الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فانه لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد، والثقات من أئمة العلم، ولو أحتج بحديث غريب وجدت من يطعن فيه ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً، فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده علينا أحد.
وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث.
وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة، فإن عرف، وإلا فدعه. وذكر بقية الرسالة.
وخرج البيهقي بإسناده عن ابن وهب، قال:
لولا مالك بن انس والليث بن سعد لهلكت، كنت أظن أن كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يعمل به.
قال ابن أبي خيثمة: (ثنا) بن الأصبهاني. (ثنا) عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: إني لأسمع الحديث فآخذ منه ما يؤخذ به وأدع سائره.
الغريب في اصطلاح الترمذي
ثم لنرجع إلى ما ذكره الترمذي رحمه الله فنقول:
ذكر الترمذي رحمه الله عند أهل الحديث يطلق بمعان:
أحدها: "ما لا يروى إلا من وجه واحد":
أن يكون الحديث لا يروى إلا من وجه واحد. ثم مثله بمثالين وهما في الحقيقة نوعان: أحدهما: أن يكون ذلك الإسناد لا يروى به إلا ذلك الحديث أيضاً، وهذا مثل حديث حماد بن سلمة، عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم "في الذكاة" فهذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، ثم اشتهر عن حماد ورواه عنه خلق فهو في أصل إسناده، غريب ثم صار مشهوراً عن حماد.
قال الترمذي: ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث.
وقد خرج الترمذي في كتاب الصيد والذبائح هذا الحديث، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غيره، ولم يقل: إنه حسن، لما ذكر ههنا أن شرطه في الحسن أن يروى نحوه من غير وجه، وهذا ليس كذلك فإنه لم يرو في الذكاة في غير الحلق واللبة إلا في حال الضرورة.
وحكى أيضاً ـ في كتاب العلل عن البخاري، أنه قال: لا يعرف لأبي العشراء شيء غير هذا.
وقد ذكرنا هناك أن بعضهم ذكر لحماد بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه نحو عشرة أحاديث، لكن كل أسانيدها إلى حماد ضعيفة، لا يكاد يصح منها شيء عنه.
ووهن أحمد حديث أبي العشراء في الذكاء أيضاً.
النوع الثاني: أن يكون الإسناد مشهوراً، يروى به أحاديث كثيرة،
ولكن هذا المتن لم تصح روايته إلا بهذا الإسناد، ومثله الترمذي بحديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع الولاء وهبته، فإنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، ومن رواه من غيره فقد وهم وغلط.
وقد خرجه الترمذي في كتاب البيوع وسبق الكلام عليه هناك مستوفى، وهو معدود من غرائب الصحيح فإن الشيخين خرجاه، ومع هذا فتكلم فيه الإمام أحمد (ووهنه، ثم) قال:
لم يتابع عبد الله بن دينار عليه، وأشار إلى أن الصحيح ما روى نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم:
قال: "الولاء لمن أعتق" لم يذكر النهي عن بيع الولاء وهبته.
قلت: وروى نافع عن ابن عمر، من قوله: النهي عن بيع الولاء وعن هبته (غير) مرفوع.
وهذا مما يعلل به حديث عبد الله بن دينار، والله أعلم.