الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا ضَعيفَ الجُفونِ أَمْرَضْتَ قَلباً
…
كانَ قَبلَ الهَوى قَوِيّاً مَلِيّاً
لا تُحارِب بِناظِرَيكَ فُؤادي
…
فَضَعيفانِ يَغلِبانِ قَوِيّاً
وقول المصنف: فيم الإقامة، البيت، هذا البيت يسميه أهل البديع عقاب المرء لنفسه، لم ينشد ابن المعتز (1) في هذا المعنى غير بيتين، وهما:(من الطويل)
عصاني قومي والرشاد الذي به
…
أمرت ومن يعص المجرب يندم
فصبراً بني بكرٍ على الموت إنني
…
أرى عارضاً ينهل بالموت والدم
نَاءٍ عن الأهلِ صِفْرُ الكفِّ منفردٌ
…
كالسيفِ عُرِّيَ متناهُ من الخَللِ
/ اللغة: نأى ينأى فهو ناءٍ إذا بَعُد، الأهل: أهل الرجل، وهو اسم جمع، لا واحد [11 ب] له من لفظه، الصفر: الحال، يقال: رجل صفر اليدين، أي لا شيء فيهما، والصفاريت الفقراء، الواحد صفريت، وفي الحديث: إذا اصفر البيوت من الخير، البيت الصفر من كتاب الله تعالى، إذا كان هذا الخبر مرفوعا فمعناه البيت الذي ليس فيه مَنْ يقرأ كتاب الله، أمّا لو كان في البيت مُصحفا مُعلَّقا عنده، ولا يقرأ فيه فهو أيضا صفر؛ لأنه روي أنه مَنْ نزّل مصحفا معلَّقا عنده، ولم يقرأ فيه جاء يوم القيامة آخذا ببعض بدنه، قائلاً ربّ عبدك هذا اتّخذني مهجورا، الكف: معروف، وفي الإنسان عشرة أعضاء أولها كاف، وهي: الكف، والكوع، والكرسوع، والكتف، والكاهل، والكبد، والكلية، والكمرة، والكعب (2).
يُحكى أنّ بعض أشياخ اللغة طُلب منه عدَّها، فعدَّها تسعة أعضاء، خلا الكمرة، فإنه ذهل عنها، فلمَّا قام إلى بيت الخلاء ذكرها، وكان قد ذكر بدلها الكرش، فقيل له: ليس للإنسان كرش، إنما هي الأعفاج.
ويقال: ابن خالويه وضع أسئلة سماها الأنطاكية، اشتملت على ثلاثمائة عضو من أعضاء الإنسان، أول كل كلمة منها كاف، وقوله: كالسيف عُرِّي: أي جُرِّد، والمتن هنا جانبا السيف، الخلل: جمع، واحده خلة، بالخاء المعجمة، والخلل: بطائن كان يُغَشَّى بهما بطائن السيوف؛ منقشة بالذهب وغيره.
الإعراب: ناءٍ: اسم فاعل من نأى، مرفوع على أنه خبر، ولم يظهر الرفع فيه؛ لأنه منقوص، مثل قاضٍ، فلا يظهر فيه إلاّ النصب، تقول: رأيت نائياً، فإن قلت: هلاّ رفعته على أنه / مبتدأ، فالجواب أنَّ اسم الفاعل لا يكون مبتدأ حتى يعتمد على الاستفهام [12 أ] أو النفي، أو معنى النفي، قال الشاعر (3):(من البسيط)
(1) البيتان ذكرهما ابن المعتز في كتابه البديع، ص 116 / (م).
(2)
لقد ذكر تسعة أعضاء، وأظن أن العاشر هو الكَتَد والكَتِدُ: ما بين الكاهل إلى الظَهر. الصحاح (كتد)
(3)
البيت في أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 1/ 190وقد قال مؤلفه: ولم أعثر ـ رغم طول البحث ـ على نسبة هذا البيت إلى قائل معين، ولا عثرت له على سوابق أو لواحق تتصل به.
أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا
…
إنْ يظعنوا فعجيب عيش مَنْ قطنا
وقال آخر (1): (الطويل)
خليلي ما وافٍ بعهدي أنتما إذا لم تكونا لي على مَن أقاطعُ
ألا ترى أنّ قاطنا لمَّا اعتمد على استفهام كان مبتدأ، وأنّ وافيا لمَّا اعتمد على النفي، جاز الابتداء به قولهم معنى النفي؛ ليدخل فيه قول الشاعر (2):(من المديد)
غيرُ مأسوفٍ على زمنٍ
…
ينقضِي بالهَمِّ والحَزَنِ
قوله: عن الأهل، عن هاهنا للمجاوزة، والجار والمجرور في موضع النصب باسم الفاعل، صفر الكف منفرد: خبران أيضا مثل ناء، فهي ثلاثة أخبار لمبتدأ واحد، والصحيح جواز تعدد الأخبار، ثم هي على ثلاثة أقسام، لا نطيل بذكرها، إلاّ أنّ هذه الإخبارات الثلاثة تعددت في اللفظ، والمعنى دون الابتداء؛ لأنه واحد متصف بهذه الصفات، فيجوز فيما كان بهذه المثابة أنْ ترد الأخبار فيه معطوفة، وغير معطوفة، كقوله تعالى:[وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ](3)، قوله: كالسيف، الكاف هنا اسم بمعنى مثل، ويجوز في موضعها النصب على الحال، أو على أنه صفة لمصدر محذوف، تقديره منفرد انفرادا مثل انفراد السيف، أو الرفع إن قُدِّرت فأنا منفرد مثل السيف، عُرِّي متناه: ومتناه مفعول ما لم يسم فاعله، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، وحذفت نون التثنية لإضافته إلى الضمير، والموجب لحذف الفاعل أمور، لا نطيل بذكرها، وقوله: من الخلل متعلق بعُرِّي، مِنْ هنا لبيان الجنس، وجملة عُرِّي وما بعدها في موضع الجر على الصفة للسيف، ومن الخلل متعلق بعُرِّي.
المعنى: هذا البيت متعلق / بما قبله، كأنه يقول لأي شيء أُقيم ببغداد [12 ب] وليس لي بها سكن، ولا ناقة، ولا جمل، وأنا ناء عن الأهل فقير، لا أملك شيئا من المال في كفي، منفرد عن الناس كالسيف الذي جُرِّد عن حليته، إذ المقصود وقت الحاجة هو نفسه دون الحمائل والأجفان، وأمَّا الحمائل والأجفان فلا اعتبار بها، وما الحلى إلاّ حلية لنقيصته، وما أحسن ما كشف أبو العلاء المعري (4) عن هذا المعنى بقوله:(من الطويل)
وإنْ كان في لُبسِ الفتى شرَفٌ له
…
فما السّيفُ إلاّ غِمْدُه والحمائل
(1) البيت في أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 1/ 189وقد قال مؤلفه: ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة لقائل معين، ولا عثرت له على سوابق أو لواحق تتصل به.
(2)
البيت في شرح ابن عقيل 1/ 191، وفي خزانة الأدب 1/ 345، وهو لأبي نواس، وهو ليس ممن يستشهد بكلامه، وإنما أورده الشارح مثالاً للمسألة، ولهذا قال: ليدخل فيه قول الشاعر. وبعده بيت ثان وهو:
إنما يرجو الحياة فتى
…
عاش في أمن من المحن
(3)
البروج 14، 15
(4)
ديوان سقط الزند، ص 194