الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة الدميري
(1):
هو محمد بن موسى بن عيسى بن على الكمال أبو البقاء الدَّمِيريّ الأصل، القاهري، الشافعي، والدميري ـ بالفتح والكسر ـ نسبة إلى دَمِيْرَة قرية في الوجه البحري بمصر وهي تابعة لمركز طلخا في محافظة الدقهلية (حاليا).
والدليل على نسبته لهذه القرية هو وجود مسجد في هذه القرية باسمه، والمسجد مازال موجوداً إلى الآن، ويقام احتفال سنوي في القرية لهذا العالم الجليل.
كان اسمه أولاً كمالاً بغير إضافة، وكان يكتبه كذلك بخطه في كتبه، ثم تسمى محمداً وصار يكشط الأول، وكأنه لتضمنه نوعاً من التزكية مع هجر اسمه الحقيقي.
بدء حياته خياطا حتى أجتذبه العِلم، فالتحق بالأزهر، وتعلم الأدب والفلسفة والحديث والفقه ودرس على يد مجموعة من كبار علماء الأزهر، فتفقه على:
ـ الشيخ بهاء الدين أحمد السبكي، ولازمه كثيراً، وانتفع به.
ـ والشيخ جمال الدين ألأسنوي.
ـ والقاضي كمال الدين أبي الفضل النويري المالكي، الذي أجازه بالفتيا والتدريس.
ـ وبرهان الدين القيراطي، الذي أخذ عنه الأدب والعربية. ووصف الدميرى ابنَ الملقن بشيخنا، وذكر السخاوي أنه أخذ عن البلقيني، وأخذ عن البهاء بن عقيل، وسمع جامع الترمذي على المظفر العطار المصري، وعلى علي بن أحمد العرضي الدمشقي مسند أحمد ابن حنبل بفوت يسير، وسمع بالقاهرة من محمد بن علي الحراوي، وغيره؛ وبمكة على الجمال بن عبد المعطي، والكمال محمد بن عمر بن حبيب في آخرين؛ كالعفيف المطري بالمدينة، ومما سمعه على الأول الترمذي في سنة نيف وخمسين، ووصفه الزيلعي في الطبقة بالفاضل كمال الدين كمال، وعلى ثانيهما فقط جل مسند أحمد أو جميعه وجزء الأنصاري.
برع في التفسير، والحديث، والفقه، وأصوله، والعربية، والأدب، وغيرها وأذن له بالإفتاء والتدريس، وتصدى للإقراء فانتفع به جماعة، وأصبح من فقهاء الشافعية، وقال الشعر، ودرَّس في عدة أماكن، فقد حدث بالقاهرة، وسمع منه الفاسي فيها، وأفتى ودرس بأماكن بالقاهرة منها جامع الأزهر، وكانت له فيه حلقة يشغل فيها الطلبة يوم السبت غالباً، ومنها القبة البيبرسية، كان يدرس فيها الحديث، وكان يذكر
(1) انظر ترجمته في: الضوء اللامع 5/ 16/ المكتبة الشاملة، وطبقات الشافعية 1/ 205/ المكتبة الشاملة، شذرات الذهب 7/ 79 ـ 80
الناس بمدرسة ابن البقري داخل باب النصر في يوم الجمعة غالباً، ويفيد في مجلسه هذا أشياء حسنة من فنون العلم، وبجامع الظاهر في الحسينية بعد عصر الجمعة غالباً، ودرس أيضاً بمكة وأفتى وجاور فيها مدة سنين مفرقة، وسمع منه الصلاح الأقفهسي في جوف الكعبة، وتأهل فيها بأم أحمد فاطمة ابنة يحيى بن عياد الصنهاجي المكية، وولدت له أم حبيبة، وأم سلمة، وعبد الرحمن، وأول قدماته إليها على ما يروي السخاوي في موسم سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وجاور بها حتى حج في التي بعدها، ثم جاور بها أيضاً في سنة ثمان وستين، قدمها مع الرجبية، فدام حتى حج ثم قدمها في سنة اثنتين وسبعين، فأقام بها حتى حج في التي بعدها، ثم قدم مكة في موسم سنة خمس وسبعين؛ فأقام بها حتى حج في التي تليها، ثم قدمها في موسم سنة ثمانين؛ وأقام بها حتى حج في التي بعدها، ثم قدمها في سنة تسع وتسعين؛ وأقام حتى حج في التي بعدها، وانفصل عنها فأقام بالقاهرة.
قال المقريزي في عقوده: صحبته سنين، وحضرت مجلس وعظه مراراً؛ لإعجابي به، وأنشدني وأفادني، وكنت أحبه ويحبني في الله؛ لسمته وحسن هديه، وجميل طريقته ومداومته على العبادة، لقيني مرة فقال لي: رأيت في المنام أني أقول لشخص لقد بعد عهدي بالبيت العتيق، وكثر شوقي إليه، فقال، قل: لا إله إلا الله الفتاح العليم الرقيب المنان، فصار يكثر ذلك فحج في تلك السنة رحمه الله وإيانا ونفعنا به.
قال الحافظ شهاب الدين ابن حجر في المعجم: وكان له حظ من العبادة تلاوة وصياماً ومجاورة في الحرمين مكة والمدينة. واشتهرت عنه كرامات، وأخبار بأمور مغيبات يسندها إلى المنامات تارة، وإلى بعض الشيوخ أخرى، وغالب الناس يعتقد أنه يقصد بذلك الستر.
ويقال أنه كان في صباه أكولاً نهماً ثم صار بحيث يطيق سرد الصيام، وله أذكار يواظب عليها وعنده خشوع وخشية وبكاء عند ذكر الله سبحانه، وقد تزوج بابنتيه الجمال محمد، والجلال عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر المرشدي المكي الحنفي، واستولداهما، الأول أبا الفضائل محمداً وعبد الرحمن، والثاني عبد الغني وغيره. ومما ينسب إليه:
بمكارم الأخلاق كن متخلقاً
…
ليفوح ند شذائك العطر الندي
وصدق صديقك إن صدقت صداقة
…
وادفع عدوك بالتي فإذا الذي (1)
(1) يعني ما جاء في الآية 34 من سورة فصلت: [وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ]
ألف كمال الدين الدميرى العديد من الكتب في الفقه والحديث والأدب، واختصر وشرح الكثير من الكتب، فشرح المنهاج في أربعة مجلدات، وسماه النجم الوهاج، ضمنه فوائد كثيرة خارجة عن الفقه، وعظم الانتفاع به، وله الديباجة في شرح سنن ابن ماجة في خمس مجلدات، مات قبل تحريره وتبيضه، ونظم في الفقه أرجوزة طويلة، فيها فروع غريبة وفوائد حسنة، وله تذكرة مفيدة، وله خطب مدوّنة جمعية ووعظية، واختصر شرح الصفدي للأمية العجم المطبوع باسم الغيث المسجم في شرح لامية العجم، وهو الكتاب الذي بين أيدينا، على أن أهم مؤلفاته وأشهرها كتاب حياة الحيوان الكبرى، ويعتبر هذا الكتاب مزيجا من العلم والأدب والفلسفة والتاريخ والحديث ـ وقد تمت ترجمته إلى العديد من اللغات وأقتبس منه العديد من الغربيين.
رتب الدميري في كتابه هذا الذى يعد أول مرجع شامل في علم الحيوان باللغة العربية الكائنات التى كتب عنها ترتيبا أبجديا، على طريقة المعجم، وتناول بالبحث 1069 كائنا، موضحا الصفات المميزة لكل كائن منها مما كان معروفا في عهده، وموضحا أيضا أسماء تللك الكائنات خلال مراحل نموها، وكذلك أسماءها في مختلف البلدان، وأحكام الشريعة لتلك الحيوانات ومنتجاتها، وبعض الأحاديث النبوية التى ذكرت فيها، وقد جمع مادته من 560 كتاب، و199 ديوان شعر، وأتخذ في مشاهداته لصفات الحيوانات الأسلوب العلمى القائم على الرصد والمشاهدة.
ومات بعد حياة علمية حافلة بالقاهرة، في ثالث جمادى الأولى سنة 808هـ / 1405م، وصلي عليه ثم دفن بمقابر الصوفية سعيد السعداء.