المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أريد بسطة كف أستعين بها…على قضاء حقوق للعلى قبلي - شرح لامية العجم للدميري

[الدميري]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة الدميري

- ‌[متن] لامية العجم

- ‌[المقدمة]

- ‌[ترجمة الطغرائي]

- ‌فصل فيما يتعلق بترجمة الطغرائي

- ‌فصل في ذكر شيء من شعر الطغرائي

- ‌[شرح القصيدة بيتا بيتا]

- ‌أصالةُ الرأي صانتْنِي عن الخَطَلِ…وحِليةُ الفضلِ زانتني لدَى العَطَلِ

- ‌مجدي أخيراً ومجدِي أوّلاً شَرَعٌ…والشمسُ رأْدَ الضُحَى كالشمسِ في الطَفَلِ

- ‌فيمَ الإقامُة بالزوراءِ لا سَكَني…بها ولا ناقتي فيها ولا جَملي

- ‌نَاءٍ عن الأهلِ صِفْرُ الكفِّ منفردٌ…كالسيفِ عُرِّيَ متناهُ من الخَللِ

- ‌فلا صديقَ إليه مشتكَى حزَنِي…ولا أنيسَ إليه منتَهى جذلي

- ‌طالَ اغترابيَ حتى حنَّ راحلتي…ورحُلها وقرَى العَسَّالةِ الذُّبلِ

- ‌وضَجَّ من لَغَبٍ نضوي وعجَّ لما…يلقَى رِكابي ولجَّ الركبُ في عَذَلي

- ‌أُريدُ بسطةَ كَفٍ أستعينُ بها…على قضاءِ حُقوقٍ للعُلَى قِبَلي

- ‌والدهرُ يعكِسُ آمالِي ويُقْنعُني…من الغنيمةِ بعد الكَدِّ بالقَفَلِ [

- ‌وذِي شِطاطٍ كصدرِ الرُّمْحِ معتقلٍ…بمثلهِ غيرَ هيَّابٍ ولا وَكِلِ

- ‌حُلْوِ الفُكاهِةِ مُرُّ الجِدِّ قد مُزِجتْ…بقسوةِ البأسِ فيه رِقَّةُ الغَزَلِ

- ‌طردتُ سرحَ الكرى عن وِرْدِ مُقْلتِه…والليلُ أغرَى سوامَ النومِ بالمُقَلِ

- ‌والركبُ مِيلٌ على الأكوارِ من طَرِبٍ…صاحٍ وآخرَ من خمر الهوى ثَمِلِ

- ‌فقلتُ أدعوكَ للجُلَّى لتنصُرَنِي…وأنت تخذِلُني في الحادثِ الجَلَلِ

- ‌تنامُ عنِّي وعينُ النجمِ ساهرةٌ…وتستحيلُ وصِبغُ الليلِ لم يَحُلِ

- ‌فهل تُعِيُن على غَيٍّ هممتُ بهِ…والغيُّ يزجُرُ أحياناً عن الفَشَلِ

- ‌إني أُريدُ طروقَ الحَيِّ من إضَمٍ…وقد حَماهُ رُماةٌ الحيِّ من ثُعَلِ

- ‌يحمونَ بالبِيض والسُّمْرِ اللدانِ به…سودَ الغدائرِ حُمْرَ الحَلْي والحُلَلِ

- ‌فسِرْ بنا في ذِمامِ الليلِ مُعْتَسِفَاً…فنفحةُ الطِيب تَهدِينَا إِلى الحِلَلِ

- ‌فالحِبُّ حيثُ العِدَى والأُسدُ رابضَةٌ…حَولَ الكِناسِ لها غابٌ مِنَ الأَسَلِ

- ‌نَؤمُّ ناشِئةً بالجزع قد سُقيَتْ…نِصالُها بمياه الغَنْجِ والكَحَلِ

- ‌قد زادَ طيبَ أحاديثِ الكرامِ بها…ما بالكرائمِ من جُبنٍ ومن بُخُلِ

- ‌تبيتُ نارُ الهَوى منهنَّ في كَبِدٍ…حرَّى ونار القِرى منهم على القُلَلِ

- ‌يقتُلنَ أنضاءَ حبٍّ لا حَراكَ بها…وينحرونَ كرامَ الخيلِ والإِبِلِ

- ‌يُشفَى لديغُ العوالِي في بُيوتهِمُ…بنهلةٍ من غَدِيْرِ الخَمْرِ والعَسَلِ

- ‌لعلَّ إِلمامةً بالجِزعِ ثانيةً…يدِبُّ منها نسيمُ البُرْءِ في عللي

- ‌لا أكرهُ الطعنةَ النجلاءَ قد شُفِعَتْ…برشقةٍ من نِبالِ الأعيُنِ النُّجُلِ

- ‌ولا أهابُ الصِّفاح البِيض تُسعِدُني…باللمحِ من خلل الأستار والكِلَلِ

- ‌ولا أخِلُّ بغِزلان أغازِلُها…ولو دهتني أسودُ الغِيل بالغيَلِ

- ‌حبُّ السلامةِ يَثْني همَّ صاحِبه…عن المعالي ويُغرِي المرءَ بالكَسلِ

- ‌فإن جنحتَ إليه فاتَّخِذْ نَفَقاً…في الأرضِ أو سلَّماً في الجوِّ فاعتزلِ

- ‌ودَعْ غمارَ العُلى للمقديمن على…ركوبِها واقتنِعْ منهن بالبَلَلِ

- ‌رضَى الذليلِ بخفضِ العيشِ مَسْكَنَةٌ…والعِزُّ عندَ رسيمِ الأينُقِ الذُلُلِ

- ‌فادرأْ بها في نحورِ البِيد جافلةً…معارضاتٍ مثانى اللُّجمِ بالجُدَلِ

- ‌إنَّ العُلَى حدَّثتِني وهي صادقةٌ…في ما تُحدِّثُ أنَّ العزَّ في النُقَلِ

- ‌لو أنَّ في شرفِ المأوى بلوغَ مُنَىً…لم تبرحِ الشمسُ يوماً دارةَ الحَمَلِ

- ‌أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمِعاً…والحظُّ عنِّيَ بالجُهَّالِ في شُغُلِ

- ‌لعلَّهُ إنْ بَدا فضلي ونقصُهُمُ…لعينهِ نامَ عنهمْ أو تنبَّهَ لي

- ‌أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها…ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

- ‌لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ…فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ

- ‌غالى بنفسيَ عِرفاني بقيمتِها…فصُنْتُها عن رخيصِ القَدْرِ مبتَذَلِ

- ‌وعادةُ النصلِ أن يُزْهَى بجوهرِه…وليس يعملُ إلَاّ في يدَيْ بَطَلِ

- ‌ما كنتُ أُوثِرُ أنْ يمتدَّ بي زمني…حتى أرى دولةَ الأوغادِ والسّفَلِ

- ‌تقدَّمتني أناسٌ كان شَوطُهُمُ…وراءَ خطويَ إذ أمشي على مَهَلِ

- ‌هذا جَزاءُ امرئٍ أقرانُه درَجُوا…من قَبْلهِ فتمنَّى فُسحةَ الأجلِ

- ‌وإنْ عَلانِيَ مَنْ دُونِي فلا عَجَبٌ…لي أُسوةٌ بانحطاطِ الشمس عن زُحَلِ

- ‌فاصبرْ لها غيرَ محتالٍ ولا ضَجِرٍ…في حادثِ الدهرِ ما يُغني عن الحِيَلِ

- ‌أعدى عدوِّكَ أدنى من وَثِقْتَ به…فحاذرِ الناسَ واصحبهمْ على دَخَلِ

- ‌وإنّما رجلُ الدُّنيا وواحِدُها…من لا يعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُلِ

- ‌وحُسْنُ ظَنِّكَ بالأيام مَعْجَزَةٌ…فظُنَّ شَرّاً وكنْ منها على وَجَلِ

- ‌غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغدرُ وانفرجتْ…مسافةُ الخُلْفِ بين القولِ والعَمَلِ

- ‌وشانَ صدقَك عند الناس كِذبُهمُ…وهل يُطابَقُ معوَجٌّ بمعتَدِلِ

- ‌إن كان ينجعُ شيءٌ في ثباتِهم…على العُهودِ فسبَقُ السيفِ للعَذَلِ

- ‌يا وارداً سؤْرَ عيشٍ كلُّه كَدَرٌ…أنفقتَ عُمرَكَ في أيامِكَ الأُوَلِ

- ‌فيمَ اقتحامكَ لُجَّ البحرِ تركَبُهُ…وأنتَ تكفيك منه مصّةُ الوَشَلِ

- ‌مُلْكُ القناعةِ لا يُخْشَى عليه ولا…يُحتاجُ فيه إِلى الأنصار والخَوَلِ

- ‌ترجو البَقاءَ بدارِ لا ثَباتَ لها…فهل سَمِعْتَ بظلٍّ غيرِ منتقلِ

- ‌ويا خبيراً على الأسرار مُطّلِعاً…اصْمُتْ ففي الصَّمْتِ مَنْجاةٌ من الزَّلَلِ

- ‌قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ…فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ

- ‌[الخاتمة]

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌أريد بسطة كف أستعين بها…على قضاء حقوق للعلى قبلي

الحلم، المأمون في حب العفو، عمرو بن العاص في الدهاء، الوليد في شرب الخمر، أبو موسى الأشعري في سلامة الباطن، عطاء السلمي في الخوف من الله، ابن البواب في الكتابة، القاضي الفاضل في الترسل، العماد الكاتب في الجناس، ابن الجوزي في الوعظ، أشعب في الطمع، الفارابي في نقل كلام القدماء ومعرفته وتفسيره، حنين بن إسحاق في ترجمة اليوناني إلى العربي، ثابت بن قرة الصابي في تهذيب ما نقل من الرياضي إلى العربي، ابن سينا في الفلسفة، الإمام فخر الدين (1) في الاطلاع على العلوم، السيف الآمدي في التحقيق، النصير الطوسي في المجسطي،، ابن الهيثم في الرياضي (2)، الكاتبي (3) في المنطق، أبو العلاء المعري / في الاطلاع على اللغة، أبو العيناء في الأجوبة المسكِّتة [18 ب] مزيد في البخل، القاضي أحمد بن أبي دؤاد في المروءة وحسن التقاضي، ابن المعتز في التشبيه، ابن الرومي في التطيُّر، الصولي في الشطرنج، الغزالي في الجمع بين المعقول والمنقول، أبو الوليد بن رشد في تلخيص كتب الأقدمين الفلسفية والطبية، محيي الدين بن عربي في التصوّف.،

‌أُريدُ بسطةَ كَفٍ أستعينُ بها

على قضاءِ حُقوقٍ للعُلَى قِبَلي

اللغة: الإرادة: المشيئة، البسط: السعة، ومنه قوله تعالى:[وَزَادَهُ بَسْطَةً](4) والكف: معروف، أستعين: أصله أستعون، ومعناه أطلب، والقضاء: الحكم، وقضى ربك، أي حكم، وقد يكون بمعنى الفراغ، وقد يكون بمعنى الأداء والانتهاء، تقول: قضيت دَينِي، هذا المعنى هو المراد هنا، والحقوق: جمع حق، وهو خلاف الباطل، والمراد به هنا ما يلزم ذمة الإنسان من المروءة في الجود، وما أشبهه، العلى: هو الرفعة والشأن والشرف، والجمع المعالي، فإذا فتحت العين مددت، فقلت: العَلاء، وإذا ضممتها قلت: العُلى، والقبل: الطاقة، ما لي به قبل، أي طاقة.

الإعراب: أريد: فعل مضارع، ماضيه أرادَ، وهو مرفوع؛ لخلوه من الناصب والجازم، بسطة: مفعول به، فلهذا نصبه، كف: مضاف إليه، أستعين: فعل مضارع مرفوع؛ لخلوه من الناصب والجازم، كما تقدم، وأصله أستعون من العون، فاستُثقِلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى العين، ثم قلبت ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، وموضعه النصب، إمَّا على الحال، أو على أنه مفعول لأجله، أو على الصفة لبسطة، بها: جار ومجرور، على

(1) الفخر الرازي، كما في الغيث المسجم 1/ 193

(2)

في العلم الرياضي، كما في الغيث المسجم 1/ 193

(3)

نجم الدين الكاتب،، كما في الغيث المسجم 1/ 193

(4)

البقرة 247

ص: 33

قضاء حقوق: جار ومجرور، ومضاف إليه، للعلى: جار ومجرور، ولم يظهر الجر فيه؛ لأنه مقصور، واللام هاهنا لشبه المِلك، وهي أحد معاني / اللام، قبلي:[19 ب]

منصوب بنزع الخافض على أنه ظرف مكان، يعني كأنه قال: على قضاء حقوق للعُلى في طوقي وسعيي، وما أقدر على الإتيان به.

المعنى: أحاول من الزمان بسطة كف من المال المتَّسع لأجل الإعانة على وفاء حقوق استقرّت في ذمتي للعلى، وكنَّى عن الغني ببسطة الكف؛ لأن الغني يبسط كفه بالنفقة، وكل منفق باسط كفه، وما زال الإنفاق يُسمى بسطا، والإمساك قبضا، قال الله تعالى:[وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ](1)، وقال تعالى:[وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ](2).

سؤال: إن قيل ما الفائدة في تثنية اليد هنا، الجواب: إنْ فسّرنا اليد بالنعمة فالمراد نعمة الدنيا والدين، أو الباطنة والظاهرة، أو ما يتعلق بالدنيا والآخرة إن أردنا القوة، فالمراد الاقتدار على الموت والحياة، أو الخذلان والنصر، أو الغنى والفقر، وما أشبه ذلك، فعلى كل تقدير من التفسير يداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، أي يتمكن من إعطاء الدنيا والدين والأمانة والإحياء والإسعاد أو الإشقاء، ردا على اليهود فيما زعموا.

حُكي أنَّ بعضهم كان من المسرفين على أنفسهم، فلمَّا توفي رآه مَن كان يعلم حال باطنه، فقال له: ما فعل الله بك، قال: غفر لي، قال: بمَاذا، قال: كنت إذا تلوت هذه الآية قلت: غُلَّت أيديهم، وأطلت التشديد في اللام، كالمتشفي بهم، انتهى.

رجعنا إلى معنى البيت، قال عليه السلام: اللهم أعط كل منفق خلفا، وكل ممسك تلفا، وما ظلم الناضم في طلب المال لإنفاقه فيما يكتسب من المحامد، ويقيم به الأمور، قال عليه السلام: نعم المال الصالح مع العبد الصالح، وقال الحسن رضي الله عنه: إذا أردت أن تعرف مِن أين أصاب الرجل ماله فانظر فيما ينفقه، فإن الخبيث يُنفق في السرف، وقال أبو ذرٍّ: أموال الناس تشبه الناس، وروي عنه عليه السلام [أنه](3) كان يأمر الأغنياء باتخاذ الغنم، ويأمر الفقراء باتخاذ الدجاج، وفي المثل: مال المرء موئله، وقوَّته قُوته (4)، قال بعضهم: لا أدري أيهما أمر، موت الغني، أو حياة الفقير.

قال الشاعر (5): (من الطويل)

وما رفعَ النفسَ الدَّنيةَ كالغنى ولا وضعَ النفسَ الشريفةَ كالفقر

(1) المائدة 64

(2)

الإسراء 29

(3)

زيادة من الغيث المسجم 1/ 220

(4)

الذي كتب: وفي المثل المرء حوله وقوته، وما أثبتناه من الغيث المسجم 1/ 220

(5)

البيت في الغيث المسجم 1/ 220، بلا عزو.

ص: 34

وقال ابن المعتز (1): (من المتقارب)

إِذا كُنتَ ذا ثَروَةٍ في الورى

فَأَنتَ المُسَوَّدُ في العالَمِ

وَحَسبُكَ مِن نَسَبٍ صورَةٌ

تُخَبِّرُ أَنَّكَ مِن آدَمِ

وما يبعد أنّ الطغرائي رحمه الله كان ذا نفس شريفة سخيّة، وهمة عالية، يؤثر المال؛ لينفقه في مصارفه.

ومن شعر الناظم (2) رحمه الله تعالى: (من الطويل)

سأحجُبُ عنّي أُسرتي عند عسرتي

وأبرز فيهم إِنْ أصبت ثراءَ

ولي أُسوةٌ بالبدر يُنفق نورَه

فيخفَى إِلى أن يستجدَّ ضياءَ

وهذه نفوس الأشراف، تظهر عند الثروة، طلبا للإنفاق، وتخفى عند الفقر، طلبا لكتمان حالها، فلا يكلف الناس سؤالا.

ولمّا أنشد الغزالي البيت المشهور (3): (من الكامل)

خلتِ الديار فسدتُ غير مُسَوَّدِ

ومن الشقاء تفَرُّدي بالسؤدَدِ

قلت: وهذا البيت أنشده المستظهري (4) لمَّا ولي تدريس النظامية، وهو لسفيان الثوري، وعلم أنه لم يترفع إنما أراد أنه / تفرد بالسؤدد على زعمهم، وقولهم، فخاطبهم على ما [20 أ] في نفوسهم، قال الرافعي: سمعت الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن القاضي الحسين يقول: أتى القاضي رحمه الله رجلٌ فقال: حلفت بالطلاق أنه ليس أحد في الفقه والعلم مثلك، فأطرق رأسه ساعة ثم قال: هكذا فعل موت الرجال، لا يقع طلاقك، وقول الطغرائي: وأبرز فيهم إن أصبت ثراءً

من قول الآخر، وهو أبو تمام (5):(من البسيط)

إِنَّ الكِرامَ إِذا ما أَسهَلوا ذَكَروا

مَن كانَ يَألَفُهُم في المَنزِلِ الخَشِنِ

(1) ديوانه، ص 414

(2)

ديوان الطغرائي، ص 41

(3)

لحارثة بن بدر الغداني، ديوانه / (م).

(4)

المستظهري: أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي الأصل الفارقي المولد، المعروف بالمستظهري، الملقب فخر الإسلام الفقيه الشافعي، كان فقيه وقته، تفقه أولا بميافارقين على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني، وعلى القاضي أبي منصور الطوسي، ثم رحل إلى بغداد، وانتهت إليه رياسة الطائفة الشافعية. وصنف تصانيف حسنة، من ذلك كتاب حلية العلماء في المذهب، وذكر فيه مذهب الشافعي، ثم ضم إلى كل مسألة اختلاف الأئمة فيها، وجمع من ذلك شيئا كثيرا وسماه المستظهري لأنه صنفه للإمام المستظهر بالله، وصنف أيضا في الخلاف. وتولى التدريس بالمدرسة النظامية بمدينة بغداد، سنة أربع وخمسمائة إلى حين وفاته، وكانت ولادته في المحرم سنة تسع وعشرين وأربعمائة بميافارقين. وتوفي في يوم السبت خامس عشري شوال سنة سبع وخمسمائة ببغداد، ودفن في مقبرة باب أبرز، مع شيخه أبي إسحاق في قبر واحد، وقيل دفن إلى جانبه، رحمهما الله تعالى.

الوافي بالوفيات 4/ 219 ـ221

(5)

لم أجده في المطبوع من ديوانه، وهو في ديوان كل من: دعبل الخزاعي / (م)، وإبراهيم بن العباس الصولي / (م).

ص: 35

حُكي أن الأمير بيليك الخازندار أحضره إلى البلاد تاجرٌ كان يُحسن إليه، وهو في رقة، فلما باعه تنقّلت به الإيام إلى ما صار إليه، وافتقر التاجر فيما بعد، فحضر إليه إلى الديار المصرية، وكتب إليه رقعة فيها:

كنَّا جميعَيْنِ في بؤسٍ نكابدُهُ

والقلب والطَّرف منَّا في أَذًى وقَذَى (1)

والآنَ أَقبلَتِ الدُّنيا عليكَ بما

تهْوَى فلا تنْسَنِي "إنَّ الكرامَ إذا

إشارة إلى البيت المتقدم، فأعطاه عشرة آلاف درهم، رحمه الله.

لطيفة: قيل: أرسل المبرد غلامه، وقال له بحضرة الناس: امض فإن رأيته فلا تقل له، وإن لم تره فقل له، فذهب الغلام ورجع، وقال: لم أره، وقلت له فجاء، فلم يجئ، فسئل الغلام عن معنى ذلك فقال: أرسلني إلى غلام يهواه، فقال: إن رأيت مولاه فلا تقل له شيئا، وإن لم تر مولاه فادْعه، فذهبتُ فلم أر مولاه، فقلت له فجاء مولاه، فلم يجئ الغلام.

حكي أنّ الملك الظاهر لمَّا استعرضه مولاه ليشتريه، فقال التاجر: يا خوند هو يحسن يكتب ويقرأ، فأحضرتْ له دواة وقلم وورقة، وتقدمت إليه بأن يكتب شيئا يراه فكتب:(من البسيط)

لولا الضرورات ما فارقتكم أبداً

/ولا تنقلت من ناس إلى ناس (2)[20 ب]

فأعجبه الاستشهاد بهذا البيت ورغبه ذلك في شرائه.

وحكي أنّ إنسانا رفع قصة إلى الصاحب كمال الدين بن العديم فأعجبه خطها

فأمسكها وقال لرافعها هذا خطك قال لا ولكن حضرت إلى مولانا فوجدت بعض مماليكه فكتبها لي، وقال عليَّبه، فلما حضر وجده مملوكه الذي يحمل مداسه، وكان عنده في حالة غير مرضية، فقال: أهكذا خطك، قال: نعم، فقال: هذه طريقتي، مَنْ الذي وقفك عليها؟ فقال: يا مولانا، كنت إذا وقفت لأحد على قضية، أخذتها منه، وسألته المُهلَة حتى أكتب عليها سطرين، أو ثلاثة، فأمره أن يكتب بين يديه، فكتب:(من الطويل)

وما تنفعُ الآدابُ والعلمُ والحجا

وصاحبُها عندَ الكمالِ يموتُ (3)

فكان إعجاب الصاحب بالاستشهاد أكثر من الخط.

رجعنا إلى إرادة الناظم بسطة اليد، أمَّا حُبّ المال وطلبه للإنفاق فلم يزل الشعراء يتداولون معناه، قال سيد الطائفة الإمام الشافعي (4) ي رضي الله عنه:(من البسيط)

(1) البيتان في الغيث المسجم 1/ 223، والوافي بالوفيات، ص 8121 / (م)، معاهد التنصيص، ص 2236 / (م)، بلا عزو.

(2)

نسب هذا البيت لمجنون ليلى، وروايته في ديوانه / (م):

لَو أَنصَفَ الدَهرُ ما فارَقتُكُم أَبَدا

وَلا تَنَقَّلتُ مِن ناسٍ إِلى ناسِ

(3)

هذا البيت نسب لكل من: ابن الوردي، وابن نباتة المصري، وشهاب الدين الخزرجي، وهو في دواوينهم / (م).

(4)

ديوانه / (م) وفيه: يا لهف نفسي على مال أفرّقه، والغيث المسجم 1/ 226

ص: 36

يالَهفَ قَلْبِي عَلى مالٍ ٍأّجودُ به

عَلى المُقِلّينَ مِن أَهلِ المُروآتِ

إِنَّ اِعتِذاري إِلى مَن جاءَ يَسأَلُني

ما لَيسَ عِنديَ مِن إِحدى المُصيباتِ

وقال الشافعي (1) رضي الله عنه أيضا: (من الوافر)

أرَى نفسِي تتُوقُ إلى أمُورِ

يُقصِّرُ دونَ مَبلَغهُنَّ مالي

فلا نفسِي تطاوِعني ببخلٍ

ولا مالي يُبلِّغُني فِعالي

ولعمري ما يطلب المال إلاّ للإنفاق، وبلوغ المقاصد، كما أن السيف للذبّ والردع، والمدية للقطّ والقطع، عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه: إنما مالك لك، أو للحاجة، أو للوراثة، فلا تكن أعجز الثلاثة، قال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يكسب المال / ليكفّ به وجهه [21 أ]، ويؤدي بها أمانته، ويصل بها رحمه، ولله درّ القائل (2):(من الطويل)

وَلا يَجمَعُ الأَموالَ إِلّا لِبَذلِها

كَما لا يُساقُ الهَديُ إِلّا إِلى النَحرِ

وقد بالغ أبو الطيب في قوله (3): (من البسيط)

وَكُلَّما لَقِيَ الدينارُ صاحِبَهُ

في مُلكِهِ اِفتَرَقا مِن قَبلِ يَصطَحِبا

مالٌ كَأَنَّ غُرابَ البَينِ يَرقُبُهُ

فَكُلَّما قيلَ هَذا مُجتَدٍ نَعَبا

هذا البيت الأول من معاني أبي الطيب، التي يناقض أولها آخرها، لأنه قرر أولاًً أن الدينار يلقى صاحبه، ثم قال يفترقان، قبل اصطحابهما، وهذا تناقض.

قلت: ليس كما زعم الشارح من التناقض؛ لأن الصحبة أخص من اللقاء، فليس كل مَن لقيته صحبته، فكأنه يقول: إذا أتاه الدينار لا يمكث عنده، بل يخرج عن قريب (4)، كقول الأول (5):(من الرمل)

رَكِبَ الأَخطارَ في زَورَتِهِ

ثُمَّ ما سَلَّمَ حَتّى وَدَّعا

ولله در أبي الحسن الجزار حيث يقول (6): (من الطويل)

إذا كان لي مال على ما أصونه؟

وما ساد في الدنيا من البخل دينه

ومن كان يوماً ذا يسار فإنه

خليق لعمري أن تجود يمينه

(1) نسب هذا البيت لإسحاق الموصلي، وهو في ديوانه / (م).

(2)

لعلي بن الجهم، ديوانه / (م).

(3)

ديوانه 1/ 143

(4)

كتب في الهامش: والاستشهاد بهذا البيت أولى:

لَا يألَفُ الدَّرْهمُ المضْرُوبُ صُرَّتَنَا

لكِنْ يَمُرُّ عَلَيهَا وَهْوَ مُنْطَلِقُ

والبيت من البسيط، وقد نسبه صاحب معاهد التنصيص، ص 379/ (م) للنضر بن جؤية. وكذا في الغيث النسجم 1/ 229

(5)

البيت لمجنون ليلى، ديوانه/ (م).

(6)

البيتان في الكشكول، ص 855 / (م).

ص: 37

واعلم أن المال تارة يطلب لذاته، وهذا مذموم، نطقالقرآن الكريم بذمه، والتوعّد عليه، فمن يكنز الذهب والفضة ولا ينفقها في سبيل الله، وأي أرب في جمع المال، وعدم إنفاقه، وأي فرق بين ما يكون في الصندوق ذهبا وجوهرا، وبين أن يكون حجارة.

قال أبو الطيب (1): (من الطويل)

لِمَن تَطلُبُ الدُنيا إِذا لَم تُرِد بِها

سُرورَ مُحِبٍّ أَو إِساءَةَ مُجرِمِ

انظر رحمك الله إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لحارثة ما قال، وهو أنّ حارثة قال: يا نبي الله أصبحت مؤمنا حقا، فقال عليه السلام: يا حارثة: إن لكل حقٍّ حقيقة، فما حقيقة / إيمانك، قال: يا رسول الله عرّيت نفسي عن الدنيا، فاستوى عندي ذهبها ومدرها (2)، [21 أ] وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وإلى أهل الجنة في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يعذبون، فقال عليه السلام: يا حارثة عرفت فالزم، سماه عارفا بسبب عرفان ما تقدم، ولو بسطنا القول على هذا الحديث لطال، ولخرجنا عن المقصود، والشارح لم يتعرض لهذا الحديث البتة.

وقال الشارح: وقول الطغرائي في هذا البيت وما بعده يشبه قول أبي الطيب (3): (من الطويل)

وَأَتعَبُ خَلقِ اللَهِ مَن زادَ هَمُّهُ

وَقَصَّرَ عَمّا تَشتَهي النَفسُ وُجدُهُ

فَلا مَجدَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مالُهُ

وَلا مالَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مَجدُهُ

وَفي الناسِ مَن يَرضى بِمَيسورِ عَيشِهِ

وَمَركوبُهُ رِجلاهُ وَالثَوبُ جِلدُهُ

وَلَكِنَّ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ مالَهُ

مَدىً يَنتَهي بي في مُرادٍ أَحُدُّهُ

والدنيا كل أمورها غريبة، وكلها عجائب، وعلى الصحيح ما فيها عجيبة، هذا الطغرائي منشد السلطان محمد كما تقدم، وصاحب الطغراء، له يد في الكيمياء، وحل رموزها، ومع هذا يقول: أريد بسطة كف أستعين بها، ولكن الزمان حرب الفضل، وسلم الجهل، والظاهر من أثره أنه كان يعرف الكيمياء علما لا عملا، ولكن الأيام ما ساعدته إلى التمكن من عملها حتى يبرزها من القول إلى الفعل، لأنه قال (4):(من الطويل)

ومن عجب الأشياء أني واقفٌ

على الكنز من يظفر به فهو مبخوت

وأن كنوز الأرض شرقاً ومغرباً

مفاتحها عندي ويعجزني القوت

ولولا ملوك الجور في الأرض أصبحت

وحصباؤها درٌّ لدي وياقوت

(1) ديوانه 2/ 224

(2)

المَدَر، مُحرَّكة: قِطَعُ الطِّينِ اليابِس المُتَماسِك، أو الطِّينُ العِلْكُ الذي لا رَمْلَ فيه، واحدَتُه بهاءٍ. ومن المَجاز قولُ عامر بن الطُّفَيْل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم:"لنا الوَبَر ولكم المَدَر". إنّما عنى به المُدُن أو الحَضَر، لأنَّ مَبانيها إنّما هي بالمَدَر، وَعَنَى بالوَبَر الأَخْبِيَة لأنّ َبْنِية الباديةِ بالوَبَر. تاج العروس (مدر).

(3)

ديوانه 2/ 216

(4)

لم أجدها في المطبوع من ديوانه، وهي في الغيث المسجم 1/ 230 ـ 231، وفي الوافي بالوفيات، ص 10071 / (م).

ص: 38