الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسناد، ولكن هذا من نوع الغريب المذكور قبل هذا، فإنه غريب من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أنه قد روي من وجه آخر عنها، وهو ضعيف.
والحديث معروف من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
"
المنكر وحده
"
قال أبو عيسى رحمه الله:
حدثنا أبو حفص عمرو بن علي، (ثنا) يحيى بن سعيد القطان، (ثنا) المغيرة بن أبي قرة السدوسي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال:"أعقلها وتوكل".
قال عمرو بن علي: قال يحيى بن سعيد: وهذا عندي حديث منكر.
قال أبو عيسى:
وهذا حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث أنس بن مالك إلا من هذا الوجه. وقد روى عن عمرو بن أمية الضمري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا.
قال أبو عيسى رحمه الله:
وقد وضعنا هذا الكتاب على الاختصار لما رجونا فيه من المنفعة، ونسأل الله عز وجل النفع بما فيه وأن لا يجعله وبالاً علينا برحمته.
آخر الكتاب والحمد لله وحده.
حديث أنس هذا قد خرجه الترمذي فيما تقدم ـ أيضاً ـ في أواخر كتاب الزهد، وسبق هناك ذكره، وذكر حديث عمرو بن أمية الضمري ـ أيضاً ـ.
وحديث أنس قد رواه غير واحد عن المغيرة بن أبي قرة، عن أنس.
وقد تفرد به المغيرة عنه، ولهذا غربه الترمذي من حديث أنس.
وقال يحيى القطان: هو عندي منكر.
فهذا الحديث من الغرائب المنكرة.
ولم أقف لأحد من المتقدمين على حد المنكر من الحديث، وتعريفه إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجي الحافظ، وكان من أعيان الحفاظ المبرزين في العلل: أن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين، عن الصحابة، لا يعرف ذلك الحديث، وهو متن الحديث، إلا من طريق الذي رواه فيكون منكراً.
ذكر هذا الكلام في سياق ما إذا انفرد شعبة أو سعيد بن أبي عروبة أو هشام الدستوائي بحديث عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا كالتصريح بأن كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق فهو منكر، كما قاله الإمام أحمد في حديث عبد الله بن دينار، عن
ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم "في النهي عن بيع الولاء وهبته".
وكذا قال أحمد في حديث مالك، عن الزهري، عن عروة عن عائشة:
"إن الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا حين قدموا لعمرتهم، وطافوا لحجهم حين رجعوا من منى".
قال: لم يقل هذا أحد إلا مالك. وقال: ما أظن مالكاً إلا غلط فيه، ولم يجىء به أحد غيره، وقال مرة: لم يروه إلا مالك، ومالك ثقة.
ولعل أحمد إنما استنكره لمخالفته للأحاديث، في أن القارن يطوف طوافاً واحداً.
قال البرديجي بعد ذلك: فأما أحاديث قتادة التي يرويها الشيوخ مثل حماد بن سلمة، وهمام، وأبان، والأوزاعي، ننظر في الحديث فإن كان الحديث يحفظ من غير طريقهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أنس بن مالك من وجه آخر، لم يدفع، وإن كان لا يعرف عن أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك، كان منكراً.
وقال أيضاً: إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً لا يصاب إلا عند الرجل الواحد لم يضره أن لا يرويه غيره، إذا كان متن الحديث معروفاً، ولا يكون منكراً ولا معلولاً.
وقال في حديث رواه عمرو بن عاصم، عن همام، عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم "إني
أصبت حداً فأقمه علي" الحديث: هذا عندي حديث منكر، وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم.
ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد.
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من هذا الوجه.
وخرج مسلم معناه أيضاً من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا شاهد لحديث أنس.
ولعل أبا حاتم والبرديجي إنما أنكرا الحديث لأن عمرو بن عاصم ليس هو عندهما في محل من يحتمل تفرده بمثل هذا الإسناد، والله أعلم.
وقال إسحاق بن هانىء، قال لي أبو عبد الله، (يعني أحمد)، قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيد الله، يعني ابن عمر، أخطأ (إلا) في حديث
واحد لنافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام
…
الحديث".
قال أبو عبد الله: فأنكره يحيى بن سعيد عليه.
قال (أبو عبد الله) : قال لي يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدث به العمري الصغير عن ابن عمر مثله. قال أبو عبد الله: لم يسمعه إلا من عبيد الله، فلما بلغه عن العمري صححه.
وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر.
وكلام الإمام أحمد قريب من ذلك.
قال عبد الله: سألت أبي عن حسين بن علي، الذي يروي حديث المواقيت فقال: هو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روي في المواقيت ليس بمنكر لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره.
وقال أحمد في بريد بن عبد الله بن أبي بردة: يروي أحاديث مناكير.
وقال أحمد في محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وهو المنفرد برواية حديث الأعمال بالنيات: في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو قال: منكرة.
وقال في زيد بن أبي أنيسة: إن حديثه لحسن مقارب، وأن فيها لبعض النكارة، قال: وهو على ذلك حسن الحديث.
قال الأثرم: قلت لأحمد: إن له أحاديث أن لم تكن مناكير فهي غرائب، قال: نعم وهؤلاء الثلاثة متفق على الاحتجاج بحديثهم في الصحيح، وقد استنكر أحمد ما تفردوا به، وكذلك قال في عمرو بن الحارث:(له أحاديث) مناكير، وفي الحسين بن واقد، وخالد بن مخلد، وجماعة خرج لهم في الصحيح بعض ما ينفردون به.
وأما تصرف الشيخين والأكثرين فيدل على خلاف هذا، وإن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه، وليس له علة فليس بمنكر.
(وقد خرجا في الصحيحين حديث بريد بن عبد الله بن أبي بردة، وحديث محمد بن إبراهيم التيمي، وحديث زيد بن أبي أنيسة) .
وقد قال مسلم في أول كتابه: حكم أهل العلم والذي يعرف من مذهبهم في قبول ما ينفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل الحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً (ليس) عند أصحابه قبلت زيادته.
فأما من نراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على اتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح الذي عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم.
(فصرح بأن الثقة إذا أمعن في موافقة الثقات في حديثهم، ثم تفرد عنهم بحديث قبل ما تفرد به، وحكاه عن أهل العلم) .
وقد ذكرنا فيما تقدم قول الشافعي في الشاذ، وأنه قال: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة (من الحديث) ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف الناس.
وكذا قال أبو بكر الأثرم، وحكى أبو يعلى الخليلي هذا القول عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز، ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان، أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك، لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به.
وكذلك ذكر الحاكم، أن الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة، من الثقات، وليس له أصل متابع لذلك الثقة ولم يوقف له على علة.
ولكن كلام الخليلي في تفرد الشيوخ، والشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيره، فأما ما انفرد به الأئمة والحفاظ فقد سماه الخليلي فرداً، وذكر أن أفراد الحفاظ المشهورين