الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"المذهب الرابع":
ومن المتأخرين ـ أيضاً ـ من قال: مراد الترمذي في الحسن أن كلاً من الأوصاف الثلاثة التي ذكرها في الحسن، وهي سلامة الإسناد من المتهم، وسلامته من الشذوذ، وتعدد طرقه، ولو كانت واهية، موجب لحسن الحديث عنده.
"المذهب المختار":
وهذا بعيد جداً، وكلام الترمذي وإنما يدل على أنه لا يكون حسناً حتى يجتمع فيه الأوصاف الثلاثة. وتسمية الحديث الواهي التي تعددت طرقه حسناً لا أعلمه وقع في كلام الترمذي في شيء من أحاديث كتابه.
"
شرط الترمذي في الرجال مع عرض لشرط غيره من الأئمة
"
واعلم أن الترمذي رحمه الله خرج في كتابه الحديث الصحيح، والحديث الحسن، وهو ما نزل عن درجة الصحيح، وكان فيه بعض ضعف، والحديث الغريب كما سيأتي.
والغرائب التي خرجها فيها بعض المناكير، ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه.
ولا أعلمه خرج عن متهم بالكذب، متفق على اتهامه حديثاً بإسناد منفرد إلا أنه قد يخرج حديثاً مروياً من (طرق) ، أو مختلفاً في إسناده، وفي بعض طرقه متهم.
وعلى هذا الوجه خرج (حديث) محمد بن سعيد المصلوب، ومحمد بن السائب الكلبي.
نعم، قد يخرج عن سيىء الحفظ، وعمن غلب على حديثه الوهم، ويبين ذلك غالباً، ولا يسكت عنه.
وقد شاركه أبو داود في التخريج عن كثير من هذه الطبقة، مع السكوت على حديثهم، كإسحاق بن أبي فروة، وغيره.
وقد قال أبو داود، في رسالته إلى أهل مكة:
ليس في كتاب السنن الذي صنفته (عن رجل) متروك الحديث، سيىء الحفظ، وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر.
ومراده: أنه لم يخرج لمتروك الحديث، عنده، على ما ظهر له، أو لمتروك متفق على تركه، فإنه قد خرج لمن قيل:"إنه متروك"، ومن قيل "إنه متهم بالكذب".
وقد كان أحمد بن صالح المصري وغيره لا يتركون إلا حديث من (اجتمع) على ترك حديثه.
وحكي مثله عن النسائي.
والترمذي رحمه الله يخرج حديث الثقة الضابط، ومن يهم قليلاً، ومن يهم كثيراً، ومن يغلب عليه الوهم، يخرج حديثه نادراً، ويبين ذلك، ولا يسكت عنه.
وقد خرج حديث كثير بن عبد الله المزني، ولم يجمع على ترك حديثه، بل قد قواه قوم، وقدم بعضهم حديثه على مرسل ابن المسيب، وقد ذكرنا ذلك (في مواضع) . وقد حكى الترمذي في العلل، عن البخاري، أنه قال في حديثه
"في تكبيرة صلاة العيدين": هو أصح حديث في هذا الباب، قال: وأنا أذهب إليه.
وأبو داود قريب من الترمذي في هذا، بل هو اشد انتقاداً للرجال منه.
وأما النسائي فشرطه أشد من ذلك، ولا يكاد يخرج لمن يغلب عليه الوهم، ولا لمن فحش خطؤه، وكثر.
وأما مسلم فلا يخرج إلا حديث الثقة الضابط، ومن في حفظه بعض شيء، وتكلم فيه لحفظه لكنه يتحرى في التخريج عنه، ولا يخرج عنه إلا ما لا يقال إنه مما وهم فيه.
وأما البخاري فشرطه أشد من ذلك، وهو أنه لا يخرج إلا للثقة الضابط، ولمن ندر وهمه. وإن كان قد اعترض عليه في بعض من خرج عنه.
ونذكر لذلك مثالاً: وهو أن أصحاب الزهري خمس طبقات:
الطبقة الأولى: جمعت الحفظ والاتقان، وطول الصحبة للزهري، والعلم بحديثه، والضبط له، كمالك، وابن عيينة، وعبيد الله بن عمر، ومعمر، ويونس وعقيل، وشعيب، وغيرهم، وهؤلاء متفق على تخريج حديثهم عن الزهري.
الطبقة الثانية: أهل حفظ واتقان، لكن لم تطل صحبتهم للزهري، وإنما صحبوه مدة يسيرة، ولم يمارسوا حديثه، وهم في اتقانه دون الطبقة الأولى، كالأوزاعي، والليث، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والنعمان بن راشد ونحوهم.
وهؤلاء يخرج لهم مسلم عن الزهري.
الطبقة الثالثة: لازموا الزهري، وصحبوه، ورووا عنه، ولكن تكلم في حفظهم كسفيان بن حسين، ومحمد بن إسحاق، وصالح بن أبي الأخضر، وزمعة بن صالح، ونحوهم.
وهؤلاء يخرج لهم أبو داود، والترمذي والنسائي، وقد يخرج مسلم لبعضهم متابعة.
الطبقة الرابعة: قوم رووا عن الزهري، من غير ملازمة، ولا طول صحبة، ومع ذلك تكلم فيهم، مثل إسحاق بن يحيى الكلبي،