الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ يُحْرَمُ الْجَلْدُ الْحَرِيصُ مَرَامَهُ
…
وَيُعْطِى مُنَاهُ الْعَاجِزُ الْمُتَوَانِي
ومنه قول الآخر (1): (من البسيط)
وَقد يُحرَمُ الجَلْدُ الحَريصُ مَرامهُ
…
وَيُعطَى مُناهُ العاجِزُ المْتَوانِي
وقول الآخر (2): (من البسيط)
قَد يُرزقُ المْرءُ لا مِنْ حُسنِ حِيلتهِ
…
وَيُصرَف المال عَنْ ذِي الحيلةِ الدَّاهِي
واعلم ـ رحمك الله ـ أنّ الزمان مولع بخمول الأدباء، وخمود نار الأذكياء، كما أخنى على الفضلاء، وجَهِل قدر العلماء، ولو أردنا أن نذكر مَنْ اتّفق له ذلك لعجزنا عن ذكر ما هنالك فلنقتصر على ما ذكرنا من قول الشعراء.
لعلَّهُ إنْ بَدا فضلي ونقصُهُمُ
…
لعينهِ نامَ عنهمْ أو تنبَّهَ لي
اللغة: بدا: ظهر، والفضل والنقص ضدان، وتنبه: أصله من الانتباه، الذي هو اليقظة.
الإعراب: لعل: حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، إنْ: حرف شرط، وبدا: فعل ماضٍ، وهو من ذوات الواو، وهو شرط، وفضلي: فاعل بدا، ونقصهم، الواو عطفت الاسم المرفوع على الاسم، لعينه، اللام هنا للتعدية، نام: جواب الشرط، لي: جار ومجرور، وخبر لعل الجملة من الشرط والجزاء، والتقدير لعل الحظ منصفي.
المعنى: أتمنى الحظ عساه إذا رأى فضلي، وعَلِم نقصهم أن ينام؛ فيسلبهم ما هم فيه، أو يتنبه لي، فيوفيني ما أستحقه، هيهات ضاع عمره، وفني زمانه، وانتهت مدته، وما نام عنهم، ولا تنبه له، نعم كان قد نام عنهم، ثم انتبه له؛ فأورده على ظمأ به جدول الحسام، وأعانت على قتله فضائله الجسام، ولكن الأمل / خُلق جبلت النفوس على إلفه، [58 ب] يزداد بنقص الإنسان، ويقوى بضعفه، قال صلى الله عليه وسلم: يشيب المرء وتشبّ معه خصلتان، الحرص وطول الأمل، وفي معنى قول الناظم:(من المتقارب)
عَمِرْتُ أَرُوضُ خُطُوبَ الزَّما
…
نِ لَوْ أَنَّ جامِحَها يَسْتَقِيدُ (3)
وَما كانَ أَجْدَرَنِي بِالْعَلا
…
ءِ لَوْ قَدْ تَنَبَّهَ حَظٌّ رَقُودُ
ولا بدّ للزمان من انتباهة للفضلاء بعد رقاده عنهم، قال الناظم (4):(من البسيط)
لا تيأسَنَّ إِذا ما كنتَ ذا أَدبٍ
…
على خمولِكَ أنْ ترقَى إِلى الفَلَكِ
بينَا تَرى الذهبَ الإبرِيْزَ مُطَّرَحاً
…
في معدن إذ غدا تاجا على المَلِكِ
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها
…
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
(1) لابن الخياط الدمشقي أيضا، وهو في ديوانه (م).
(2)
البيت بلا عزو في الغيث المسجم 2/ 129
(3)
البيتان لابن الخياط، ديوانه / (م).
(4)
الغيث المسجم 2/ 141
اللغة: علله بالشيء لهاه به، كما يُعلل الصبي بشيء من الطعام، والنفس: الروح، والنفس الدم لغة، يقال: سالت نفسه، أي دمه، وله نفس سائلة، أي دم، والآمال: جمع أمل، أرقبها: أرصدها، فسحة الأمل: سعته.
الإعراب: أعلل النفس: فعل ومفعول، بالآمال: الباء فيه للتعدية، وهي متعلقة بأعلل، أرقبها: فعل مضارع مرفوع، ما أضيق الدهر: ما هذه للتعجب، وهي هنا على مذهب سيبويه نكرة غير موصوفة فهي في موضع رفع بالابتداء، وساغ الابتداء بها لأنها في تقدير التخصيص، والمعنى شيء عظيم، مثل: شرٌّ أهرَّ ذا ناب، والدهر: منصوب على التعجب، وهو فاعل في المعنى، لولا: حرف يمتنع به الشيء لامتناع غيره، وهي هنا امتناعية، وقد تكون تحضيضية، كقوله تعالى:[لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ /قَرِيبٍ](1)[59 أ] وفسحة: مبتدأ ومضاف إليه (2).
المعنى: أمني النفس، وأعللها برقبة الآمال، وانتظار بلوغها، وإدراكها؛ فيتّسع لها ما ضاق عليها من الدهر والعيش، ثم قال: ما أضيق الدهر لولا أنّ فسحة الأمل توسعه، وفي الآمال راحة للنفوس، قال صلى الله عليه وسلم: الأمل راحة لأمتي، لولا الأمل ما أرضعت والدة ولدها، ولا غرس غارس شجرة، ومن هنا قال الحسن: لو عقل الناس وصوّروا الموت بصورته خربت الدنيا، وقال بعضهم: نعم الرفيق الأمل، وإن لم يبلغك فقد آنسك، واستمنعت به، قال أبو دلف (3):(من الخفيف)
أطيب الطيبات قتل الأعادي
…
واختيالي على متون الجياد
ورسول يأتي بوعد حبيب
…
وحبيب يأتي بلا ميعاد
وقد أخذ قول الطغرائي العماد الكاتب (4)، وقال:(من الطويل)
وما هذه الأَيامُ إلَاّ صحائف
…
يؤرَّخ فيها ثمَّ يُمحى ويُمحقُ
ولم أَرَشيئا مثل دائرةِ المنى
…
تُوسِّعُها الآمالُ والعمرُ ضيقُ
وقال غيره (5): (من البسيط)
لولا مواعيدُ آمالٍ أعيشُ بها
…
لُمتُّ يا أهلَ هذا الحيِّ من زَمنِ
وإنما طِرْفُ آمالي به مرحٌ
…
يَجْرِي بِوَعد الأماني مطلقَ الرسنِ
وقال آخر (6): (من الطويل)
(1) المنافقون 10
(2)
يعني فسحة مبتدأ وهي مضاف، والأمل مضاف إليه.
(3)
البيتان في الغيث المسجم 2/ 156
(4)
ديوانه (م)
(5)
نسب في الغيث المسجم 2/ 163 للعفيف إسحاق بن خليل كاتب الإنشاء للناصر داود.
(6)
نسبها الخالديان في الأشباه والنظائر، ص /724/ (م) لعلي بن محمد بن أحمد القليوبي، وهي في الغيث المسجم 2/ [163 ب] لا عزو.