الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَصْفِيرِ اللِّحْيَةِ مِنْ كَرَاهَةٍ ، وَمِنْ إِبَاحَةٍ ، وَمِنِ اسْتِحْسَانٍ لِذَلِكَ ، وَتَقْدِيمٍ لَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الْعَشَرَةَ الْأَشْيَاءَ
الَّتِي كَانَ يَكْرَهُهَا ، وَفِيهَا الصُّفْرَةُ ، وَهِيَ مِنْ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ ، مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ كَرَاهَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلصُّفْرَةِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، ثُمَّ أُمِرَ بِخِلَافِهِمْ ، فَخَضَبَ بِالصُّفْرَةِ أَيْضًا ، كَذَلِكَ كَانَ يَكْرَهُهَا ، كَمَا كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَكْرَهُونَهَا ، حَتَّى أُمِرَ بِخِلَافِهِمْ فَخَضَبَ بِالصُّفْرَةِ ، فَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِيهَا.
3693 -
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا ، أَخْبَرَهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، رَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ؟ فَقَالَ: " إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِهَا ، فَأَنَا
⦗ص: 311⦘
أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا "
3694 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ "
3695 -
وَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ:
⦗ص: 312⦘
حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ:" رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا أَيْضًا اسْتِعْمَالُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصُّفْرَةَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا صلى الله عليه وسلم فِي اسْتِحْسَانِهِ إِيَّاهَا ، وَتَفْضِيلِهِ إِيَّاهَا عَلَى غَيْرِهَا.
3696 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَشِيِّ ، عَنِ ابْنَيْ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِمَا طَاوُسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ قَدْ خَضَبَ لِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ ، فَقَالَ: " مَا أَحْسَنَ هَذَا " ، ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ بَعْدَهُ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ فَقَالَ: " هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْأَوَّلِ " ، وَمَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ قَدْ خَضَبَ بِصُفْرَةٍ فَقَالَ: " هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ " ، وَكَانَ طَاوُسٌ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ
⦗ص: 313⦘
3697 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ حُمَيْدٍ ، هَكَذَا قَالَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ بِإِسْنَادِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: وَكَانَ طَاوُسٌ يَخْضِبُ ، وَغَيْرَ أَنَّهُ قَالَ مَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ الرَّبِيعِ عَنِ ابْنَيْ طَاوُسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بَنُو طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِمْ
3698 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: وَكَانَ طَاوُسٌ يَخْضِبُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الصُّفْرَةِ عَلَى مَا سِوَاهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُغَيَّرُ بِهَا الشَّيْبُ ، وَكُلُّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُغَيَّرُ بِهَا الشَّيْبُ مِنْ حُمْرَةٍ ، وَمِنْ صُفْرَةٍ ، فَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ بِإِبَاحَتِهَا ، وَأَمَّا تَغْيِيرُهُ بِالسَّوَادِ ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي قِصَّةِ أَبِي قُحَافَةَ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُمْ أَنْ يُجَنِّبُوهُ السَّوَادَ. فَنَظَرْنَا فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَرِهَ السَّوَادَ.
3699 -
فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، عَنْ
⦗ص: 314⦘
عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَفَعَهُ قَالَ:" يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ ، لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ " فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إِنَّمَا كَانَتْ لِذَلِكَ ، لِأَنَّهُ أَفْعَالُ قَوْمٍ مَذْمُومِينَ ، لَا لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَرَامٌ ، وَقَدْ خَضَبَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالسَّوَادِ ، مِنْهُمْ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ.
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي عُشَانَةَ قَالَ: " كَانَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ ، وَيَقُولُ:
[البحر الطويل]
نُسَوِّدُ أَعْلَاهَا وَتَأْبَى أُصُولُهَا
…
وَلَا خَيْرَ فِي الْأَعْلَى إِذَا فَسَدَ الْأَصْلُ
" وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
⦗ص: 315⦘
قُلْتُ لِابْنِ لَهِيعَةَ ، أَحَدَّثَكُمْ أَبُو عُشَانَةَ ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عُشَانَةَ ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي عُشَانَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ أَبِي عُشَانَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَمْ يَسْمَعِ ابْنُ لَهِيعَةَ مِنَ اللَّيْثِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ الْجُدِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:" دَخَلْتُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ ، وَهُوَ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ ، وَقَدِ اخْتَضَبَ بِالسَّوَادِ "
وَكَمَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ
⦗ص: 316⦘
عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَيْزَارُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه مُطْرَفًا مِنْ خَزٍّ ، وَقَدْ خَضَبَ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ " فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ إِنَّمَا كُرِهَ خَوْفًا مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْمَذْمُومِينَ ، لَا لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَرَامٌ ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.