المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الرابعفي ذكر التقدير الثالث والجنين في بطن أمه، وهو تقدير شقاوته وسعادته ورزقه وأجله وعمله وسائر ما يلقاه، وذكر الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك - شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي تقدير المقادير قبل خلق السماوات والأرض

- ‌الباب الثانيفي تقدير الرب تبارك وتعالى شقاوةَ العباد وسعادتَهم وأرزاقَهم وآجالَهم وأعمالَهم قبل خلقهم، وهو تقدير ثانٍ بعد التقدير الأول

- ‌الباب الثالثفي ذكر احتجاج آدم وموسى في ذلك، وحكم النبي صلى الله عليه وسلم لآدم صلوات الله وسلامه عليهم

- ‌الباب الرابعفي ذكر التقدير الثالث والجنين في بطن أمه، وهو تقدير شقاوته وسعادته ورزقه وأجله وعمله وسائر ما يلقاه، وذكر الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك

- ‌الباب الخامسفي ذكر التقدير الرابع ليلة القدر

- ‌الباب السادسفي ذكر التقدير الخامس اليومي

- ‌الباب السابعفي أن سَبْق المقادير بالشقاوة والسعادة لا يقتضي ترك الأعمال، بل يقتضي الاجتهاد والحرص؛ لأنها إنما سبقت بالأسباب

- ‌الباب الثامنفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}

- ‌الباب التاسعفي قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}

- ‌المخاصمون في القدر نوعان:

- ‌الباب العاشرفي مراتب القضاء والقدر التي مَن لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر

- ‌ لفظ الإرادة في كتاب الله نوعان:

- ‌المقدور يكتنفه أمران:

- ‌الباب الحادي عشرفي ذكر المرتبة الثانية، وهي مرتبة الكتابة

- ‌الباب الثاني عشرفي ذكر المرتبة الثالثة من مراتب القضاء والقدر، وهي مرتبة المشيئة

- ‌الباب الثالث عشرفي ذكر المرتبة الرابعة من مراتب القضاء والقدر، وهي مرتبة خَلْقِ الله سبحانه الأعمالَ وتكوينِه وإيجادِه لها

- ‌الباب الرابع عشرفي الهدى والضلال ومراتبهما، والمقدور منهما للخلق وغير المقدور لهم

- ‌الباب الخامس عشرفي الطبع والختم والقفل والغَلّ والسدّ والغشاوة الحائل بين الكافر وبين الإيمان، وأن ذلك مجعول للربّ تبارك وتعالى

- ‌إن قيل: فالإضراب بـ "بل" على هذا القول الذي قوّيْتموه ما معناه

- ‌كيف يلتئم إنكاره سبحانه عليهم الانصراف والإعراض وهو منه

- ‌كيف يكون عدم السبب المقتضي موجِبًا للأثر

- ‌ما ذنب الشاة إذا خلّى الراعي بين الذئب وبينها

- ‌هل يكون الفعل مقدورًا للعبد في حال عدم مشيئة الله له أن يفعله

- ‌ما الأسباب التي تشرح الصدر، والتي تضيقه

- ‌هل يمكن اكتساب هذا النور، أم هو وَهْبي

- ‌ما ذنب من لا يصلح

- ‌الباب السادس عشرما جاء من السنة في تفرد الرب تعالى بخلق أعمال العباد كما هو متفرد بخلق ذواتهم وصفاتهم

- ‌العبد يسير إلى الله سبحانه بين مشاهدة منّته عليه ونعمه وحقوقه، وبين رؤية عيب نفسه وعمله وتفريطه وإضاعته

- ‌ العبد فقير إلى الله من كل وجه، وبكل اعتبار

- ‌الباب السابع عشرفي الكَسْب والجَبْر ومعناهما لغة واصطلاحًا، وإطلاقهما نفيًا وإثباتًا، وما دلّ عليه السمع والعقل من ذلك

- ‌ هل يقال: إن الإنسان فاعل على الحقيقة

- ‌الباب الثامن عشرفي فَعَل وأفعلَ في القضاء والقدر والكسب، وذكر الفعل والانفعال

- ‌ الربّ تعالى فاعلٌ غير مُنْفعِل، والعبد فاعل مُنْفعِل

- ‌الباب التاسع عشرفي ذِكْر مناظرة جرت بين جبريّ وسنّي جمعهما مجلس مذاكرة

- ‌ ما يصدر عن العبد من الأفعال ينقسم أقسامًا متعددة، بحسب قدرته وعلمه وداعيه وإرادته:

الفصل: ‌الباب الرابعفي ذكر التقدير الثالث والجنين في بطن أمه، وهو تقدير شقاوته وسعادته ورزقه وأجله وعمله وسائر ما يلقاه، وذكر الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك

‌الباب الرابع

في ذكر التقدير الثالث والجنين في بطن أمه، وهو تقدير شقاوته وسعادته ورزقه وأجله وعمله وسائر ما يلقاه، وذكر الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك

(1)

عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ وهو الصادق المصدوق ــ: "إنَّ أحدكم يُجمَعُ خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه المَلك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكَتْب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره؛ إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" متفق عليه

(2)

.

وعن حذيفة بن أَسِيد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل المَلَك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة، فيقول: يا ربِّ، أشقي أم سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي ربِّ، أذكر أم أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثم تُطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص" رواه

(1)

ينظر: "تهذيب السنن"(3/ 195 - 205).

(2)

البخاري (3208)، ومسلم (2643).

ص: 63

مسلم

(1)

.

وعن عامر بن واثلة، أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد مَن وُعِظ بغيره. فأتى رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: حذيفة بن أَسِيد الغفاري، فحدَّثه بذلك من قول ابن مسعود فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مرّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصوّرها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا ربِّ، أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب المَلَك، ثم يقول: يا ربِّ، أجله؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب المَلَك، ثم يقول: يا ربِّ، رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب المَلَك، ثم يخرج المَلَك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص".

وفي لفظ آخر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذنيَّ هاتين يقول: "إن النطفة تقع في الرَّحم أربعين ليلة، ثم يتسوّر عليها المَلَك" ــ قال زهير بن معاوية: أحسبه قال: "الذي يخلقها" ــ "فيقول: يا ربِّ، أذكر أم أنثى؟ فيجعله الله ذكرًا أو أنثى، ثم يقول: يا ربِّ، سَوِيّ أو غير سَوِيّ؟ فيجعله الله سَويًّا أو غير سَوِيٍّ، ثم يقول: يا ربِّ، ما رزقُه، وما أجَلُه، وما خُلُقُه؟ ثم يجعله الله عز وجل شقيًا أو سعيدًا".

وفي لفظ آخر: "إن ملَكًا موكلًا بالرحم، إذا أراد الله أن يخلق شيئًا بإذن الله، لبضعٍ وأربعين ليلة" ثم ذكر نحوه.

(1)

برقم (2644).

ص: 64

وهذا الحديث بطرقه انفرد به مسلم

(1)

.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل قد وكَّل بالرحم ملكًا، فيقول: أي ربِّ، نطفةً. أي ربِّ، علقة. أي ربِّ، مضغة. فإذا أراد الله أن يقضي خلقًا، قال المَلَك: أي ربِّ، ذكر أو أنثى، شقي أو سعيد، فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه" متفق عليه

(2)

.

وقال ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن عبد الرحمن [بن]

(3)

هنيدة حدثهم، أن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله أن يخلق النَّسَمة، قال مَلَك الأرحام مُعْرِضًا

(4)

: يا ربِّ، أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله أمره، ثم يقول: يا ربِّ، شقي أم سعيد؟ فيقضي الله أمره، ثم يكتب بين عينيه ما هو لاقٍ حتى النكبة ينكبها"

(5)

.

قال ابن وهب: وأخبرني عبد الله بن لَهِيعة، عن بكر بن سوادة الجُذَامي، عن أبي تميم الجَيْشاني، عن أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخَلَتْ ــ يعني

(1)

برقم (2645).

(2)

البخاري (6595)، ومسلم (2646) واللفظ له.

(3)

زيادة لازمة، سقطت من "د""م".

(4)

"م": "معها" تحريف، وسقطت من "د"، والمثبت من مصدر الخبر، وفي بعض الطرق:"معترضًا" وفي أخرى: "وهو معرض"، جميعها بمعنى، انظر:"النهاية في الغريب"(عرض)(3/ 215).

(5)

"القدر" لابن وهب (30) ـ ومن طريقه ابن حبان (6178) ـ، وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(183)، واختلف عن الزهري فيه وقفًا ورفعًا، وصحح الدارقطني رفعه في "العلل"(13/ 133).

ص: 65

النطفة ــ في الرحم أربعين، أتى ملك النفس فعرج إلى الربِّ، فقال: يا ربِّ، عبدك أذكر أو أنثى؟ فيقضي الله بما هو قاض. أشقي أم سعيد؟

(1)

فيكتب ما هو كائن"، وذكر بقية الحديث

(2)

.

وقال ابن وهب: أخبرني ابن لَهِيعة، عن كعب بن علقمة، عن عيسى بن هلال، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: "إذا مكثت النطفة في رحم المرأة أربعين ليلة، جاءها ملك فاختلجها

(3)

، ثم عرج بها إلى الله عز وجل، فقال: اخْلُقْ يا أحسن الخالقين. فيقضي الله فيها بما يشاء من أمره، ثم تُدْفَع إلى الملك، فيسأل الملك

(4)

عند ذلك فيقول: يا ربِّ، أسَقَطٌ أم يَتِمّ؟ فيبيِّنُ له، ثم يقول: يا ربِّ، أواحد أو توأم؟ فيبيِّنُ له، ثم يقول: يا ربِّ، أذكر أم أنثى؟ فيبيِّنُ له، ثم يقول: يا ربِّ، أناقص الأجل أم تام الأجل؟ فيبيِّنُ له، ثم يقول: يا ربِّ، اقْطَعْ رزقه مع خلقه

(5)

. فيقضيهما جميعًا

(6)

، فوالذي نفس

(1)

هكذا في "د""م"، متابعة لما في مصدر الرواية الآتي، وفي "القدر" للفريابي (123):"ثم يقول: يارب، أشقي أم سعيد؟ ".

(2)

"القدر" لابن وهب (36)، والدارمي في "الرد على الجهمية"(94)، وأخرجه من طرق عن ابن لهيعة موقوفًا: ابن سلام في "التفسير"(1/ 355)، والفريابي في "القدر"(123)، ولا يصح إسناده، مداره على ابن لهيعة، وفي لفظه ما يُسْتنكر، وقد اضطرب في رفعه ووقفه، انظر:"الفوائد المجموعة" بتعليق المعلمي (451).

(3)

يعني نزعها وجذبها، "النهاية في الغريب"(خلج)(2/ 59).

(4)

"د": "فيسأل الله"، والمثبت من "م" موافق لمصدر الخبر.

(5)

في "القدر" للفريابي (146): "اقطع رزقه. فيقطع له رزقه مع خلقه".

(6)

الظاهر أن ضمير التثنية عائد على: رزقه وخلقه، وعند الفريابي:"فيهبط بهما جميعًا".

ص: 66

محمد بيده؛ لا ينال إلا ما قُسِم له يومئذٍ، إذا أكل رزقه قُبِض"

(1)

.

وقال عبد الله بن أحمد: أخبرنا أحمد بن العلاء، ثنا أبو الأشعث، ثنا أبو عامر، عن الزبير بن عبد الله، حدثني جعفر بن مصعب، قال: سمعت عروة بن الزبير يحدث، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله سبحانه حين يريد أن يخلق الخلق، يبعث ملكًا فيدخل الرحم، فيقول: أي ربِّ، ماذا؟ فيقول: غلام أو جارية أو ما شاء أن يخلق في الرحم. فيقول: أي ربِّ، أشقي أم سعيد؟ فيقول: شقي أو سعيد. فيقول: أي ربِّ، ما أجله؟ فيقول: كذا وكذا. فيقول: ما خلقه، ما خلائقه؟ فيقول: كذا وكذا. فما شيء إلا وهو يُخْلق معه في الرحم"

(2)

.

وفي "المسند"

(3)

من حديث إسماعيل بن عبيد الله ـ وهو ابن أبي المهاجر ـ، أن أم الدرداء حدثته، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فرغ الله عز وجل إلى كل عبد من خمس: من أجله، ورزقه، ومضجعه، وأثره، وشقي أم سعيد".

(1)

"القدر" لابن وهب (45) ـ ومن طريقه ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(1418) ـ، وأخرجه اللالكائي في "شرح أصول أهل السنة"(1236)، والفريابي (146).

(2)

أخرجه ابن راهويه في "المسند"(2/ 345)، والبزار كما في "كشف الأستار"(2151)، وإسناده منكر، آفته الزبير بن عبد الله، قال ابن عدي في "الكامل" (5/ 152) بعد أن أخرج الحديث:"وأحاديث زبير هذا منكرة المتن والإسناد، لا تروى إلا من هذا الوجه".

(3)

برقم (21723) دون لفظ: "ومضجعه"، وهو فيه من وجه آخر برقم (21722)، وأخرجه بهذا اللفظ عبد الله من طريق والده في "السنة"(859)، ورواه ابن أبي عاصم في "السنة"(307)، وصححه ابن حبان (6150).

ص: 67

وقال ابن حميد: ثنا يعقوب بن عبد الله، عن سعيد بن جبير

(1)

، عن ابن عباس قال: "إذا وقعت النطفة في الرحم مكثت أربعة أشهر وعشرًا، ثم تُنفخ فيها الروح، ثم مكثت أربعين ليلة، ثم يُبعث إليها ملكٌ، فنَقَفَها في نُقْرة القفا

(2)

، وكتب شقيًا أو سعيدًا"

(3)

.

وروى ابن أبي خيثمة: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"السعيد من سعد في بطن أمه"

(4)

.

رواه أبو داود في "القدر"

(5)

، عن عبد الرحمن، عن حماد، عن هشام

(6)

[بن حسان]، عن محمد.

(1)

كذا في "د""م": "يعقوب

عن سعيد"، سقط بينهما جعفر بن أبي المغيرة، كما في مصدر الرواية.

(2)

يعني ضربها ضربة يسيرة في الحفيرة الصغيرة الواقعة بأعلى العنق مما يلي الرأس، انظر:"المحكم" لابن سيده (نقف)(6/ 446)، "المصباح المنير"(نقر)(237).

(3)

أخرجه اللالكائي في "شرح الأصول"(1060)، وإسناده ضعيف، ابن حميد هو محمد بن حميد الرازي في حديثه نظر، وانظر:"جامع العلوم والحكم"(1/ 163).

(4)

أخرجه من طريق ابن أبي خيثمة به اللالكائي في "شرح الأصول"(1054)، ومحمد هو ابن سيرين.

(5)

وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(8465)، والبزار كما في "كشف الأستار"(2150) من طرق عن عبد الرحمن به، وصحح إسناده البوصيري في "إتحاف الخيرة"(1/ 169).

(6)

في "د": "عن هناد" تحريف، بعده بياض بمقدار كلمة، والمثبت من مصادر التخريج، وسقطت من "م" جملة: "عن هشام

محمد".

ص: 68

وقال أحمد بن عبيد: أخبرنا علي بن عبد الله بن مُبَشِّر، ثنا عبد الحميد بن بيان، ثنا خالد بن عبد الله، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من سعد في بطن أمه"

(1)

.

وقال سعيد

(2)

: عن ابن إسحاق

(3)

، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود قال:"الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وُعِظ بغيره"

(4)

.

وقال شعبة: عن مُخَارِق، عن طارق، عن عبد الله بن مسعود قال

(5)

: "إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، فاتبعوا ولا تبتدعوا، فإن الشقيَّ من شقي في بطن أمه، والسعيد من وُعِظ بغيره"، وكان عبد الله بن مسعود إذا كان ليلة الجمعة، قام فقال: "إن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أحسن الهدي هدي محمد، وإن الشقيَّ من

(1)

أخرجه من طريق أحمد بن عبيد به اللالكائي في "شرح الأصول"(1057)، ورواه مسدد كما في "إتحاف الخيرة"(1/ 169)، والآجري في "الشريعة"(366) من طرق عن خالد به، إسناده ضعيف من أجل يحيى بن عبيد الله القرشي فقد ضعفه جماعة، وفي أبيه جهالة، ويحسن بما قبله من الطرق.

(2)

كذا في "د""م": "سعيد"، صوابه:"شعبة" كما في مصادر التخريج.

(3)

كذا في "د""م": "ابن إسحاق"، صوابه:"أبي إسحاق" كما في مصادر التخريج.

(4)

أخرجه من طريق أبي داود به ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(1421)، ورواه الفريابي في "القدر"(130) من طريق آخر عن شعبة به، وهو في "صحيح مسلم"(2645) من وجه آخر عن ابن مسعود بسياق أطول.

(5)

من قوله: "الشقي من شقي" إلى هنا ساقط من "د".

ص: 69

شقي في بطن أمه، والسعيد مَن وُعِظ بغيره، وإن شرَّ الرَّوَايا رَوَايا الكذب

(1)

، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل ما هو آت قريب"، رواهن أبو داود في "القدر"

(2)

.

وذكر الطبراني من رواية أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عنه أنه كان يجيء كل يوم خميس، يقوم قائمًا لا يجلس، فيقول:"إنما هما اثنتان: فأحسن الهدي هدي محمد، وأصدق الحديث كتاب الله، وشرُّ الأمور محدثاتها، وكلُّ محدَث ضلالة، إن الشقيَّ مَن شقي في بطن أمه، وإن السعيد مَن وُعِظ بغيره، ألا فلا يطولنّ عليكم الأمد، ولا يلهينّكم الأمل، فإن كلَّ ما هو آت قريب، وإنما البعيد ما ليس آتيًا، وإن من شرار الناس بَطّال النهار جِيفة الليل، وإنّ قَتْل المؤمن كفر، وإن سِبَابه فسوق، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، ألا إن شرّ الرَّوَايا رَوَايا الكذب، وإنه لا يصلح من الكذب جدٌّ ولا هزل، ولا أن يَعِد الرجلُ صبيه ثم لا ينجزه، ألا وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الصادق يقال له: صدق وبرّ، وإن الكاذب يقال له: كذب وفجر، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العبد ليصدق فيكتب عند الله صديقًا، وإنه ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا". ألا هل تدرون ما

(1)

الرَّوَايا جمع رَوِيّة: ما يفكّر فيه الإنسان من القول والفعل، وقيل غيره، انظر:"النهاية في الغريب"(2/ 279).

(2)

أخرج شطره الأول ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(1423)، واللالكائي في "شرح الأصول"(1215) من طريق أبي داود به، وأخرج الدارمي (213) قريبًا من شطره الثاني.

والشطران في "صحيح البخاري"(6098، 7277) بسياق أخصر منه.

ص: 70

العِضَةُ؟ هي النميمة التي تفسد بين الناس"

(1)

، وهذا متواتر عن عبد الله.

وبلغ معاوية أن الوباء اشتد بأهل داب

(2)

فقال: "لو حولناهم عن مكانهم، فقال له أبو الدرداء: وكيف لك يا معاوية بأنفس قد حضرت آجالها؟! فكأنّ معاوية وَجَدَ على أبي الدرداء، فقال له كعب: يا معاوية، لا تجد على أخيك؛ فإن الله سبحانه

(3)

لم يدع نفسًا حين تستقر نطفتها في الرحم أربعين ليلة إلا كتب: خَلْقها وخُلُقها وأجلها ورزقها، ثم لكل نفس ورقة خضراء معلقة بالعرش، فإذا دنا أجلها خَلُقَت

(4)

تلك الورقة حتى تيبس، ثم تسقط، فإذا يبست سقطت تلك النفس وانقطع أجلها ورزقها"، ذكره أبو داود عن محمود بن خالد، ثنا مروان، ثنا معاوية بن سلّام، حدثني أخي زيد بن سلّام، عن جده ابن سلّام

(5)

قال: بلغ معاوية فذكره

(6)

.

وقال أبو داود: ثنا واصل بن عبد الأعلى، ثنا ابن فضيل، عن الحسن بن عمرو الفُقَيْمي، عن الحكم، عن مجاهد في قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ

(1)

"المعجم الأوسط"(7871)، و"الكبير"(8522)، وأخرجه معمر في "الجامع"(20076)، والبغوي في "شرح السنة"(3575)، وروى مسلم (2606) تعريف العضة وبعض المرفوع منه، وقد جمع الطبراني في "الكبير" (9/ 98 - وما بعدها) طرق هذه الخطبة وألفاظها في عنوان مستقل:"خطبة ابن مسعود ومن كلامه".

(2)

كذا في "د""م" و"الإبانة"، ولم أهتد إليها.

(3)

من قوله: "وكيف لك يا معاوية" إلى هنا ساقط من "د".

(4)

أي أصبحت قديمة بالية، انظر:"الصحاح"(خلق)(4/ 1472).

(5)

كذا في "د""م": "ابن سلام" تحريف، صوابه:"أبي سلام"، وهو أبو سلام ممطور الحبشي، انظر:"تهذيب الكمال"(28/ 484)، ووقع على الوجه في "الإبانة".

(6)

ومن طريق أبي داود أخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(1817).

ص: 71

طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]، قال:"ما من مولود يولد إلا في عنقه ورقة مكتوب فيها: شقيٌّ أو سعيد"

(1)

.

وفي "الصحيحين"

(2)

عن أُبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغلام الذي قتله الخضر طُبِع يوم طُبِع كافرًا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا".

وفي "صحيح مسلم"

(3)

عن عائشة قالت: توفي صبيٌّ من الأنصار، فقلت: طوبى له، عصفور من عصافير الجنّة، لم يعمل السوء ولم يدركه. فقال:"أو غير ذلك يا عائشة! إن الله خلق للجنة أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم".

ولا يناقض هذا حديث سمرة بن جندب، الذي رواه البخاري في "صحيحه"

(4)

من رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين حول إبراهيم الخليل في الروضة؛ فإن الأطفال منقسمون إلى شقي وسعيد كالبالغين، فالذين رآهم حول إبراهيم السعداء من أطفال المسلمين والمشركين، وأنكر على عائشة شهادتها للطفل المعيَّن بأنه عصفور من عصافير الجنة، وقد يكون من القسم الآخر، كالشهادة للبالغين، وبالله التوفيق.

(1)

ومن طريق أبي داود أخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(1743)، وأخرجه الطبري (14/ 520) عن واصل به.

(2)

اللفظ لـ "مسلم"(2661)، وليس بهذا السياق عند البخاري، بل بمعناه في قصة الخضر وموسى عليه السلام في عدة مواضع، انظر على سبيل المثال:(4726).

(3)

برقم (2662).

(4)

برقم (1386).

ص: 72

فاجتمعت هذه الأحاديث والآثار على تقدير رزق العبد وأجله وشقاوته وسعادته وهو في بطن أمه، واختلفت في وقت هذا التقدير، وهذا تقدير بعد التقدير الأول السابق على خلق السماوات والأرض، وبعد التقدير الذي وقع يوم استخراج الذرية بعد خلق أبيهم آدم.

ففي حديث ابن مسعود أن هذا التقدير يقع بعد مائة وعشرين يومًا من حصول النطفة في الرحم، وحديث أنس غير مؤقت، وأما حديث حذيفة بن أَسيد فقد وقَّت فيه التقدير بأربعين يومًا، وفي لفظ: بأربعين ليلة

(1)

، وفي لفظ: ثنتين وأربعين ليلة، وفي لفظ: بثلاث وأربعين ليلة، وهو حديث انفرد به مسلم ولم يروه البخاري.

وكثير من الناس يظن التعارض بين الحديثين، ولا تعارض بينهما بحمد الله؛ فإن الملك الموكل بالنطفة يكتب ما يقدره الله سبحانه على رأس الأربعين الأولى، حتى تأخذ في الطور الثاني وهو العلقة، وأما الملك الذي ينفخ فيه الروح فإنما ينفخها بعد الأربعين الثالثة، فيؤمر عند نفخ الروح فيه بكَتْب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقاوته وسعادته، وهذا تقدير آخر غير التقدير الذي كتبه الملك الموكل بالنطفة، ولهذا قال في حديث ابن مسعود:"ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات"، وأما الملك الموكل بالنطفة، فذاك راتب معها ينقلها بإذن الله من حال إلى حال، فتقدير الله سبحانه شأن النطفة حين تأخذ في مبدأ التخليق وهو العلق، وتقدير شأن الروح حين تتعلق بالجسد بعد مائة وعشرين يومًا، فهو تقدير بعد تقدير.

(1)

جملة: "وفي لفظ: بأربعين ليلة" ساقطة من "م".

ص: 73

فاتفقت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدَّق بعضها بعضًا، ودلّت كلها على إثبات القدر السابق، ومراتب التقدير، وما يؤتى أحدٌ إلا من غلط في الفهم، أو غلط في الرواية، ومتى صحَّت الرواية وفُهمت كما ينبغي تبين أن الأمر كله من مشكاة واحدة صادقة متضمنة لنفس الحق، وبالله التوفيق.

* * * *

ص: 74