الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يَقُولَنَّ أحدكم: اللَّهم اغفر لي إن شئت، اللَّهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليُعظِّم الرغبة فإن اللَّه لا يتعاظمُهُ شيءٌ إلا أعطاه)) (1).
المبحث الثاني: موانع إجابة الدعاء
المانع: لغة: الحائل بين الشيئين، واصطلاحاً: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود، ولا عدم لذاته، عكس الشرط (2).
ومن هذه الموانع ما يأتي:
المانع الأول: التوسع في الحرام:
أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذية (3).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، إن اللَّه طيّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وإن اللَّه تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (4)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
(1) البخاري، برقم 339، ومسلم، واللفظ له، برقم 2679.
(2)
الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز رحمه الله، ص12، وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد رحمه الله ص7.
(3)
جامع العلوم والحكم، 1/ 277.
(4)
سورة المؤمنون، الآية:51.
كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (1)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُهُ حرامٌ، ومشربُهُ حرامٌ، وملبسُهُ حرامٌ، وغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك)) (2)، وقد قيل كما ذكر ابن رجب ‘ في معنى هذا الحديث: إن اللَّه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها: كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً؛ فإن الطيب توصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات (3)، والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات، والابتعاد عن الخبائث والمحرمات، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذيةً، ولهذا كان الصحابة، والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال، ويبتعدوا عن الحرام، فعن عائشة ’ قالت:((كان لأبي بكر غلامٌ يُخرج له الخراجَ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه (4)، فجاء يوماً بشيء، فأكله أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهلية، وما أُحسِنُ الكِهانةَ، إلا أني خَدعتُهُ
(1) سورة البقرة، الآية:172.
(2)
مسلم، برقم 1015.
(3)
جامع العلوم والحكم، 1/ 259.
(4)
أي يأتيه بما يكسبه، والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه. الفتح، 7/ 154.
فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده (1)، فقاءَ كلَّ شيء في بطنه)) (2)، ورُوي في رواية لأبي نُعيم في الحلية، وأحمد في الزهد:((فقيل له يرحمك اللَّه، كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟ قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ جسد نبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به))، فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة (3).
ففي حديث الباب أن هذا الرجل الذي قد توسع في أكل الحرام، قد أتى بأربعة أسباب من أسباب الإجابة:
الأول: إطالة السفر.
والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((ربَّ أشْعَثَ (4) مدفوع بالأبواب لو أقسم على اللَّه لأبره)) (5).
والثالث: يمد يديه إلى السماء ((إن اللَّه حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين)) (6).
(1) فأدخل أبو بكر يده: أي أدخلها في حلقه.
(2)
البخاري، برقم 3842، مع الفتح، 7/ 149.
(3)
أخرجه أبو نعيم في الحلية، 1/ 31، وأحمد في الزهد بمعناه، ص164، وصححه الألباني في صحيح الجامع عن جابر عند أحمد، والدارمي، والحاكم. انظر: صحيح الجامع، 4/ 172.
(4)
الأشعث: الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل.
(5)
مسلم، برقم 2622.
(6)
أبو داود، برقم 1488، والترمذي، وابن ماجه 2/ 1271، وتقدم تخريجه في فضل الدعاء.