الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَتَهُ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ فِي تِلْكَ الْحِجَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنِ انْشِمَارِهِ إِلَى ذِي الْمَجَازِ. كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا يُخَالِفُ حَدِيثَ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ
3594 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى - يَعْنِي ابْنَ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ ، فَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ ، وَلَكِنَّهُ انْشَمَرَ إِلَى ذِي الْمَجَازِ يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَنَاسِكِهِمْ ، وَيُبَلِّغُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ مِنْ قِبَلِ ذِي الْمَجَازِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا تَمَتَّعُوا بِالْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةَ "
⦗ص: 229⦘
فَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا ، وَفِيهِ تَرْكُ أَشْيَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجِّ؟ وَهِيَ طَوَافُ الْقُدُومِ ، وَالْخُطْبَةُ فِي مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ، وَاللَّبْثُ بِمِنًى الْوَقْتَ الَّذِي يَلْبَثُهُ الْحَاجُّ فِيهَا ، ثُمَّ يَصِيرُونَ مِنْهَا إِلَى عَرَفَةَ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ الَّذِيَ كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مِمَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، كَانَ لِمَعْنًى يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَيُعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سُوقُ ذِي الْمَجَازِ أَحَدَ الْأَسْوَاقِ الَّتِي كَانَتِ الْعَرَبُ يَجْتَمِعُونَ فِيهَا لِلتَّبَايُعِ وَالتِّجَارَاتِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَحُجُّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْصَرِفُ إِلَى دَارِهِ بِلَا حَجٍّ ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي مَوْسَمِ الْحَجِّ لِيَسْمَعُوا مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِمْ فِيهِ مِمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ عَلِيًّا رضي الله عنه. فَمِمَّا رُوِيَ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ.
3595 -
مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:" كَانَتْ عُكَاظُ ، وَذُو الْمَجَازِ ، وَمَجَنَّةُ ، الْأَسْوَاقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] ، فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ "
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [البقرة: 198] أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ "
⦗ص: 232⦘
هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ غَيْرُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
3596 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:" كَانَتْ عُكَاظُ ، وَمَجَنَّةُ ، وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَّجِرُونَ فِيهَا ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا مِنْهَا ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [البقرة: 198] أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ الَّذِي مِنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه مِنِ انْشِمَارِهِ إِلَى ذِي الْمَجَازِ لِيَأْمُرَ النَّاسَ جَمِيعًا بِمُوَافَاةِ الْمَوْسِمِ ، لِيَسْمَعُوا مَا يُقْرَأُ هُنَاكَ مِمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ مَنْ بَعَثَهُ فِيهِ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى عَرَفَةَ بِالنَّاسِ ، فَوَقَفَ بِهَا ، وَهِيَ صِلَةُ الْحَجِّ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ أَنْ صَارَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ ، وَبَعْدَ أَنْ رَمَى وَحَلَقَ ، حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ ، وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنَ طَافَ وَلَمْ يَكُنْ طَافَ عِنْدَ قُدُومِهِ بِالْبَيْتِ ، أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَشْوَاطِ الْأُوَلِ مِنْهَا ، إِذَا لَمْ يَرْمُلْهَا فِي الطَّوَافِ الَّذِي يَرْمُلُ فِيهِ ، وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ ، وَأَنَّهُ سَعَى بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، كَمَا يَسْعَى
⦗ص: 233⦘
بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَقَدْ كَانَ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فَيهِ ، وَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَلَمْ يُهْمِلْ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَمْرَ الْخُطْبَةِ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ لَهُ عَلَى مَكَّةَ حِينَئِذٍ عَامِلٌ لَهُ عَلَيْهَا ، وَهُوَ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ الْأُمَوِيُّ ، فَخَطَبَ النَّاسَ بِمَكَّةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، ثُمَّ وَافَى أَبَا بَكْرٍ بِالنَّاسِ بِعَرَفَةَ حَتَّى قَضَى بِهِمْ بَقِيَّةَ حَجِّهِمْ ، فَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فِي حَجِّهِ مِمَّا إِلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ لِلنَّاسِ ، إِذْ كَانَ أَمِيرَهُمْ فِي حَجِّهِمْ ، لَا نَقْصَ فِيهِ عَمَّا يَجِبُ أَنْ يَفْعَلَهُ أَمِيرُ الْحَاجِّ فِي حَجِّهِ بِالنَّاسِ ، وَهِيَ حِجَّةٌ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا فِي الْإِسْلَامِ حِجَّةٌ إِلَّا حِجَّةً وَاحِدَةً حَجَّهَا بِالنَّاسِ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ ،
⦗ص: 234⦘
وَيُقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ فِي غَيْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، لِأَنَّ الزَّمَانَ أَيْضًا اسْتَدَارَ إِلَى ذِي الْحِجَّةِ فِي الْحِجَّةِ الَّتِي حَجَّهَا أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ ، وَأَقَرَّ الْحَجَّ فِيهِ ، وَحَجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ ، وَجَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.