الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه، واستنارته) «1» ، وإذا كان هذا الصفاء والجمال وحسن البشرة كان يوم وفاته صلى الله عليه وسلم فكيف كان أيام شبابه وفحولته صلى الله عليه وسلم؟! وأعتقد أن الصحابة قد وصفوا وجهه صلى الله عليه وسلم بالشمس أو القمر لأنهم لا يعرفون شيئا أجمل منهما، وأظن أن وجهه كان أجمل من ذلك بكثير، ولكنهم- جزاهم الله عنا خيرا- أرادوا فقط أن يمثلوا لنا الوجه الشريف بأجمل ما يعرفون.
فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
مناقب كعب بن مالك وهي:
1-
حضوره جميع الغزوات التي غزاها النبي، ما عدا غزوة بدر، وغزوة تبوك، ولم يعتب عليه في بدر؛ لأن النبي لم يعزم على الصحابة في الخروج، لأنه ما كان يريد الغزو، وإنما كان يريد عير قريش، وبذلك تكون الغزوة الوحيدة التي تخلف عنها ويلام عليها هي غزوة تبوك، قال كعب:(لم أتخلف عن رسول الله في غزوة غزاها إلا غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر) .
2-
شهوده ليلة العقبة حيث أخذ عليهم العهد والميثاق على الإسلام والجهاد في سبيل الله، وهذه الليلة كانت أعظم عند كعب، من شهوده بدرا، لقوله:(وما أحب أن لي بها مشهد بدر) .
3-
عظيم صدقه، حتى إن كان هذا الصدق ينتقص من قدره ويفضح أمره، ويظهره أكثر تقاعسا عن شهود الغزو، وذلك علمناه من:
أ- إخباره أنه ما كان في يوم أقدر استطاعة، ولا أيسر حالا عنه في غزة تبوك، حتى إنه لأول مرة في حياته يملك راحلتين، يمكن أن يستخدمها في الغزو، قال كعب:(لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة) ، فلم يكذب ويذكر مبررات لتخلفه، بل لم يكتم ما كان عليه من سعة ويسر، وهذا من عظيم صدقه.
ب- ذكره ما كان من أمره في تأخير وتسويف التجهز للغزو، ولم يذكر أيضا عذرا له في ذلك، قال كعب:(فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم) ، ونتعلم من ذلك المبادرة لأعمال الخير والطاعات، وأن تأجيلها يوما أو يومين سيؤدي في النهاية إلى عدم القيام بها، وأن هذا التأجيل من تزيين الشيطان، الذي يحرص على صد الناس عن سبيل الله.
(1) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 142) .
ويعلمنا فضيلة الأخذ بالعزيمة في العبادات، قال تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133] ، فالله- عز وجل أمرنا في الطاعات بالمسارعة، وأمرنا في أمور الدنيا بالمشي، قال تعالى: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك: 15] ، وليعلم المسلم أن الذي يكسل عن الطاعة في أول وقتها، سيكون أشد كسلا في آخر وقتها؛ لأن الشيطان استطاع أن يصده عن الوقت الفضيل، فإذا قام بالعبادة في الوقت الأخير فلن يتقنها، كالذي ينقر العصر نقرا قبل خروج وقتها بقليل، لا يتدبر من صلاته شيئا، وليعلم المسلم أن ما يسوف له الطاعة اليوم، هو معه يسوفها أكثر غدا، وليعلم أيضا، أن أداء الواجبات مع جماعة المسلمين تكون أيسر وأسهل على العبد، قال كعب:(فرجعت لم أقض شيئا، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو) .
ج- اعترافه بين يدي رسول الله، أن تخلفه لم يكن لعذر بل صدقه القول، أنه ما كان قط أقوى ولا أيسر منه حين تخلف عنه في غزوة تبوك.
4-
إذا كان هذا هو صدق كعب بن مالك، فمن المناسب أن نذكر ما جناه كعب من هذا الصدق، وذلك ليكون دافعا لنا لتحري الصدق في حياتنا كلها.
أ- تجنب سخط الرسول صلى الله عليه وسلم إن ادعى له عذرا كذب فيه، ثم أعلم الله رسوله أنه كاذب في عذره لقول كعب:(ليوشكن الله أن يسخطك علي) .
ب- نجاه الله بصدقه من الهلاك مع الذين هلكوا، وأنزل الله فيهم: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة: 95]، وقال كعب: فو الله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط، بعد إذ هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله، ألاأكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد.
ج- أنزل الله- عز وجل فيه وفي صاحبيه، قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، أثنى عليهم فيهم خير الثناء حيث وصف حزنهم لتخلفهم عن رسول الله، فقال تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ [التوبة: 118] ، وهذا الحزن من كمال الإيمان، كما وصفت الآية لجوءهم إلى الله وخروجهم من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته، ويقينهم أنه لن ينجيهم مما هم فيه إلا الله، وانقطاع أملهم ورجائهم ممن دونه، قال تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة: 118] ، وهذا أبلغ الثناء
والمدح، ثم كان الفرج في الآية، وعظيم التشريف أن الله الغني الحميد قد بدأهم بالتوبة عليهم ليتوبوا، قال تعالى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة: 118] ، وما تاب عليهم إلا بصدقهم ثم بحسن ظنهم بالله- عز وجل مع حسن التوبة.
د- تحريه الصدق بقية حياته، حتى إنه لا يرى أحدا من أصحاب الرسول، مع جلالة قدرهم، وعلو منزلتهم، كان مثله في صدق الحديث، يقول كعب:(فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني) .
هـ- ذكره الحسن في المسلمين، خاصة أهل العلم والفضل بحسن توبته وصدقه- مثل ما ذكرت له الآن- وذكره الحسن إن شاء الله تعالى في الآخرة بصدقه، يؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الصّدق برّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ العبد ليتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا، وإنّ الكذب فجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وإنّ العبد ليتحرّى الكذب حتّى يكتب كذّابا» «1» ، وغير ذلك كثير، من إخراج ماله صدقة لله- سبحانه وتعالى وثباته في بلاء كتاب ملك غسان، وكل ذلك زيادة له في حسناته، ورفع في درجاته، وما كان له ذلك إلا بسلوكه سبيل الصادقين، فمن منا يحتذي حذوه ويقتضي أثره؟!، وما زال الله غنيا حميدا شكورا، لكل عباده أصحاب رسول الله، وأفراد أمته إلى يوم القيامة، وعلى المسلم أن يتدبر أيهما أعظم لكعب، صدقه مع ما حدث له من بلاء، أم نجاته المؤقت بالكذب على رسول الله؟
5-
نأخذ من الحديث فقه الصحابي كعب بن مالك، وذلك أنه علم أنه لن ينجيه بين يدي رسول الله إلا الصدق، وأن الكذب لا ينفع ولا يغني من الحق شيئا، قال كعب:
(وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه) . وهذا السلوك يجب أن يتحلى به كل مسلم، ويجب أن يعلم كل أحد أن الصدق أنجى، وأن الله يعلم حال كل كاذب، ويقدر- سبحانه وتعالى أن يفضحه بين الخلائق في الدنيا قبل الآخرة.
6-
كما نأخذ منه أيضا قوة يقينه بعلم الله بأحوال العباد، وإحاطة سمعه لما يقولون، لقول كعب:(لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي) ، فلن يحدث أن يسخط الله رسوله على كعب، إلا إذا كان يعلم حاله، ويسمع كلامه، واطلع على سريرته فعلم كذبه في أقواله.
(1) مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، برقم (2607) .
وهذه الحالة من اليقين تتفاوت درجات الناس فيها، بتفاوت علمهم بعظيم شأن الله سبحانه وتعالى وإحاطة علمه بكل شيء، ويقوي ذلك عند المسلم كثرة قراءة القرآن بتدبر وتفكر، خاصة الآيات التي يذكر فيها أسماء الله وصفاته وقدرته على كل شيء، وإحاطته بكل شيء، مثل قوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ [المجادلة: 7] .
وقوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59]، كما يقوي ذلك: النظر في السيرة النبوية العطرة، ومعرفة أحوال النبي مع ربه، وأحوال الصحابة، مثل الحديث الذي معنا، ويجب على كل مسلم أن يراجع نفسه في مسألة اليقين ليعلم أين هو منها، فينظر مثلا في صدقه، وفي إخلاص نيته لله، وفي مراقبته لله- عز وجل إذا كان خاليا، فكلما تمكن اليقين من قلبه، كلما كان صادقا مع الله ومع نفسه ومع الناس، صدق في القول، وفي الوعد، ولا يخون العهد، يراعي الله- عز وجل في أهله وولده وعمله، وكلما ضعف اليقين زاد التفريط.
7-
نأخذ من الحديث أيضا يقينه باتصال النبي الدائم بالله- عز وجل وأن الوحي عنه لا ينقطع في كل الأمور كبيرها وصغيرها، وأن هذا الأمر قد رباهم على الصدق والخوف من الله- عز وجل وذلك من قول كعب:(ليوشكن الله أن يسخطك علي) ، ولن يكون السخط إلا بوحي وإعلام من الله لرسوله، ولشدة يقينة بذلك ما كذب على الرسول، بل صدقه القول، ونأخذ ذلك أيضا من قول كعب:(إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر) .
8-
إجلال كعب للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره، وأنهم كانوا يرون كل أهل الأرض من ملوك ووزراء وكبراء دونه، لقول كعب:(لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج منه بعذر) .
9-
نأخذ من الحديث يقينه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم شيئا من الغيب، وأن كل الذي نبأ به من أمور الغيب إنما هو بوحي من الله- عز وجل أي أنه لم يعلمه ابتداء من عند نفسه، ولا أن الله- عز وجل أطلعه على كل الغيب دفعة واحدة، فيستوي بذلك علمه مع علم الله- عز وجل وهذا أشنع وأعظم ما يمكن أن يقال أو يعتقد، وما زال القرآن يربي المسلمين على