الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَانَ مِنْهُ فِي قَبْرِ أَبِي رِغَالٍ وَفِي إِخْبَارِهِ النَّاسَ أَنَّهُ مِنْ ثَمُودَ ، وَأَنَّ الْحَرَمَ مَنَعَهُ مِنْ مَا نَزَلَ بِسَائِرِ ثَمُودَ سِوَاهُ ، حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ ، فَأَدْرَكَتْهُ النِّقْمَةُ فَأُهْلِكَ
3753 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:" كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ ، فَمَرُّوا بِقَبْرِ أَبِي رِغَالٍ فَقَالَ: " هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ ، وَكَانَ امْرَأً مِنْ ثَمُودَ ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِالْحَرَمِ ، فَلَمَّا أَهْلَكَ اللهُ عز وجل قَوْمَهُ بِمَا أَهْلَكَهُمْ بِهِ ، مَنَعَهُ لِمَكَانِهِ مِنَ الْحَرَمِ ، وَإِنَّهَ خَرَجَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ هَاهُنَا مَاتَ ، فَدُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ " ، فَابْتَدَرْنَاهُ ، فَاسْتَخْرَجْنَاهُ "
⦗ص: 372⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ كُنْتُ أَنَا بَعْدُ سَمَاعِي هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ نَظَرْتُ فِي كِتَابِي فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ذِكْرًا ، فَدَخَلَ قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ ، فَذَكَرْتُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيِّ ، فَقَالَ لِي: هُوَ كَمَا حَفِظْتَ ، فَقُلْتُ لَهُ: فَعَنْ مَنْ أَخَذْتَهُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: عَنْ أَبِي حَفْصٍ - يَعْنِي عَمْرَو بْنَ عَلِيٍّ - ، عَنِ الرِّيَاحِيِّ ، قُلْتُ لَهُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، فَقَالَ: نَعَمْ ، عَنْ يَزِيدَ.
3754 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ الْمَدِينِيُّ أَبُو الْحَسَنِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ ، يُحَدِّثُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ ، فَقَالَ:
⦗ص: 373⦘
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ حِينَ خَرَجْنَا إِلَى الطَّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ ، وَكَانَ مِنْ ثَمُودَ ، وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ بِهَذَا الْمَكَانِ ، وَدُفِنَ فِيهِ ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ مَعَهُ " ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ ، فَاسْتَخْرَجُوا مَعَهُ الْغُصْنَ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَا فِيهِ إِخْبَارَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِأَنَّ أَبَا رِغَالٍ كَانَ مِنْ ثَمُودَ ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ مَنَعَهُ حَرَمُ اللهِ عز وجل مِمَّا أَصَابَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ ثَمُودَ مِنَ النِّقْمَةِ ، وَقَدْ عَقَلْنَا أَنَّ مَنَازِلَ ثَمُودَ لَمْ تَكُنْ فِي الْحَرَمِ ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِيمَا سِوَاهُ ، مِنْ مَا ذُكِرَ فِي الْبَابَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ فَدَخَلَهُ ، فَمَنَعَهُ مِمَّا نَزَلَ بِغَيْرِهِ مِنْ ثَمُودَ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِّينَاهُما فِي هَذَا الْبَابِ ، أَنَّ مَسْكَنَهُ كَانَ فِي الْحَرَمِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَسْكَنُهُ فِي الْحَرَمِ ، وَكَانَ مَعَ ثَمُودَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَعَاصِي اللهِ عز وجل ، وَالْخُرُوجِ عَنْ أَمْرِهِ ، فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْوَعِيدُ مِنَ اللهِ عز وجل ، وَخَافَ أَنْ يَلْحَقَهُ ذَلِكَ بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ بِهِ ، لَجَأَ إِلَى مَسْكَنِهِ فِي الْحَرَمِ ، فَدَخَلَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَرَمَ فَمَنَعَهُ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ
⦗ص: 374⦘
أَبِي رِغَالٍ أَيْضًا مَا يُوَافِقُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ مِمَّا ذَكَرْنَا.
3755 -
كَمَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:" مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحِجْرِ فَقَالَ: " لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ ، فَإِنَّ قَوْمَ صَالِحٍ سَأَلُوا ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ ، وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ ، يَعْنِي النَّاقَةَ ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا ، وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا ، وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا ، فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةٌ أَهْمَدَتْ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا ، كَانَ فِي حَرَمِ اللهِ ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ " ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ هُوَ؟ قَالَ: " أَبُو رِغَالٍ ، فَدُفِنَ هَاهُنَا "
⦗ص: 375⦘
3756 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ خُثَيْمٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ مَعْنَاهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:" إِلَّا رَجُلًا كَانَ فِي حَرَمِ اللهِ ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللهِ عز وجل مِنْ عَذَابِ اللهِ "
3757 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ، وَهُوَ فِي الْحِجْرِ:" هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ ، أَهْلَكَهُمُ اللهُ عز وجل ، إِلَّا رَجُلًا كَانَ فِي حَرَمِ اللهِ عز وجل ، مَنَعَهُ اللهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ هُوَ؟ قَالَ:" أَبُو رِغَالٍ "
⦗ص: 376⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِذَا كَانَ الْحَرَمُ يَمْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي مَعَهَا تَلَفُ الْأَنْفُسِ ، كَانَ فِي الْإِسْلَامِ مِمَّنْ مِثْلُ ذَلِكَ أَمْنَعَ ، وَشَدَّ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، فِيمَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:" مَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ لَمْ يُكَلَّمْ ، وَلَمْ يُجَالَسْ ، وَلَمْ يُبَايَعْ ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ "
⦗ص: 377⦘
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِيمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ: " لَمْ يُكَلَّمْ ، وَلَمْ يُبَايَعْ ، وَلَمْ يُؤْذَ ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ ، فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ ، أُخِذَ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ ، وَمَا أَحْدَثَ فِي الْحَرَمِ ، أُقِيمَ
⦗ص: 378⦘
عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ "
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالَا فِي قَوْلِ اللهِ عز وجل:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] : " الرَّجُلُ يُصِيبُ الْحَدَّ ثُمَّ يَدْخُلُهُ ، فَلَا يُبَايَعُ ، وَلَا يُجَالَسُ ، وَلَا يُؤْوَى ، وَلَا يُكَلَّمُ ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ ، فَيُتْبَعَ فَيُؤْخَذَ ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ " قَالَ: وَقَالَ لِي عَطَاءٌ: " إِنْ قَذَفَ فِيهِ أَوْ سَرَقَ ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَإِذَا صَنَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ ، ثُمَّ لَجَأَ ، يَعْنِي إِلَيْهِ ، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ "
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ ، عَنْ عَطَاءٍ ،
⦗ص: 379⦘
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ رضي الله عنه فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ خَالَفَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ مِنْهُ.
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:" كَانَ سَعِيدٌ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ ، وَأَصْحَابٌ لَهُ فِي الطَّائِفِ مُتَحَصِّنِينَ فِي قَلْعَةٍ ، فَاسْتُنْزِلُوا مِنْهَا ، فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ بِمَكَّةَ ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: " مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ النَّفَرِ؟ " ، فَقَالَ: " أَرَى أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا إِذْ أَدْخَلْتَهُمُ الْحَرَمَ " ، فَقَالَ: " لَا ، نُخْرِجُهُمْ مِنَ الْحَرَمِ ، ثُمَّ نَقْتُلُهُمْ " ، قَالَ: " فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تُدْخِلَهُمْ " ، فَأَخْرَجَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَصَلَبَهُمْ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لَوْ لَقِيتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ " فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ
⦗ص: 380⦘
لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَنَّ الْحَرَمَ قَدْ أَجَارَ الْقَوْمَ الَّذِينَ أُدْخِلُوهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْهُ ، فَيُقَامَ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِهِ ، فَكَانَ بِمَذْهَبِهِ أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِيهِ مُوَافِقًا لِابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِ: أَنَّهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ ، مُخَالِفًا لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ أَوْلَى عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تُوجُبُ ذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُ اللهِ عز وجل:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] ، وَكَانَ أُولَئِكَ النَّفْرُ قَدْ دَخَلُوهُ ، فَأَمِنُوا بِدُخُولِهِمْ إِيَّاهُ ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ يَجْعَلْ رُجُوعَهُمُ الْحَرَمَ أَمَانًا لَهُمْ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُمْ إِيَّاهُ بِاخْتِيَارِهِمْ لِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِهِمْ إِيَّاهُ بِهِمْ ، لِأَنَّ دُخُولَهُمْ إِيَّاهُ بِاخْتِيَارِهِمْ طَلَبًا لِلْأَمَانِ بِهِ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ ، وَإِدْخَالُ غَيْرِهِمْ إِيَّاهُمْ إِيَّاهُ لَيْسَ فِيهِ طَلَبٌ مِنْهُمْ لِلْأَمَانِ بِهِ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ ، فَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ ذَلِكَ الدُّخُولُ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ ، فَيَعُودُ مَعْنَى مَا كَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، لِمَا كَانَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ. فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُ عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] عَلَى الصَّيْدِ ، لَا عَلَى مَا سِوَاهُ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ مِنْهُ بِاللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ، لَكَانَتْ: وَمَا دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا؛ لِأَنَّ: مَنْ ، لَا يَكُونُ إِلَّا لِبَنِي آدَمَ ، وَيَكُونُ لِمَنْ سِوَاهُمْ مَكَانَهَا: مَا ، كَمَا قَالَ عز وجل:{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] ، فِي أَمْثَالٍ لِهَذَا فِي الْقُرْآنِ يَطُولُ ذِكْرُهَا ، وَكَانَتْ: مَنْ ، مُسْتَعْمَلَةً فِي بَنِي آدَمَ كَقَوْلِهِ عز وجل:{وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} [البقرة: 126]، وَكَقَوْلِهِ:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68]، وَكَقَوْلِهِ: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ
⦗ص: 381⦘
مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب: 30] ، وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا كَثِيرَةٌ ، إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا جَاءَ فِي بَنِي آدَمَ اسْتِعْمَالُ: مَا ، مَكَانَ: مَنْ ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: 3]، فِي مَعْنَى: وَوَالِدٍ وَمَنْ وَلَدَ ، فَكَانَتْ: مَا ، قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي بَنِي آدَمَ مَكَانَ: مَنْ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ اسْتِعْمَالُهُمْ إِيَّاهُ ، وَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَعْمِلُونَ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ: مَنْ ، مَكَانَ: مَا ، فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ ، فَلَمَّا كَانَتْ: مَنْ ، لِبَنِي آدَمَ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ ، كَانَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] عَلَى بَنِي آدَمَ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَدْ قَالَ بِهِ بَعْدَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَزُفَرُ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ زُفَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: " لَا يُجِيرُ الْحَرَمُ ظَالِمًا " وَكَانَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَزُفَرُ ، وَمُحَمَّدٌ ، مِمَّا وَافَقَهُمْ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لَمَّا ، قَدْ تَقَدَّمَهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، وَمِمَّا وَافَقَهُمَا فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مَا وَافَقَهُمَا فِيهِ مِنْهُ ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ خِلَافًا لَهُمْ ، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بَلُغَتِهِمْ ، وَهُمُ الْعَالِمُونَ بِمَا خُوطِبُوا بِهِ فِيهِ ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.