الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا فِيهِ نَفْيُ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِنَوْمِهِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي يُنْتَقَضُ فِيهَا وُضُوءُ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ لِنَوْمِهِ كَذَلِكَ
3429 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَهْلٍ الْكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّالِانِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ثُمَّ نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ أَوْ جَالِسٌ حَتَّى غَطَّ أَوْ نَفَخَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَقُلْتُ:" يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّكَ قَدْ نِمْتَ ، فَقَالَ: " إِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ "
⦗ص: 50⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا فِيهِ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ فِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ أَنَّ نَوْمَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْهُ قَدْ نَقَضَ وُضُوءَهُ حَتَّى قَالَ لَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ: " يَا رَسُولَ اللهِ ،
⦗ص: 51⦘
إِنَّكَ قَدْ نِمْتَ " ، وَإِذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهُ يُنْتَقَضُ لِذَلِكَ كَانَ نَوْمُ غَيْرِهِ بِمِثْلِهِ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ مُنْتَقِضًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ جَوَابًا لَهُ إِيَّاهُ وَتَعْلِيمًا مِنْهُ لَهُ: " إِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا " ، وَأَخْبَرَهُ بِالْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِذَلِكَ ، وَهِيَ اسْتِرْخَاءُ مَفَاصِلِهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ وَاللهُ أَعْلَمُ تَعْلِيمًا مِنْهُ إِيَّاهُ ، وَحُكْمُ سَائِرِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ فِي نَفْسِهِ وَحَتَّى يُعَلِّمَهُ النَّاسَ سِوَاهُ ، فَأَمَّا حُكْمُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَمُخَالِفٌ لِذَلِكَ ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
3430 -
وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنَّةٍ مُعَلَّقَةٍ قَالَ: فَوَصَفَ وُضُوءَهُ وَجَعَلَ يُقَلِّلُهُ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَامَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَصَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ شِمَالِهِ ، فَأَخْلَفَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ، فَصَلَّى ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ، ثُمَّ أَتَى بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصُّبْحِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
⦗ص: 52⦘
فَقَالَ قَائِلٌ: فَابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا خَاطَبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ لَهُ: " إِنَّكَ قَدْ نِمْتَ " فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ إِيَّاهُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدْ ذُكِرَ فِيهِ ذَلِكَ؟ ، فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاللهُ أَعْلَمُ لِيُعَلِّمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ النَّوْمِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمِهِ فِي نَفْسِهِ وَفِي سَائِرِ النَّاسِ سِوَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسِوَاهُ وَأَنَّ بِهِ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ مَا لَيْسَ بِهِ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى عِلْمِ حُكْمِ نَوْمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ فَعَلَّمَهُ مَا بِهِ الْحَاجَةُ إِلَى عِلْمِهِ ، وَأَرْجَأَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِهِ إِلَيْهِ مِنَ الْحَاجَةِ لِيُعَلِّمَهُ إِيَّاهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا بِقَوْلٍ يَكُونُ مِنْهُ لَهُ فِيهِ ، وَإِمَّا بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ بِمَحْضَرِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ ثُمَّ يُصَلِّي ، وَلَا يَتَوَضَّأُ فَنَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ خِلَافُ حُكْمِ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ يَحْتَمِلُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي نَامَ عَلَيْهَا بِمُشَاهَدَةِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي حَدِيثِ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا ذُكِرَ فِيهِ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ عَلَى حَالِ الِاضْطِجَاعِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَحْدَثَهُ ، فَيَكُونُ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَمَعَ بِقَوْلِهِ لَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَبِفِعْلِهِ بِمُشَاهَدَتِهِ مِنْهُ الْمَذْكُورَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ كُرَيْبٍ جَوَابَ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَانَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى وَقَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى تَبَايُنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرِ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ النَّوْمِ عَلَى تِلْكَ
⦗ص: 53⦘
الْحَالِ أَنَّهُ يَنْقُضُ وُضُوءَ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقَضُ وُضُوءَهُ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ الْتَمَسْنَا الْمَعْنَى الَّذِي أَبَانَهُ اللهُ عز وجل بِهِ فِي ذَلِكَ عَنْ سَائِرِ أُمَّتِهِ حَتَّى اخْتَلَفَ حُكْمُهُ ، وَأَحْكَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ؟
3431 -
فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ ، سَأَلَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ:" كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ؟ " فَقَالَتْ: " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا " قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ " فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي " فَوَقَفْنَا بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ ، وَإِنْ نَامَتْ عَيْنَاهُ لَمْ يَنَمْ قَلْبُهُ ، وَإِذَا كَانَ قَلْبُهُ لَا يَنَامُ ، وَإِنْ نَامَتْ عَيْنَاهُ لَمْ تَسْتَرْخِ
⦗ص: 54⦘
مَفَاصِلُهُ ، وَإِذَا لَمْ تَسْتَرْخِ مَفَاصِلُهُ بِذَلِكَ النَّوْمِ لَمْ يُنْتَقَضْ بِهِ وُضُوءُهُ ، وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ انْتِقَاضَ وُضُوءِ غَيْرِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ النَّوْمِ إِنَّمَا كَانَ لِاسْتِرْخَاءِ مَفَاصِلِهِ ، فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ عز وجل وَنِعْمَتِهِ جَمِيعُ مَعَانِي هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي رُوِّينَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَبَانَ اللهُ عز وجل بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِمَا أَبَانَهُ بِهِ فِيهَا عَنْ سَائِرِ أُمَّتِهِ سِوَاهُ ، حَتَّى بَقِيَ لَهُ وُضُوءُهُ مِنْ نَوْمِهِ ، وَحَتَّى انْتُقِضَ وُضُوءُ مَنْ سِوَاهُ مِنْ أُمَّتِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ النَّوْمِ ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.