الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي لَعْنِ الرَّجُلِ أَخَاهُ
3706 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ ، عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ جَرْوَلٍ ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ ، وَكَانَ صَدِيقًا لِابْنِ مَسْعُودٍ ، فَأَتَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ فَلَمْ يُوَافِقْهُ فِي أَهْلِهِ ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَى أَهْلِهِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ ، وَاسْتَسْقَاهُمْ مِنَ الشَّرَابِ ، فَبَعَثَتِ الْمَرْأَةُ الْخَادِمَ إِلَى الْجِيرَانِ فِي طَلَبِ الشَّرَابِ ، فَاسْتَبْطَأَتْهَا فَلَعَنَتْهَا ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ وَجَلَسَ فِي جَانِبِ الدَّارِ ، وَجَاءَ أَبُو عُمَيْرٍ فَقَالَ:" يَرْحَمُكَ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَهَلْ يُغَارُ عَلَى مِثْلِكَ؟ أَلَا دَخَلْتَ عَلَى ابْنَةِ أَخِيكَ فَسَلَّمْتَ عَلَيْهَا ، وَأَصَبْتَ مِنَ الشَّرَابِ؟ قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ ، قَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ ، فَسَلَّمْتُ وَاسْتَسْقَيْتُهُمْ ، فَإِمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَرَابٌ ، وَإِمَّا رَغِبُوا فِيمَا عِنْدَهُمْ ، فَبَعَثَتِ الْمَرْأَةُ الْخَادِمَ إِلَى الْجِيرَانِ فِي طَلَبِ الشَّرَابِ ، فَاسْتَبْطَأَتْهَا فَلَعَنَتْهَا ، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللَّعْنَةَ إِذَا وُجِّهَتْ تَوَجَّهَتْ إِلَى مَنْ وُجِّهَتْ إِلَيْهِ ، فَإِنْ وَجَدَتْ عَلَيْهِ سَبِيلًا ، أَوْ وَجَدَتْ مَسْلَكًا دَخَلَتْهُ ، وَإِلَّا جَأَرَتْ إِلَى رَبِّهَا عز وجل فَقَالَتْ: يَا رَبِّ ، إِنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا وَجَّهَنِي إِلَى فُلَانٍ ، وَإِنِّي لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ سَبِيلًا ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مَسْلَكًا ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَيُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ " ، فَخِفْتُ
⦗ص: 326⦘
أَنْ تَكُونَ الْخَادِمُ مَعْذُورَةً ، فَتَرْجِعَ اللَّعْنَةُ فَأَكُونُ سَبِيلَهَا ، فَذَلِكَ الَّذِي أَخْرَجَنِي " وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا الْكَيْسَانِيُّ فِي حَدِيثِهِ هَذَا بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبَيْنَ الْعَيْزَارِ أَحَدًا ، وَالْعَيْزَارُ فَرَجُلٌ قَدِيمٌ ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَخْذِهِ إِيَّاهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْهُ ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ.
3707 -
فَوَجَدْنَا إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَيْزَارُ بْنُ جَرْوَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُمَيْرٍ ، وَكَانَ صَدِيقًا لِعَبْدِ اللهِ ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللَّعْنَةَ إِذَا
⦗ص: 327⦘
هِيَ وُجِّهَتْ إِلَى أَحَدٍ تَوَجَّهَتْ ، فَإِنْ وَجَدَتْ عَلَيْهِ سَبِيلًا ، أَوْ وَجَدَتْ فِيهِ مَسْلَكًا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى رَبِّهَا عز وجل ، فَقَالَتْ: أَيْ رَبِّ ، إِنَّ فُلَانًا وَجَّهَنِي إِلَى فُلَانٍ ، وَإِنِّي لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ سَبِيلًا ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مَسْلَكًا ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ:" ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ " فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْعَيْزَارَ إِنَّمَا أَخَذَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ هَذَا ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا لَعَنَ الْإِنْسَانَ فَكَانَ الْمَلْعُونُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ سَلَكَتْ فِيهِ لَعْنَتُهُ ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي كَانَتْ مِنْهُ ، فَسَلَكْتُ فِيهِ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِّيتَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْكَ فِي كِتَابِكَ هَذَا فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتْ بَعِيرَهَا ، وَفِي الرَّجُلِ الَّذِي لَعَنَ بَعِيرَهُ ، أَمَرَهُ أَنْ لَا يَصْحَبَهُ ذَانِكَ الْبَعِيرَانِ لِأَنَّهُمَا صَارَا مَلْعُونَيْنِ؛ وَلَأَنَّ اللَّعْنَ مِنَ اللَّاعِنِ دُعَاءٌ عَلَى مَنْ لَعَنَهُ ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُوَافِقَ مِنَ اللهِ عز وجل سَاعَةً نِيلَ فِيهَا عَطَاؤُهُ ، فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ لَاعِنَيْ نَاقَتَيْهِمَا قَدْ وَافَقَا مِنَ اللهِ عز وجل تِلْكَ السَّاعَةَ ، فَعَادَتْ نَاقَتَاهُمَا إِلَى مَا عَادَتَا إِلَيْهِ مِنَ الطَّرْدِ وَالْإِبْعَادِ ، وَهُمَا فَلَا ذَنْبَ لَهُمَا ، وَلَمْ تَعُدِ اللَّعْنَةُ إِلَى اللَّاعِنِ ، فَتَسْلُكَ فِيهِ إِذًا لَمْ تَجِدْ مَسْلَكًا فِي النَّاقَتَيْنِ الْمَلْعُونَتَيْنِ ، وَهَذَا تَضَادٌّ شَدِيدٌ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ اللَّعْنَ لِلْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا ذُنُوبَ لَهَا ، وَلَا تَعَبُّدَ عَلَيْهَا يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ عَلَيْهَا بِاللَّعْنِ ، فَيُرَدُّ
⦗ص: 328⦘
ذَلِكَ الدُّعَاءُ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُ عُقُوبَةً عَلَيْهِ ، فَيُمْنَعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِمَا لَعَنَهُ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهِ ، وَأَمَّا مَا لَعَنَهُ بِهَا ، فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، بَلْ قَدْ عَادَ مَحْمُولًا عَنْهُ الِاسْتِعْمَالُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَاللَّعْنُ لِلْإِنْسَانِ لَعْنٌ لِمَنْ هُوَ مُتَعَبَّدٌ ، وَلِمَنْ قَدْ يَكُونُ مِنْهُ الْأَخْلَاقُ الْمَذْمُومَةُ ، الَّتِي يَكُونُ بِهَا مَلْعُونًا ، فَيَكُونُ مَنْ لَعَنَهُ غَيْرَ مُعَنَّفٍ فِي لَعْنِهِ إِيَّاهُ ، لِأَنَّ اللهَ عز وجل قَدْ لَعَنَ الظَّالِمِينَ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ:{أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] . وَلَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُنُوتِهِ فِي الصَّلَاةِ مَنْ لَعَنَ فَقَالَ: " اللهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ ، وَرِعْلًا ، وَذَكْوَانَ ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ ". فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَنَائِهِمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَإِنْ كَانَ الْمَلْعُونُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَاعِنَهُ مِمَّنْ قَدْ سَبَّهُ بِأَكْثَرَ مَا يَسُبُّ بِهِ أَحَدٌ ، فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ الْعُقُوبَةَ عَلَى سَبِّهِ إِيَّاهُ ، فَجَعَلَ اللهُ عز وجل عُقُوبَتَهُ عَلَى ذَلِكَ عَوْدَ اللَّعْنَةِ إِلَيْهِ ، وَسُلُوكَهَا فِيهِ ، حَتَّى يَكُونَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَ مِنَ الَّذِي لَعَنَهُ أَنْ يَكُونَ بِهِ بِلَعْنِهِ إِيَّاهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.