الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى هذا التفسير الذي ذكرناه لكلام الترمذي إنما يكون الحديث صحيحاً حسناً إذا صح إسناده، برواية الثقات العدول، ولم يكن شاذاً، وروى نحوه من غير وجه وأما الصحيح المجرد فلا يشترط فيه أن يروى نحوه من غير وجه، لكن لا بد أن لا يكون ـ أيضاً ـ شاذاً، (وهو ما روت الثقات بخلافه على ما يقوله الشافعي والترمذي) فيكون حينئذ الصحيح الحسن أقوى من الصحيح المجرد.
وقد يقال: إن الترمذي إنما يريد الحسن ما فسره به ههنا، إذا ذكر الحسن مجرداً عن الصحة، فأما الحسن المقترن بالصحيح فلا يحتاج (إلى) أن يروى نحوه من غير وجه، لأن صحته تغني عن اعتضاده بشواهد أخر، والله أعلم.
"
تخريج قول الترمذي: حسن صحيح وحسن غريب
"
وقد اضطرب الناس في جمع الترمذي بين الحسن والصحيح، لأن الحسن دون الصحيح، فكيف يجتمع الحسن والصحة، وكذلك جمعه بين الحسن والغريب (فإن الحسن عنده ما تعددت مخارجه، والغريب) ، ما لم يرو إلا من وجه واحد.
"المذهب الأول":
فمنهم من قال: إن مراده أنا لحديث حسن لثقة رجاله، وارتقى من الحسن إلى درجة الصحة، لأن رواته في نهاية مراتب الثقة، فحديثهم (حسن صحيح) ، لجمعهم بين صفات من يحسن حديثه، وصفات من يصحح حديثه، وعلى هذا فكل صحيح حسن، ولا عكس، ولهذا لا يكاد يفرد الصحة عن
الحسن إلا نادراً (وعلى هذا التفسير) فالحسن ما تقاصر عن درجة الصحيح، لكون رجاله لم يبلغوا من الصدق والحفظ درجة رواة الصحيح، وهم الطبقة الثانية من الثقات، الذين ذكرهم مسلم في مقدمة كتابه، وقيل: إنه خرج حديثهم في المتابعات، وهذا الحسن هو (الذي) أراده أبو داود في كتابه بقوله: خرجت في كتابي الصحيح، وما يشبهه وما يقاربه.
وذكر ابن الصلاح أن تفسير الحسن بهذا (المعنى) هو قول الخطابي، وليس هو قول الترمذي، وذكر أن الحسن نوعان:
أحدهما: ما ذكره الترمذي وهو أن يكون راويه غير متهم، ولا مغفلاً كثير الخطأ، ولا صاحب فسق، ويكون متن الحديث قد اعتضد بشاهد آخر له، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً أو منكراً.
والثاني: وهو قول الخطابي: أن يكون رواته من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنهم لم يبلغوا درجة رجال الصحيح، لتقصيرهم عنهم في الاتقان والحفظ، ولا يكون الحديث شاذاً ولا منكراً ولا معللاً.
"مذهب ابن الصلاح":
وذكر أن الترمذي إذا جمع بين الحسن والصحة فمراده أنه روي بإسنادين، أحدهما حسن، والآخر صحيح.
وهذا فيه نظر، لأنه يقول كثيراً:"حسن صحيح، غريب، (لا نعرفه) إلا من هذا الوجه".
وقد أجاب عن ذلك بعض أكابر المتأخرين بأنه قد يكون أصل الحديث غريباً ثم تتعدد طرقه عن بعض رواته، أما التابعي، أو من بعده. فإن كانت تلك الطرق
كلها صحيحة فهو "صحيح غريب" (وإن كانت كلها حسنة فهو "حسن غريب" وإن كان بعضها صحيحاً وبعضها حسناً فهو "صحيح حسن غريب"، إذ الحسن عند الترمذي ما تعددت طرقه وليس فيها متهم، وليس شاذاً، فإذا قال مع ذلك: إنه غريب لا يعرف إلا من ذلك الوجه حمل على أحد شيئين:
إما أن (تكون) طرقه قد تعددت إلى أحد رواته الأصليين، فيكون أصله غريباً ثم صار حسناً، وإما أن يكون إسناده غريباً، بحيث لا يعرف بذلك الإسناد إلا من هذا الوجه، ومتنه حسناً بحيث روي من وجهين (وأكثر)، كما يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، فيكون لمعناه شواهد تبين أن متنه حسن، وإن كان إسناده غريباً.
وفي بعض هذا نظر، وهو بعيد من مراد الترمذي، لمن تأمل كلامه.
"المذهب الثالث":
ومن المتأخرين من قال: إن الحسن الصحيح عند الترمذي دون الصحيح المفرد، فإذا قال:"صحيح" فقد جزم بصحته، وإذا قال: حسن صحيح، فمراده أنه جمع طرفاً من الصحة وطرفاً من الحسن، وليس بصحيح محض، بل حسن مشرب بصحة، كما يقال في المز: إنه حلو حامض، باعتبار أن فيه حلاوة وحموضة، وهذا بعيد جداً، فإن الترمذي يجمع بين الحسن والصحة في غالب الأحاديث الصحيحة، المتفق على صحتها، والتي أسانيدها في أعلى درجة الصحة، كمالك، عن نافع، عن ابن عمر، والزهري، عن سالم، عن أبيه.
ولا يكاد الترمذي يفرد الصحة إلا نادراً.
وليس ما أفرد فيه الصحة بأقوى مما جمع فيه بين الصحة والحسن.