الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا لم يَكُنْ للفَضْلِ ثَمّ مَزِيّةٌ
…
على النّقص فالوَيلُ الطويلُ من الغَبنِ
وقوله: كان شوطهم وراء خطوي
…
البيت يشبه قول هشام الرقاشي (1): (من البسيط)
تقدَّمَتْنِي أُناسٌ ما يكونُ لهم
…
في الحقِّ أنْ يلجُوا الأَبْوابَ مِنْ دونِي
هذا جَزاءُ امرئٍ أقرانُه درَجُوا
…
من قَبْلهِ فتمنَّى فُسحةَ الأجلِ
اللغة: الجزاء: معروف، والقرين: الصاحب، [الأجل] مدة الأجل، وغاية العمر.
الإعراب: هذا: اسم إشارة في موضع رفع بالابتداء، والإشارة إلى ما قدّنه من تقدِّم غيره عليه، أقرانه درجوا: مبتدأ وخبر، من قبله: يحتمل من هذه أن تكون زائدة، وأن تكون ظرفية، فتمنى: الفاء للتعقيب، فسحة: مفعول به، والأجل: مضاف إليه.
المعنى: هذا الذي أنا فيه من الغربة، والفقر، والعطلة، والانفراد، وتقدّم الأراذل جزاء رجل درجت أقرانه قبله، وإخوانه، وتمنى الحياة بعدهم:(من الكامل)
ذَهَبَ الَّذينَ يُعاشُ في أَكنافِهِم
…
وَبَقيتُ في خَلْفٍ كَجِلدِ الأَجرَبِ (2)
حُكيَ أنَّ بعض الأرقَّاء كان عند سيد يأكل الخاص، ويطعمه الخشكار، فطلب البيع [فباعه] لرجل يأكل الخشكار، ويطعمه النخالة، [فطلب البيع] فباعه واشتراه من يأكل النخالة، ولا يطعمه شيئا، فطلب البيع، فباعه واشتراه مَن لا يأكل شيئا، وحلق رأسه، وكان في الليل يجلسه، ويضع السراج على رأسه بدلا من المنارة، فأقام عنده، ولم يطلب البيع، فقال له النخَّاس: لأي شيء رضيت بهذه الحالة عند المالِك، فقال:[أخاف] أن يشتريني في هذه / المرة مَنْ يضع الفتيلة في عيني عوضا عن السراج، ولله درُّ القائل (3):(من السريع)[63 أ]
كنا إِذا جئنا لمنْ قبلكم
…
أنصفَ في الترحيبِ بعدَ القيامْ
والآنَ صِرْنا حينَ نأتيكمُ
…
نقنعُ منكم بلطيفِ الكلامْ
لا غيَّرَ اللهُ بكمْ خشيةً
…
من أن يجي من لا يرُدّ السلامْ
وإنْ عَلانِيَ مَنْ دُونِي فلا عَجَبٌ
…
لي أُسوةٌ بانحطاطِ الشمس عن زُحَلِ
اللغة: علا: ارتفع، دوني: أي أنقص منه رتبة، والعجب: استغراب النفس الشيء، والأسوة: ما يتأسّى به الحزين، انحطاط: النقص، والشمس: معروفة، وزحل: كذلك.
(1) البيت في الغيث المسجم 2/ 210
(2)
للبيد، ديوانه، ص 26.
(3)
لبدر الدين يوسف مهمندار العرب، كذا في الغيث المسجم 2/ 222 ـ 223، ولكنه قال مهندار، وهو خطأ، والتصويب من معاهد التنصيص، ص 1925/ (م)، أعيان العصر، ص 6334/ (م)، فوات الوفيات، 4/ 349، الدرر الكامنة، ص 3532/ (م) النجوم الزاهرة، ص 7730 (م)
مهمندار العرب: يوسف بن سيف الدولة بن زماخ بالزاي والميم المشددة والخاء المعجمة بعد الألف الحمداني المهمندار؛ شيخ متجند، توفي بعد الثمانين والستمائة.
الإعراب: إنْ: حرف شرط، علاني: هو الشرط، مَنْ: اسم ناقص يحتاج إلى صلة وعائد، دوني: اسم مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو هو دوني، وفي فلا الفاء: جواب الشرط، ولا النافية للجنس، عجب: اسم لا، أسوة: مبتدأ، وإنما تأخّر لأنه نكرة.
المعنى: أخذ يسلِّي نفسه، ويتأسى بما ضربه من المثل في انحطاط الشمس عن زحل، فقال: وإن علاني هؤلاء الذين ذممت دولتهم، وأيامهم، وهم دوني في كل شيء، لي أسوة بكون الشمس منحطة عن زحل، وهو مَثَل حسن، وهذا فيه من البديع إرسال المثل، والإيضاح، وقد تقدّم الكلام في ذلك، وهذا البيت قد أخذ بمجامع الحسن، ودار به على قطب الفصاحة فلكه الدائر، وسار في الأقطار مثله السائر، وأضاءت به الشموس في أيام الطروس، وأسفرت به البدور في ليالي السطور،
وأمَّا تمثيله بالشمس وزحل، فهو تمثيل مطابق لمن يكون بحالته التي ذكرها، وشرحها من ارتفاع السفل، وانحطاط الكرام، لأن الشمس في الفلك الرابع، وزحل في السابع، وإنما حكموا بأن زحل في السابع، والشمس في الرابع؛ لأن ذلك أمر يشاهده / الحسّ، ويحكم به العقل، وهو أنهم وجدوا زحل يدور [63 ب] في فلكه في كلّ ثلاثين سنة دورة، والشمس يدور فلكها في كل سنة مرة، والزهرة مثل الشمس، ولكن تارة تُسرع؛ فتكون أمامها، وتارة تكون الشمس أمامها، وفلك البروج محيط بفلك زحل، والفلك الأطلس محيط بفلك البروج، والأطلس يدور بما فيه في اليوم والليلة من المشرق إلى المغرب مرة واحدة دورة كاملة، فتبارك الله أحسن الخالقين.
قال الأرجاني مشيرا إلى قول الطغرائي (1): (من الكامل)
ودَعِ التّناهيَ في طلابك للعُلا
…
واقنعْ فلم أرَ مثْلَ عِزِّ القانع
فبسابعِ الأَفْلاكِ لم يَحْلُلْ سِوى
…
زُحَلٍ ومجرى الشمسِ وسطَ الرابعِ
وهذا المعنى أخذه الأرجاني من الطغرائي؛ لأن الأرجاني [توفي] في سنة أربع وأربعين وخمسمائة، والطغرائي في سنة خمسمائة وخمس عشرة، ولكن بيت الطغرائي أبدع وأطرب، وأهزّ للأعطاف، قال ابن الساعاتي (2):(من الكامل)
أتظُنُّ يا خيرَ الأَنامِ نقيصَةً والنقصُ للأطرافِ لا الأشرافِ
أَوَما ترى أنَّ الكواكبَ سبعةٌ والشمسُ رابعةٌ بغير خلافِ
(1) ديوانه (م)
(2)
البيتان في الغيث المسجم 2/ 251
والشمس هي الكوكب النَّيِّر الذي يمد سائر الكواكب بالنور على بعض الآراء، وإلى ذلك أشار التهامي (1) في قوله يمدح الشريف الزيدي لمَّا حُبس بالقاهرة في خزانة البنود، فقال:(من الكامل)
بَثَّ الفَضائِل خلفه وَأَمامه
…
فَفَناء مُهجَتِهِ كَمِثلِ خُلودِها
كالشَمسِ تُوَدِع في الكَواكِب نورها
…
فَتَنوب للسارين عَن مَفقودِها
وأجمع أهل الهيئة على أنّ القمر يستمد النور من الشمس، وزيادة النور فيه ونقصانه بحسب البعد منها والقرب؛ لأن جُرم القمر (2) كثيف حديدي مستخصف، قابل لانطباع النور فيه كالمرآة، واعلم أن بيت الطغرائي هذا يصدع / الفؤاد، ويرضّ الأكباد؛ لأن الدهر [64 أ] مولع بخفض الكامل، ورفع الناقص، وسعد الجاهل، وشقاء الفاضل، وبؤس الكريم، ونعيم اللئيم:(من الخفيف)
شِيَمٌ مرّت الليالي عليها
…
والليالي قليلةُ الإنْصافِ (3)
ومن الكلم النوابغ: ولا غرو أنْ يرتفع الجاهل، وينحط العالم، فقد يتدلّى سهيل، وتستعلى النعائم، والطغرائي قد اختلس بيته هذا من أبي الطيب (4):(من الوافر)
وَلَو لَم يَعلُ إِلّا ذو مَحَلٍّ
…
تَعالى الجَيشُ وَاِنحَطَّ القَتامُ
بل أخذه صريحا من أبي الفتح البستي (5)، حيث قال:(من البسيط)
لا تَعْجَبَنَّ لدَهرٍ ظَلَّ في صَبَبٍ
…
أشرافُهُ وعَلا في أوجِهِ السَّفِلُ
وانقَدْ لأحكامِه أنَّى يُقادُ بِها
…
فالمُشتري السَّعْدُ يعلو فوقَهُ زُحَلُ
وقال ابن نفادة (6): (من البسيط)
الدهرُ يرفعُ مخفوضا ويخفض مر فوعاً من الناس عمداً فهو لحَّانُ
فالفضلُ ينحطُّ والنّقصان مرتفعٌ كأنما صرفهُ في الحكمِ ميزانُ
قال ابن الرومي (7): (من البسيط)
قالتْ علا الناسُ إلاّ أنتَ قلتُ لها كذاكَ يسفلُ في الميزانِ مّنْ رَجَحا
وقال آخر (8): (من الكامل)
الدهرُ كالميزانِ يرفعُ ناقصاً
…
أبداً ويخفضُ زائدَ المقدار
(1) ديوانه (م)
(2)
كتب: الشمس، وما أثبتناه من الغيث المسجم 2/ 251
(3)
نسبه الصفدي في الوافي بالوفيات، ص 11646 / (م) لسالم بن علي بن سلمان بن علي العودي.
(4)
ديوانه 1/ 145
(5)
ديوانه (م)
(6)
البيتان في الغيث المسجم 2/ 285
(7)
ديوانه (م)
(8)
نسبه الصغدي في الوافي بالوفيات، ص 15023 / (م) لابن الإخوة: عبد الرحيم بن أحمد بن محمد.