الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ " طَفَّ الصَّاعُ
"
3456 -
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيَشَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:" مَاتَ أَخٌ لِي وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ ، فَخَطَبَ إِلَيَّ أَخٌ لَهُ لِأُمِّهِ ، فَأَتَيْتُهَا فَقُلْتُ: لَا تَزَوَّجِي فُلَانًا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَمَرَّ بِي فَقَالَ: " يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ ، طَفَّ الصَّاعُ "
3457 -
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، وَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيَشَانِيِّ قَالَ: تُوُفِّيَ أَخٌ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ أَبِيهِ وَتَرَكَ أَخًا مِنْ أُمِّهِ ، فَنَكَحَ امْرَأَتَهُ ، فَغَضِبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهَا فَوَقَفَ عَلَيْهَا فَقَالَ:" أَنَكَحْتِ ابْنَ الْأَمَةِ؟ " فَرَدَّدَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ:" أَصْلَحَكَ اللهُ ، إِنَّهُ كَانَ أَخَا زَوْجِي ، وَكَانَ أَحَقَّ بِي ، يَضُمُّنِي وَوَلَدَهُ " فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ حَتَّى وَقَّفَهُ ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِهِ فَقَالَ:" يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ طَفَّ الصَّاعُ ، طَفَّ الصَّاعُ ، طَفَّ الصَّاعُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ تَصْحِيحُ هَذَيْنِ الْإِسْنَادَيْنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَدْخُلَ فِي إِسْنَادِهِ بِرِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِيَّاهُ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي رَوَاهُ بِهِ سَالِمُ بْنُ أَبِي سَالِمٍ ، وَأَنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِرِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي رَوَاهُ بِهِ أَبُو سَالِمٍ ، فَيَعُودَ إِسْنَادُهُ إِلَى سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ ،
⦗ص: 80⦘
عَنْ أَبِي سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَا فِيهِ مِمَّا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ أَجْلِهِ مَا قَالَهُ لَهُ فِيهِ ، فَوَجَدْنَا أَبَا الدَّرْدَاءِ قَدْ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْغَضَبِ عَلَى زَوْجَةِ أَخِيهِ الْمُتَوَفَّى مَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهَا لَمَّا نَكَحَتْ أَخَاهُ لِأُمِّهِ الَّذِي كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً ، مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعُدُّونَهُ نَقْصًا فِي مَنْ كَانَ كَذَلِكَ ، وَيَعُدُّونَ مَنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَوْقَهُ ، وَمِنْ وَعِيدِهِ لَهَا عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا أَوْعَدَهَا عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ مَنَعَ الْإِسْلَامُ مِنْهُ ، إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ أَمَرَ بِتَرْكِ الِافْتِخَارِ بِالْأَنْسَابِ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْتَخِرُونَ بِهَا ، وَيَعْلُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ أَجْلِهَا ، وَأَعْلَمَهُمْ بِتَسَاوِي النَّاسِ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَا يَفْضُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ.
3458 -
مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا ، مُؤْمِنٌ تَقِيُّ ، أَوْ فَاجِرٌ شَقِيُّ ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ عز وجل مِنَ الْجُعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ "
⦗ص: 81⦘
فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْفَخْرَ الَّذِي لِبَنِي آدَمَ مِمَّا يَكُونُ بَعْضُهُمْ أَعْلَى بِهِ عَلَى بَعْضٍ إِلَى التَّقِيِّ الَّذِي يَكُونُ فِي مُؤْمِنِهِمْ ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ أَعْلَى مِنْ فَاجِرِهِمُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ بِفُجُورِهِ الشَّقَاءُ ، وَكَانَ قَوْلُهُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ ذَلِكَ " طَفَّ الصَّاعُ " مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ; لِأَنَّ طَفَّ الصَّاعُ الْمُرَادُ بِهِ التَّقْصِيرُ عَنْ مِلْءِ الصَّاعِ ، وَالتَّسَاوِي فِيهِ ، وَجَمْعِهِ لِلنَّاسِ جَمِيعًا ، وَتَبَايُنِهِمْ فِي ذَلِكَ بِمَا بَايَنَ اللهُ عز وجل بِهِمْ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي رَفَعَ بِهَا الدَّرَجَاتِ لِأَهْلِهَا ، وَجَعَلَهُمْ بِذَلِكَ بِخِلَافِ أَضْدَادِهِمْ مِمَّنْ مَعَهُ الْأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ ، وَالِاخْتِيَارَاتُ الْقَبِيحَةُ ، وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ حَدِيثٌ زَائِدٌ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْبَابِ.
3459 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ،
⦗ص: 82⦘
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَسَابٍ عَلَى أَحَدٍ ، إِنَّمَا أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ ، طَفَّ الصَّاعِ لَمْ تَمْلَئُوهُ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلَّا بِدِينٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ ، بِحَسْبِ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا بَذِيئًا بَخِيلًا جَبَانًا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ الطَّفُّ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ هُوَ النُّقْصَانُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ عز وجل:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] أَيِ: الْمُنْقِصِينَ فِي الْكَيْلِ ، فَمِنْ ذَلِكَ انْتِقَاصُ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخَا أَخِيهِ لِأُمِّهِ ، بِمَا انْتَقَصَهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ ابْنُ أَمَةٍ ، حَتَّى خَاطَبَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِهِ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا. وَقَدْ حَدَّثَنَا وَلَّادٌ النَّحْوِيُّ عَنِ الْمَصَادِرِيِّ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ:" الْمُطَفِّفُ: الَّذِي لَا يُوَفِّي عَلَى النَّاسِ مِنَ النَّاسِ " فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
⦗ص: 83⦘
وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِهِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَجَازَهُ لَنَا عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الطَّفُّ: أَنْ يَقْرُبَ الْإِنَاءُ مِنَ الِامْتِلَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْتَلِئَ ، يُقَالَ: هَذَا طَفُّ الْمِكْيَالِ ، وَطِفَافُهُ إِذَا كَرَبَ أَنْ يَمْلَأَهَ ، وَمِنْهُ التَّطْفِيفُ فِي الْكَيْلِ ، إِنَّمَا هُوَ نُقْصَانُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ نِهَايَةُ الشَّرَفِ بَعْدَ ذَلِكَ الَّذِي يَتَفَاضَلُ فِيهِ أَهْلُ الْأَعْمَالِ الْمَحْمُودَةِ وَالِاخْتِيَارَاتِ الْعَالِيَةِ تَفَاضُلُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَمَاكِنِهِمْ مَعَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ بِخَيْرِ خَلْقِ اللهِ عز وجل وَصَفْوَتِهِ مِنْ عِبَادِهِ ، وَاخْتِيَارِهِ لِرِسَالَتِهِ وَالتَّبْلِيغِ عَنْهُ ، فَيَكُونُ مَعَهُ بِاكْتِسَابِهِ لِنَفْسِهِ الْأُمُورَ الْمَحْمُودَةَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ مَعَهُ مِثْلُ ذَلِكَ ، لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَفَهُ اللهُ عز وجل بِهِ ، وَأَثَابَهُ بِهِ عَنْ مَنْ سِوَاهُ مِنْ ذَوِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا " ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ عُقِلَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُلُوُّ مَرْتَبَةِ الْفِقْهِ ، وَجَلَالَةِ مَقَادِيرِ أَهْلِهِ ، وَعُلُوِّهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهُ ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.