ليست جسما، وإن كانت روح غيره جسما.

قلنا: فقد أجبت عنا. كذلك كل ما حكي في دين الإسلام من صفات الله تعالى ليست على المتعارف من صفات الآدميين، ويسقط هذا التشنيع خصوصا وقد ذكرت أنت في بيان ضرورة النبوة عن" أرسطو" وغيره ما ذكرت من أن الحقائق الإلهية لا بدّ فيها من التوقيف الشرعي.

وفي التوراة:" قال الله «4» : نخلق بشرا على شبهنا قد رسمنا فضله ليكون

(1) في (م): ما لا يقضى.

(2)

انظر سفر التكوين الأصحاح الأول.

(3)

ذكر ابن القيم رحمه الله شبه المنازعين في جسمية الروح والنفس ورد عليها في كتاب الروح ص 267 - 289.

(4)

«قال الله» : ليست في (ش).

ص: 442

كصورتنا ومثالنا وأسلطه على سمك البحار وطير السماء" «1» إلى أن قال:" وخلق الله آدم بصورته، صورة الله خلقه ذكرا وأنثى، خلقهما الله وبارك عليهما" «2» .

وفيها إن آدم وامرأته:" سمعا صوت الرب يمشي في الفردوس فاستترا من بين يدي الرب بين شجر الفردوس، وقال الله لآدم: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك تمشي في الفردوس ورأيت أني عريان فاستترت فقال الله الرب: ومن أدراك أنك عريان؟ لعلك أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها"«3» .

وهذا فيه تشانيع. منها: وصفه بالمشي حتى يسمع صوت مشيه في الفردوس، وهو من خواص الأجسام، وأصعب من النزول المذكور في السنة الإسلامية./ ومنها قوله أين أنت؟ ومنها: قوله:" من أراك أنك عريان؟ لعلك أكلت من الشجرة" فإن ذلك ظاهر في أن الله سبحانه لم يعلم أين هو؟ ولا هل أكل من الشجرة أو لا حتى أعلمه آدم".

(1) لم يناقش الطوفي هذا القول في التوراة ويبين إساءة الأدب من اليهود والنصارى مع الله وإشراكهم معه غيره فأقول: يتضح من هذا النص أنهم جعلوا آدم عليه السلام إلها فقولهم:

" على شبهنا" أي على مثلنا، وهذا باطل شرعا وعقلا أن يكون أحد من المخلوقات شبيها بالله ومماثلا له، وحاشا الله أن يكون له مثل أو شبيه. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [سورة الشورى: 11] وهذا من أكبر الأدلة على تحريفهم التوراة: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ووَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [سورة البقرة: 79].

(2)

انظر سفر التكوين الأصحاح الأول.

(3)

انظر سفر التكوين الأصحاح الثالث.

ص: 443

وفيها:" وأكمل الله أعماله في اليوم السادس، واستراح في اليوم السابع"«1» . والاستراحة من لواحق الأجسام «2» . وهذا في التوراة كثير «3» .

وأما في الإنجيل فقولكم: لما اعتمد/ المسيح من يوحنا المعمداني ثم صعد من الماء جاءه روح القدس في جسد حمامة بين السماء والأرض وسمع قائلا يقول: هذا ابني الحبيب الذي به سررت" «4» .

ثم إنكم تقولون:" الأب والابن وروح القدس: إله واحد" وهذا مستلزم للجسمية لوجهين:

أحدهما: أن الصوت لا يتصور عقلا وحسا إلا من جسم إذ هو عرض لا يقوم بنفسه «5» .

(1) انظر سفر التكوين الأصحاح الثاني.

(2)

الاستراحة إنما تطلق على من يناله التعب، وأما من يقول للشيء: كن فيكون فإن ذلك ممتنع في حقه سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [سورة ق: 38] أي ما مسنا من تعب.

(3)

انظر كتاب على التوراة للباجي فقد ناقش أهل التوراة فيما فيها من الانحراف الذي وضعوه بأيديهم.

(4)

انظر آخر الأصحاح الثالث من إنجيل متى.

(5)

هذا على مذهب الفلاسفة وغيرهم من الفرق التي ضلت في هذا، كالأشعرية الذين يرون أن الله لم يتكلم بصوت لأن الأصوات من خواص الأجسام والله ليس بجسم، ولكن الصوت إذا سمع وفهم فإنه يدل على أن قائله نطق به أما أنه لا يتصور إلا من جسم ففي المخلوقات من يتكلم وليس له جوارح فالجلود والأرجل وغيرهم من المخلوقات تتكلم وستتكلم بغير جوارح جسمية تدل على قدرتها على الكلام. والله سبحانه وتعالى يتكلم بصوت مسموع دون أن يكون جسما مكونا من مادة وصورة كحال المخلوقات. والله أعلم.

ص: 444

الثاني: أن الأب والابن والروح في هذه الحال- أعني صعود المسيح من الماء- بعضهم منفصل عن بعض حسا وحقيقة وإنكاره مكابرة. فإن كان ذلك بعد اتحاد الروح والمسيح بالله فقد انفصل عنه جسمان، فيكون هو جسما لأن بعض الجسم جسم، وإن كان قبل الاتحاد، وأن اتحادهم حدث بعد ذلك فقد اتحد بذات الله جسمان: جسد الحمامة الذي هو الروح، وجسد الابن الذي هو المسيح، ولا يتحد بالجسم إلا جسم هذا على قول من يقول منكم: إن المسيح ابن الله.

أما من «1» يقول: هو الله، فالأمر فيه واضح.

وقرر ذلك" ابن الأمثل"«2» مطران" حمص" بأن قال:" إن الله لا يمكن ظهوره إلى العالم حتى يتأنس ويتحد بهم، وله مظاهر يظهر فيها، كما ظهر في حقيقة [النار لموسى في العليقة ولإبراهيم في حقيقة] «3» / كبش فدى به ولده، وليعقوب في حقيقة رجل فصارعه فكذلك ظهر في حقيقة المسيح".

وفي الفصل الخامس من إنجيل متى:" لا «4» تحلفوا بالسماء فإنها كرسي الله ولا بالأرض فإنها موطئ قدميه".

وفي السادس والخمسين منه «5» :" من حلف بالسماء فهو يحلف بكرسي الله والجالس عليه" فوصفه بالقدمين والوطء بهما، وبالجلوس على الكرسي، والجلوس «6»

(1) من: سقطت من (م).

(2)

في النسخ الثلاث: ابن الأشل. وقد سبق أن ذكرت بأن ابن الأمثل أو ابن الأشل لم أجد له ترجمة.

(3)

ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).

(4)

في (م):" وذلك لا تحلفوا

".

(5)

في التراجم الحديثة: الأصحاح الثالث والعشرين من إنجيل متى.

(6)

في (ش)، (أ):" على الكرسي وذلك من خواص الأجسام".

ص: 445

من خواص الأجسام، وإن لم يكن هذا تجسيما، فما في الوجود تجسيم أصلا. فإذا كان هذا مضمون كتبكم المعتمدة، وتقرير أئمتكم وفضلائكم، فكيف تنكرون علينا ما هو دونه في ذلك بكثير. وعذرنا فيه أوسع من عذركم على ما سيأتي ولكن في المثل:" رمتني بدائها وانسلت"«1» .

وفي الشعر:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذ افعلت عظيم فابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم «2» وأما الأحاديث التي ذكرت فصحيحة ثابتة إلا حديث أم الطفيل فإنه حديث موضوع «3» لا أصل له حكم بذلك أئمة الحديث. ثم لو صح لكان محمولا على رؤية المنام كحديث: «رأيت ربي في أحسن صورة» فإنه كان مناما باتفاق علماء المسلمين. صرح الترمذي وغيره بأنه كان مناما «4» .

وأما حديث النزول والقدم/ والساق وغيرها من أحاديث الصفات فلطوائف المسلمين فيها ثلاثة أقوال:

(1) هذا المثل لإحدى ضرائر رهم بنت الخزرج امرأة سعد بن زيد مناة، رمتها رهم بعيب كان فيها، فقالت الضرة" رمتني بدائها وانسلت" فصار يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه. [انظر مجمع الأمثال 1/ 286].

(2)

نسب البيت الأول إلى أبي الأسود الدؤلي مع مجموعة من الأبيات، ونسب للأخطل ونسب لحسان ونسب إلى المتوكل الكناني ونسب إلى سابق البربري، ونسب إلى الطرماح بن حكيم.

[انظر شذور الذهب بتحقيق محمد محي الدين ص 238، شرح التصريح على التوضيح 2/ 238، التبصرة والتذكرة للصيمري النحوي 1/ 399] والبيتان فيهما مثل يضرب لمن ينهي غيره عن أمر سيئ وهو يأتيه.

(3)

«موضوع» ليست في (ش).

(4)

انظر هامش ص: 440 فقد نقلت أقوال العلماء فيه هناك.

ص: 446

أحدها: اعتقاد مفهومها المشاهد منها «1» . وهو قول المجسمة «2» وهم عندنا في ذلك كالنصارى واليهود في ذلك.

والثاني: تأويلها «3» على ما يصح في الشاهد، ولو كان بعيدا/ كالنزول على نزول العلم أو الرحمة، أو نزول ملك ينادي، أو فعل من أفعال الله. والقدم على قوم يقدمهم إلى النار، والساق على شدة الأمر وكرب المحشر ودنو الله سبحانه على تعطفه، ورفقه «4» بعبده ونحو ذلك وهو مذهب الأشعرية والمعتزلة ونحوهم.

(1) أي أن الله- على مذهبهم- له يد كيد المخلوق، ورجل كرجل المخلوق، وساق كساق المخلوق

الخ.

(2)

افي (ش): القسمة. والمجسمة: هم الذين يقولون إن الله جسم. واختلفوا في قدر الجسم وهل له لون أو طعم أو رائحة، إلى أقوال كثيرة ويسمون الممثلة أيضا لأنهم يقولون إن أسماء الله وصفاته كأسماء وصفات المخلوقين لا فرق في ذلك. وظنوا ألا حقيقة لها إلا ما فهموا من ظاهر النصوص. ومن أول من أفرط في ذلك السبائية- أتباع عبد الله بن سبأ من الشيعة.

[انظر لوامع الأنوار 1/ 91، ومقالات الإسلاميين ص 207 وما بعدها، والملل والنحل للشهرستاني 1/ 103 وما بعدها، والفرق بين الفرق ص 225].

(3)

التأويل لغة: ما يئول إليه الشيء. وفي الاصطلاح له ثلاثة معاني:

الأول: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، وهو ما وافق القرآن والسنة وهذا هو قول السلف.

الثاني: تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو لم يوافقه. وهو اصطلاح المفسرين فهذا يؤخذ حقه ويرد باطله.

الثالث: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، لدلالة توجب ذلك. وهذا في اصطلاح المتأخرين. فالواجب فيه قبول ما هو الحق منه ورد الباطل. وتأويل هؤلاء هو من باطل هذا النوع وهو صرف اللفظ من معناه الظاهر إلى معناه المرجوح من غير قرينة توجب ذلك.

[انظر مختصر الصواعق المرسلة 1/ 10، وما بعدها، شرح الطحاوية لابن أبي العز ص 232 وما بعدها].

(4)

في (أ): وروية بعبده، وفي (ش): رقته.

ص: 447

والثالث: اعتقاد ما يليق بجلال الله- سبحانه- منها «1» ، مع القطع بتنزيه الله- سبحانه- عن مشابهة مخلوقاته أو بعضها، بوجه من الوجوه اعتمادا على قوله تعالى:

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)«2» فأول الآية تنزيه، والثاني إثبات فهو أولى من الإثبات المفضي إلى التمثيل، والتنزيه المفضي إلى التعطيل وهذا هو الذي أقول به «3» ، ولي أن التزم القول قبله في هذا المقام، لأني وهذا الخصم، نبحث في دينين متقابلين، لا في مذهبي دين واحد، على أني أي القولين التزمت لا يلزمني من قبح التجسيم ما لزمك «4» .

وأما ما ذكرت من الحجتين على نفي الجسمية فقد سبقك إليه الفلاسفة والمتكلمون.

وقد قرر المسلمون في ذلك براهين كثيرة، فلم تأت أنت بغريبة ولا بشيء نازعناك فيه، بل نحن أحق به منك، فإنا نحن يمكننا الجمع بينه وبين ما عندنا من آيات الصفات وأخبارها بما قدمناه من القولين المختارين. وأنت لا يمكنك الجمع بينه وبين أن المسيح هو الله، أو القول بالثالوث إن كنت نصرانيا حقا. وإن كنت فيلسوفا فمالك ولمذهب النصارى. تكلم في رأي أرسطو ونحوه:

(1) اعتقاد أهل السنة والجماعة في نصوص الصفات: اعتقاد معانيها الصحيحة المعروفة في اللغة دون تحريف لها أو تأويلها بمعنى مرجوح.

(2)

سورة الشورى، آية:11.

(3)

هذا هو المذهب الحق الذي ذهب إليه أهل السنة والجماعة.

(4)

لعل المؤلف قال هذا على وجه التنزل بأنه ولو كان يقول بما قاله أصحاب القول الثاني المتقدم على هذا فلا يلزم منه التجسيم والله أعلم.

ص: 448

ودع عنك الشرائع لست منها ولو غبرت وجهك بالتراب/ «1» فإنك رجل مذبذب بين الرأيين كالشاة العائرة «2» بين/ الغنمين.

وأما قوله:" إن هذا مخالف للعقل، ولمصاحف الأنبياء": فإن أراد أن المخالف لذلك كون الله جسما فهو صحيح ونحن نقول به، وإن أراد وصف الله سبحانه بنحو النزول والقدم والساق فباطل عن «3» الأنبياء، فإن في أول الأصحاح الخامس عشر «4» من كتاب أشعياء:

" هذا اسم الرب جائي من بعيد،/ يشتعل غضبه، ووجنه ماجد «5»، شفتاه «6» ممتلئتان غضبا، ولسانه كالنار المتقدة، وروحه كالوادي الذي يجر كلما تمر به تقطع بغضبه إلى العنق ليزجر الشعوب"«7» .

(1) لم أجد هذا البيت فيما اطلعت عليه من المراجع ولعل الطوفي نظمه على منوال قول أحد الشعراء:

حمار في الكتابة يدعيها كدعوى آل حرب في زياد فدع عنك الكتابة لست منها ولو غرقت ثوبك بالمداد [انظر العقد الفريد 4/ 53].

(2)

العائرة: السائرة الساقطة التي لا يعرف لها مالك. [انظر لسان العرب 4/ 622] ومنه ما أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين حديث 17: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين. تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة" اهـ.

(3)

في (أ): من.

(4)

في التراجم الحديثة: في الأصحاح الثلاثين.

(5)

في (ش): وجيه ماجد، (م):" ووحيه ماخذ" وغير معجمة في (أ). وفي التراجم الحديثة" والحريق عظيم" ولعل ما أثبته موافق لنص المؤلف. والوجن: ما ارتفع من الخدين للشدق والماجد: الواسع. [انظر لسان العرب 13/ 443، 3/ 395].

(6)

في (ش): شفتا.

(7)

النص في التراجم الحديثة هكذا:" هو ذا اسم الرب يأتي من بعيد غضبه مشتعل والحريق عظيم.

شفتاه ممتلئتان سخطا ولسانه كنار آكلة، ونفخته كنهر غامر يبلغ الرقبة لغربلة الأمم بغربال السوء

" اهـ.

ص: 449

فإن قلت: هذه صفات اسم الرب، لا صفات الرب.

قلت: الاسم إن كان هو المسمى فهذه صفات الرب بلا شك، وإن كان غيره فالاسم معلوم الحقيقة «1» ، وهو لا يتصف بهذه الصفات ويجب رجوعها إلى الرب «2». ويكون ذكر الاسم صلة كقول القائل:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما «3»

وقول الآخر:

تناديه باسم الماء وهو كثير «4»

(1) في (م): للحقيقة.

(2)

هل الاسم عين المسمى أو غيره؟ هذه المسألة من الألفاظ المجملة التي يجب التفصيل فيها، وغلط فيها كثير من الناس، وجهلوا الصواب في ذلك: فالاسم يراد به المسمى تارة ويراد به اللفظ تارة أخرى. فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، أو قال الرحمن كذا ونحو ذلك. فهذا المراد به المسمى نفسه. وإذا قلت: الله اسم عربي والرحمن اسم عربي، والرحيم من أسماء الله ونحو ذلك، فالاسم هاهنا هو المراد لا المسمى ولا يقال: غيره لما في لفظ الغير من الاجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له، حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا أعظم الضلال والإلحاد في أسمائه سبحانه". [شرح العقيدة الطحاوية ص 131 بتصريف بسيط].

(3)

هذا البيت من قصيدة للبيد بن ربيعة العامري أوصى بها ابنتيه ومنها:

تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر فقوما فنوحا بالذي تعلمانه ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر وقولا: هو المرء الذي لا صديقه أضاع ولا خان العهود ولا غدر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر [انظر ديوان لبيد ص 213 ط الكويت 1962 م، ووفيات الأعيان 6/ 48].

(4)

لم أعرف قائله فيما رجعت إليه من مراجع.

ص: 450